كتاب سبيل النور
المقـــدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين، ثم أما بعد:
فإن الهداية غاية مطلب الإسنان في هذه الحياة، وهي طريق النجاة، وهذه من حكمة أن نردد في كل ركعة من صلواتنا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، والله سبحانه وتعالى يهدي لنوره وصراطه المستقيم أولئك الذين صدقوا في طلب الهداية، وأخلصوا النية في طلب الحق. وفي الوقت نفسه يحرم من الهداية المستكبرون الجاحدون، مهما قدمت لهم من براهين وأدلة عقلية منطقية، أو من آيات بصرية مرئية.
وكم قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآفاق البعيدة أناس لم يعاشروه من قبل، ولم يعيشوا معه، ولكن قلوبهم كانت مستعدة لقبول الحق والاهتداء به، وبالمقابل كفر به أناس هم اقرب الناس إليه، ويعرفونه صدقه وأمانته حق المعرفة.
ولقد وصف الله سبحانه أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم يعرفونه من أوصافه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، ومع هذا فقد كفر أكثر أهل الكتاب في زمانه صلى الله عليه وسلم به.
إنَّ موكب الإيمان والنور يسير من دون توقف، وينضم إليه في كل عصر ومصر أناس صدقوا النية في الطلب، ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج:24]، اهتدوا بآيات الله سبحانه في الأنفس وفي الآفاق التي وعد الله سبحانه أن يريها الناس لتقوم الحجة عليهم إلى يوم القيامة، فلم تتوقف الدعوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينطفئ نور الله سبحانه، فكان كما قال في كتابه العزيز: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاس ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8]، وهذا من أكبر الدلائل على صدق هذا الدين، وصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه المقالات اختار د.حيدر الغدير نماذج من هؤلاء الباحثين عن نور الله، والمهتدين إلى الصراط المستقيم، ملقيا الضوء على أسباب الهداية، وعوائق الطريق، وصعوبات الثبات من حياة هؤلاء المحظوظين المكرمين، لتكون فيها عبرة وحجة لغيرهم ممن قبل نور الإسلام أو لم يقبله، وممن دعا إلى الله أو لم يدع، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].
وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
شمس الدين درمش
-------------
المحتـويــــات
(روابط تنقلك للمقالات)
- المقدمة ............................................................. 6
-------------