الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

عبد الله كوليام تأثر بوضوء الحجاج وصلاتهم

عبد الله كوليام تأثر بوضوء الحجاج وصلاتهم

     أشار عليه الأطباء براحة يقضيها في جبل طارق، فلما سارَ إلى هناك، ركب سفينة إلى طنجة لمشاهدة بعض بلاد مراكش. واتفق أنه حين صعد إلى السفينة رأى فيها بعض الحجاج من أهل المغرب، يغترفون الماء من البحر بالدلاء، ويتطهرون مبالغين في النظافة، فاستوقفه الأمر وجعل ينظر إليه بشيء قليل من الاهتمام والإعجاب، ثم أقلعت السفينة وما كادت تغادر الميناء حتى شاهد أولئك القومَ الذين تطهروا قبل قليل، قد اصطفوا للصلاة صفوفاً جميلة.

     وطفق القوم يصلّون معاً بخشوع وطمأنينة خلف إمام واحد يبدو بمثابة قائدهم حيث يتابعونه فيما يفعل، والسكينة تغمر ملامحهم، والهدوءان الجسدي والنفسي ظاهران عليهم أوضح ما يكون الظهور.

     ولا غرابة فالقوم خارجون من بلدانهم ليؤدوا الحج طاعة للرحمن جل شأنه، في رحلة بعيدة شاقة مكلّفة، لعلها الأمل الذي ظلّ يداعب الواحد منهم سنوات طويلة، وإذا كانت الرحلة كلها في سبيل الله، فها هم في بعض أثمن أوقاتها، إنه وقت الصلة الذي يتصل فيه العبد الفاني المحدود، بالرب الخالق الباقي، ذي القوة الطليقة والإرادة التي لا تعرف الحدود والقيود.

     لا غرابة إذن أنْ قرأ الرجل -وهو مسيحي إنكليزي- ما على وجوه الحجاج المصلين من خشوع وطمأنينة، ولا غرابة أنْ رآهم غير مكترثين بتمايل السفينة واضطرابها بسبب الرياح التي كانت تعصف بها، ولا غرابة أيضاً أنْ تأثَّر أيضاً بما شاهده من صدق الإيمان تنطق به نفوس وجسوم أولئك المغاربة، فأثارت حالتهم هذه، الاهتمام الزائد عنده في أنْ يستزيد من المعلومات عن الدين الذي يدينون به.

     ولم يلبث الرجل أن تعرّف إلى مسلم يجيد اللغة الإنكليزية، وكان يلازمه دائماً، طوال إقامته في طنجة، خاصة بعد أن شعر منه بالرغبة في معرفة المبادئ، التي يقوم عليها الإسلام ويدعو إليها، والروابط التي تربط المسلمين وتشدّهم إلى بعضهم. ويبدو أن المسلم كان على درجة من الوعي جيدة، وكانت فيه غيرة وحماسة وصدق، وشعور بضرورة عرض الإسلام خالصاً نقياً على هذا الرجل الإنكليزي.

     وذات يوم جلس الرجل الإنكليزي في أحد مقاهي طنجة مع صديقه المغربي، وكان معهما رجل ثالث اسمه موسى يدين باليهودية وبينه وبين المغربي معرفة وصِلة. هنا قال المسلم: أريد أن أضرب مثلاً يوضح حقيقة الديانات الثلاث السماوية السائدة في الأرض وهي الديانات التي نمثلها أنا وأنت وهذا الرجل اليهودي.

     إن الأنبياء هم مبعوثو الله تعالى إلى الناس، لهذا جاء آدم ونوح وإبراهيم وجميع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.

     ومن قبل كان الناس أمة واحدة، وجاء موسى عليه الصلاة والسلام فاتبعه فريق من الناس فكان اليهود، ثم جاء عيسى عليه الصلاة والسلام بهداية جديدة أدرك صدقها ونفْعها أولئك الذين اتبعوه وآمنوا بدعوته، فانفصلوا عن اليهود، وكانوا على حق في انفصالهم هذا، لأن المسيحية جاءت مصدِّقةً لما تقدَّمها، ومرشدة إلى الطريق الأقوم ولأنها موصولة بوحي سماوي أحدث من الوحي الأسبق، ومن هنا وُجِدَ المسيحيون.

     ثم جاء محمد صلى الله عليه وسلم مصدِّقاً لجميع الأنبياء قبله، ومرشداً إلى الطريق المستقيم، إلى صراط الحق، صراط الذين أنعم الله عليهم بالهداية والإرشاد، فآمن به أقوام من الناس، حملوا اسم المسلمين، وانفصلوا عمّن سواهم. وكانوا على حق في انفصالهم هذا، كما كان المسيحيون على حق يوم انفصلوا عن اليهود. فكما أنّ المسحية أفضل من اليهودية لأنها وحيٌ أقرب عهداً من الوحي الأول، كذلك الإسلام أفضل من المسيحية واليهودية معاً، لأنه آخر الوحي، وآخر الديانات وأبقاها.

     يقول الرجل الإنكليزي عن نفسه: كنتُ أسمع حديث صديقي وأطيلُ التفكير فيه ولا أشعر في نفسي بمعارضة له، لأنه كان معقولاً ومنطقياً، فعوّلتُ منذ ذلك الحين على أن أقرأ الإسلام في كتبه، وأن أقرأ ما كتبه عنه العلماء المنصفون، فقرأتُ ترجمة "سل" لمعاني القرآن الكريم، وقرأتُ كتاب الأبطال لكارليل، وقرأتُ غيرهما وما خرجتُ من طنجة إلا وأنا مستسلم للإسلام مذعن لقوته، مقرٌّ بأنه حق، وأنه خير الأديان.

     تلكم كانت البداية الأولى التي مثّلت تحوّل هذا الرجل الإنكليزي إلى الإسلام، من خلال مواقف صغيرة ربما يهتم بها المسلمون أنفسهم، لكنها بما فيها من صدق وإخلاص استأثرت باهتمام الرجل الأوروبي، وقادت أولى خطواته نحو الحقيقة، وما لبث الحوار أن أكمل بقية الخطى، فإذا بالإيمان يغمر الرجل، وإذا به يشهد شهادة الحق، وإذا به أخونا المسلم عبد الله كوليام.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة