الاثنين، 14 يونيو 2021

حيدر الغديّر.. صورة كلية - أ.عبد الله زنجير

حيدر الغديّر.. صورة كلية

أ.عبد الله زنجير
عضو رابطة أدباء الشام
جدة – الأحد
18/ 2/ 1439هـ – 4/ 2/ 2018م

     أستاذنا د. حيدر الغدير نهر معرفي صغير بالمقارنة مع الفرات الذي أحبه وعشقه وسبح على شطآنه في مدينة دير الزور شمال شرقي بلاد الشام، مرة بعد مرة أكتشف مزيدًا من فضائل هذا الإنسان الذي سكنته بعمق أخلاق الإسلام وسجايا العروبة فكانت له مدرسة وثقافة وتربية وحضارة.

     عندما ولد في 1939م وبلغ سن الرشد بدأت شخصيته تتشكل ليكون شاعراً وناثراً ومفكراً، وإذ حانت سياحته متعلماً وباحثاً عن العلم في سورية ومصر وصولاً لعين الشمس كانت تختمر داخله قبل أن تتوالى وتتلألأ إصداراته الثمينة والأصيلة: من يطفئ الشمس؟، غداً نأتيك يا أقصى، عادت لنا الخنساء، قسماً لن أحيد؛ وهي إصدارات شعرية أودعها في ديوانه الجامع (ديوان حيدر الغدير) الذي صدر الجزء الأول منه من مكتبة التوبة في الرياض، صلاة في الحمراء الذي صدر عن مكتبة التوبة أيضاً، عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً، الذي صدرت طبعته الثانية عن دار المؤيد في الرياض.

     عرفته ابتداء من خلال كتابه (المسلمون والبديل الحضاري)، ثم من خلال مجالس الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - وكذلك زياراته لنا في مجموعة (سنا) الإعلامية بمدينة جدة، وهو حينئذ أحد العاملين في المجلس الأعلى للإعلام، وقد سبق لي أن تناولت في لقطات عديدة جوانب جاذبة لشخصيته الكبيرة الكريمة من خلال صفحتي بالفيس بوك، وحين أتيح لي سرد بعض فيض القلب والقلم في هذه العجالة تكاثرت الظباء على خراش الذكريات، والحب في الله، وشذرات من فضائل لا تحصى، احترت بماذا أبدأ؟ وكيف أبدأ!؟ لكن وكما تعلمت من الطنطاوي أيضاً: مالا يدرك كله لا يترك قلّه.

     أبو معاذ يرى في الشعر مئذنة وبلاغاً مبيناً، تسمو به أواصر الحق فتكفيه بالنثر والنشر المشرق المكتنز بالتفاؤل، والفياض بالهدى وسط أوضاع أمتنا المكفهرة، لاتلين لقلمه قناة، ولا أنصاف حلول، فهو صعب في اختيار الرجال، وصعب في اختيار القصيد، وهو ممن يكون آراءه بأناة وتمحيص، ويصر عليها، ويجهر بها حيث ينبغي!

     ما نسيت أبداً ولن أنسى مؤازرته المعنوية لي في مشروع [المدرسة الرقمية] لتعليم أبناء سورية، فقد استنهض همتي وأوقد أواري لإيمانه بكلمة (اقرأ) أداء للأمانة واستشعارا للواجب، وأثناء عمله في الرياض في الندوة العالمية للشباب الإسلامي كان نعم الجندي، ونعم الحارس، ونعم المبادر.

     لم تؤثر عليه أمطار الحزن رغم فقدانه العديد من أحبائه وخلانه وآخرهم الأستاذ الأديب عبد الرزاق ديار بكرلي، ضمن نسق الأهداف الأصيلة التي لا تتبدل، والصداقة العريقة المرتوية بماء الدعوة ونصرة الدين.

     الدكتور حيدر الغدير، مجتهد في قضايا الشعر وساحات الفكر، عنيد في الذود عن حياض العربية والعروبة، طريف في فراسته وأحكامه وخلاصاته، منضبط في مواعيده ومسؤولياته وأخلاق الإسلام، عصي الدمع شيمته الصبر وعلو الهمة وشد الأزر.

     عندما أزوره في ثنايا الشهور والسنوات أراه سهماً ذاهباً إلى المستقبل، حكيماً مضمخاً بخبرات الماضي وتفاصيله، محرضاً على الخير والحق والجمال، نسيج وحده في التعفف والزهد والفن والفهم والصراط المستقيم.

     سيدي أبا معاذ حقك علينا كبير، ولكن النهر الصغير يستطيع احتواء ساقية رقراقة تشق طريقها بالحب والأمل والروح، حفظك الله نبراساً وبسمة وبصمة على جدار الكلمة الرشيدة.

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة