الفصل الأول: محمد إقبال وقفات مع مكانته وأدبه وأندلسياته
لغة "الألخماديو" الإسلامية في الأندلس
وقد تمثل الموريسيكيون أو المسلمون المدجَّنون، وهم المسلمون الذين ظلوا في الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامي فيها، وأجبروا على التنصُّر؛ اللغة والثقافة الإسبانيتين اللتين فرضهما عليهم الحكم الإسباني المسيحي المتنصر. وقد كان هؤلاء إلى جانب تمثلهم الثقافي المشار إليه على ولاء عميق في سرائرهم لدينهم وتقاليدهم الإسلامية العريقة، وقد ساهموا في نقل كثير من ثمرات فكرهم وتراثهم إلى الفكر الإسباني أولاً، ثم إلى الفكر الأوربي ثانياً.
وفي محاولة شاقة منهم تمليها عليهم ظروفهم الشاقة، لجؤوا إلى تكوين لغة سرية خاصة بهم هي لغة "الألخماديو"، وهي لغة كلماتها إسبانية وحروفها عربية مما جعلها فيما بعد تستحيل إلى لغز من الألغاز. وقد كان الكشف عن أدب هؤلاء الذي كُتِبَ بتلك اللغة من أهم أحداث الأدب الإسباني في القرن التاسع عشر.
وقد وُجِدَتْ في هذا الأدب كما يقول بعض الباحثين: حلقة جديدة من حلقات الاتصال الوثيقة بين الفكر العربي من ناحية، والإسباني والأوربي من ناحية أخرى، ويزيد من أهمية هذا الأدب وخطورته أنه يمثل آخر حلقات هذا الاتصال في فترة بدأت الحضارة الأوربية فيها تأخذ سبيلها نحو الاكتمال والنضوج.
ويفترض على ضوء بعض الملاحظات والاحتمالات والمحاكمات المنطقية أن التأثير الثقافي لهؤلاء الموريسيكيين في الثقافة الإسبانية كان بالغاً، ويبدو أن ولاءهم لدينهم وتراثهم وأصالتهم كان كبيراً جداً بالرغم من ضراوة الإسبان المنتصرين حكومةً وكنيسة، وقسوتهم الهائلة في معاملة أولئك المغلوبين. ولعل مما يدل على تأثير هؤلاء المغلوبين عسكرياً، الغالبين حضارياً وثقافياً، في الثقافة الإسبانية أن الكنيسة لم تصدقهم في تنصرهم الظاهر الذي فُرِضَ عليهم بالإكراه، واقتنعت في نهاية المطاف وبعد سلسلة من الإجراءات والقوانين أن هذا الشعب لا يُرجى أن يمنح النصرانية ولاءه بصدق، فسعَتْ حتى أصدرت الدولة قرارات طردهم النهائي في المدة (1605-1614م)، فخرجت منهم أعداد كبيرة إلى شمال أفريقيا، ووصلت مجموعات منهم إلى المشرق، فاستقرت في مصر والشام.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق