الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

عبد الكريم جرمانوس يشخص أمراض الغرب (2)

عبد الكريم جرمانوس يشخص أمراض الغرب
(2)

     الدكتور عبد الكريم جرمانوس، شخصية إسلامية مشهورة، إنه أستاذ التاريخ الحديث في بودابست بالمجر، وقد اهتدى هذا الرجل إلى الإسلام وآمن به، ومنحه صادق ولائه، وهو مختص بالدراسات العربية والإسلامية، وله علم واسع، ومشاركات ثقافية ذات قيمة حقيقية.

     وتستوقف قصة إسلام الرجل، نظر الإنسان، فهي قصة حيّة، حافلة بعناصر الفاعلية والتشويق، وتدل على طهارة هذا الرجل وصدقه، وجدّه وإخلاصه في البحث عن الحقيقة وطلبها. وسنتوقف بعض الشيء مع الدكتور جرمانوس، لا مع قصة إسلامه، فلذلك موضع آخر، ولكن مع شهادة له، يُدين بها الحضارة الغربية، وتبدو قيمة هذه الشهادة، في أنّ صاحبها، رجل نزيه موضوعي، ذو عقل حي ناقد، وثقافة واطلاع واسعين، يضاف إلى ذلك أنّ الرجل عاش معظم عمره الذي يشارف الآن التسعين عاماً، في الغرب نفسه، أستاذاً في إحدى جامعاته، ومعنى هذا كله أنه بالغرب وحضارته خبير بصير.

     يقول الدكتور عبد الكريم جرمانوس: "الكثيرُ الاهتمامِ والانتباهِ، والمراقبُ للأحداث الجماعية التي تحدث في أيامنا هذه، قد يلاحظ أداة الإنذار بالخطر، خطر التفسخ والانحلال، الذي يجتاح أوربا وأمريكا، الكذب والبهتان والسرقة، والسطو على المنازل الآمنة ليلاً، والقتل العمد، والاستمتاع بلذة المواد المخدرة التي تجتمع وتتحد بالفساد، والفسوق الجنسي، وكلها أشياء قوّضت مجتمع الشعوب والأمم".

     إن الدكتور جرمانوس يبدأ حديثه بالإشارة إلى بعض الإفرازات الخطيرة الضالة في حضارة القوم هناك، وهي إفرازات متنوعة، تعبّر عن خطأ مسيرتهم الحضارية وضلالها، وهذه الإفرازات على خطورتها ليست هي علة تلك الحضارة، بل هي المظاهر الخارجية لتلك العلة. ومعنى ذلك أنّ إفرازات جديدة لا بد أن تظهر بين الحين والآخر، وهو واقع الأمر الآن، فما تكاد تمر فترة إلا ونسمع بألوان جديدة من الإفرازات الضالة لتلك الحضارة المنحرفة.

     وحين يعرض الدكتور جرمانوس للجريمة في العالم الغربي، وهي واحدة من أخطر وأشنع إفرازات تلك الحضارة، لا يغيب عنه أن يربط بين نموها وزيادتها، وبين الانحلال الخلقي وظهور النزعة المادية، وضعف الوازع الديني. إنه يقول:

     "إنّ الجريمة والإجرام في العالم الغربي قد فاقت كل حدٍّ ممكن للسلطة، وقد نتعرف على السبب بسهولة إذا ربطنا بين نسبة الجريمة والتفسخ والانحلال، وبين ظهور النزعة المادية اللادينية".

     إنّ المَجَري المسلم ها هنا يقرر دور الوازع الديني في الكفّ عن الجرائم، وهذا الوازع يحتل المرتبة الأولى في مقاومة الجريمة، وفي إنشاء مناعة ذاتية تجعل الناس يكفّون عنها تلقائياً، وهذه حقيقة تقوم عليها شواهد كثيرة جداً في دراسة الحياة الاجتماعية وما يتصل بالجريمة منها بشكل خاص.

     وثمة قضية أخرى ينبّه إليها عبد الكريم جرمانوس في شهادته هذه، وهي النتائج الخطيرة التي تترتّب على انفصال النشاط البشري عن الدين وضوابطه وتوجيهاته. فها هو ذا يقرر قائلاً:

     "إنه لمن دواعي الأسف أنّ النتائج المذهلة في العلم الخالص واستعمالاتها وتطبيقاتها في الحياة العملية قد جَرَّدَتْ بطريقة أو بأخرى الرجولةَ من الإدراك، وليس هذا فحسب، بل إنها عَرَّتها من الاعتراف والتسليم بالحقائق الدينية والروحية للكون والجنس البشري، ومن الجوهر الذي يهدي قوة الأخلاق، والأخلاق لا تستطيع بأية حال من الأحوال أن تنفصل عن الإيمان".

     وهذه القضية التي يشير إليها الدكتور جرمانوس بالغة الخطورة، وها نحن نشاهد كل يوم مصداقها، حين نرى كيف يُوَظَّفُ النشاطُ البشري للشر والتدمير والهلاك حين تنعزل مسيرته عن هدي الدين وتوجيهاته.

     ويدرك الدكتور عبد الكريم جرمانوس، قيمة الشهادة التي يدلي بها في نقد وتقويم الحضارة الغربية، لذلك لا نخطئ أن نلمس ذلك في جملة من الأمور من بينها شعوره بخبرته الواسعة عن الحياة الغربية خلال عمر طويل قارب التسعين عاماً، ومن بينها شعوره العميق بواجبه في نقل خبرته لإخوته المسلمين في العالم، ونصحه إياهم بالحفاظ على أخلاقهم، لأنّ بها قوام حياتهم.

     يقول الدكتور جرمانوس: "إنني أكتب هذه السطور من قلب المدنيّة الغربية محاطاً بآلاف الكتب والمجلدات الغربية والشرقية، ومُزَوَّداً بحياة طولها تسعة وثمانون عاماً بين الخبرة الغربية والشرقية، إنني أتشرّب المعلومات والمعرفة المفيدة، كما أتشرّب الأحداث المؤذية في الكيان الإنساني في كرتنا الأرضية. إنني بحكم كوني المسلم المجري الوحيد، أحث بشجاعة وجسارة كل إخواني للحفاظ على الأخلاق التي هي عقائدنا الروحية في ديننا الإسلامي".

     إنّ الدكتور عبد الكريم جرمانوس، المجري المسلم، قدّم لنا شهادة قيّمة تُدين حضارة الغرب، تنطوي على جملة من الملاحظات الذكيّة، في إدراك نقاط الضعف والقصور في هذه الحضارة التي نواجه مشكلاتها وأزماتها كل يوم.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة