الخميس، 7 سبتمبر 2023

تجاربنا مع العدو الصهيوني

تجاربنا مع العدو الصهيوني

     وإذا كان المرء حريصاً على الانتفاع من تجارب الواقع العملي التطبيقي، فإن النتيجة من وراء ذلك كله، تخدم الفكرة التي يحاول هذا الحديث الخروج بها.

     انظُرْ إلى تجارب الواقع تَجِدْ أن هذه الأمة ما تركت دينها إلّا شقيَتْ وضلَّتْ ودفعت ثمناً باهظاً لذلك، وما عادت إليه إلّا بدأتْ عهداً من الانتصار والغلبة والفوز. ودعك من تجارب الواقع في الماضي، وانظُرْ إلى تجارب الواقع المعاصر الآن.

     وسنحاول أن نركّز استخلاص العبر والدروس، من تجارب إحدى أخطر قضايانا المعاصرة، هي القضية الفلسطينية.

     لقد نشبت بيننا وبين عدونا اليهودي في فلسطين سلسلة من الحروب يحسن بنا أن نتأملها:

- في حرب عام 1948م هزمنا الكيانُ اليهودي علماً أنه كان ناشئاً متواضع الإمكانات، ويمكن أن تعد هذه الهزيمة، هزيمةً للأنظمة الرأسمالية والفكر الديمقراطي الغربي الذي كان سائداً في بلادنا يومذاك.

- وفي حرب عام 1956م كان النصر حليف اليهود كذلك، وهزيمتنا هذه يمكن أن تعد هزيمة للفكرة القومية الجاهلية التي سادت يومذاك.

- وفي حرب عام 1967م كان النصر حليف اليهود أيضاً، وهزيمتنا هذه، يمكن أن تعد هزيمة لليسار والشيوعية والاشتراكية، وأفكارها وأنظمتها.

- وفي عام 1973م فُزْنا بنصر جزئي على اليهود، لكنَّ هذا النصر الجزئي كاد يزلزلهم ويقتلعهم من جذورهم. وهذا النصر الجزئي الذي فزنا به إذ ذاك؛ يساوي بالضبط حجم عودتنا الجزئية إلى الدّين إبّانَ تلك الحرب.

     أحسب أن العبرة واضحة، لقد جرّبنا الرأسمالية والاشتراكية، والشيوعية والديمقراطية، واليمين واليسار، والقومية العصبية الجاهلية، فما حصدنا إلّا الشوك والهزيمة والعار خلال ثلاث حروب، ثم جرّبنا العودة المتواضعة إلى الدين ففزنا بنصر متواضع. وهكذا يبدو أن سرَّ سعادتنا وفوزنا يكمن في موقفنا من الدين.

     إنّه –كما دلّت تجربتنا المعاصرة الدامية– ما نأينا عنه إلّا خسرنا وهُنّا وتمزقنا، وما تمسّكنا به إلا ظفرنا وتوحدنا وعززنا.
*****

مسلم في فلسطين

مسلم في فلسطين

     مسلم مجاهد في فلسطين طوى صدره على عزم خطير نبيل، أقسم أن يقتل سارقي أرضنا وأرضه في فلسطين. جعل ذلك عهداً في عنقه لا فكاك له منه إلا بإنفاذه، أو يحظى بالشهادة. وأكد الصادقون المجاهدون ممن عاشوا معه أنه في جهاده عجب من العجب.

     كان لا يكلف أحداً أي مؤونة لا في غذاء ولا في سلاح، لا في حماية ولا في ستر. كانت عنده بندقية قناصة ذات ناظور مقرب، وكان يقترب مع الفجر زاحفاً زحفاً بطيئاً من خط المواجهة، وكان يبحث عن مكان مناسب يزرع فيه نفسه زرعاً حتى ليبدو كأنه جزء من الأرض التي هو فيها. ويظل كذلك، قلبه موصول بالله، وعيناه على البغاة المجرمين. حتى إذا ظهر له من أحدهم مقتل، سارع يصوب ويطلق النار، وإصابته قلما تخطئ.. فإذا وقع اليهودي قتيلاً عاد الرجل فانسحب من موقعه، ومضى يستريح، ويُعِد نفسه لصيد جديد في يوم جديد.

     وهكذا ظهر هذا المسلم يقوم بجهاده الكبير المبارك في صمت وإصرار، وثبات وعناد، ويضبط حسابه من عدد القتلى. ذلك أنه عزم على أن يقوم بالحج إلى بيت الله الحرام بعد الفراغ من مهمته التي كلف نفسه بها.

     وسألت من حدثوني بأمره العجيب عن العدد الذي كان قد وصل إليه!.. فقالوا: كان الرجل قد قتل ستين من مغتصبي أرضه حين تركناه، وهو هادئ صامت ينتظر اليوم الذي يصبح فيه مجموع من قتلهم مئة صهيوني غاصب.

     أيها المجاهد القادم من ديار بعيدة نائية تجاهد في الله بصدق وإخلاص!.. بارك الله في غدوك ورواحك، ورزقك الظفر بالذي أملت. أنت -والله- مثال المسلم المجاهد الصادق، وأنت مثال للفداء العظيم المؤمن، وأنت سوط نكال يلهب ظهورنا نحن القاعدين. لك أجمل تحية، ولك أكرم سلام.. ولك اليوم كرائم البشريات. فلا بد أنك تسمع اليوم بطولات المجاهدين، حفظك الله ورعاك، وأكرمك وسدد خطاك، وأكثر في المسلمين من أمثالك، فإنهم إن كثروا كان لنا الفوز المبين بإذن الله.

     وأنت أيها المسلم حيث أنت!.. فليكن لك في هذا الذي فعله هذا المجاهد أسوة وحافز، وامضِ في سبيل الله عز وجل تجاهد، ولا تجعل للقنوط والتردد سبيلاً عليك.

     وتذكروا أيها المجاهدون الأباة!.. أنكم أنتم القادرون -بإذن الله- على أن تحملوا اللواء من جديد، وتعيدوا الراية عالية خفاقة، وترفعوا المنار فوق الربى والآكام، إن فيكم جمرة الأمة المسلمة، وهي جمرة قادرة على الاشتعال كل حين، أبعدوا عنها الرماد، أزيحوا عنها التراب، دعوها للرياح لتهيج ما فيها من عزيمة، عندها سوف ترون البطولات، وتلمسون عجائب التضحيات، وتعودون أساتذة للدنيا، ولم لا!؟.. ومواقفكم أنبل المواقف، وأنتم خير الرجال..

     أيها المسلم المجاهد!..

