‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات وقراءات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دراسات وقراءات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 16 يونيو 2021

شعر حيدر الغدير.. دراسة أسلوبية - أ.محمد فيصل الودعاني

شعر حيدر الغدير.. دراسة أسلوبية

الباحث: محمد فيصل الودعاني
ملخص لرسالة ماجستير للكاتب
نشر في مجلة الأدب الإسلامي - العدد ٩٣ - ص٩٤

     إن خدمة الأدب الإسلامي مهمة شريفة وسامية يتطلع إليها المرء، راجياً أن يقدم في هذا السياق شيئاً ولو قليلا ً يكشف عن جماليات هذا الأدب، ومن هنا نشأت في ذهني دراسة شعر شاعرٍ يتمثل الروح الإسلامية في شعره، ويتبنى القيم التي حث عليها الشارع الحكيم، ويحمل هم أمته المكلومة، غير مغفل للجوانب الجمالية التي تصنع شعرية الشعر، وتحلق به في سماء الإبداع، فوقع الاختيار على الشاعر حيدر الغدير الذي وجدت في شعره ما يحرك كوامن النفس، ويثير الإعجاب. ولئن كانت هذه المهمة السامية هي الباعث الأساس لهذه الدراسة فإن ثمة بواعث أخرى أسهمت في استثارة همتي لارتياد هذا البحث، منها:

أولاً: غزارة الإنتاج الشعري للشاعر حيدر الغدير، حيث بلغ شعره نحو ستة آلاف بيت، وبلغت قصائد دواوينه المطبوعة نحو مئتي قصيدة، غير قصائده المنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وقصائده المخطوطة.

ثانياً: عدم وجود دراسات أكاديمية سابقة تعنى بنتاج الغدير الأدبي في حدود اطلاعي.

ثالثاً: بروز خصائص أسلوبية لم يتطرق لها باحث من قبل.

رابعاً: أن هذه الدراسة سوف تفتح الباب أمام الباحثين لتناول هذا الشاعر بتفصيل أكثر، فالشعر الوطني والديني وغيرهما موضوعات ثرة في شعر حيدر الغدير استغرقت مئات الأبيات من شعره وتستحق الدراسة المنفصلة المتعمقة.

أخيراً: أهمية المنهج الأسلوبي في دراسة نتاج الشعراء.

     وقد سرت في هذا البحث وفاق خطة اقتضتها طبيعة الدراسة، فجاءت مقسمة إلى أربعة فصول مسبوقةٍ بتمهيد؛ فأما التمهيد فكان أشبه بالعتبة التي سألج منها إلى فضاءات البحث، فتحدثت فيه عن الشاعر، وأهم العوامل المؤثرة في شعره. وبعد التمهيد شرعت في فصول البحث الأربعة.

     جاء الفصل الأول خاصاً بالمستوى الصوتي، واقتضت المنهجية تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين هما: موسيقا الحشو، وموسيقا القافية، وما يندرج تحتهما من أقسام.

     أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه المستوى اللفظي، وقسمته كذلك إلى مبحثين الأول عن العلاقات الدلالية، والثاني يخص الحقول الدلالية، وقد سعيت إلى وصف هذه العلاقات الدلالية بين الألفاظ، وحاولت الكشف عن طبيعة الألفاظ التي تشيع عنده والدلالات التي تقترن بها، فضلاً عن علاقات مكونات كل حقل بعضها مع بعض مما يمكن أن يفضي إلى جوهر المعنى.

     وجاء الفصل الثالث خاصاً بالمستوى الأفقي، وقسمته إلى ثلاثة مباحث:

الأول: جعلته عن الانزياح التركيبي، ويشتمل على التقديم والتأخير والالتفات والحذف.

والثاني: تحدثت فيه عن التناص بقسميه الداخلي والخارجي.

والثالث: أفردته لدراسة الأساليب: الجمل الإنشائية، والجمل الخبرية.

وآخر الفصول كان الفصل الرابع الذي جاء تتويجاً للفصول السابقة من خلال تصديه لدراسة المستوى التصويري في شعر الغدير، الذي يمثل جوهر الشعر، وأهم وسائط الشاعر في نقل تجربته والتعبير عن واقعه.

     وقد اقتضت طبيعة هذا الفصل أن يقسم إلى صور مستقلة قصيرة، ويقابلها صورٌ مركبةٌ أطول منها، وأخرى طويلة ممتدة تتعدد فيها الصور أكثر من سابقتها حتى إنها تشمل جزءاً كبيراً من القصيدة، بل قد تشمل القصيدة كلها مما يمكن أن يطلق عليه «القصيدة اللوحة أو المشهد».

     وقد ذيلت الدراسة بخاتمة لخصت فيها أبرز النتائج والتوصيات التي توصلت إليها، وأشعر أنها جديرة بالاهتمام من قبل الباحثين في سياق الدراسات الحديثة.

     وقد عوَّلت في بحثي هذا على المنهج الأسلوبي، لكونه منهجاً نقدياً نصياً يدرس الظواهر اللغوية جميعها، من أدنى مستوياتها الصوت المجرد؛ إلى أعلاها وهو المعنى، ثم هو يدرسها في حالة البساطة، وفي حالة التركيب، ويسعى إلى الموضوعية في الحكم على النصوص الأدبية، ويحلل النصوص بمستويات لغوية مختلفة، بغية اكتشاف جماليات النص، وإبراز السمات الأسلوبية.

     وبعد: فقد كانت هذه الدراسة محاولة لاكتشاف شيء من الأبعاد الجمالية والدلالية في شعر الغدير انطلاقاً من المنهج الأسلوبي، وما محاولتي هذه إلا خطوة يسيرة ضمن خطوات أخرى في خدمة الأدب الإسلامي ورواده راجياً ألا تتوقف.

وحريٌّ بي أن أعترف وقد وصلت إلى نهاية المطاف بأنني كنت المستفيد الأول من هذه الدراسة فقد أسهمتْ في رفع مستوى إدراكي المعرفي والجمالي.

نتائج وتوصيات:

     وقد خرج البحث بنتائج وتوصيات أراها مهمة وأثبتها في خاتمة هذا البحث منها:

أولاً: تكمن في الخطاب الشعري ملامح فنية، وسمات أسلوبية، تنقل الخطاب إلى حيز التميز والإجادة، وعلى الباحث الأسلوبي الوقوف عند هذه الملامح لإبراز سماتها الدلالية، والصوتية، وبيان مكانتها ضمن الصياغة الشعرية.

ثانياً: تمكن الشاعر من تطوير المفردة الملائمة للحالة الشعورية، بالإضافة إلى أدائها المعنوي السليم، على أن الصخب الخطابي والتقريرية المباشرة كاد يستأثر بشعر الشاعر، ومرد ذلك إلى الواقع المؤلم، والمعاناة الممِضة الناتجة عن عنف المواجهة، وتجاوزات الاحتلال لديار الإسلام وتحدياته.

ثالثاً: لا زال شعر الغدير بحاجة إلى مزيد بحث ودراسة من خلال اعتماد المناهج النقدية الحديثة، فأقترح أن يدرس شعره دراسة حجاجية بوصفه شعراً يدافع عن قضايا، ويتبنى وجهة نظر، فقد يتوصل الباحث إلى نتائج جديدة تتعلق بالشاعر وشعره.

شكر وعرفان:

     وخليقٌ بي في نهاية كلمتي هذه أن أعترف لأهل الفضل بفضلهم، إذ لم يكن يتأتّى لهذا البحث أن يرى النور لولا فضل الله ومنّه وتوفيقه، ثم جهود نفر من الذين أنفقوا الوقت والجهد والشعور الصادق من أجلي، وإني مدين لهم بالشكر والعرفان، وعلى رأسهم والداي الكريمان اللذان أمطراني بدعواتهما الصادقة وتشجيعهما المستمر، كما أشكر كلية اللغة العربية ممثلة بقسم الأدب، الذي وفر لي أجواءً مثالية للبحث والاستزادة من خبرات منسوبيه الكرام.

     وأشكر أيضاً أستاذيَّ الكريمين اللذين شرفاني بالتصدي لهذا البحث وقبول مناقشتي فيه، وأفاداني بملحوظاتهما القيمة التي أقامت أود الدراسة، د.عبدالكريم بن عبدالله العبدالكريم، ود.حسن النعمي.

     أما الرجل الذي رعى هذا البحث جنيناً، وغذاه مولوداً ويافعاً، ولم يكن يبخل على صاحبه بالتوجيه والإرشاد، باذلاً وقته وجهده وعلمه في سبيل ذلك، فإنني أعلم أنه لا ينتظر مني شكراً ولا ثناءً، فقد كان تمام هذا البحث أبلغ كلمة شكر يتلقاها، ومع هذا فأراني ملزماً يدفعني الاعتراف بالجميل إلى شكر أستاذي د.محمود عمار على ما قدم لي من عون وتوجيه طيلة عملي، سائلاً الله عز وجل أن يجعل ذلك في صحيفة أعماله. ولا أنسى أن أتوجه بالشكر الجزيل والدعاء الخالص لمن وضع يدي على جماليات الأدب الإسلامي، وحبب إلي هذا الطريق النبيل، أستاذنا الدكتور وليد قصاب جزاه الله عني خير الجزاء.

     وبعد، فقد كانت هذه الرسالة جهد المقل، واجتهاد من يُتوقعُ خطؤه قبل صوابه، وأسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه متوجاً ذلك كله بشكر الله على عونه وتوفيقه.

     وقد نوقشت الرسالة في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بتاريخ 14/7/1437هـ، وتألفت لجنة المناقشة من الأساتذة: د. محمود عمار مقرراً، ود. حسين النعمي عضواً، ود. عبدالكريم العبدالكريم عضواً، وقد منحت الطالب محمد بن فيصل الودعاني الماجستير بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الثانية.

***

الاثنين، 14 يونيو 2021

عبقرية المكان والإنسان - أ.جعفر عباس

عبقرية المكان والإنسان

أ.جعفر عباس
نشرت في صحيفة الوطن السعودية
8/ 5/ 1422هـ - الموافق 29/ 7/ 2001م

     أثناء رحلة الطائرة من جدة إلى أبها كنت أقلب العدد الأخير من مجلة "أهلاً وسهلاً" التي تصدرها الخطوط الجوية السعودية، ووقعت عيني على غزلية في أبها للدكتور حيدر الغدير، ولم أتردد في انتزاع أوراق القصيدة من المجلة، فمعذرة يا خطوط يا سعودية! فالقصيدة بعد أن ترحل من قريحة الشاعر تصبح ملكاً مشاعاً:

رأيتــك يا ابنة القــــمم السوامي
               عروســاً تحمل النعمى وشــاحا
رنوت إلى السماء فطرت عشقاً
               إليـها جــــازها ســاحاً مســـاحا
وكان الفضل في اليمنى جنـاحاً
               وكان النبل في اليســرى جناحا
وزفـــــك للعــــلا يمن وحُسْــن
               فكنـــت له وكان لك المراحــــا

     وكان لا بد أن تعرج قصيدة الغدير على من ألَّف بين الطريف والتالد، والذي تشي إنجازاته بأنه اليوم وغداً "خالد".

مروءة عــاشق يهديك عشـــقاً
               وطيباً ضــاع كالبشرى وفاحا
وعزماً يعـــربياً سمهـــــــرياً
               سلي عنه المواضي والرماحا
تجبـــــك بأنـــه لأبيـــــه سـر
               وفيه جـــــذاه تنقدح انقــداحا
بنــــاك وجوّد البنيـــــان منه
               فـــؤاد قد أبى إلا النجــــــاحا

***

حيدر الغديّر.. صورة كلية - أ.عبد الله زنجير

حيدر الغديّر.. صورة كلية

أ.عبد الله زنجير
عضو رابطة أدباء الشام
جدة – الأحد
18/ 2/ 1439هـ – 4/ 2/ 2018م

     أستاذنا د. حيدر الغدير نهر معرفي صغير بالمقارنة مع الفرات الذي أحبه وعشقه وسبح على شطآنه في مدينة دير الزور شمال شرقي بلاد الشام، مرة بعد مرة أكتشف مزيدًا من فضائل هذا الإنسان الذي سكنته بعمق أخلاق الإسلام وسجايا العروبة فكانت له مدرسة وثقافة وتربية وحضارة.

     عندما ولد في 1939م وبلغ سن الرشد بدأت شخصيته تتشكل ليكون شاعراً وناثراً ومفكراً، وإذ حانت سياحته متعلماً وباحثاً عن العلم في سورية ومصر وصولاً لعين الشمس كانت تختمر داخله قبل أن تتوالى وتتلألأ إصداراته الثمينة والأصيلة: من يطفئ الشمس؟، غداً نأتيك يا أقصى، عادت لنا الخنساء، قسماً لن أحيد؛ وهي إصدارات شعرية أودعها في ديوانه الجامع (ديوان حيدر الغدير) الذي صدر الجزء الأول منه من مكتبة التوبة في الرياض، صلاة في الحمراء الذي صدر عن مكتبة التوبة أيضاً، عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً، الذي صدرت طبعته الثانية عن دار المؤيد في الرياض.

     عرفته ابتداء من خلال كتابه (المسلمون والبديل الحضاري)، ثم من خلال مجالس الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - وكذلك زياراته لنا في مجموعة (سنا) الإعلامية بمدينة جدة، وهو حينئذ أحد العاملين في المجلس الأعلى للإعلام، وقد سبق لي أن تناولت في لقطات عديدة جوانب جاذبة لشخصيته الكبيرة الكريمة من خلال صفحتي بالفيس بوك، وحين أتيح لي سرد بعض فيض القلب والقلم في هذه العجالة تكاثرت الظباء على خراش الذكريات، والحب في الله، وشذرات من فضائل لا تحصى، احترت بماذا أبدأ؟ وكيف أبدأ!؟ لكن وكما تعلمت من الطنطاوي أيضاً: مالا يدرك كله لا يترك قلّه.

     أبو معاذ يرى في الشعر مئذنة وبلاغاً مبيناً، تسمو به أواصر الحق فتكفيه بالنثر والنشر المشرق المكتنز بالتفاؤل، والفياض بالهدى وسط أوضاع أمتنا المكفهرة، لاتلين لقلمه قناة، ولا أنصاف حلول، فهو صعب في اختيار الرجال، وصعب في اختيار القصيد، وهو ممن يكون آراءه بأناة وتمحيص، ويصر عليها، ويجهر بها حيث ينبغي!

     ما نسيت أبداً ولن أنسى مؤازرته المعنوية لي في مشروع [المدرسة الرقمية] لتعليم أبناء سورية، فقد استنهض همتي وأوقد أواري لإيمانه بكلمة (اقرأ) أداء للأمانة واستشعارا للواجب، وأثناء عمله في الرياض في الندوة العالمية للشباب الإسلامي كان نعم الجندي، ونعم الحارس، ونعم المبادر.

     لم تؤثر عليه أمطار الحزن رغم فقدانه العديد من أحبائه وخلانه وآخرهم الأستاذ الأديب عبد الرزاق ديار بكرلي، ضمن نسق الأهداف الأصيلة التي لا تتبدل، والصداقة العريقة المرتوية بماء الدعوة ونصرة الدين.

     الدكتور حيدر الغدير، مجتهد في قضايا الشعر وساحات الفكر، عنيد في الذود عن حياض العربية والعروبة، طريف في فراسته وأحكامه وخلاصاته، منضبط في مواعيده ومسؤولياته وأخلاق الإسلام، عصي الدمع شيمته الصبر وعلو الهمة وشد الأزر.

     عندما أزوره في ثنايا الشهور والسنوات أراه سهماً ذاهباً إلى المستقبل، حكيماً مضمخاً بخبرات الماضي وتفاصيله، محرضاً على الخير والحق والجمال، نسيج وحده في التعفف والزهد والفن والفهم والصراط المستقيم.

     سيدي أبا معاذ حقك علينا كبير، ولكن النهر الصغير يستطيع احتواء ساقية رقراقة تشق طريقها بالحب والأمل والروح، حفظك الله نبراساً وبسمة وبصمة على جدار الكلمة الرشيدة.

***

الأحد، 13 يونيو 2021

تعريف بكتاب "صلاة في الحمراء" - أ.شمس الدين درمش

تعريف بكتاب "صلاة في الحمراء"

للدكتور حيدر الغدير

أ.شمس الدين درمش


     في حلة أنيقة صدر كتاب "صلاة في الحمراء" لأخي وصديقي حيدر الغدير، وتأتي الأناقة من الحرف الجميل، والورق الممتاز، والغلاف البديع، الذي يحمل صورة "بهو السباع" في قصراء الحمراء، وهو أهم الآثار الباقية من أيام المسلمين في غرناطة، واختيار العنوان موفق جداً، وكذلك صورة الغلاف؛ لأن كثيراً من مواد الكتاب تتعلق بإسبانيا عامة، والأندلس خاصة، وقد قدر للمؤلف زيارتها عدة مرات، وتجول فيها تجول الفاحص المدقق، وكان معه كتابان لا يفارقانه في هذا التجوال هما "رحلة الأندلس" للدكتور حسين مؤنس، و"الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال" للأستاذ محمد عبد الله عنان، وكانا له نعم العون ونعم الدليل.

     والكتاب مجموعة من المقالات النثرية عددها سبعة وعشرون مقالاً، تنتمي طائفة منها إلى أدب الرحلات، وتتوزع البقية على موضوعات شتى، وأهمها ما كتبه عن كل من: طه حسين، ومحمود محمد شاكر، ونجيب محفوظ، وشوقي ضيف.

     وأما موضوعات الكتاب فهي على التوالي: صلاة في الحمراء، المسجد المحزون، لعينيك يا رندة، صخور وعزائم، رعب في قلب مدريد، أندلسيات حسناوات جداً، ليلة لا تنسى، أربعون صلاة، عرف عمر فتوهج، رأى ملابس الإحرام فتوهج، هلا كنت الطائر المبصر، إن لله جنوداً من عسل، ساعتي الأثيرة، لون من المحاسبة، يحدّثونك عن النجاح: الإرادة أولاً، مع الحاج أمين الحسيني عبرة وذكرى، الطمع القاتل مستقبل اليهود في فلسطين كما يراه محمد أسد، التسامح الديني اختراع إسلامي، الصحابة في سقيفة بني ساعدة، حكاية عاقبة، طه حسين وشجاعة الاعتذار، محمود محمد شاكر شيخ العربية وفارس الفصحى، رسالة إلى نجيب محفوظ، شوقي ضيف أستاذي وأستاذ الأجيال، الإكرام والطعام، تجربة دعوية، دموع في محراب الخشوع.

     ولعلي أجدر الجميع بالتعريف بهذا الكتاب، بسبب صلتي الطويلة بالمؤلف، وهي صلة عرف فيها كل واحدٍ صاحبه، بما له وما عليه، معرفةً دقيقةً جداً، ثم إني قرأت الكتاب قراءةً دقيقةً فاحصة، فأحطْتُ به، بل إني قرأت كثيراً من موادّه منشورةً، في هذهِ المجلة أو تلك قبل أن يتم جمعها معاً، فضلاً عن المناقشات الطويلة بيني وبين المؤلف. لذا أرجو أن يكون تعريفي بهذا الكتاب تعريفاً فيه دقة وإنصاف واستقصاء.

     روح الكاتب من أوله إلى آخره روح إسلامية، لا يمكن أن تخطئها في أي موضوع من الموضوعات، ولا غرابة! فالإسلام أهم وأعظم مكونات المؤلف، وقد أحب المؤلف دينه حباً عميقاً ملك عليه أقطار نفسه، عقلاً وقلباً وبياناً، ثم إنه يرى ويكررُ دائماً القول: إن الكتابة ينبغي أن تكون رسالةً لها هدفٌ نبيل، ولا يجوز أن تتحول إلى مجرد حرفة وصناعة فحسب.

     وانظر إلى مقالة "صلاة في الحمراء"، وهي أولى مقالات الكتاب، والكتاب يحمل اسمها، تجده يوظف الواقعة توظيفاً دعوياً، لقد كان يصلي في جنة العريف فمرَّ به طلاب وطالبات مدرسة ابتدائية إسبانية فعجبوا وعجبن من هذا الذي يقوم ويقعد ويسجد على التراب، وأخذوا يضحكون ويتغامزون، فإذا به يتمنى أنه كان يجيد الإسبانية ليُعَرِّفهم بصلاة المسلمين، وليقول للطفلة التي تحمل اسم ليزا: لعل جدتك الغرناطية كانت تحمل اسم فاطمة، ولكن الإسبان أجبروها على التنصر، وليقول للطفل الذي يحمل اسم جوزيف: ربما كان جدك الغرناطي يحمل اسم عمر لكن الإسبان نصروه بالإكراه.

     وانظر إلى آخر مقالته في الكتاب "دموع في محراب الخشوع" تجد المؤلف يوظفها توظيفاً إيمانياً حين يروي واقعة اجتماع عالِمَين من علماء الفلك أحدهما بريطاني والآخر هندي، وقد استغرقا في الحديث عن عظمة الكون الذي يدل على عظمة خالقه جل جلاله فإذا هما يبكيان.

     وانظر إلى مقالته الطريفة "رعب في قلب مدريد" حين طاردته عابثةٌ، من مدمنات المخدرات، فأخذ يعدو – كما وصف نفسه – كالأرنب المذعور، وفيه مخاوفُ كثيرة، منها أن يراه أحد معارفه فيظن أن له صلة سوء بهذه المدمنة الحمقاء، وهو ما لا يليق بمسلم عادي فضلاً عن مسلم دعوي.

     إن الكتاب ذو موضوعات متنوعة، لكن الروح الإسلامية تطالعك فيها جميعاً، من الألف إلى الياء، بل من الإهداء الذي يتصدر الكتاب.

     ومما وفق فيه المؤلف توفيقاً بعيداً قدرته على التشويق، فالكتاب شيّقٌ جداً، وإذا بدأت به فإنك تتعلق بموضوعاته حتى تفرغ منه، وابدأ القراءة فيه تجد صدق هذا الملحظ.

     ومردُّ ذلك إلى روح الكتاب الإسلامية بادئ ذي بدء، ثم إلى تنوع موضوعاته، وما فيها من معلومات تاريخية وأدبية وجغرافية وسياحية وثقافية، وما فيها من استقصاء ومتابعة، فضلاً عن القصص والطرائف، والتعريف بأعلام كبار، والذكريات العامة والخاصة، والضحك حيث تأتي دواعيه، والبكاء حيث تأتي دواعيه، والتماس العبرة من التاريخ، واستشراف المستقبل كما نرجو أن يكون، واللغة المصفاة الرائعة.

     وتلحظ روح الإتقان في الكتاب واضحةً جلية، من حيث التدقيق في الوقائع، والتواريخ، ومن حيث تقييد الكلام حيث ينبغي أن يُقيّد، ومن حيث وضع الأفكار في أمكنتها حيث لا تتقدم ولا تتأخر، ومن حيث القدرة على حشد الأدلة حيث ينبغي أن تحشد، ومن حيث جمال الحرف ونقاء الورق، وندرة الأخطاء وهو ما يدل على أن الكتاب روجع عدة مرات مراجعة دقيقة، وهذه كلها مزايا تُذكر فتشكر.

     كما تلحظ في الكتاب روح الإنصاف بأجلى صورها، فحبُّ المؤلف لا يدعوه إلى الإفراط، واعتراضه لا يدعوه إلى الغلو، تجد ذلك في ثنائه على نجيب محفوظ وعلى طه حسين، والإشادة بمزاياهما مع اعتراضه على جوهر توجههما وتفكيرهما، وتجده في نقده لمحمود محمد شاكر وعنفه مع الناس الذي نفر منه الكثيرين مع إيمانه بنبل توجهه وتفكيره.

     ثم إن في الكتاب ميزة الإحاطة، حيث تشعر أن المؤلف محيط بما يكتب عنه، مسيطر عليه، ينظر إليه نظرة جامعة من كل نواحيه.

     وتأمل في مقال "أندلسيات حسناوات جداً" لتجد أن هذا المقال يمتد حتى كأنه عدة مقالات، تراها تأتي في سياق بديع مترابط يأخذ بعضه برقاب بعض، إن هذا المقال: أدب، ودين، وتاريخ، وجغرافية، وسياحة، وحزن، وفرح، وشعر، ونثر، وأمور عامة، وأمور خاصة، وإشادة بالحضارة الإسلامية في الأندلس ونقد لها، بحيث يمكن لك أن تقول: إنه يَصلحُ أن يكون مرجعاً في بابه، ويصلح أن يكون نواة كتاب جامع رائع.

     ولعل أظهرَ ما تبدو فيه ميزة الإحاطة؛ وصفُ الكاتب للأعلام الذين تحدث عنهم، وبخاصة: طه حسين، ومحمود محمد شاكر، ونجيب محفوظ، وشوقي ضيف، فهو يصف النشأة، والمحيط، والتاريخ، والمؤثرات، ويبحث عن المدخل النفسيِّ للعَلَم أو ما كان يسميه العقّاد "مفتاح الشخصية" ويوازن، ويحلل، ويفسر، ويشيد حيث تنبغي الإشادة وينقد حيث ينبغي النقد، وبذلك تجد نفسك في نهاية المقال وبين يديك صورة شاملة للعلم فيها دقة وإحاطة واستقصاء.

     أما لغة الكتاب فإنها رائعة، بل أكثر من رائعة، لقد ظفرت بمرتبة الصحة، ثم أضافت إليها مرتبة الجمال، ولا غرابة؛ فالمؤلف قارئ مدمن من ناحية، وهو من درس اللغة العربية في جامعة القاهرة عن حب لها يكاد يكون عشقاً من ناحية أخرى، وكان طالباً متفرغاً متفوقاً، يحظى بحب أساتذته وتشجيعهم، ويمكن لك أن تلمس في أسلوبه بصمات للزيات، وبصمات للرافعي، وبصمات للطنطاوي، والثلاثة من أدباء العربية الكبار. أما بصمات الزيات والرافعي فإنها تطل على استحياء لأنها الأقل، وأما بصمات الطنطاوي فإنها تطل بوضوح لأنها الأكثر، ومردُّ ذلك إلى أن اتصاله بالرافعي والزيّات كان من خلال القراءة لهما، أما الطنطاوي فقد اتصل به من خلال القراءة الطويلة له، ومن خلال صلة الأستاذ الذي يحب تلميذه ويُشجِّعه ويتوسم فيه الخير، وقد يسَّر الله عز وجل لهذه الصلة أن تثمر من خلال زيارات شخصية كثيرة في مكة المكرمة وجدة.

***

     وبعد..

     فقد كنت في كتابتي هذه أعاني من خوفين، خوف الانحياز للمؤلف لأنه صاحبي، وخوف الانحياز ضده حتى لا أتهم بممالأته ومحاباته، وأرجو أن أكون قد نجوت من الخوفين على السواء، فجاءت هذه الكتابة محققة العدل لي وللمؤلف وللقراء.

     ومع رجائي أني حققت العدل المطلوب، ونجوت من الخوفين الظالمين؛ أختم هذه المقالة بوصفي الكتاب أنه: دين، وأدب، وتاريخ، وجغرافية، وسياحة، وتأملات، جاءت في نسق أدبي جميل، ولغة راقية عالية، وهو ما يجعلني أطالب المؤلف بالمزيد.

     صدر الكتاب عن مكتبة التوبة، بالرياض، الطبعة الأولى، 1432هـ، 2011م، ويقع في 168 صفحة، مقاس 24×17.

***

حيدر الغدير وكتابه الأدبي "صلاة في الحمراء" - أ.عبد الرزاق ديار بكرلي

حيدر الغدير وكتابه الأدبي "صلاة في الحمراء"

دراسة في المحتوى

أ.عبدالرزاق ديار بكرلي
نشرت هذه الدراسة في مجلة الأدب الإسلامي
المجلد (19) - العدد (76) - ص (12)
بتاريخ 1433هـ - 2012م


     لقد سبق لنا أن عرفنا الدكتور حيدر الغدير (شاعراً)، في عدد من دواوينه المنشورة(1)، كما عرفناه دارساً في كتابه (عاشق المجد عمر أبو ريشة: شاعراً وإنساناً)(*)، أما هنا في هذا الكتاب (صلاة في الحمراء)(**)، وهو عنوان مقاله الأول في هذا السفر الأدبي الممتع؛ فنتعرف إليه (أديباً ناثراً).

     وقد تضمَّن الكتاب (27) مقالةً، سبق للأديب القدير أن قدَّم بعضها في الإذاعة السعودية، ونشر بعضها في عددٍ من الصحف والمجلات، في مراحل متعدِّدة من حياته وشبابه، ثم جمعها ونشرها بين دفَّتَي هذا الكتاب، الذي تتراوح موضوعاته بين (أدب الرحلات)، ومقالات حول عدد من (الرجال العظماء)، وجولات في بعض جوانب (التاريخ الإسلامي)، ووقفات مهمة في جوانب (من الأدب العربي المعاصر: أدباء وآراء أدبية جريئة) ومقالات انطباعية متفرقة حول أمور (دعوية وتربوية وشخصية) متعددة.

أولاً: من أدب الرحلات:

     لقد قام المؤلِّف بعدَّة زيارات إلى أنحاء متعدِّدة من العالَم حاملاً معه (كاميرا) القلم، يشاهد ويرصد، ويصور ويتأثَّر، ويعبِّر بالكلمات، ويُحسِن اختيارَ اللقطات، منتجًا فيلمًا يسبح معه الخيال في فضاءات تاريخية وحضارية متعددة متنوعة، مشبعة بروح الفنان الأديب والأديب الفنان.

في الأندلس:

     لقد تجوَّل الكاتب في إسبانيا عامة، وفي ربوع أندلسها خاصة، متنقلاً بين آثارها الإسلامية العريقة، راسمًا أحلى التأملات والذكريات عن ماضيها الذي خطَّته يدُ العبقرية الإسلامية الفذة، مسجلاً أروعَ الصور الوجدانية لماضٍ ما يزال شاخصًا إلى اليوم، يؤمُّه الزوَّار والسيَّاح من مشارق الأرض ومغاربها، متأمِّلين في كل زاوية من زوايا تلك الحضارة العظيمة، التي لم يَعرِف التاريخُ أرحمَ من فاتحيها، فكانتْ زياراته بين رِحَاب إسبانيا عامة وأندلسها خاصة، وعنها جاءت مقالاته: (صلاة في الحمراء)، و(المسجد المحزون)، و(رعب في قلب مدريد)، و(أندلسيات حسناوات جدًّا)، و(لعينيك يا رندة)، و(صخور وعزائم).

     ففي مقالِه الأول: (صلاة في الحمراء)(2) يتحدَّث عن زيارته لقصر الحمراء العظيم عام 1996م، ذاكرًا أنه خلال تَجْوَاله بين آثاره وردهاته، واستئناسه بقصوره الخلابة، وحدائقه البديعة، ولا سيما (جنة العريف) حضرتْه الصلاة، فيقول: (نظرت في الساعة فوجدتُ آن وقت صلاة الجمعة قد حلَّ، ولما كنتُ مسافرًا، فقد عزمت على أداء صلاة الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، فانتحيت مكانًا هادئًا يختبئ تحت ظلال ممتدَّة، شكلتها أشجار السرو، وتحرَّيت القبلة، وأخذتُ أصلي)(3).

     وفي أثناء أدائه الصلاة كانتْ رحلةٌ مدرسية تَجُول في ذات المكان، فشعر بأن مجموعة من الأولاد - مع مشرفتهم العجوز - ينظرون إليه، فيقول: (فإذا بي أجدُ نفسي أثناء صلاتي وقد صرتُ منظرًا غريبًا يقترب منه عددٌ فينظر ويستغرب أو يضحك، ويعود إلى مجموعته ليأتي عدد آخر وهكذا، ولا تزال صورةُ بعض الفتيات الصغيرات اللواتي يلبسن زيًّا موحدًا - ولعلهن في المرحلة الابتدائية - ينظرْنَ إليَّ، ويتغامزن ويتقافزن، ثم يعُدْن إلى الراهبة العجوز التي كانتْ حريصة جدًّا عليهن... وربما سألْنَها عما كنتُ أفعل، وربما أجابت إجابة صحيحة أو خاطئة)(4).

     ثم ما لَبِث في مقاله أن عاد إلى خَلوته - وقد أدركه حزن عميق - متسائلاً: (كيف ساد الإسلام في هذه الربوع قرونًا طويلة، ثم باد؟)، ولكنه لا يلبث أن يعزِّي نفسه بأن (البشائر الجميلة الواعدة لعودة الإسلام إلى الأندلس، بل إسبانيا كلها قد بدأتْ، وأنها تعتمد على الكلمة الطيبة، والنية الصادقة، والقدوة الحسنة قبل كل شيء)(5).

     أما مقاله: (المسجد المحزون)(6)، فكان عن (مسجد قرطبة)، وأميرها الداهية الشجاع عبدالرحمن الداخل، فقد صَعِد الكاتب إلى مِئْذَنة المسجد، ووقف في أعلاها قُرْبَ ناقوس كبير، فيقول: (فأدركتْنِي حسرةٌ لا حدَّ لها، وتنامى فِيَّ شعورٌ طاغٍ بالأحزان، ثم وقع في خاطري أن هذه المِئْذَنة العزيزة قد اشتاقتْ إلى الأذان الذي لم تسمعْه منذ قرون، فحقَّقت لها رغبتها فأذَّنت وفي عيني دموع حَرَّى)(7)، وأثناء زيارته لهذا المسجد يقول في موطن آخر من الكتاب: (ويومها غلبني الوَجْد، فقلت: سوف أؤذن في منارة المسجد كما أذَّنت في محرابه، فصَعِدت المنارةَ التي صارت ملأى بالنواقيس، فأذَّنت لإبهاج المنارة وإغاظة النواقيس)(8).

     وفي مقاله: (صخور وعزائم)(9) تصويرٌ بليغٌ لقرية صغيرة جدًّا تدعى (كوفادنجا) تقع في أقصى شمال إسبانيا قرب (كانجاس دي أونيس) وهي منطقة وعرة جدًّا، ما يكاد المرء يراها بواديها الضيق وجبالها الشاهقة، حتى يقدر أنها أفضل مكان للحروب الفردية، أو حروب العصابات، وبالتالي أفضل مكان للحادثة التاريخية الغريب(10)؛ حيث إن عددًا قليلا جدًّا من شجعان النصارى اعتصموا بها، ورفضوا الخضوع للمسلمين، ونظرًا لوعورة المكان، وكونه نائيًا جدًّا، ولقلة عدد هؤلاء المتمردين؛ فقد تركهم المسلمون وشأنَهم، استهانةً بهم وليتهم لم يفعلوا؛ ذلك أن هؤلاء المتمرِّدين القلائل كانوا نواةَ حركةِ الاسترداد الإسبانية التي نَمَت بالتدريج، وتمكَّنت مع تزايد قوَّتها، وضعف المسلمين وفُرقتهم، وبعد ثمانية قرون من الكر والفر، من الإجهاز في النهاية على الدولة الإسلامية في إسبانيا، وهنا يستشهد الغدير بالقول العربي البليغ (ومعظمُ النارِ من مستصغر الشَّرر)(11).

     هذا وقد أصبحتْ لمغارة (كوفادنجا) التي يقال: إن شجعان النصارى الذين رفضوا الخضوع للفاتح المسلم اختبؤوا فيها، والتي تقع في المكان الوعر الذي سبقت الإشارة إليه أسطورةً دينية ذاتَ قداسة خاصة، ويصف هذه المغارة بقوله: (وصلتُ المغارة بواسطة سُلَّم طويل صاعد يبدأ من الوادي السحيق وينتهي بها، وإلى يساره شلال ماء صغير له صوت جميل، حتى إذا دخلت المغارة وجدتها طويلة عريضة واسعة، ولكن خيِّل إلَيَّ أن يد الإنسان تدخَّلت فيها؛ ذلك أن فيها من الاستواء ما لا يكون في أمثالها من المغارات المتروكة كما خلقها الله عز وجل)(12).

     لقد كانتْ رحلته إلى هذا المكان رحلةً طريفةً عبَّرت عن شوق استبدَّ به حتى وصل إلى مراده، لكنه - بكل تأكيد - استطاع أن يمنحه التصوير الدقيق، فيقول: (أيًّا كان الأمر، فإن (كوفادنجا) تستحق عناء الرحلة؛ فهي منطقة جميلة، وأجمل منها المدن والقرى، والجبال والوديان التي تقطعها في طريقك إليها، وجمالها جمال بديعٌ، فيه تجدُّد وتنوع وغرابة، ثم إنها مسرح موقعة تاريخية مهمة جدًّا، وإذا كانتْ هذه المعركة صغيرةً من حيث عدد المقاتلين، فإن نتائجها البعيدة كانتْ جليلة جدًّا، ثم إن فيها عبرة بالغة جدًّا لخطورة الاستهانة بما ينمو ويستفحل)(13).

     ومقاله: (رعب في قلب مدريد)(14) يتحدَّث فيه عن موقف شخصي حدث له، وذلك أنه كان يتمشى رياضة في أحد شوارع مدريد، وعند إحدى إشارات المرور لاحقتْه امرأة يبدو أنها مخمورة - أو من أصحاب المخدِّرات - وأمسكتْ به من عنقه، وأخذت تنادي "البوليس"، فأدركه رعبٌ وحياءٌ، وكان سريع البديهة في حسن التصرف للتخلص من المأزق الذي وجد نفسه فيه، فقد دفعها عنه حتى وقعت على الأرض، وأخذ يعدو راكضًا وكأنه)أرنب مذعور)(15)، ثم ركب سيارة أجرة متخلصًا منها، يقول (وما زلت حتى الآن أتساءل: لماذا فعلتْ بي هذه الحمقاءُ ما فعلت؟)(16).

     أما مقاله: (أندلسيات حسناوات جدًّا)(17)، فقد امتزج فيه الشعر بالنثر، والخيال بالواقع، وفيه أورد الكثيرَ من المواقف والأفكار التي طرأتْ عليه في تذكره لإسبانيا، ولأندلسها، ورجالاتها، وعظمائها، ومعاركها، وشعرائها، وكتَّابها، وغير ذلك؛ فهي كلُّها حسناوات (والشَّجَا يبعث الشَّجَا)(18)، وهو في حقيقته عدَّة مقالات في مقال واحد، وهو طويل جدًّا قياسًا بغيره من المقالات التي حفل بها الكتاب، كما أن فيه شيئًا من الخصوصيات المتمثلة في ذكر أولاده، وهم ما بين يافع وصغير، وكانوا يرافقونه في بعض هذه الرحلات والمغامرات الشاقة والشائقة أيضًا، وفي سياق طريف يصف تلك المواقف والموضوعات بأنهن حسناواتُه، فهن - كما يقول -: (حسناواتٌ إسبانيات لا أزال أتذكَّرهن... وهؤلاء حسناوات هن - مع الأسف - من الذكريات لا من النساء)(19).

     وفي مقاله :(لعينيك يا رندة)(20) تحدَّث عن رحلة له إلى هذه المدينة، وهي مدينة زارها وعايشها، وفي صحبته ذكريات "محمد أسد" الذي سبق له أن زار هذه المدينةَ وأُعجِب بها، وسبق للغدير أن زار "محمد أسد" في بيته في طنجة، فنصحه أن يزورَها، لقد وصل إليها وفي مخيلته شاعرها وأديبها "أبو البقاء الرندي صاحب" القصيدة الشهيرة التي مطلعها:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصـــــانُ
               فلا يغــرَّ بطيبِ العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دولٌ
               من سره زمنٌ ســـاءته أزمانُ

     وفيها من أعاجيب المواقف التي حدثتْ له - تلك الليلة - ما يجعلك تُشفِق عليه وعلى عياله؛ حيث قضوا ليلتهم نيامًا في السيارة إلى جانب مخفر للشرطة، وفي هذا الموضع قام بجولات خطيرة ما كان أغناه وأغنى أهله وعياله عنها! غير أن حبَّه وتطلُّعه إلى معرفة كل جزئية من تاريخ حضارة المسلمين في إسبانيا، وبحثه عن المعرفة والمجهول - هو الذي صبَّرهم جميعًا، وأعانهم على تحمل ذلك العناء الذي لا تقوم عليه إلا مجموعة من العزاب وهم في فورة الشباب والقوة.

في ماليزيا:

     كتب عن رحلته إلى ماليزيا هذا المقال، وعنوانه: (ليلة لا تنسى)(21)؛ حيث إنه زار منطقة جبَليَّة فيها اسمها (كاميرون هاي لاند)، ويختم حديثه البديع عن هذه الزيارة بقوله: (شكر الله لمن نصحني بهذه الرحلة التي دامتْ يومًا واحدًا لا ينسى، وشكر الله للإمام الذي اصطحبني معه وأكرمني، وكان الأخ والدليل والمترجِم، وعسى أن أظفر برحلة أخرى إلى هذا المكان البديع، على أن أكون وحدي، أو مع صحبة تعشق ما أعشقه من السياحة التي تجمع إلى مُتَع الجسم مُتَعَ الرُّوح، والتي تحرص على التأمل فيما نراه من أشياء، وفيما يكمن وراء هذه الأشياء(22).

ثانيًا: مقالاته عن عدد من الرجال العظماء:

     وفي هذا الباب - وبأسلوبه الأدبي الرشيق - تحدَّث عن عددٍ من الرجال الذين استوقفه منهم جانبٌ من الجوانب الإنسانية العظيمة، التي يتفرَّد بها هذا أو ذاك، ومن ذلك حديثه بعنوان(مع الحاج أمين الحسيني: عبرة وذكرى)(23)، وعن رأي "محمد أسد" في اليهود، وذلك في مقاله: (الطمع القاتل: مستقبل اليهود في فلسطين كما يراه محمد أسد)(24)، وحديثه عن القاضي النَّزيه (عاقبة بن يزيد)(25) وموقفه الحازم من أخذ الرشوة؛ فقد طرد صاحبها وأغلظ له القول(26).

ثالثًا: ومن التاريخ الإسلامي:

     ومن التاريخ الإسلامي جاء مقاله: (التسامح الديني اختراع إسلامي)(27)؛ حيث إن التاريخ لم يعرف فاتحًا أرحم من العرب، والمقصود هنا هم المسلمون: وينقل فيه عن الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - جملة بليغة يصفها بأنها: (جملة بديعة يحسن إيرادُها في هذا المجال، فيها دقةٌ وإيجاز وإبداع، يقرِّر فيها أن التسامحَ الديني إنما هو اختراع إسلامي؛ ذلك أن الإسلام أول مَن بدأه، وأن المسلمين أول مَن طبقوه)(28).

     ومن ذلك أيضًا مقاله: (الصحابة وسَقِيفة بَنِي سَاعِدة)(29)، ودورهم تحت ظلال تلك السقيفة في حسم الموقف، فيقول: (وإدراك الصحابة - بفطرتهم السوية وعقولهم المتوقِّدة - لأهمية اللحظة التاريخية، وأداؤهم الممتاز فيها؛ يذكِّر الدارس المتابع بأن في حياةِ الدول والحضارات والحركات والأحزاب - فضلاً عن الأفراد - حالاتٍ في غاية الدِّقة والخطورة، يتوقَّف فيها النجاح والإخفاق، وربما البقاء والفَناء على إدراك أهمية (اللحظة التاريخية)، وطريقة التعامل معها(30)، متحدثًا - في هذا المقال - عن دَوْر الشُّورى في مثل هذه المواقف الحرجة العصيبة.

     ومن ذلك مقالُه: (إن لله جنودًا من عسل)(31)، فهو يتحدَّث فيه عن واقعة تاريخية، جَرَتْ في أعقاب معركة "نهاوند" أيام الفتوح الإسلامية لبلاد فارس؛ حيث فرَّ القائدُ الفارسي يومذاك، واسمه (الفيرزان) لكن عددًا كبيرًا من الفلاحين الفرس الهاربين، الذين حَرَصوا على حمل ما يملكون من العسل معهم على دوابهم؛ لكونه أثمنَ ما عندهم، ضيَّقوا بكثرتهم ودوابِّهم الطريق، فأضاع ذلك على (الفيرزان) فرصة الهَرَب؛ إذ لحقت به كتيبةُ المطاردة وقتلتْه، ويومها قال بعض الظرفاء) :إن لله جنودًا من عسل)(32)، وقد أحسن المؤلف توظيف هذه الواقعة، إيمانًا بالقدر، وسعيًا في الحياة، وحسنَ توكلٍ على الله عز وجل، وأخذًا بالأسباب، ورضًا بالنتائج، ويختم مقاله بقوله: (إن كل شيء في الكون جنديٌّ من جنود الله، والعسل أحلى هذه الجنود مذاقًا)(33)، ومن جميل تعبيره في هذا المقال قولُه: (وما أجمل أن يمضيَ المسلمُ! وهو يضرب في شعاب الحياة ناجحًا أو مخفقًا، فقيرًا أو غنيًّا، مريضًا أو صحيحًا، مستصحبًا باستمرارٍ عظمةَ الله وقدرته، مخلصًا له القول والعمل، حريصًا على الاستمساك بدينه، والدعوة إليه، ثابتًا على عهده معه حتى يلقاه، طالبًا منه العون والسداد، واثقًا أنه سيمده بجند من جنده، من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم، راجيًا منه القَبول، مستقصيًا ما استطاع هؤلاء الجند عددًا وعدة، وتنوعًا وقدرة!)(34)؛ حيت نلحظ الترادف، والجُمَل القصيرة، والتنوع والاستقصاء، بل والاستغراق، وصولاً إلى أدق التفاصيل.

رابعًا: في الأدب العربي المعاصر - أدباء وآراء أدبية جريئة:

     أما مقالاته الأهم في هذا الكتاب - من وجهة نطري؛ لِما تشتمل عليه من طرح فيه إبداع وتجديد وتميز - فهي أربع مقالات؛ هي: (طه حسين وشجاعة الاعتذار)، و(محمود محمد شاكر شيخ العربية وفارس الفُصْحى)، و(رسالة إلى نجيب محفوظ)، و(أستاذي وأستاذ الأجيال: شوقي ضيف)، وفيما يأتي تفصيل ذلك.

أ- طه حسين وشجاعة الاعتذار(35):

يورد فيه كيف أن طه حسين أصدر كتابه الشهير (في الشعر الجاهلي)، ثم عدَّل عنوانه في طبعات أخرى إلى (في الأدب الجاهلي)، وكان حينها في العقد الثالث من عمره؛ حيث ادَّعى فيه أن الشِّعرَ الجاهلي منحولٌ، وقال في حق الله كلامًا منكَرًا، فتح عليه بابَ خصومِهِ، وأعطاهم حُجَّة قوية ضده(36)، وبعد عشرين عامًا أصدر كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) الذي (أكَّد فيه أن مصر تنتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر مما تنتمي لعالم العروبة والإسلام، ودعا إلى أن نأخذ الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وما يُذَمُّ منها وما يُحمَد) (37)، محققًا بذلك شهرة واسعة هي بين أخذٍ وردٍّ، ويقول حيدر الغدير في ذلك: (وأيًّا كان فقد وجدتُ نفسي أُدِين الدكتور طه وأخالفه، لكنني ظللتُ في أعماقي أرى أنه مسلم محب للإسلام، قال ما قال، وهو غير مقتنع به، طلبًا للشهرة، أو إرضاءً لجهات معادية، أو الاثنين معًا)(38).

     لكن الدكتور طه حسين بعد ذلك (ذهب إلى جدة في مهمة ثقافية، وذلك في عام 1955م، وقد كبِر وشاخ ونضج، ونال كثيرًا مما كان يطمع أن يصل إليه، وحسنًا فعل حين ذهب إلى كلٍّ من مكة المكرمة والمدينة المنورة)(39)، وطه حسين يقول عن هذه الزيارة: (ولما زرتُ مكة والمدينة أحسستُ أنني أعيش بفكري وقلبي وجسدي جميعًا)(40)، ويقول: (وحاولتُ جهدي أن أتخلَّص من المطوفين والمزورين، ولكن محاولاتي ذهبتْ هباءً، وجدتني بين أيديهم أردِّد بلا وعيٍ ما يقولونه، ووجدتني في الوقت نفسه وحدي، وإن كنتُ في صحبتهم، كنت شخصين، شخصية واعية بلا كلام، وشخصية متكلمة بلا وعي... وكانت الشخصية الواعية بلا كلامٍ تناجي ربَّها في صِدق وصمت وخشوع)(41).

     إن المؤلِّف يُحِيل هذا الكلام إلى ما نشرتْه مجلة العربي الكويتية، في عددها (519) الصادر في فبراير 3002م، في مقال للأستاذ "محمد سيد بركة" عنوانه (في بيت الله الحرام: طه حسين يحج، والشيخ الشعراوي يستقبله)(42)؛ حيث يحسم الغدير موقفه منه بقوله: (وقد ربط هذا المقالُ على قلبي، وزادني يقينًا بما وَقَر في قلبي عن طه حسين من قديم)(43).

     وينقل حيدر الغدير عن "محمد سيد بركة" قولَه في ذات المقال عن "أمين الخولي" الذي صاحبه في تلك الزيارة: (حين استلم طه حسين الحجر الأسود ظلَّ يتنهَّد ويبكي ويقبِّل الحجَر الأسود، حتى وقفتْ مواكب الحجيج انتظارًا لأن يغادر هذا الأديب الكبير المكفوف مكانه، ولكنه أطال البكاء والتنهُّدَ والتقبيل، ونسِيَ نفسه فتركوه في مكانه وأجهشوا معه في البكاء والتنهُّد)(44).

     ويقول حيدر الغدير: (ومع الزمن ازداد اقتناعي رسوخًا حين سمعتُ من الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله - في داره في القاهرة وفي الرياض حين كان يزورها، كما سمعت من سواه - أن الدكتور طه حسين كان يُسِرُّ لبعض جلسائِه وخاصَّتِه أنه أخطأ فيما قال)(45).

     وهنا يأخذ حيدر الغدير على طه حسين (أنه اعترف بخطئه، لكن لم يصلْ به الأمر إلى أن يُعلِن ذلك في بيان شافٍ، وعلانية جهيرة، وقول فصل، وهو ما كان ينبغي له أن يعمله، فلا يجوز له أن يكون الخطأُ ملء السمع والبصر، والاعتذار عنه في جلسات خاصه ضيقة، وغفر الله للدكتور طه، لقد امتلك الجرأةَ على المجاهرة بالباطل، لكنه لم يمتلكِ الجرأةَ على المجاهرة بالحق، ولو أنه فعل لشكر له الناسُ ذلك، وأحبه حتى مَن عاداه، ونال رضا الخالق، وهو أجل وأبقى)(46).

     ويختم حيدر الغدير مقاله عن طه حسين بالدعاء له قائلاً: (غفر الله للدكتور طه حسين أخطاءه، وتقبَّل حسناته، وعامله برحمته لا بعَدْلِه، وألهمنا العبرة من سيرته)(47).

2- محمود محمد شاكر:

     أما مقاله عن (محمود محمد شاكر: شيخ العربية وفارس الفصحى)(48)، فقد تحدَّث فيه عن شموخ هذا الأديب، وإبائِه، وشخصيته المؤثِّرة، وعن حبه للعربية والعروبة، واعتزازه بهما، وثقافته الموسوعية، وتاريخه، وخصومته مع أستاذه طه حسين، وعن ابتلائه في العهد الناصري، فيقول: (وفي العهد الناصري دخل السجن مرَّتين، وهو ما ترك في نفسه جراحًا كثيرة، وفي المرة الثانية لازمه إِثْر خروجه نوعٌ من الاكتئاب والسخط، تخلص منه - أو من جزءٍ منه - بصعوبةٍ بالغة)(49).

     ويقول الغدير: (ومن العجيب أن هذا الرجلَ منذ خصومته مع أستاذه طه حسين اختار الصمتَ أكثرَ مما اختار الكلام، مع كل الدواعي الشخصية والعامة التي تدعوه إلى الكلام)(50)، لكنه يُنصِفه بقوله: إن (هذا الرجلَ نادرٌ حقًّا)(51).

     لقد أخذ حيدر الغدير على محمود محمد شاكر أنه (لم يستطع تجاوز أزمته مع الدكتور طه حسين، فقد ظلَّتْ هاجسًا ملحًّا عليه منذ أن وقعتْ حتى مات - أي سبعين عامًا - حقًّا لقد كانت الأزمة مهمَّة على مستواه الشخصي وعلى مستوى الأمة، لكن التعامل مع أزمة ما لا ينبغي أن يتحوَّل إلى عقدة دائمة، بحيث تأخذ أكبرَ من الاهتمام المكافئ لها، وبحيث تجور على اهتمام آخر ينبغي أن يوجَّه لأزمة أخرى، قد تكون أخطر وأكبر، ولكنه - مرة أخرى - المزاج الحادُّ وعَقَابِيله)(52).

     ويرى حيدر الغدير أنه كان حريًّا بشيخ العربية ألا يقفَ عند مشكلته مع طه حسين وكأنها آخر المطاف، بل كان الأجدرُ به أن يتجاوز ذلك إلى تقديم البدائل، فيقول: (والأخطر أيضًا فهو تقديم البدائل، وماذا عسى أن ينفعك الطبيبُ الحاذق إذا عَرَف داءَك وأعلمك به، ولم يصِفْ لك الدواء)(53)، مؤكدًا أن (الجهر بهذه المعرفة يحتاج إلى شجاعة أدبية؛ لأن الجهرَ قوةٌ نفسية تصدم الآخرين فيما يعتقدون، ولقد امتلك الفقيد الشجاعتين العقلية والنفسية على السواء، ولكن هذا هو نصف المطلوب، أما النصف الآخر والأخطر أيضًا فهو تقديم البدائل)(54).

     ويختم مقاله عنه بقوله: (رحمك يا أبا فهر، وأجزل لك المثوبة)(55)، داعيًا له بدعاء الفقيد محمود محمد شاكر نفسه لأخيه الشيخ أحمد - رحمه الله - بقوله: (اللهم تقبَّل عمَله، واغفر زلَّتَه، غير خالٍ من عفوِك، ولا محروم من إكرامك، اللهم أَسْبِغ عليه الواسع من فضلك، والمأمول من إحسانك، اللهم أَتْمِم عليه نعمتَك بالرِّضا، وآنِسْ وحشتَه في قبره بالرحمة، واجعل جُودَك بلالاً له من ظمأ البِلى، ورضوانَك نورًا في ظلام الثَّرى)(56).

3- نجيب محفوظ:

     ومقاله الثالث في هذا الصدد جاء بعنوان (رسالة إلى نجيب محفوظ)(57)، وفيه يصف الرَّجُل بقوله: (وفي نجيب محفوظ أدبًا وحياةً وفكرًا الكثيرُ مما ينتزع الإعجاب)(58)؛ (فهو في فنه صاحبُ موهبة صقلها بالدَّرْس والصبر والمِران، فارتقى بها حتى بلغ ما بلغ، فكان القصَّاصَ العربي الأول)(59)، وهذا أمرٌ معلوم حقَّق له (شهرته العظمى في المجال القصصي)(60)، وهو أمر يعرفه القاصي والداني على حدٍّ سواء، إلا أن حيدر الغدير وجد كذلك في نجيب محفوظ شهرة أقل في (تلك الأفكار التي ينشرها في الصحف بأسلوب يتسم بالإيجاز شكلاً وبالعمق مضمونًا)(61)، ومنها نصان (نشرهما في صحيفة الأهرام يناقش فيهما قضية العنف): الأول بعنوان (فتح الطريق المسدود)، والآخر (أسرة الإرهاب)، وقد نقلهما الأستاذ فهمي هويدي في صحيفة الأهرام، تحت عنوان (إنصافًا لنجيب محفوظ)؛ حيث يقول الغدير: (والقارئ لهذين النصين لا يسعه إلا أن يتوقَّف عندهما معجَبًا بسبب ما فيهما من تركيز مؤدٍّ، ونظرة شمولية، وصراحة مشكورة، وحسن تعليل)(62).

     كما أن الغدير يشير إلى (الكلمة الموجزة الرائعة التي وجَّهها - وهو لا يزال يعالَج في المستشفى بسبب إصابته من محاولة اغتياله - إلى الندوة التي انعقدتْ في القاهرة تحت عنوان "نحو مشروع حضاري عربي"، في نوفمبر 1994م، والتي ألقاها عنه الأستاذ محمد سلماوي)(63)، وفيها يقول نجيب محفوظ: (ورأيي في اختصار هو أن المستقبل الحضاري يجب أن يقوم في أساسه على الإسلام، وفي تطوره على الحوار مع سائر حضارات العالم، والاستفادة من كل نقطة نورٍ لا تتناقض مع مبادئنا الأساسية)(64).

     كما أنه في حديث أجري مع نجيب محفوظ عن روايته الشهيرة (أولاد حارتنا) قرَّر الروائي الشهير (بأن الأمور اختلفتْ منذ ثلاثين سنة)(65)، ويعلِّق حيدر على ذلك بقوله: (هو كلام طيب يوحي بالاعتذار، وإن كان لا يكفي، وأهمُّ من هذه الإشارة قولُه لمحاوره: (لعلِّي تبتُ يا أخي)(66).

     لقد أورد حيدر الغدير على نجيب محفوظ عددًا من المآخذ؛ حيث إن (فكره خليطٌ من الليبرالية والعَلْمانية)(67)، ومنها أيضًا (أن الأديب الكبير كان أحدَ الذين دافعوا عن سلمان رشدي)(68)، كما يأخذ عليه كذلك (اعتذاره لظروفه الصحية، وهي ظروف صعبة حقًّا)(69) عن أداء العمرة ممن دعاه إليها، على الرغم من تقديم الداعي له كلَّ التسهيلات لأداء عمرةٍ سهلة ميسَّرة(70).

     ومع ذلك فقد أشاد المؤلِّف حيدر الغدير باعتذاره عن عدم (حضوره حفل جائزة نوبل مع كل مغرياته الكثيرة)(71)، ويشكره (لأن في ذلك دليلاً على عفَّةٍ وزُهد وترفُّع)(72).

     وينهي حيدر الغدير كلامَه عنه بقوله: (أيها الأديب الكبير لو كنتُ بالقرب منك يوم "14/10/1994م" أثناء محاولة الاغتيال لحاولتُ مساعدتك، لكني مع ذلك لا أملِكُ إلا أن أقول لك: أخطأتَ هنا وأصبتَ هناك)(73).

4- شوقي ضيف:

     أما مقالة: (أستاذي وأستاذ الأجيال: شوقي ضيف)(74)، فيشتمل على إشادة بالغة لا تكاد تنتهي، مؤكدًا فيه أن شوقي ضيف - رحمه الله - كان (متدينًا تدينًا عميقًا، محبًّا للإسلام، معتزًّا به، واسعَ الثقافة فيه)(75)، ويؤكد ذلك بقوله: (كان تأصيله الشرعيّ متيناً، وأخذ ذلك عن حفظه للقرآن الكريم الذي ظلَّ وثيقَ الصلة به طيلة حياته، يضاف إلى ذلك قراءاته المستفيضة عن الإسلام التي كانت ركنًا ركينًا في حياته)(76).

     ويُشيد به واصفًا إياه بجملةٍ من الصفات الحميدة، فيقول: (كان رجلاً عفيفًا، عفيف السريرة، عفيف المظهر؛ لذلك كان لسانُه في غاية الأدب مع مَن يُوَافِقه، ومع مَن يخالفه.. وكان فيه نوع التصوف الذي نجا من السلبية والخرافة وذوبان الشخصية، كما نجا من الضلالات والانحرافات.. وفيه قناعة، ونقاء، وصفاء، وزهد، وعفاف، ورضا، وصبر، وتوكُّل، مع عمل دؤوب، وعزم قوي، وعقل يقظ، وتخطيط حكيم، وتحديد للهدف، وضبط للوسيلة، وتفانٍ وإتقان، كل ذلك في إطار من التوازن والشمول والانسجام)(77).

     إنه وصف بديع محكَم من طالبٍ وَفِيٍّ لأستاذٍ جليلٍ يُكِنُّ له أسمى آيات الاحترام والتقدير، وقد أشاد بكتاباته ولغته وإبداعه، واحترامه لأساتذته الأعلام، وحبِّه لهم؛ فهو - أي شوقي ضيف - يحترمهم، لكنه (لم يَذُبْ في أحدٍ منهم قط، ولعل أبرزَ مَثَل لهذا هو موقفه من طه حسين الذي اختاره معيدًا، ومنحه درجة الدكتوراه بتفوُّق، لقد حفظ له الجميل، ولكنه خالفه في أدبٍ وصراحة في قضية الانتحال في الشِّعر الجاهلي)(78).

     لقد أشار المؤلف إلى نثارٍ من ذكرياته الخاصة مع الدكتور شوقي ضيف، وقُرْبِه منه، وثناءِ ذلك الأديب العملاق على تلميذه حيدر الغدير في عدد من المواقف، وتشجيعِه له، ومنحِه درجة الامتياز في الماجستير، كما أن المؤلِّفَ حيدر الغدير - ومن باب الوفاء لأستاذه وأستاذ الأجيال، على حد قوله - قدَّم عددًا من المقترحات الإيجابية البنَّاءة لتخليد اسم الدكتور شوقي ضيف، وتخليد مكانته الأدبية العلمية، وهو أهلٌ لذلك التخليد، وجديرٌ به بلا شك.

خامسًا: مقالات انطباعية دعوية وتربوية وشخصية:

     والآن نتوقف - في شيء من الإيجاز - عند بقية موضوعات الكتاب؛ وهي:

     عن (الإكرام والطعام)(79)، موجهًا النظر إلى التخلي عن المبالغة في الإكرام من خلال الإطعام حيث يجب وحيث لا يجب؛ لِما في ذلك من إضاعة للأوقات في التزاور والإطعام والإسراف، داعيًا إلى الالتفات إلى ما هو أَوْلى بالإنفاق على الأهم، وصرف الوقت في المفيد، والاعتدال والقصد في هذا الأمر، فيقول: (إن الإكرامَ بالطعام حيث ينبغي هو أمرٌ حميد، لكن الخطأ أن نجعله قاعدةً مطردة في كل الحالات)(80)، وإن الكرمَ (هو قيمة نبيلة ثابتة، لكن التعبير عنه ينبغي أن يكون متحركًا غيرَ ثابت)(81).

     (تجربة دعوية)(82) يتحدَّث فيها عن اجتماع المسلمين في بريطانيا في يوم عيد، في حديقة للصلاة والبهجة وقضاء يوم ممتع، مثنيًا على أنهم لم يغادروا مكانهم من الحديقة إلا وهو نظيف تمامًا، الأمر الذي ترك انطباعًا حسنًا عند الجهات المختصة، وهذا أسلوبٌ عملي من أساليب الدعوة الحميدة غير المباشرة(83).

     (دموع في محراب الخشوع)(84) وهو عن العالِم المسلم "عناية الله الهندي المشرقي" وصداقته وصلته بالعالِم الإنجليزي الفلكي الغربي المشهور "السير جيمس جينز" في جامعة كمبردج، وانبهار الأخير بالأجرام السماوية، مشيرًا إلى ما قدَّمه له العالِم الهندي من آيات بيِّنات محكَمات في هذا المجال، واستشهاده على ذلك بقوله تعالى : ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ (فاطر: 27)، ولَمَّا أعرب "السير جيمس" عن إعجابه تلا عليه العالِمُ الهندي قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28)؛ فازداد إعجابُه، واشتدتْ دهشته(85).

     أما مقاله: (أربعون صلاة)(86) فإن المؤلف يتحدَّث فيه عن تَجْرِبة شخصية له؛ حيث حَرَص على أداء أربعين صلاة متوالية في الحرم النبوي الشريف، مؤمِّلاً أن يفوزَ بالجائزة الثمينة لمن يفعل ذلك؛ اعتمادًا على الحديث النبوي الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: (مَن صلَّى في مسجدي هذا أربعين صلاةً لا تفوتُه صلاة، كتبتُ له براءةٌ من النار، ونجاةٌ من العذاب، وبَرِئ من النفاق)، وقد ساق تجربته الشخصية هذه بأسلوب رُوحاني إيماني شيِّق.

     وفي مقاله: (عَرَف عُمَر فتوهَّج)(87) ينقل قصةً سَمعها من أستاذه الدكتور شوقي ضيف، ومفادها أن مستعربًا إيطاليًّا جاء إلى القاهرة طالبًا لعلوم العربية فيها، وشاء الله عز وجل؛ له أن يقعَ على كتاب عن الخليفة العبقري عمر بن الخطاب، فقرأه فبهرته شخصيةُ الخليفة العظيم، عندها قال للدكتور شوقي ضيف: (إن نبيَّكم صادق، وأنا أجزم بذلك؛ لأن رجلاً بحجم عمر لا يمكن أن يُلْقِي قِيادَه لرجلٍ كاذبٍ)(88).

     وفي مقاله: (رَأَى ملابسَ الإحرام فتوهَّج)(89) يتحدَّث المؤلِّف عن وَفْدٍ جاء إلى جُدَّة من بلد عربي، وكان في الوفد رجلٌ شيوعيٌّ يساري الاتجاه، وحين جاء إلى الوفد مَن يدعوهم إلى العمرة فَرِح الجميع بذلك إلا هذا الشيوعي، لكنه حين رأى زملاءه يرتدون ملابس الإحرام ويلبُّون؛ استيقظ فيه إيمانُه الفطري الكامن في أعماقه، فأحرم مثلهم، وأدى العمرة معهم، وعاد وقد خلع الشيوعية عنه جملة وتفصيلاً.

     ويُحسِن المؤلِّف توظيف هذه الواقعة؛ ليذكِّرنا بأن في أغوار نفسية المسلم العاصي تبقى هناك مساحةٌ دفينة من الإيمان، ينبغي لنا أن نكون عونًا له في إحيائها وتوهُّجها، يقول في جمل قصيرة مترادفة حانية معبرة: (وعلى الدعاة أن يكتشفوا هذه المساحة بالصبر والأمل، والوُدِّ الصادق، والبسمة الحانية، وحب الخير، والهدية الطيبة، وبذل المعروف، والكلمة الودود، والتبشير لا التنفير، والقدوة الحسنة، وحُسن الخُلق، وخفض الجَنَاح، ومعرفة مفتاح الشخصية التي يتعاملون معها، فإذا تَمَّ لهم ذلك وسَّعوا هذه المساحة، ونموها، وغذوها بانتظار ساعة التوهُّج، وهي آتية ذات يوم في موقف ما يعده الله عز وجل؛ برحمته وعنايتِه وحبِّه لخَلْقه)(90).

     أما مقاله: (يحدِّثونك عن النجاح، الإرادة أولاً)(91) فيتحدَّث المؤلِّفُ فيه عن دَوْر الإرادة في مواجهة الصعاب، واستشراف المستقبل، وصناعة البدائل، وهي مقالةٌ ذاتُ نَفَسٍ عملي تربوي، وقد أورد فيها قصصًا عن أربعة من الناجحين، عَرَفهم معرفة شخصية، فقد كانوا نماذج مشرفة للإرادة والفاعلية.

     وأما مقاله الذي يحمل عنوان (هلّا كنت الطائر المبصر)(92) فهو من حيث المغزى والمؤدَّى مشابهٌ للمقال السابع الآنف الذكر.

     أما مقاله: (ساعتي الأثيرة)(93) فإن مغزاه يدور حول ضرورة العناية بالأشياء؛ استجابةً للتوجيه النبوي الكريم: (إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء) (94)؛ حيث إن حُسْن التعامل مع الأشياء يجعلها صالحة للخدمة مدَّة أطول، وبذلك نوفِّر الكثيرَ من المال والوقت والجهد، وفي ذلك فوائد جَمَّة لنا دينًا ودنيا، وللتدليل على ذلك فإن الغدير يستخدم في هذا الصدد حسنَ التعليل وسلامةَ التبرير؛ إذ يقول بإيجاز شديد: (إن الساعة وسيلة لضبط الوقت، وليستْ غايةً في حد ذاتها، وساعتي الأثيرة تؤدِّي مهمتها بدقَّة تامة، فلِمَ التغيير؟!)(95).

     وفي مقاله: (لون من المحاسبة)(96) دعوةٌ تربوية إلى أن يُحَاسِب المرءُ نفسه باستمرارٍ؛ ليحتفظَ بما عنده من حسنات، ويتخلَّص مما فيه من عيوب، ويترقى في آفاق الكمال الإنساني.

     وعندما يقوم حيدر الغدير بذلك يعيش حالةً من الزهد والتطهر النفسي، فيقول: (وحين كنتُ أنظر إلى ما مضى من العمر، وأشعر أني قد لا أقوم من نومي؛ تهون عليَّ الدنيا هوانًا كبيرًا، ويزداد تعلقي بالباقي القادم على حساب الفاني المنصرم)(97)، وبعد أن يقوم بهذه المحاسبة يصوِّر أثرها في نفسه بقوله: (في الليالي التي أحاسب نفسي فيها حسابًا شاملاً، وأقرأ الأدعية المأثورة كاملة؛ كنت أشعر أنني خرجتُ من حمام "ساونا" نفسيٍّ نقَّانِي أحسن النقاء، وطهَّرني أحسن التطهير، ورَبَط على قلبي، وجعلني في معية الله - عز وجل)(98).

الخاتمة:

     إن مَن يبدأ بقراءة هذا الكتاب يجد نفسه مشدودًا إلى متابعة مقالاته واحدة إثر الأخرى إلى أن ينتهي منه، وقد اتَّسمتْ كتابةُ المؤلف باتساع الخبرة، والتعبير عما يجده في سفره وترحاله، كما اتَّسمتْ كتابتُه باللغة الفصحى، البيِّنة الدقيقة، السهلة اليسيرة، والجمل القصيرة، والتصوير المعبِّر، والحكمة والاعتدال في تناول الأفكار والتدليل عليها، والإنصاف، والرُّوح الدعوية، وحب الخير للجميع، والنقد البنَّاء من غير إفراط ولا تفريط، ونلحظ في عبارات كتابه أثرَ الزيات والطنطاوي والرافعي فيه، ويظهر ذلك في الجمل القصيرة، وفي توازن العبارات، وفي الترادف، والاستقصاء، والوضوح، وحسن الاستدلال والتعليل، والرُّوح الدعوية الخيرة.

-----------------------

الهوامش:
(1) هي على التوالي: مَن يطفئ الشمس، غدًا نأتيك يا أقصى، عادت لنا الخنساء.
(*) عاشق المجد عمر أبو ريشة: شاعراً وإنساناً، د.حيدر الغدير، ط2، دار المؤيد، الرياض، 1428هـ-2007م.
(**) صلاة في الحمراء، د.حيدر الغدير، ط1، مكتبة التوبة، الرياض، 1432هـ-2011م.
(2) ص7.
(3) ص10.
(4) ص10.
(5) ص11.
(6) ص12.
(7) ص15.
(8) ص47.
(9) ص24.
(10) ص25.
(11) ص26.
(12) ص27.
(13) ص39.
(14) ص34.
(15) ص36.
(16) ص36.
(17) ص37.
(18) ص48، جزء من قول لشاعر لعربي.
(19) ص56.
(20) ص17.
(21) ص57.
(22) ص61.
(23) ص94.
(24) ص99.
(25) ص116.
(26) ص118.
(27) ص103.
(28) ص107.
(29) ص108.
(30) ص109.
(31) ص76 .
(32) ص77.
(33) ص78.
(34) ص77.
(35) ص120.
(36) ص120.
(37) ص121.
(38) ص121.
(39) ص122.
(40) ص122.
(41) ص122.
(42) ص122.
(43) ص122.
(44) ص124.
(45) ص120.
(46) ص122.
(47) ص126.
(48) ص127.
(49) ص132.
(50) ص136.
(51) ص136.
(52) ص137.
(53) ص138.
(54) ص138.
(55) ص138.
(56) ص138.
(57) ص139.
(58) ص139.
(59) ص139.
(60) ص140.
(61) ص140.
(62) ص142.
(63) ص143.
(64) ص143.
(65) ص144.
(66) ص144.
(67) ص145.
(68) ص146.
(69) ص148.
(70) ص148.
(71) ص148.
(72) ص148.
(73) ص149.
(74) ص150.
(75) ص151.
(76) ص151.
(77) ص152.
(78) ص153-154.
(79) ص160.
(80) ص162.
(81) ص163.
(82) ص163.
(83) ص163-164.
(84) ص166.
(85) ص168.
(86) ص62.
(87) ص68.
(88) ص68.
(89) ص70.
(90) ص72.
(91) ص88.
(92) ص73.
(93) ص79.
(94) ص80.
(95) والحديث: عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته). رواه مسلم.
(96) ص83.
(97) ص86.
(98) ص86.

تعريف بكتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً" - أ.شمس الدين درمش

تعريف بكتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً"

للدكتور حيدر الغدير

أ.شمس الدين درمش


     هذا الكتاب في أصله بحث علميّ، حصل به صاحبه الدكتور حيدر الغدير على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1414ﻫ - 1994م.

     كان البحث موزعاً في أصله العلمي على بابين، وعدد من الفصول، لكن مؤلفه حين طبعه كتاباً للناس ألغى هذا التوزيع، وجعله موضوعات متوالية، كل موضوعٍ يحملُ عنوانه الخاص به، دون أن تسبقه كلمة "باب" أو "فصل"، حيث بدا له أن ذلك أيسرُ على القارئ، لأنه يتيح له أن يستمر في قراءة الكتاب، من دون أن تشغله التقسيمات الفنية، على أن ذلك لم يجرْ على منهج الدراسة ومادتها ونتائجها.

     يضاف إلى ذلك أن المؤلف حذف منه بعض المواد التي بدت له مغرقة في التخصص، بحيث لا تهمُّ القارئ العادي في قليل أو كثير، وأضاف إليه بعض المواد التي تتعلق بحياة الشاعر وطبيعته ومزاجه، وهذه المواد لم تكن موجودة في الأصل الذي كان دراسة فنية للشاعر فقط. ويبدو لي أن المؤلف أحسن في إضافة هذه المواد لأنها تساعد على فهم الشاعر وعصره، خاصة أنه جعلها تأتي قبل الدراسة الفنية، التي استأثرت بمعظم الكتاب، وهذه ميزة تذكر فتشكر، لأن الدراسة الفنية هي الميدان الذي تظهر فيه قدرة المؤلف وخصوصيته، وحسه الفني.

     وهذا بيان بالمواد المضافة: صورة كلية، مسيرة الحياة، في رحاب فيصل، إباء وكبرياء، مواقف جريئة، مبالغات وادعاءات، شعره الوطني، شعره الإسلامي.

     أما مواد الكتاب الأصليّة، وهي التي تناولت الجانب الفني من شعر عمر أبو ريشة فهي: الوحدة العضوية، الصورة الشعرية، الموسيقى الشعرية، لغة الشعر، الرمز الشعري، تبديل وتعديل، القصة الشعرية، الملحمة الشعرية، المسرح الشعري.

     الكتاب جهد علمي رصين، فيه متابعة واستقصاء، وتحليل، وفيه أيضاً أسلوب أدبي مشرق، ولا غرابة؛ فالمؤلف أديب وشاعر بادئ ذي بدء، لذلك جاء كتابه عملاً مميزاً يجمع بين دقة العالم ولغة الأديب، فكان جميلاً ومشوقاً.

     يحمد للمؤلف أن دراسته قامت أولاً، وقبل أي شيء على شعر الشاعر، فهي دراسة "نصية"، لذلك كانت أحكامه الأدبية تقوم على استقرائه للنص الشعري، لا على مجرد النقول عن هذا وذاك، وهذه ميزة تدل على القدرة والخصوصية والجهد الذاتي.

     تعامل المؤلف مع مناهج الدراسة الأدبية بمرونة وانفتاح في الحدود التي رآها تخدم البحث، فلم يكن أسيراً مقيداً لها، وأعانه على ذلك أن له رؤيته المستقلة من ناحية، وأن دراسته قامت قبل كل شيء على "استنطاق" النص الشعري لعمر أبو ريشة.

     إن الذي يقرأ هذا الكتاب يشعر بالجهد الدؤوب الذي بذله الباحث، ويشعر أنه وفق في حشد مادته ومقدماته، وأحسن ترتيبها ترتيباً جيداً، يأخذ بعضه برقاب بعض، وعليه تبنى النتائج التي تأتي في مواقعها المنطقية، فتكون قادرة على إقناع القارئ بها.

     ومما تمتاز به هذه الطبعة أنها مُتقَنة جداً، من حيث الإخراج الفني، والأخطاء الطباعية فيها قليلة جداً، ومردُّ ذلك إلى طبيعة المؤلف التي تحرصُ على الريْث والدقة، وإطالة النظر في تجارب الطباعة قبل إجازتها، وإلى استعانته بعدد من إخوانه اللغويين البارعين الذين دققوا النظر في مادة الكتاب تأليفاً وطباعة.

     هذا وقد كانت لأخي حيدر صلة طيبة جداً بالشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، يمكن لك أن تجدها بوضوح في مقالته عنه التي تحمل عنوان "الشيخ الأعجوبة علي الطنطاوي أستاذي وأستاذ الأجيال"، وفي هذه المقالة نجد أن الشيخ الجليل يتصل بتلميذه حيدر حين حصل على الدكتوراه ليقول له عبر الهاتف من حيث يقيم في جدة إلى حيث يقيم في الرياض: "أنا ما اتصلت بك لأهنئك بالدكتوراه بل لأهنئ الدكتوراه بك". فاستبدّ بأخي حيدر فرحٌ غامر، وشكر الشيخ الجليل على ثنائه، وسارع إلى تسجيل هذا الثناء وتأريخه في أوراقه الخاصة، اعتزازاً به، وخوفاً عليه من الضياع.

     وحين تمت طباعة الكتاب، حرص أخي حيدر على إهداء الشيخ نسخة منه، فقرأها الشيخ وأثنى عليها كثيراً، ووصف الكتاب بأنه مدهشٌ وممتاز، وأنه أنصف الشاعر، وقال لأخي المؤلف: كنت أقر بجودتك كاتباً، لكني لم أكن أظنك بهذا المستوى، وأنا الآن أشيد بمقدرتك كاتباً بعد أن أشدت بمقدرتك شاعراً. وهنا فرح أخي حيدر كثيراً، وسارع – كما فعل في المرة السابقة – إلى تسجيل هذا الثناء وتاريخه في أوراقه الخاصة اعتزازاً به، وخوفاً من الضياع.

     هذا؛ وقد صدرت في بردة جميلة مُجلّدة؛ الطبعة الثانية من كتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً"، وهي التي يعرف بها هذا المقال، عن دار المؤيد في الرياض، عام 1428ﻫ - 2007م. وتقع في 571 صفحة، مقاس 24 × 17، وكانت الطبعة الأولى من الكتاب قد صدرت عن مؤسسة الرسالة في بيروت، عام 1417ﻫ - 1997م، في 540 صفحة من المقاس نفسه.

***

عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً للدكتور حيدر الغدير - أ.عبد الرزاق ديار بكرلي

عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً

للدكتور حيدر الغدير

أ.عبد الرزاق ديار بكرلي
نشر في مجلة الحج والعمرة - مكة المكرمة
عدد شعبان 1427هـ - آب وأيلول 2006م


     هذا الكتاب في أصله بحث علمي، حصل به مؤلفه على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، لكنه حين طباعته أدخل عليه بعض التعديلات؛ بإضافة مواد تتناول حياة الشاعر ونفسيته ومواقفه وطائفة من أخباره؛ مما أضفى على الكتاب حيوية وتشويقاً وتخفيفاً من جفاف المادة العلمية والبحث الأكاديمي. وقد جمع هذا الكتاب بين دفتيه الدرس الأكاديمي إلى جانب السرد التاريخي؛ من خلال جمع أخبار الشاعر وسيرة حياته، وتحليل شعره من مختلف النواحي الفنية؛ فكان بحقٍّ ممتعاً في قراءته، خصباً في معلوماته، مشوقاً في تحليله وعرضه.

     يتألف هذا الكتاب من مقدمة أبان فيها المؤلف عشق الشاعر لمجد أمته، ووطنه، وشعره، ونفسه، فكان له ما أراد، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بالاسم الذي اختاره له مؤلفه (عاشق المجد).

     يلي ذلك سبعة عشر موضوعاً يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، على النحو الآتي:

- القسم الأول:
هو موضوع واحد عنوانه (ديوان الشاعر) أرَّخ فيه لطبعات الديوان، والتعديلات التي طرأت عليه في كل مرة.

- القسم الثاني:
خمسة موضوعات تناولت الجانب الشخصي في حياة الشاعر، وهي:

1ـ صورة كلية:
     درس فيه حياته، فهو سوري، ولد في منبج، وترجع أصوله إلى قرية القرعون في لبنان، وتنتمي أسرته إلى قبيلة (الموالي) التي ترجع إلى قبيلة "طيء" وقد حمل العمل الوظيفي والده ذات يومٍ إلى (عكا) في فلسطين، وتزوج من إحدى بنات عائلة اليشرطي، وقد عاش الشاعر حوالي ثمانين عاماً حافلة بالأحداث والمتغيرات والعطاء، وكانت وفاته في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1410هـ / 1990م، وقد حملت جثمانه طائرة خاصة إلى مدينة حلب بسوريا ليدفن فيها، رحمه الله تعالى.

2ـ مسيرة الحياة:
     لقد عاش الشاعر حياة عريضة زماناً ومكاناً وتنوعاً وامتداداً ودويَّاً، وعاصر هجمة المستعمر على البلاد، وشارك في حركات التحرر، وتلقى دراسته في بلده، وفي إنجلترا: أحبَّ، وعشق، وأصابه الغرام، وكانت حياته ذات تصاريف متنوعة تقلَّب في سرائها وضرائها؛ مؤثِّراً فيها ومتأثراً بها.

3ـ في رحاب (فيصل):
     يتحدث المؤلف عن صلة الشاعر بالملك فيصل رحمه الله تعالى، وكانت هذه الصلة متميزة بالخصوصية التي جعلته في هذه الرحاب أنشط وأزهى منه في أي بلد آخر.

4ـ إباء وكبرياء:
     يورد المؤلف في هذا الموضوع صفة من أهم الصفات التي اتصف بها الشاعر، "حيث كان قامة شامخة شكلاً ومضموناً". وقد أبرز شعره الكثير من الكبرياء والاعتزاز بالنفس وبالأصالة، فهو يشبه نفسه بالنسر الذي اضطر لمغادرة وكره في قنَّة الجبل ليعيش مع بغاث الطير في السفح تعابثه وتدافعه وتنازعه حتى لقمة العيش؛ فشعر بالنقمة على هذا المصير الذي آل إليه أمره، وفضَّل أن يموت في وكره عزيزاً جائعاً، مما دفعه إلى أن يستجمع بقايا قوته ويطير بها إلى الأعالي، لكنه في محاولته تلك سقط جثَّة هامدة في وكره المهجور.

5ـ مواقف جريئة:
     أكد فيه المؤلف على أن الشاعر كان أجرأ شعراء جيله بحسِّه الوطني، والعربي، وكان أجرأهم في الدفاع عن أمته، فقد كانت بعض قصائده تجعله مهدداً في حياته، وعلى الرغم من ذلك فهو يلقيها غير عابئ بما قد يصيبه منها جرَّاء حماسته المتدفقة واندفاعه اللاهب.

- القسم الثالث:
     لقد غطى هذا القسم معظم موضوعات الكتاب التي تناولت الجانب الفني، ويقع هذا القسم في (أحد عشر) موضوعاً، هي على النحو الآتي:

1ـ شعره الوطني:
     يشير المؤلف إلى أنه كان للشاعر في كل ميدان قنبلة، وفي كل معركة غنيمة وانتصار، ويحتل الشعر الوطني في ديوانه حيزاً كبيراً، كما يحتل الشاعر في سجل الشعر العربي الوطني مكانةً بارزةً، وهنا تأتي رائعته الشهيرة "عروس المجد" التي يستهلها بقوله:

يا عروس المجد تيهي واسحبي
               في مغانينا ذيـــــــول الشهــــب
لن تري حفنـــة رمــل فوقــــها
               لم تعطـــر بدما حــــــــــرٍّ أبي
لا يموت الحق مهـــما لطمــت
               عارضيه قبضــــــة المغتصب

2ـ شعره الإسلامي:
     "احتل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والتاريخ الإسلامي، وأبطاله العظام، مكانة عظيمة في نفسه"، ويقول الكاتب عنه: "إن عمر نشأ على ولاء طيب للإسلام، كان يزيد مرة، ويضعف أخرى، لكنه يظل ثابتاً".

3ـ الوحدة العضوية:
     يرى الكاتب في هذا الموضوع أن قصائد الشاعر متماسكة، فهو شاعر القصيدة ذات الوحدة المتكاملة، يأخذ بعضها برقاب بعض حتى تنتهي مع البيت الأخير نهاية تثير الدهشة، وهو ما كان يسميه الشاعر بيت المفاجأة"، ويشعر القارئ بأن القصيدة كتلة واحدة لا أشلاء متفرقة من الأبيات، فالقصيدة عنده وحدة لا تتجزأ على حدِّ قول أبي ريشة ذاته.

4ـ الصورة الشعرية:
     يؤكد فيه المؤلف على أن "الصورة الشعرية دعامة أساسية من دعائم البنية الفنية عند أبي ريشة، مثلها مثل الوحدة العضوية وبيت المفاجأة، فالصورة لديه مكثفة إذ توجز الكثير في القليل، وتومض كأنها لمحة برق وتدعك مأخوذاً مسلوباً.

     فهناك الصورة التي تمثل مشهداً أو لوحة فنية (مصرع الفنان) و(حكاية سمار) و(محمد صلى الله عليه وسلم)، وهناك التشخيص؛ وذلك بخلع الصفات والمشاعر الإنسانية المادية على الأشياء والتصورات العقلية المجردة، ومنها عناية الشاعر بالجمع بين الأمور المتناقضة وحشدها في إطار واحد، ومن ذلك حينما تقول له الفتاة الإسبانية:

هؤلاء الصيـــد قومي فانتسب
               إن تجد أكرم من قومي رجالاً

     فيأتي جوابه لها:

أطرق القلب وغامت أعيني
                برؤاها، وتجاهلت السـؤالا

     ومن ذلك تصويره الموت تصويراً فيه غرابة غير مألوفة؛ مع اعتقاده بأنه مجرد انتقال أو سفر من مكان إلى آخر.

     على أن صوره قد يكتنفها نوع من الغموض أحياناً؛ ذلك الغموض الذي يفتح النوافذ أمام المتلقي ليشارك في تخيل الصورة وتقبلها والاستمتاع بطرافتها وغرابتها.

5ـ الموسيقا الشعرية:
     تناول المؤلف في هذا الموضوع كل ما يتعلق بهذه الموسيقا عند الشاعر، فهو شاعر مطبوع بفطرته، وينتمي إلى أسرة تعتد بالشعر؛ حيث أشرب أنغامه في وقت مبكرٍ جداً من حياته، يضاف إلى ذلك الإرث الصوفي وتأثره بإنشاد المتصوفة، كما كان يحب شعر الموشحات التي تتميز بالنغم والتنويع في القوافي والجمع بين البحور التامة والمجزوءة، والتغيير في أطوال الأسطر، ويضاف إلى ذلك تأثره بالمدرسة المهجرية، فضلاً عن صلته بالشعر العربي القديم.

     لقد تميز الشاعر بالأذن الموسيقية التي وهبه الله إياها، فبها يعرف النغم المناسب حدةً وقوةً وضعفاً، ويعرف بها الذبذبات الخاصة التي لا يحيط بها علم العروض، وكل ذلك ساعده على نظم الشعر بالبحور التامة، والبحور المجزوءة، وتنويعه في الأوزان على حسب الموضوعات، كما أنه يعمد إلى تعدد الوزن داخل القصيدة الواحدة في بعض الأحيان، ويستخدم القوافي المطلقة والمقيدة والمشتركة والقوافي المتنوعة، مركزاً على القوافي المأنوسة، مهتماً بشكل خاص بالموسيقا الداخلية من تصريع، وتماثل في الإيقاع، وتكرار، وكثرة حروف المد؛ حيث يتاح للصوت أن يأخذ أقصى مداه حين إلقاء الشعر أو إنشاده، ويستخدم في شعره النداء، والاستفهام، وحسن التقسيم، والجناس، وغير ذلك من أنواع التلوين الموسيقي.

6ـ لغة الشاعر:
     يتحدث المؤلف عن أن فريقاً من النقاد يتهم أبا ريشة بضعف لغته، وقلة مفرداته، وقلة اتصاله بالتراث اللغوي، وأن فريقاً آخر يقف موقفاً مناقضاً لذلك الموقف، ويشيد بلغته، ويرفع مكانتها، وإن الكاتب حين دراسته الرأيين انتهى إلى أن لأبي ريشة صلة بالشعر العربي القديم، فلغته شاعرية تحتذي النموذج الأعلى جمالاً وجرساً وإيحاءً وظلالاً؛ فهي لغة صحيحة تتسق مع التجربة النفسية التي تنقلها، والواقع الموسيقي للألفاظ، والبناء اللغوي لديه محكم متين؛ فهو محكم السبك، متصل الأواصر، دون نُبُوٍّ أو معاظلة أو تعقيد، مع استرسال جميل وإحكام عذب وتدفق متتابع، ولا يخلو شعره من بعض العيوب ولا سيما قصائده التي قالها في بواكير الشباب.

     أما المعجم الشعري لديه فخاض به، فهو يكرر ألفاظاً بعينها، ويتكئ عليها في أكثر قصائده، ويؤكد المؤلف هنا أن الشاعر يسوق عبارات نجدها مكررة في أماكن عديدة من شعره، وكثير منها إما أنه يدل على إباء الشاعر وشموخه وعنفوانه واعتزازه بدينه وعروبته ووطنه، أو يدل على اعتزازه بتجاربه الشخصية بما في ذلك من غزلٍ ولهوٍ وعبث.

7ـ الرمز الشعري:
     يؤكد المؤلف على أن الشاعر قد اطلع في غربته على أشعار (بودلير) و(إدغار ألان بو) وهما شاعران رمزيان، فالصحراء لدى الشاعر رمز للأصالة والعروبة والمكارم، وهو يستدعي الرمز التاريخي ويوظفه، والنور لديه رمز لكل ما يحبه خاصاً هذا المحبوب كان أم عاماً، ويرمز بالنسر إلى نفسه ويمثل به العزة السالفة والحلم بالعودة إلى القمة الشماء، والجبل رمز للشموخ والإباء والعنفوان، والبلبل لديه محزون، والحياة فتاة جميلة جداً غوية جداً.

8ـ تبديل وتعديل:
     يقول المؤلف: "فالشاعر يغير في شعره حذفاً أو إضافة أو تبديلاً لاعتبارات فنية أو سياسية أو ذوقية، يحدوه في ذلك أنه شاعر ذو أناة ومعاودة، ينظر إلى العمل الفني على أنه جهد متكرر لا بد من تحسينه ولو بعد حين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

9ـ القصة الشعرية:
     يؤكد المؤلف على أن للقصة الشعرية عند أبي ريشة قيمة فنية كبيرة تدل على مقدرته في ضبط عناصرها وتحريك أحداثها ورسم شخصياتها مما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأثر الذي ينشده الشاعر لدى المتلقي، ومن ذلك مثلاً قصيدته "هكذا"، و"في طائرة"، و"جان دارك"، و"كأس"، و"نسر"، وقصيدة "بلادي" التي كتبها في تأبين السياسي الشهير سعد الله الجابري المتوفى عام 1947م؛ مثنياً فيها على موقفه النبيل من (إبراهيم هنانو)، ودعمه وتأييده له في نهضته ضدَّ الفرنسيين المحتلين.

10ـ الملحمة الشعرية:
     يظهر المؤلف في هذا الموضوع الجانب الملحمي في شعر أبي ريشة، فللشاعر قصيدتان ملحميتان هما (خالد) التي نظمها عام 1938م وتتألف من (69) بيتاً على البحر الخفيف، وعلى روي واحد هو النون المكسورة المسبوقة بألف ممدودة، تحدث فيها عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعن جهاده وتضحياته وحياته وحنكته الحربية، ومطلعها:

لا تنامي يا راويات الزمان
               فهو لولاك موجة من دخان

     وقصيدته الملحمية الأخرى "محمد صلى الله عليه وسلم" في (100) بيت على البحر الخفيف، ولها روي واحد هو الهمزة المكسورة المسبوقة بألف ممدودة، ومطلعها:

أي نجوى مخضلة النعماء ... رددتها حنــاجر الصحراء

     وقد أورد المؤلف عدداً من الخصال التي يمتاز بها شعر الشاعر الملحمي، وهي:

1ـ المطلع الملحمي.
2ـ الطول بالنسبة لباقي قصائده.
3ـ غياب الجانب الذاتي والتعبير عن الوجدان الجمعي.
4ـ الروح الغيبية.
5ـ وصف المعارك.
6ـ البناء القصصي.

11ـ المسرح الشعري:
     يشير المؤلف إلى أن هذا الجانب هو أضعف الجوانب في شعر أبي ريشة؛ لكونه شاعراً غنائياً قبل كل شيء، وليس شاعراً مسرحياً، ومن شعره في هذا الجانب مسرحية "ذي قار"، و"أوبريت عذاب"، كما أنه قد نشر فصولاً من ثلاث مسرحيات لم تكتمل هي: "محكمة الشعراء"، و"الطوفان"، و"سمير أميس". وهناك مسرحيات شعرية كان يشير إلى أنه في صدد إعدادها؛ إلا أنها لم تر النور، وهي: "تاج محل"، و"علي"، و"الحسين".

     وأخيراً هناك ثبت بالمراجع العربية، مرتبة وفق الاسم الأول لمؤلفيها، وثبت آخر بالمراجع الأجنبية.

     لا شك بأن هذا الكتاب عمل شامل، وجهد بارز، يجد فيه الدارسون بغيتهم من حيث العرض والتحليل والدراسة والتقصي والاستفاضة، ويجد فيه محبو الأدب ومتذوقوه متعة وجمالاً، وهو كتاب جديد في بابه، فضلاً عن كونه أول كتاب عربي علمي ضافٍ دقيق خاص بالشاعر عمر أبي ريشة - حياةً وشعراً - بعد رحيله عن دنيا حافلة بالكثير من التجارب والمواقف، جمع فيه مؤلفه بين العرض العلمي والذوق الأدبي والواقع التاريخي. رحم الله الشاعر وغفر له، وبارك في صنيع المؤلف ووفقه.

     وقد صدر الكتاب عن مؤسسة الرسالة في بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1417هـ، 1997م. في 540 صفحة، مقاس 24×17.

***
------------------
· نشر في المجلة الإلكترونية، رابطة الأدب الإسلامي، العدد 64، بتاريخ 07/11/2016م.

عاشق المجد 6 / 6 - أ.عبد العزيز بن عبد الله السالم

عاشق المجد - دراسة في ست حلقات

(الحلقة السادسة)

أ.عبد العزيز بن عبد الله السالم
صحيفة الرياض
16/ 2/ 1418هـ - الموافق 21/ 6/ 1997م



تبديل وتعديل:

     الشاعر الذي يحترم نفسه ويقدر قراءه ـ ومثله الأديب ـ عندما يعود لجمع عطائه وإصداره يحرص على ألّا يقدم لجمهوره إلّا ما يرضى عنه حينما يضع إنتاجه في ميزان الجودة. فالأديب أو الشاعر لا يكتب أو يقول شعراً يكون موضع رضاه على الدوام، فحياته كلها ليست تجليات وإلهاماً وإبداعاً، وإنما فيها ما هو كذلك، وما هو عكس ذلك، فالكتابة أو الشعر الذي يجيء بمعزل عن التفاعل مع الجو الذي أوحى إلى الكاتب أو الشاعر يجعل العطاء فاتراً لا تحس فيه حرارة الانفعال، ولا وهج الروح التي تمليه، وفي ظل هذا المفهوم كان أبو ريشة كما يقول المؤلف: "يعيد النظر في شعره كثيراً، وربما أسقط قصائد كاملة من شعره فيما نشر من دواوين، وربما عدل تعديلاً كبيراً أو صغيراً في بعض شعره حين يعيد نشره في طبعة تالية، ومرد ذلك أنه كان كثير التجويد في شعره. ذلك أنه كان يتأنى فيه ويتعنى ويبذل جهداً غير عادي لأنه كان شاعر صنعة أكثر منه شاعر طبع".

     واستشهد المؤلف ببعض أشعاره التي أجرى عليها الشاعر التعديل والتبديل والحذف والإضافة. وفي مقابلة صحفية معه عندما سئل عن البيت الأخير الذي يسميه ببيت المفاجأة والذي عادة ما يكون ختام القصيدة أجاب: "القصيدة عندي وحدة متكاملة تحمل فكرة جديدة تعودت أن أختمها ببيت الاستثارة، أو كما تقول بيت المفاجأة".

***

القصة الشعرية:

     استعرض المؤلف وضع القصة الشعرية لدى الأدباء والنقاد المعاصرين، والتفاوت الواقع بين كثيرين منهم حيال هذا اللون من العطاء، فمنهم من يرى أن النثر هو أداة القصة، وأن الشعر ليس كذلك، ومنهم من أخضع النص للتجربة الشعورية سواء كانت الأداة نثراً أو شعراً، ومنهم من حاول التوفيق بين الرأيين بإرجاع ذلك للشاعر نفسه، فإن كان باستطاعته أداء القصة شعراً بعناصرها المكتملة كان ذلك ممكناً، وإن لم يكن مؤهلاً لها لم تكن قصة شعرية مهما حاول ادعاء ذلك.