أعِد من مشـــرق التوحيد نوراً     يتــــم به اتحــاد العــــــــالمينا
وأنت العطر في روض الليالي     فكيف تعيش محتسبـــاً دفينـــا
وأنت نســــيمه فاحمل شــــذاهُ     ولا تحـــمل غبــــار الخاملينـا
وأرسل شعــلة الإيمـان شمساً     وصُغْ من ذرّه جبــلاً حصيــنا
وكن في قمة الطوفــان موجـاً     ومزناً يمطر الغيــث الهتـــونا

     تذكر أن ديار الإسلام تعرضت من قبل لهجمات ضارية عنيفة من التتار والصليبيين، امتحاناً لشخصية المسلم وإيمانه، فما جبن ولا ارتاع، بل ثبت وجاهد حتى كان له الفوز المبين، وبقي الإسلام عالياً أبيّاً، بينما ذهب الغزاة المعتدون أدراج الرياح:

سألوني عن الغـزاة فجاوبت     رمالٌ تسفي ونحن الصخور
سألوني عن الغـزاة فجاوبت     ليـــالٍ تمضي ونحن الدهور
سألوني عن الغـزاة فجاوبت     ريــــاحٌ هبّت ونحن ثبيــــر

     أنت أبقى من الغزاة وإن ركبوا كل صعب، فلا تخف من عالي أصواتهم، فإنما هو دجل يخفون به حقيقة كذبهم وانهيارهم، وبداية العقوبة الربانية تحل بهم جزاءً وفاقاً لعتوّهم وفسادهم.

     إن حديقة الجهاد الإسلامية بحاجة إلى دمك الطهور لتنبت أطيب الثمار، ولتبسم أجمل الأزهار، ولتورق أنضر الأغصان، ليبدأ ربيع الحياة، وموكب الخصب والنماء. هيا للجهاد أيها المسلم تغسِلْك دماؤك، وتكفِّنْك ثيابك، وتصلِّ عليك الملائكة الأطهار.
*****

حربنا مع اليهود

حربنا مع اليهود

     جيش البغي والعدوان يسيطر على القدس، ليل الإثم والعار يغطي سماءها الطاهرة الصافية، عصابة الإجرام من يهود تحكمها وتعيث فيها فساداً وظلماً. هذه العصابة العاتية الباغية، من قتلة الأنبياء، وتجار الفجور، ومحترفي الربا، تلتقي في القدس لتحارب المسلمين، وتبطش بهم، وتهدم أقصاهم، ليبني مكانه هيكلها. تكره كل من يذكر الله في خشوع، ويقرأ القرآن في إخبات، ومن يمتلئ قلبه باليقين، ذلك أنها تعلم أن هؤلاء هم أشد خصومها، لذلك تكرههم، تحقد عليهم، تسعى لاستئصالهم والقضاء عليهم.

     لقد تعلمَتْ من وعيها للتاريخ الإسلامي أن المسلمين رجال ذوو جراءة وإقدام، وأنهم يعون حقيقة إيمانهم، ويستشعرون عظمة إسلامهم، يفعلون العجائب، يُقدِمون، يهجمون، يستبسلون، كالصقر يشتدون، كالأسد ينقضون، تسري في دمائهم أمجاد بدر واليرموك، حطين والزلَّاقة، القادسية وعين جالوت، فإذا بهم قوة تنضاف إلى قوة، وبأس ينضاف إلى بأس، وعزيمة تنضاف إلى عزيمة، وإذا بهم رجال لا كالرجال، يصوغون مواقف لا كالمواقف.

     يا مسلم اليوم، يا من يجاهد عدوان يهود!..

     تذكر أنك سليل الصيد الفاتحين، والغزاة المجاهدين، تذكر أنك تنتمي إلى خير أمة أخرجت للناس، وأكرم حضارة عرفها البشر.. إن حادي الإيمان يهيب بك أن أقدم.. إن نداء الجهاد يدوي في أذنيك أن هلمّ إلى جنة عرضها السماوات والأرض.. إن عطراً من أنفاس النبوة يضوع ويعبق، فاتصِلْ به يملَأْ قلبك بالسكينة واليقين، والقوة والثبات، والأمل الكبير بنصر الله القريب.

     إن الحنان في أذان بلال ما زال يتدفق ليرفع المسلم فوق الصغائر ليستشرف آفاق البطولة، وليكون موصول الأسباب بقوة الله تعالى التي لا تقهر.

     دع عنك القلق والجزع، دع عنك الهلع والخوف.. إن الآجال لا تطول ولا تقصر، وإن الموت خاتمة لحياة كل إنسان، شجاع أو جبان.

     تذكر -وأنت تجاهد يهود- أنك على حق، وعدوَّك على باطل، وأن شجرةَ الحق أثبت من شجرة الباطل، وجندَ الحق أقوى من جند الباطل. تذكر أنك من حملة القرآن، وأن ثوراتهم المزيفة لا يمكن أن تهزم قرآنك العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو تنزيل من حكيم حميد.

     إن الحضارة التي صاغها أسلافك العظام خير حضارة عرفها العالم على الإطلاق، وإن نظام الحياة الذي منحوه للبشرية أفضل وأعلى من أي نظام آخر، لقد عرفت الدنيا خلال عمرها المديد كثيراً من الحروب، لكنها لم تعرف حروباً كالتي قام بها المسلمون لأنها حروب ذات مبادئ نبيلة، وأهداف سامية، وغايات شريفة جليلة، تستهدف في نهايتها إسعاد الإنسان بإخراجه من منهج الشيطان إلى منهج القرآن.

     أيها المسلم المجاهد!..

     إنك تقاتل قتال من هو جدير بالانتماء إلى الإسلام الذي سيكون له بإذن الله العز والتمكين، والنصر والفوز المبين، وسيكون لك القبول في الناس، والرضا عند ربك ورب الناس. إنك حين تفعل ذلك ستكون غايتك بعيدة كريمة، تحرر الأرض من يهود، تحكم بشرع الله، تعلي كلمة القرآن، تنطلق في الدنيا كلها حاملاً دعوة الحق ونداء الإيمان.

     أيها المسلم!.. أظهر حقيقتك للأقوام والشعوب، فمحافل الكون في حاجة إليك، ترنو إلى حرارة أنفاسك، وصدق دعوتك، ومضاء عزيمتك. خلافة الأرض لك فكن بها جديراً خليقاً، وانهض لتثبت وجودك، ويتمَّ بك نور التوحيد. أنت العطر وإن حبستك عن العالم الحواجز، فقم واحمل الأمانة في عنقك، وانشر أريجك الطيب حتى تعطر أفناء الحياة التي امتلأت بالكريهة من روائح يهود.

     لا تكن مثل الأمواج حبيسة بين البحر والشاطئ، ولكن كن جدولاً دفاقاً بالعطاء والمكرمات، وأنر الدهر بنور وجهك النبيل.

     لولا البحر ما كانت اللآلئ، ولولا الأنهار ما كانت المزارع، ولولا النحل ما كان العسل، ولولا البستان ما غنت العنادل والبلابل على الأغصان، ولولا الإسلام ما كان نور ولا عدل ولا إيمان، فكُنْ مسلماً حقاً يكُنْ لك النصر والفخار والخلود.
*****

اليهود والإفساد في الأرض

اليهود والإفساد في الأرض

     ثمة أمر على درجة كبيرة من الأهمية؛ ينبغي أن يظل في ساحة وعينا واهتمامنا، وألا يغيب عن أنظارنا، خلال دراستنا للأجيال الرافضة المتمردة، نظراً لقوته وخطورته، وكثرة الشواهد التي تؤيّده وتدعمه، وهو أن هناك أيادي خفيّة أحياناً، ظاهرة حيناً، تشجّع هذه الأجيال على المزيد من التمرد والعنف، والرفض والخروج، وتدفع مسيرتهم في طرق الفساد، وتقودهم باستمرار إلى مستنقع عفن من الشرور، وتسارع إلى سد أي ثغرة خيّرة يمكن أن ينفذ منها شعاع من النور والهداية إلى هذه الأجيال البائسة المرهقة، المحزونة المكدودة، الحائرة التائهة، المتحولة من تيه إلى آخر، ومن ضلال إلى ضلال.

     هذه الأيادي الآثمة هي اليهود، اليهود مفسدو العالم وجلّادوه، ومثيرو الفتن والمشكلات فيه -كما يقول أحدهم الدكتور أوسكار ليفي-، وإذا كان قَصْر الفساد والإفساد في العالم على اليهود وحدهم خطأً كبيراً، فإنه خطأ كبيرٌ آخر أن تُبَرَّأَ ساحتهم من قيادة الفساد في العالم، والترويج له، وتحسين ممارسته، والريادة فيه، وابتكار صنوف منه ذات إغراء كبير.

     إن اليهودية العالمية تسعى بكل سبلها لتدمير المجتمعات البشرية جميعها، دينياً، وأخلاقياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، بوسائل شتى، كإشاعة الفاحشة، وتقوية النزعة الفردية، وتغليب الجانب المادي النفعي، والقضاء على الأديان، وتمزيق الروابط العصبية، والقضاء على الولاء للوطن أو العشيرة، وتدمير الروابط العائلية في الأسرة الواحدة، وامتصاص خيرات العالم بالاحتكار والربا، ودفع الناس في دوّامة لا تنتهي من المُسْكِرات والمُخَدِّرات، والسُّعار الجنسي، والقلق والضياع، ومتاهات الإحساس بالغربة والوحشة، والسأم والقرف، والحيرة والشجى، وإفقاد الناس أية موازين يحتكمون إليها، ويقيسون الأمور عليها، وإضاعة الفوارق ما بين حق وباطل، وخير وشر، ومحمود ومذموم، ومعروف ومنكر، وغير ذلك.

     إن اليهودية العالمية تلجأ إلى هذه الوسائل وأمثالها لتدمير العالم، لأنها تأمل أن تكون ذات يوم، المجموعةَ الوحيدة، المترابطة المتماسكة، التي تعرف لها هدفاً محدداً بالضبط، وتعرف أساليب الوصول إليه، في عالم تائه، ضائع حائر، مضطرب مفكك، لتسود فيه وتحكمه، وتسيّره حسب أهوائها، ويومها تحقق هدفها في أن ترى غير اليهود، ممن تطلق عليهم "لفظ (غُوييم) جَمْع، مُفْرده (غُوي)، استعمل أصلاً في اللغات الساميَّة –ومنها العبرية– للدِّلالة على الحيوانات المتجمّعة في قطيع، أو الطيور والحشرات والهوامّ التي تتحرك في أسراب. ثم انتقل للدِّلالة على الكثير المختلط من الناس، ثم إلى سَفِلتهم وأشرارهم. ومن هنا خصّصتها العنصرية اليهودية منذ القدم للدِّلالة على جميع الناس من غير اليهود، ثم توسَّع أحبار اليهود في مدلول "الغوييم"، فأضافوا إلى الكلمة معنى القذارة المادية والروحية والكفر، فأصبحت كلمة (غُوي) عندهم سُبَّة"[1]، فهم ينظرون إلى غيرهم نظرتهم إلى البهائم وقد صاروا في مكانهم الذي خلقوا له، وهو على زعمهم مجرد خدمة اليهود فحسب وذلك كما في بروتوكولاتهم وتلمودهم.

     ولَمّا كان الشبان أكثر الناس تقبّلاً للجديد، ولَمّا كانوا أكثرهم وقوعاً في شَرَكِ الشرور ومهاوي الآثام، نظراً لقلة خبرتهم، وعنف أهوائهم، وزهادة المحصول الفكري عندهم، كان تركيز اليهود عليهم شديداً لأن عجلة القيادة في المجتمعات ستؤول إليهم ذات يوم. وقد أدّى هذا التركيز إلى استفحال جيل الرفض العشوائي المدمر، كظاهرة من أخطر ظواهر عصرنا اليوم.

     وإذا كان ينبغي ألا يغيب عنا قط؛ أن أحد أسباب استفحال ظاهرة هذا الجيل المتمرد الرافض، يرجع إلى أشواق الفطرة الحبيسة، فينبغي ألا يغيب عنا كذلك أن اليهود ونشاطهم المدمر سبب آخر، بل هو أخطر الأسباب وأولها وأفتكها، وما من ريبٍ أن هناك أسباباً أخرى، كثيرة منوعة، ذلك أن الظواهر الخطيرة، والحضارية منها بشكل خاص، يصعب تعليلها من خلال اللجوء إلى سبب وحيد، لكن النشاط اليهودي التدميري يبقى أهم هذه الأسباب جميعاً.

     ويستطيع دارس البروتوكولات اليهودية، وقد طبعت باللغة العربية بعد أن ترجمت إليها، كما ترجمت وطبعت بشتى اللغات العالمية؛ أن يجد فيها خطة متكاملة، تتناول شتى النواحي السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والدينية، والأخلاقية والثقافية، وغير ذلك من النواحي، وكيفية إفساد المجتمعات الأخرى من خلال التسلل إلى هذه النواحي ومراكز التأثير فيها، ومن خلال إحداث الفتن والاضطرابات في العالم، ومن خلال وسائل شتى مماثلة لذلك.

     هذه الخطة المتكاملة، ذات الأهداف المحددة، وذات الوسائل الدقيقة المحددة للوصول إلى تلك الأهداف، هي المنهج الأساسي لليهود في عصرنا اليوم للسيطرة على العالم، وحكمه حكماً تاماً.

     وإذا كان عدد من الناس يشك في صحة البروتوكولات، وإذا كان اليهود يكذّبون نسبتها إليهم، فإن أكبر رد عليهم هو أن الأصول التي قامت عليها هذه البروتوكولات لا تزيد شيئاً عمّا جاء في التلمود، إضافةً إلى أن تاريخ اليهود وأخلاقهم ومواقفهم وأعمالهم القديمة والمعاصرة، هي بشكل أو بآخر تطبيق عملي لما جاء في خطة البروتوكولات المشهورة.

*****

--------------
[1] https://islamsyria.com/site/show_articles/442
موقع رابطة علماء سورية، محمد علي دولة، اليهود والغوييم.

ميثاق التعايش

ميثاق التعايش

     لما هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة المنورة وفيها من اليهود ثلاث قبائل، كان من أول ما عمله من شؤون الدولة أن أقام بينه وبينهم ميثاقاً تحترم فيه عقائدهم، وتلتزم فيه الدولة بدفع الأذى، ويكونون مع المسلمين يداً واحدة على من يقصد المدينة بسوء. وبهذا بذر رسول الله ﷺ البذور الأولى للتسامح الديني في الحضارة الإسلامية، ووضع لهذا التسامح قوانين تنفيذية عملية ذات شكل تطبيقي واقعي.

     هذا على مستوى الدولة والتنظيم، أما على مستوى الصلة الطيبة بالأفراد والجماعات غير المسلمة من حيث العلاقات الاجتماعية كالهدية والزيارة، والجيرة والضيافة؛ فقد كان الأمر هو أيضاً على جانب عظيم من التسامح والبر، والدماثة وحسن المعشر. لقد كان لرسول الله ﷺ جيران من أهل الكتاب فكان يتعاهدهم ببره، ويهديهم الهدايا، ويقبل منهم هداياهم.

     ولما جاء وفد نصارى الحبشة أنزلهم رسول الله ﷺ في المسجد، وقام بنفسه على خدمتهم وضيافتهم، كرماً وجوداً وحسن خلق من ناحية، ووفاءً وردّاً للجميل من ناحية أخرى؛ لأن نجاشي الحبشة كان قد أحسن استقبال المسلمين، وأكرمهم يوم هاجروا إلى بلده فراراً مما كانت تلحقه بهم قريش من صنوف التعذيب والأذى، وكان مما قال رسول الله ﷺ وهو يكرم الوفد الحبشي النصراني: (إنهم كانوا لأصحابنا مكرِمين، فأحب أن أكرمهم بنفسي).

     وجاءه مرة وفد نصارى نجران فأنزلهم في المسجد، وسمح لهم بإقامة صلاتهم فيه، ولمّا أرادوا أن يناقشوا الرسول الكريم ﷺ في الدفاع عن دينهم استمع إليهم وجادلهم، كل ذلك برفق وأدب، وسماحة وخلق، وسعة صدر. ومعروف أنه عليه الصلاة والسلام قبِل من المقوقس حاكم مصر القبطي النصراني هديته، ومن الهدية جارية تسرّى بها وولدت له ابنه إبراهيم الذي لم يعش إلا وقتاً قصيراً. ومن وصاياه للمسلمين: ((استوصوا بالقبط خيراً، فإن لكم فيهم نسباً وصهراً))، ومعروف أن هاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأم ولده إسماعيل كانت من مصر.

     وعلى هدي الرسول الكريم ﷺ في تسامحه الديني، ذي النزعة الإنسانية الرفيعة سار خلفاؤه من بعده، فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين يدخل بيت المقدس فاتحاً يجيب سكانها المسيحيين إلى ما اشترطوه من أن لا يساكنهم فيها يهودي. وقد أبى أن يصلي في كنيسة القدس (القيامة) حين أدركته صلاة العصر كيلا يتخذ المسلمون بعده من هذه الصلاة ذريعة للمطالبة بهذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد.

     إنها ذروة سامقة جداً ما عرفنا حضارة أخرى ارتفعت إليها، الخليفة المنتصر يأبى الصلاة في كنيسة قوم مغلوبين ليقطع الطريق بذلك على محاولةٍ قد يقوم بها من بعدُ مسلم متعصب ضيق الأفق فيقول: ها هنا صلى عمر!.. وينبغي أن يكون مكان صلاته مسجداً لا كنيسة.

     ويروى أن امرأة مسيحية من مصر شكت إلى عمر بن الخطاب أن والي مصر عمرو بن العاص أدخل دارها في المسجد كرهاً عنها، فسأل عَمْراً عن ذلك فأخبره عمرو أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم وفي جواره دار هذه المرأة، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها، وبالغ في الثمن، فما رضيت، فاضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت.

     ومع أن تصرف عمرو عادي ومعقول، بل وكريمٌ كذلك، إذ عرض عليها الثمن وزاد فيه، وحين أبت تركه لها وديعة في بيت المال، ومع أنه عمل تبيحه القوانين الحاضرة فلا لوم على عمرو فيه ولا تثريب، إلّا أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يرضَ ذلك كله، وأمر عَمْراً أن يهدم البناء الجديد من المسجد، ويعيد إلى المرأة المسيحية المصرية دارها كما كانت.

     إنها الروح الإسلامية العميقة التي تأصلت فينا نحن -المسلمين- على جميع الأصعدة من الفرد إلى الحضارة، مروراً بكل المؤسسات والأنظمة والقوانين، هي التي تقف وراء هذه الشوامخ الرائعة من كرام المواقف الإنسانية النبيلة، شاهد صدق على عظمة الإسلام كدين، وسمو المسلمين كأمة، وتألق مسيرتهم عبر التاريخ حضارة هدي ونور، وتعاون وبِر، وعدل ومساواة، وكرامة ورشد.
*****

الأحد، 27 أغسطس 2023

كتاب سبيل النور - المقدمة والمحتويات

كتاب سبيل النور

المقـــدمة

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين، ثم أما بعد:

     فإن الهداية غاية مطلب الإسنان في هذه الحياة، وهي طريق النجاة، وهذه من حكمة أن نردد في كل ركعة من صلواتنا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، والله سبحانه وتعالى يهدي لنوره وصراطه المستقيم أولئك الذين صدقوا في طلب الهداية، وأخلصوا النية في طلب الحق. وفي الوقت نفسه يحرم من الهداية المستكبرون الجاحدون، مهما قدمت لهم من براهين وأدلة عقلية منطقية، أو من آيات بصرية مرئية.

     وكم قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآفاق البعيدة أناس لم يعاشروه من قبل، ولم يعيشوا معه، ولكن قلوبهم كانت مستعدة لقبول الحق والاهتداء به، وبالمقابل كفر به أناس هم اقرب الناس إليه، ويعرفونه صدقه وأمانته حق المعرفة.

     ولقد وصف الله سبحانه أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم يعرفونه من أوصافه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، ومع هذا فقد كفر أكثر أهل الكتاب في زمانه صلى الله عليه وسلم به.

     إنَّ موكب الإيمان والنور يسير من دون توقف، وينضم إليه في كل عصر ومصر أناس صدقوا النية في الطلب، ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج:24]، اهتدوا بآيات الله سبحانه في الأنفس وفي الآفاق التي وعد الله سبحانه أن يريها الناس لتقوم الحجة عليهم إلى يوم القيامة، فلم تتوقف الدعوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينطفئ نور الله سبحانه، فكان كما قال في كتابه العزيز: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاس ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8]، وهذا من أكبر الدلائل على صدق هذا الدين، وصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     وفي هذه المقالات اختار د.حيدر الغدير نماذج من هؤلاء الباحثين عن نور الله، والمهتدين إلى الصراط المستقيم، ملقيا الضوء على أسباب الهداية، وعوائق الطريق، وصعوبات الثبات من حياة هؤلاء المحظوظين المكرمين، لتكون فيها عبرة وحجة لغيرهم ممن قبل نور الإسلام أو لم يقبله، وممن دعا إلى الله أو لم يدع، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

     وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

شمس الدين درمش

-------------

المحتـويــــات
(روابط تنقلك للمقالات)

- المقدمة ............................................................. 6

-------------

الخميس، 24 أغسطس 2023

كتاب: رجال ونساء أسلموا

كتاب: رجال ونساء أسلموا

     يُعدُّ الكتاب الذي أخرجه الأستاذ عرفات كامل العشي تحت عنوان "رجال ونساء أسلموا" من الكتب الجادة الهادفة ومن أحسنها في موضوعه. ويطيب لك في الكتاب المذكور أن ترى المؤلف محتفلاً بموضوعه، مهتماً بمادّته، صابراً على المراسلة والمحادثة والمتابعة، وبذلك تهيّأَ له إخراج كتاب جيد، جميل العرض بالرغم من دسامة مادته.

     وفي هذا الكتاب فرصة واسعة للنظر الجاد، والتأمل الذكي، لمن يهمه أن ينتشر الإسلام بين العالمين. إنك تجد فيه هواجس الحيرة ووساوس الشك، وهمزات الشياطين، كما أنك تجد الاعتراض على عقائد باطلة موروثة، وحرقة البحث عن الهداية، كما تجد أيضاً لذة الاطمئنان، وبرد اليقين، وسكينة القلب والعقل والجوارح؛ لدى مَن فازوا بنور الهداية، وألقوا قيادهم للإسلام واثقين.

     وقد كان هؤلاء المهتدون في فترة جاهليتهم، وقبل أن تشرق عليهم شمس الهداية أنواعاً وعناصر شتى. فيهم مَنْ كان مسيحياً، ومَنْ كان يهودياً، ومَنْ كان هندوكياً، وفيهم مَنْ مال إلى الإلحاد فاعتنق الشيوعية أو الوجودية، وفيهم من كاد الفساد الأخلاقي يقضي على شبابه وقوّته ويرمي جسده بالهزال والداء العياء. وفيهم الرجل والمرأة، والشيخ والشاب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، وفيهم العالم والأديب، والقصّاص والصحفي، والتاجر والبحّار، فيهم عيّنات من مختلف النماذج البشرية.

     وظلّ هؤلاء في حالك الظلام حتى أبصروا قبساً من نور الإسلام، فكان هذا النور طوق النجاة للغريق، والمرفأ الأمين ترسو فيه السفن بعد أن كابدت العناء الكثير من الأعاصير في بحر لجّي عاصف يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب.

     وفي أقوال المهتدين ما يوجه دعاة الإسلام إلى ما يجنون به أطيب الثمار بأقل الجهد. ولقد كان الإسلام بيسره وسماحته عامل جذب قوي لهم إذ وازنوا بين الضر والنفع، والخير والشر، فرجحت لديهم الكفّة الأفضل، وأجابوا داعي الله تعالى عن اقتناع تام، ثم هبّوا يعلنون على الملأ حقيقة ما اهتدوا إليه من دين سمح كريم يقود خطى المرء إلى سعادة الدنيا والآخرة على السواء.
*****

قبسات من المهتدين

قبسات من المهتدين

     لقد كان جنون الحضارة المادية في الغرب، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات شديدة الإزعاج والأذى والخطورة، وذلك في عصرنا الحاضر، داعياً جهير الصوت للفرار من مجتمعها الغاشم وحياتها القاسية، والبحث عن موئل للسلام والسكينة والأمان، وقد أدى هذا الفرار وما تلاه من بحث إلى التعبير عن نفسه بأشكال شتى، وبحثَ الفارّون كلٌّ حَسْبَ مزاجه وثقافته وخبراته وتطلعاته، وحسب المقادير التي كانت أمامه، عن موئل للسلام والطمأنينة يختلف عما يَنشده رفاقه الآخرون، ففازت قلّةٌ وأخفق الكثيرون.

     أما الكثيرون الذين أخفقوا فقد غرقوا في متاهات جديدة كالشيوعية والإلحاد، والهيبيّة والمخدرات، واليوغا والوثنية الهندية، والإغراق في المفاسد والمباذل، وما إلى ذلك من أشكال الضياع الجديدة.

     وأما القلة التي فازت فقد انتهت إلى الإسلام فآمنَت به ونَجَتْ مما كانت تعاني، وفازت بما كانت تؤمّل. هذه القلة المهتدية بحثتْ عن دين صحيح إيجابي عملي، مثالي واقعي، يهدي إلى الحياة الفاضلة بعيداً عن سُعار التشاحن وجنون التنافس، ومصادمات الأثرة والاحتكار والقسوة والتكاثر.

     والبحث عن هذا الدين الذي يملك هذه المواصفات المحددة عند ذلك النفر الذي فاز بالهداية حقيقة تواطأ على إظهارها كثير من الفارّين من مجتمعهم الضائع المنحدر إلى الإسلام الخالد. وأقوالهم في ذلك جلية بيّنة واضحة تُظهر ضيقهم واشمئزازهم من العيش في مجتمعهم الأول الذي تحوّل إلى غابة تضج بالزئير، وتسيل فيها الدماء، ويصبح الضعيف فيها قوتاً للقوي، وتغيب فيها المُثُل والأخلاقيات وما يتصل بها.
***

× قالت عائشة "برجت هوني" الفتاة الإنكليزية المهتدية للإسلام: يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص النفس والروح، فكل مَنْ يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق وراء بريق التقدم والإبداع المادي، فالناس في الغرب يبحثون عن مُخَلِّصٍ من العقبات التي تحيق بهم، ولكنهم لا يرون منها مخرجاً، فبحثهم عقيم، وليس أمامهم إلا أن يواصلوا سيرهم نحو جحيم الفناء والكارثة.