     وفي هذا المجال فقد أثبت المؤلف أن للقصة الشعرية عند شاعرنا "قيمة فنية كبيرة تدل على مقدرته في ضبط عناصرها، وتحريك أحداثها، ورسم شخصياتها بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأثر الذي ينشده الشاعر لدى المتلقي". ويستشهد بقصيدته: (هكذا)، ويصفها بأنها قصة شعرية محكمة، وإن كانت محدودة بثلاثة عشر بيتاً فقط، والقصة الشعرية الأخرى تتمثل في قصيدة تبلغ خمسة عشر بيتاً حين التقى في الطائرة بفتاة إسبانية من أصول عربية حدثته عن أمجاد أجدادها القدامى العرب وهي لا تعرف أنه عربي، وهي قصة شعرية رمزية فيها تمجيد لماضي العرب، وحسرة على حاضر الأمة العربية، وعلى لسانها أجرى هذا السؤال المثير:

هؤلاء الصيد قومي فانتســب
               إن تجد أكرم من قومي رجالا

     ويأتي البيت الأخير الذي يختم به القصيدة، وهو البيت الذي ينطوي على المفاجأة:

أطرق القلب وغامت أعيني
               برؤاها وتجــــاهلت السؤالا

     فرض عليه الموقف وهو العربي الأصيل أن تفيض عيناه بالدموع حزناً لأنه لم يجد الرد على السؤال الذي يحمل تمجيد قومه من إسبانية تنتمي في أصولها إلى العرب في عصر سبق، ولا تعرف ما انتهى إليه وضعهم في هذا العصر.

     وله قصة شعرية تمثلت في قصيدة (جان دارك) قالها في مطلع شبابه عام 1935م، تقع في أربعة مشاهد، وفي عام 1940م قال قصيدة (كاس) وأحداثها تدور حول قصة الشاعر الحمصي عبد السلام بن رغبان المشهور بديك الجن الذي قتل جاريته - وكان قد تزوجها - لفرط غيرته عليها حين توهم أنها خانته، فلما تبين له خطؤه ندم ندامة شديدة حين لم يعد الندم يفيد، واشتد ندمه عليها حتى لحق بها. والشاعر يبني على هذه الحادثة قصته الشعرية التي صاغها في سبعة مقاطع، وله قصائد في هذا المجال عدا ما ذكر تمثل القصة الشعرية مثل: (دليلة) و(نسر) و(لوعة) و(بلادي).

     وقد وصفه المؤلف بأنه "يعتمد في قصصه بدرجات تتفاوت وتتناوب على الإيحاء والتلميح، وعلى المباشرة والتصريح، ويعنى بتصوير العناصر المحيطة بالواقعة، والممهدة لها، والمعينة على استيعابها، ورسم الشخصية من الداخل والخارج، وربما أنطقها ببعض ما يريد، وربما نطق ببعض ما تريد، فعبر عنها وعبرت عنه".. ولعل أروع قصصه الشعرية: (لوعة) وهي في رثاء ابن أخته علي الشهابي، وقد بعثت إليه تخبره بالفاجعة في وفاة ابنها، وهو يلخص فجيعته في البيت الأخير:

ما لهـا تنحرني نحراً على ... قولها مات ابنها مات علي

     ولم يذكر منها المؤلف في هذا الفصل سوى هذا البيت، ولو أنه وضع فهرساً للشعر في كتابه لسهل على القارئ الرجوع إلى قصائد الشاعر التي استشهد بأبيات منها، وقد وصف المؤلف القصيدة بأنها: "متفردة في كونها رثاء، ومتفردة في كونها قصة، وهي نموذج من أروع نماذج الجهد الفني المبدع".

***

الملحمة الشعرية:

     يقدم المؤلف عن الملحمة في شعر أبي ريشة بالحديث عن الملحمتين اليونانيتين الشهيرتين: (الإلياذة) و(الأوديسة)، وهما - كما هو معلوم - أقدم الملاحم الشعرية على الإطلاق، وقد أفاض المؤلف في استعراض الملاحم وأنواعها وأدوارها وتواريخها، والتعريف بها، وأسماء كثير من الشعراء الذين أنشؤوا الملاحم في العصور القديمة، أو في العصر الحديث. وقد توسع في تغطية هذا الموضوع بما هو مؤهل له من ثقافة واسعة، وبما وهبه الله من طاقة متميزة. وبعد تلك الإفاضة الشاملة عن الشعر الملحمي والآراء النقدية التي استعرضها تساءل: أين يقف أبو ريشة بين تلك الآراء؟ وأشار بصفة خاصة إلى قصيدتيه المطولتين (خالد) و(محمد)، وقد سبق ذكرهما في فصل سابق، وكان نظم الأولى عام 1938م، ونظم الأخرى عام 1941م.

     والأولى تتضمن ملامح من سيرة البطل المغوار خالد بن الوليد رضي الله عنه وتسجيل بعض بطولاته، والثانية نظمها في السيرة النبوية الكريمة وكان يعدها مقدمة لملحمة إسلامية طويلة لكنه لم يحقق وعده في كل ما وعد به من ملاحم أو ما كان يعتزم إتمامه منها، فظلت أمنيات يطلقها عسى أن تكون حافزاً له على إنجازها، لكنها لم تتجاوز مجرد آمال ينحسر عنها الزمان، وتمضي السنون وهي راكدة لم تتحقق.

     وبعد أن يستعرض المؤلف هاتين القصيدتين، ويضعهما في ميزان الشعر الملحمي يقرر "أن فيهما جملة من خصائص الشعر الملحمي". ويحاول بعد ذلك أن يدلل على أن شاعرنا له نصيب من هذا الفن الشعري، ولو لم تكتمل جميع أدوات الملحمة فيما وصفه من شعر بالملاحم، كما يشير المؤلف إلى قصيدة (رمل) ويحللها، ويضفي عليها السمة الملحمية.

     وينهي هذا الفصل بأن شاعرنا المسلم "لم يتابع النموذج اليوناني متابعة دقيقة، ولكنه حسناً فعل، فذلك النموذج لا يناسب العصر أولاً، ولا يناسب أبطال أبي ريشة - وهو مسلم، وهم مسلمون – ثانياً. ولعل من الحكمة والإنصاف أن ندرك ما يلائم العصر والظرف والشاعر وأبطاله في أي عمل ملحمي إدراكاً يوسع أمامنا دائرة الاختيار والتطوير بحيث يكون لكل عصر وشاعر نوع خاص لملحمته يعبر فيه عما يريد، ويوصل للمتلقي الرسالة التي يريد".

***

المسرح الشعري:

     الفن المسرحي جديد على فنون الآداب العربية عامة والشعر منها بصفة خاصة، فقد بدأ هذا الفن متأخراً عن الغرب كثيراً، ولعل أول شاعر عربي قال الشعر المسرحي هو الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي أصدر عدة مسرحيات شعرية كانت بداية مبكرة في الأدب المعاصر، ولذلك حدث فيها بعض ثغرات ككل بداية.

     وقد نهج أو ريشة هذا النهج في محاولة لاقتحام هذا الميدان فأنشأ مسرحيته الشعرية التي أطلق عليها اسم: (ذي قار)، وكان ذلك في مستهل حياته وبالتحديد في عام 1929م، وتتكون هذه المسرحية من أربعة فصول، وكما يقول المؤلف عن الشاعر: إنه "لم يأخذ بالأصل التاريخي للواقعة، وإنما اختار منها، وأضاف وتخيل".

     وأوضح أن الهدف منها تمجيد أيام العرب، واستحضار ماضيهم المشرف، وذلك لاستنهاض الهمم العربية في مواجهة الاستعمار الذي كان جاثماً إذ ذاك على كثير من البلدان العربية التي استنزف خيراتها، وامتهن شعوبها.

     والمسرحية الثانية (محكمة الشعراء) وهي تختص بمحاكمة شعراء عصره.

     أما العمل المسرحي الثالث فهو (أوبريت عذاب)، وفكرته غريبة استمدها من حياة الغرب.

     أما الرابعة فاسمها (الطوفان).

     والخامسة مسرحية (سمير أميس).

     وذكر المؤلف أن هذا الشاعر أشار إلى نظمه مسرحيات أخرى تحت العناوين التالية (تاج محل)، و(علي)، و(الحسين) لكن لم تظهر إلى الوجود "على الرغم من إعلانه المتكرر عنها في مناسبات كثيرة مختلفة".

     ولعله أطلق تلك الوعود وكانت تتراءى له ظلالها في ذهنه، أو أنها بدايات تجارب لم يتمكن من تحقيقها، أو لعله أحب أن يبرز في الساحة الأدبية بما تصور أنه قادر على الوفاء به، ثم لم يستطع الوفاء بما وعد.

     أما تعليل المؤلف لموقف الشاعر من تلك الوعود دون الالتزام بالوفاء فقد جاء على النحو التالي: "ربما كان السبب هو أن الشاعر عرف من خلال المعاناة أنه شاعر غنائي قبل كل شيء، وليس شاعراً مسرحياً، فلم يعد ما نشر، ولم ينجز ما وعد، ولعله أحسن بذلك غاية الإحسان، فلكل امرئ قدرات يحسن به ألا يحملها ما لا تطيق".

     وبعد: فقد راعيت أن أكتب متقيداً بفصول الكتاب لتحليلها حسب ترتيبها وتسلسلها وقد تجاوزت فصل (مواقف جريئة) لأنه امتداد لما قبله (إباء وكبرياء)، ومتصل بما بعده (شعره الوطني). وقد توسعت في الحديث عن هذين الفصلين إلى جانب أن أهم قصيدة استشهد بها المؤلف عن مواقف الشاعر الجريئة هي قصيدة (أمتي)، وقد كتبت عنها بمفردها كتابة مستقلة، لذا لم يعد في هذا الفصل ما يضيف جديداً للقارئ لاستيفاء محتوياته فيما تمت كتابته عن الشاعر في هذا الصدد، وتفادياً لتكرار الاستشهاد بما ورد من شعر في موضوع طبيعته واحدة.

***

     والجهد المبذول في إعداد هذه الدراسة الوافية عن الشاعر الكبير جهد كبير وملموس، والطباعة جيدة جداً، والأخطاء المطبعية لا تكاد تذكر، ولأن الكمال متعذر لما طبع عليه الإنسان من قصور بحكم طبيعته البشرية التي يعتريها النقص رغم التفوق والإتقان وحسن الأداء؛ لذلك تظل بعض ملاحظات محدودة رأيت إبداءها لأخي الدكتور حيدر ليتلافاها عند إعادة طبع الكتاب إن شاء الله تعالى. والأخطاء في الطباعة واقع تعاني منه المطبوعة العربية، وهي في المطبوعة اليومية كالصحيفة أكثر منها في المطبوعة الدورية أو الكتاب. لذلك فقد تكون الأغلاط المطبعية الواردة فيما نشرته عن هذا الكتاب موازية لما سأورده من أخطاء مطبعية عن الكتاب نفسه وهي على النحو الآتي:

1ـ جرى عنوان (عاشق المجد) في أعلى كل صفحة من صفحات الكتاب، وكان الأولى وضع عنوان كل فصل في الصفحات التي تضم الفصل ذاته ليسهل الاستدلال عليه؛ لأن ذكر عنوان الكتاب في كل صفحة لا يفيد، بخلاف ما لو ذكر عنوان كل فصل في الصفحات المخصصة له.

2ـ تمنيت لو أضاف المؤلف إلى فهارس الكتاب فهرساً بأبيات قصائد الشاعر التي ورد الاستشهاد بها في الكتاب ليسهل الرجوع إلى الشاهد من خلال هذا الفهرس.

3ـ في فصل (في رحاب فيصل) ذكر المؤلف في مجال صلة الشاعر بالملك فيصل حينما كان أبو ريشة سفيراً لبلاده في واشنطن؛ الجملة الآتية: "وكان فيصل مندوباً لبلاده في الأمم المتحدة". والصحيح أنه كان يجمع إلى جانب مهامه العليا منصب وزير الخارجية، وكان يرأس وفد بلاده لدى هيئة الأمم المتحدة لا مندوباً لديها لأن المندوب الدائم هناك تابع للخارجية، وينضوي تحت رئاسة وزيرها.

4ـ مع ندرة الأغلاط وخاصة النحوية فقد وردت خطأً في صفحة (41) الجملةُ التالية: "ضرب لذلك الحفل سرادق فخماً".

5ـ ورد في صفحة (78) في البيت الثالث بأول الصفحة: فلست أو نعجة؛ بدلاً من: أول.

6ـ وفي صفحة (95) لتجميد: لتمجيد.

7ـ وفي صفحة (144) ورد في الشطر الثاني من بيت شوقي "قاصيها" بدلاً من: قاصيهما.

8ـ وفي صفحة (185) قصة امره بدلاً من امرأة سقطت الألف.

9ـ وفي صفحة (324) مؤئل بزيادة همزة بدل موئل.

10ـ وفي صفحة (356) جاء التعليق في نهاية الصفحة على نص ذكر أن نشره كان في (جريدة الأربعاء) والأربعاء ملحق أسبوعي يصدر عن صحيفة المدينة.

11ـ في فصل: تبديل وتعديل صفحة (413) وردت نصوص مقوسة سقط التعليق الذي ينسبها إلى مصدرها.

12ـ حدد المؤلف فترة بقاء الشاعر في حلب بعد عودته من بريطانيا بأنها 17 عاماً، وذلك في صفحة (22) في حين ذكر بأنها 18 عاماً في صفحة (385).

13ـ استشهد المؤلف في فصل (القصة الشعرية) صفحة (450) ببيت واحد من قصيدة الشاعر (لوعة)، ولم يشر إلى ورود القصيدة كاملة في فصل (الوحدة العضوية) صفحة 167 للرجوع إليها، وهي قصيدة تتجسد فيها روح القصة وكان الأولى الاكتفاء بالإشارة إليها في ذلك الفصل، وإيرادها بكاملها في فصل القصة الشعرية.

     وكما يرى القارئ؛ فإن ما ذكرته من ملاحظات لا تعد من الأخطاء الجوهرية، وإنما هي أخطاء عابرة لا يسلم منها أي عمل أدبي ولا سيما إذا كان في حجم هذه الرسالة القيمة التي ضمها هذا الكتاب الذي يعد فاتحة أعمال الصديق الدكتور حيدر الغدير في عالم التأليف، وهي بداية تدعو إلى المزيد من التواصل في هذا الميدان من مثقف متمكن قادر على العطاء والتأليف.

***

الأكثر مشاهدة