     وفي الإسلام نجد أنّ الانسجام اللطيف بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح، يمكن أن يمارس تأثيراً قوياً في أيامنا هذه، وبوسعه أن يبيِّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي للفلاح والخلاص الحقيقيين.
***

     ولا شك أنّ ما قالته المهتدية الإنكليزية "عائشة برجت هوني" هو حقيقة مقررة ثابتة، وأنّ هذه الحقيقة قد باتت من الوضوح والذيوع بحيث لا تحتمل كثيراً من الجدال، وإذا كانت عائشة قد أصابت كبد الحقيقة في وصفها لحضارة قومها، فإنها كذلك أصابت كبد الحقيقة مرةً أخرى حين قررت أنّ الإسلام إذ يلبّي حاجات الروح والجسد معاً بانسجام جميل هو السبيل المنقذ والطريق الوحيد الذي يؤدي للخلاص.
***

× ويقول الأخ يعقوب باريموند وهو مهتدٍ آخر: ومما زاد في إقصائي عن النصرانية ما لاحظته من أنّ أساليب الحياة المادية البحتة التي انتشرت في أوروبا وأمريكا الشمالية في الأوقات الحاضرة، قد أدّت إلى تحطيم أبسط القيم الإنسانية تحطيماً كاملاً، إذ ينحصر اهتمام الناس في الأقطار الأوروبية والأمريكية في تحقيق هدف واحد في الحياة وهو تأمين المزيد من وسائل الراحة المادية بصرف النظر عن العزاء النفسي والروحي، فترى كل واحد منهم يلهث وراء ملذاته الشخصية، كما ينعدم الإحساس بالأخوّة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
***

× أما الأخ ركس إنجرام المهتدي الإنكليزي فيقول: إنني لم أغيّر ديني إلا كي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، ولأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء والتأمل، بعيداً عن متاعب الهموم والمحن التي يسبّبها التكالب على الكسب والتهالك على المال، ولأخلص نفسي من براثن الإغراء وخدع الحياة الباطلة والشراب والمخدرات وجنون فرقة الجاز، أسلمتُ لأنقذ ذهني وعقلي وحياتي من الهدم والتدمير.
***

× وفي الاتجاه نفسه، الهارب من قسوة الحياة المادية وعنفها وضجيجها إلى حيث الأمن النفسي والسكينة والسلام مما يوفّره الإسلام لأبنائه نرى المهتدي الهندي بشير أحمد باتيل يتجه ويمضي.

     يقول باتيل: أحسستُ في أعماق نفسي بالشقاء الكامل، كأن روحي كانت تصرخ لحرمانها، وجاء الوقت الذي لم يستطع فيه عقلي المتعثر أن يقنع قلبي الذي كان في لهفة شديدة إلى مبدأ حق يؤمن به، فقد عجزت الحياة المادية والخلقية والفكرية عن تحقيق السلام النفسي، وكانت روحي متعطشةً لمبدأ روحي يحقق لها ما تصبو إليه من سلام.
***

× ويقول عمر لي (ريتشارد لي سابقاً): حصلتُ على كتاب "مقدمة إلى الإسلام"، كان هدفي من قراءته انتقاد الإسلام، وإيجاد الثغرات، وإيجاد التناقض في الأفكار، ولم أكن أجد شيئاً يمكن انتقاده. وفي يوم من الأيام وجدتُ نفسي عند باب المركز الإسلامي في واشنطن أطلبُ موعداً لإشهار إسلامي.

× ويقول: سير جيمس جينز الفلكي الإنكليزي الشهير: لقد بدأ الكون يلوح أكثر شبهاً بفكر عظيم منه بآلة عظيمة.

× ويقول الكاتب الفرنسي المهتدي فانسان مونتيه: يتحدث الأوروبيون دوماً بادّعاء عما حملوا إلى العرب من منجزات حضارية كالمدرسة وطرق المواصلات والهاتف وسواها ويَنْسَوْنَ الدَيْنَ الذي يدينون به للعرب.

     يَنْسَوْنَ أنّ العلم مدين للعرب الذين استوعبوا علوم الإغريق وبقية دول العالم، وحفظوها في تراثهم، ولولا الجهد الواسع في الترجمة، في القاهرة وبغداد وطليطلة وبالرمو لما عرفت أوروبا طريق النور. العرب هم الذين قدّموا إلى الفكر العلمي دوراً عملياً وتقنياً وانفتاحاً دولياً.
***

     وبعد .. فهذه شهادات لعدد من المهتدين تكشف عمّا في مجتمعاتهم الأولى من ضلال وحيرة، وقسوة وضياع، وتكشف عن المقدار الهائل الذي يحققه الإسلام لأبنائه من سلام الروح والعقل، وراحة النفس والأعصاب، والأمن السابغ والسكينة الراضية.
*****

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

     حيّا الله الإخوة العاملين للإسلام في أي مكان كانوا، حيّاهم الله وجزاهم خيراً. إنهم بذلك يثبتون صدق ولائهم للإسلام، وجدّية انتمائهم إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وشرف انتسابهم إلى خير أمة أخرجت للناس. تحية لهم من الأعماق على ما يفعلون، ووفّقهم الله عز وجل فيما هم فيه ينشطون.

     وإذا كان كل داعية أهلاً لهذا الدعاء وتلكم التحية، فإن الداعية الذي يعمل في ظروف أشق له دعاء مضاعف، وتحية مكررة، ومن هؤلاء الإخوة العاملون في ميونخ وآخن في ألمانيا.

     ويضطلع المركز الإسلامي في ميونخ بأعمال كثيرة وهامة للمسلمين، فتقام الصلوات الخمس في مكانها من المركز، وهناك عناية يبذلها المركز لتدريس القرآن الكريم وتعليم الصلاة وتعليم اللغة العربية لأكثر من مئة من أبناء المسلمين من البنين والبنات، وينظّم المركز ندوات ومحاضرات بثلاث لغات: العربية والألمانية والتركية. ويعرض أفلاماً سينمائية إسلامية حتى تزداد صلة المسلمين بدينهم، ويتيح الفرصة لمن يريدون التعرف على الإسلام، ممن أسلم أو لم يسلم، أن يحصلوا على ذلك.

     ولقد ساهم ذلك في اعتناق كثير من الألمان الإسلام بعد أن وجدوا فيه العنصر الأساسي الذي تفتقده الحياة الأوروبية، وذلك حين تتوازن النفس بالروحانيات ويتوازن المجتمع بشريعة الإسلام العادلة، فحياة الأفراد تتكامل وتخلو من الصراع النفسي، وحياة المجتمع تتكامل وتخلو من الأحقاد والعُقَد والانقسامات.

     وبين الحين والآخر يعتنق الإسلام عن وعي وإحاطة ودراسة أحد الألمان، وكان آخر هؤلاء المعتنقين آنسة في ريعان الشباب عمرها (21) عاماً؛ اعتنقت هذه الفتاة الإسلام، والتزمت التزاماً كاملاً بكل ما جاء به، فصامت شهر رمضان سعيدةً فرحة، وتحجّبت حجاباً إسلامياً كاملاً كان صدىً لما آمنت به، وتحدياً للعري والتبرج.

     وكان لزاماً على العاملين في المركز الإسلامي في ميونخ أن يقوموا بفتح روضة لأطفال المسلمين لحمايتهم من خطر التنصير، وأكل لحم الخنزير، وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم، ذلك أنّ رياض الأطفال الألمانية تذهب بهم مرتين في الأسبوع إلى الكنيسة. وقد تم بفضل الله افتتاح روضة الأطفال، ويشرف عليها ثلاث من السيدات المسلمات.

     ويُصدِر المركز مجلة "أنت والإسلام" لأبناء المسلمين الذين هم فوق العاشرة، تحبِّبُ إليهم الإيمان، وتُكَرِّهُ إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويُصدِر كذلك مجلة أخرى تحمل اسم "الإسلام" باللغتين التركية والألمانية، ويُصدِر أيضاً بعض النشرات الدورية.

     وهناك وفود من المركز تذهب للاتصال بالوافدين إلى معاهد جوته لتعليم اللغة الألمانية تمهيداً لالتحاقهم بالجامعات الألمانية. ويوثّق المركز صلته بهؤلاء الوافدين، ويقدّم لهم الخدمات التي يحتاجون إليها، ويبذل جهده لحمايتهم من الذوبان في المجتمع الغربي، ولبقائهم عناصر إسلامية صالحة.

     ويقوم المركز بتدريس أبناء المسلمين الذين يدرسون في المدارس الألمانية مادة الدين الإسلامي لأنّ تلك المدارس لا تعلّمهم ذلك، ويقيم معسكرات ومخيمات لربط أفراد الجالية الإسلامية بدينهم وبعضهم ببعض، وتقوية أواصر الإخاء والمحبة فيما بينهم.

     ويستقبل المركز شهرياً وفود الطلبة الألمان من المدارس الألمانية الذي يأتون إليه زائرين ويردّ على استفساراتهم، ويشرح لهم مبادئ الإسلام.

     وفي المركز جناح خاص لاستقبال واستضافة الوافدين من الطلبة والزائرين، ومن خدمات المركز للمسلمين أنه يقوم بإجراء عقود الزواج على مقتضى الشريعة الإسلامية، ومؤخراً اشترى المركز مقبرة لدفن موتى المسلمين.

     ويقوم المركز الإسلامي في آخن (مسجد بلال) بنشاطات حميدة في الدعوة إلى الله عز وجل، ويصدر مجلة شهرية باللغة العربية اسمها "الرائد"، ويعمل الآن على إنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وسكن للطلاب الوافدين، وله نشاط حميد في أوساط الطلبة.

     ومن الأخبار الشائقة التي تدل على وجود الفرص أمام انتشار الإسلام أنّ رسالةً وصلت إلى مركز ميونخ من أحد السجون الألمانية، وقد وقّع عليها عشرون سجيناً ألمانياً يريدون اعتناق الإسلام، وطُرِحَ موضوعهم للدراسة بين العاملين في المركز.

     ويمكن القول: إنّ الشعب الألماني موضوعي إلى حد ما، وهو يتقبل المناقشة، وكثير من أبنائه يهتمون بالبحث الجاد، ومنهم من قرأ عن الإسلام وآمن به من مجرد القراءة فقط.

     إنّ المناخ في ألمانيا للدعوة الإسلامية مناخ مناسب، فالألماني الذي يُسلم يساعد كثيراً في حقل الدعوة الإسلامية، والقوانين الألمانية لا تقف حجرة عثرة في طريقه.

     وهناك محاولة يقوم بها الآن مركزا ميونخ وآخن للاعتراف رسمياً بالدين الإسلامي في ألمانيا على غرار ما جرى في بلجيكا لأنّ لهذا الاعتراف فوائد كثيرة.

     ولا شك أنّ نشاط مركزَيْ آخن وميونخ قد تمكن من إعادة عدد كبير من المسلمين الذين جرفتهم الحياة الأوروبية إلى حظيرة الإسلام، ووفّرت للمسلمين الذين تزوجوا من ألمانيات المكان الصالح لتربية أبنائهم تربية إسلامية جيدة، وتعليمهم اللغة العربية.

     ولقد أدى النشاط المتزايد للمراكز الإسلامية في أوروبا إلى تعاون المسلمين وتعارفهم وظهور شخصيتهم المؤثرة الإيجابية أمام المجتمع الأوروبي، مما جعل أعداداً متزايدة من الأوروبيين تنظر إلى المسلمين نظرة احترام وتقدير.

     وحقيقةً.. إنّ الجهود التي يبذلها الإخوة العاملون في المركز الإسلامي بميونخ، تعبّر عن طبيعة الإسلام في قدرته على الامتداد والانتشار، وعن تصوّره في أنّ الله عز وجل قد جعل الأرض كلها مسجداً وطهوراً، فأيّما مسلم أدركته الصلاة في أيّ مكان فليصلّ، وأيّما مسلم رحل إلى أرض يستطيع أن يبلغ دعوة الله تثبيتاً للمسلمين على إسلامهم وهدياً للذين يشرح الله صدورهم للإسلام فعليه أن يفعل ذلك دون إبطاء.

     وفي دوامة الصراع الفكري والعقائدي التي تلفُّ عالمَنا المعاصر، لا تصلح إلا الجهود الإيجابية في الزحف والامتداد والانتشار ومواصلة الصعود في خط بياني يسجّل كل يوم كسباً جديداً للإسلام. أما النُّواح والبكاء فليس وراءه سوى مشاعر التثبيط واليأس.

     والحق أنّ المركز الإسلامي في ميونخ بادرة إيجابية للدعوة إلى الله عز وجل، تعبّر عن مرحلة جديدة صحّية يضع العمل الإسلامي أقدامه على أبوابها.

     ومن الواضح أنه لو كان لدى المركز إمكانيات أكبر وأوفر لكان نشاطه أثرى وأوسع، والمال مقوّم أساسي في انتشار الدعوات، وفي القرآن الكريم نرى الجهاد بالنفس والجهاد بالمال قد اقترنا كثيراً.

     فندعو أغنياء هذه الأمة إلى البذل السخيّ الواسع، فالله تعالى الذي يرزق مَنْ يشاء بغير حساب، ينبغي أن يُشْكَر من خلال أموال تُنفَقُ في سبيله بدون حساب، ندعو الأغنياء إلى نصرة الإسلام بأموالهم بعد أن فاتتهم نصرته بأنفسهم.

     إنّ المؤسسات المالية الكنسية الضخمة روافدها من تبرعات أغنياء النصارى، وإنّ الفاتيكان اليوم هو واحد من عشر دول استثمارية كبرى في العالم، وإنّ هذه الأموال الهائلة اجتمع معظمها لديه من تبرعات أغنياء الكاثوليك، ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية أنشئ معها صندوق مالي من تبرعات اليهود، وكان لهذا الصندوق وزنه في نجاحات الحركة الصهيونية.

     إن على القادرين من المسلمين أن يقدموا لأنفسهم الخير، ويدّخروا الثواب، ويسارعوا إلى معاونة المراكز الإسلامية في العالم ليتضاعف نشاطها في خدمة الإسلام والمسلمين.
*****

كريستين برنارد ولسون والإسلام

كريستين برنارد ولسون والإسلام

     كان اسمها كريستين برنارد ولسون، وكانت مسيحية كاثوليكية، ثم شرح الله صدرها للإسلام فدخلت فيه مقتنعةً أنه الدين الحق. تقول هذه المهتدية التي اختارت لنفسها اسم هنادي بدر الدين:

     سمعتُ عن الإسلام لأول مرة وأنا طفلة صغيرة أدرس في أول مراحل التعليم، وقد لفت نظري صورة لإحدى السيدات المسلمات المتحجّبات فسألتُ مدرّستي عن ذلك اللباس فأفهمتني أنّ دين الإسلام هو الذي يأمر النسوة بالحجاب. وقد بقيت كلمة الإسلام مرتبطة في ذهني بهذه الصورة بدون فهم أو إدراك حتى التحقتُ بالجامعة، وسمعتُ هذه الكلمة مرة ثانية.

     كنا مجموعة من الطلبة والطالبات، جلسنا في إحدى الأمسيات نتناول الطعام في نادي الجامعة وسط مرج الشباب ولهوه. وكان بيننا طالب عربي لا يشاركنا الشراب، فتعجبتُ من أمره وسألته: هل لديك مانع صحي يجعلك لا تشاركنا الشراب؟ فأجاب: لا، قلت: لم لا تشرب إذن؟ فأجاب: لأنني مسلم. فقلت: آه أنت تؤمن بذلك الدين الذي يأمر النساء بالحجاب ويسمح للرجال بالزواج من أربع!!! فسألني: أهذا كل ما تعرفينه عن الإسلام؟ قلت: نعم، فهل عندك ما تضيفه إلى معلوماتي؟ قال: نعم، وأخذ يحدّثني عن الإسلام.

     وأخذتُ أستمع إلى حديثه باهتمام شديد، وفي صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى المكتبة أبحثُ عن الكتب التي تضاعِفُ معلوماتي عن الإسلام، ولكنني لم أجد غير كتب المستشرقين فرفضتُ الاطلاع عليها، وعدتُ إلى زميلي أطلب منه أن يمدني بكتب تُشبِعُ رغبتي في دراسة الإسلام، ولم يدّخر زميلي وسعاً في ذلك.

     وانقطعتُ للقراءة، وكنتُ كلما انتهيتُ من قراءة كتاب أشعر أنّ شيئاً من الغشاوة التي تغطي عيني قد انزاح، وأنني أصبحتُ أكثر استنارة، وهكذا حتى انتهيتُ من قراءة كل الكتب التي أمدّني بها ذلك الزميل، وهنا شعرتُ بعظمة الإسلام، وقررتُ أن أترك ديني وأصبح مسلمة تعبد إلهاً واحداً لا ثلاثة، وتستطيع أن تؤدي فروض الصلاة في بيتها أو أي مكان آخر دون أن تضطر للذهاب إلى الكنيسة لتُقبل صلاتُها، وقد تم لي ما أردتُ، وأصبحتُ مسلمة، والحمد لله.
***

     وقد سُئِلت كريستين برنارد ولسون عن أهم شيء خرجت به من دراستها للإسلام فقالت:

     استرحتُ كثيراً عندما استقر بي المقام في كنف دين يقوم على عبادة إله واحد لا شريك له، ولا ولد له. فقد كانت فكرة "الثلاثة" في ديني الأول تؤرقني وتزعجني، وكانت أحياناً تجعلني أسخر منها، فكيف يكون الإله شريكاً للبشر في صفاتهم الخاصة كالزواج والوالدية!؟ هذا منطق لا يقبله العقل!.

     وهناك أمور أخرى جذبتني للإسلام منها أنه دين لا يفصل بين القول والعمل، الفكر والسلوك، ولا يقيم الحواجز بين تصرفات الشخص وإيمانه بما يعتقد، فهو دين لا يقف عند حدود العبادة التي ترتبط بمكان كما هو الحال في الأديان الأخرى، ثم إنّ الإسلام ليس دين دقائق أو ساعات يقضيها الإنسان في أداء الفريضة، ثم ينصرف إلى حاله ليتصرف كما يهوى.

     إنه حياة كاملة شاملة يعيشها المسلم، وهو يقول: إنّ العمل عبادة، وطلب العلم عبادة، والسعي في مصالح الناس عبادة، والإسلام لا يفصل بين البدن والنفس، بل يعطي لكل منهما حقه، ويوازن بينهما، ويُعْنى بطهارتهما معاً عنايةً كبرى، ويجعل النظافة من الإيمان.

     وفي مقدمة المسائل التي شدتني جداً إلى الإسلام أنه دين الرحمة والتراحم والتعاون والتكافل، وأنه قد جعل الزكاة من أسباب سلامة المجتمع، ومنع انتشار الحقد والضغينة ومختلف الأمراض الاجتماعية فيه.

     وأيضاً اهتمام الإسلام بالمرأة، ذلك الاهتمام جعله يسوّي بينها وبين الرجل في المنبع الذي خُلِقا منه، وفي الحقوق والواجبات، وأنه جعل الرجل مسؤولاً عن المرأة مسؤولية كاملة ما دامت هي في عصمته، وما دامت تربّي أولاده وتدير شؤون بيته. بل إنّه يعتبر الرجل مسؤولاً عن إعاشتها إن وقع الطلاق بينهما وقرّر لها عليه نفقةً محددة، وفرض عليه أن يدفع لها المهر عند الزواج، أما الأديان الأخرى فالمرأة فيها تدفع المهر للرجل وهو ما يسمّى لديهم بـ"الدوطة".

     وسكتت هنادي لحظات كانت تنظر فيها إلى السماء، ثم تنهّدت بارتياح وهي تقول: الحمد لله الذي هداني للإسلام، وأخرجني من الظلمات إلى النور.
*****

الأكثر مشاهدة