‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب فلسطين والقدس والأقصى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب فلسطين والقدس والأقصى. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 8 سبتمبر 2023

كتاب فلسطين والقدس والأقصى - المقدمة والمحتويات

كتاب فلسطين والقدس والأقصى

المقدمة:

     هل من مناص عن معركتنا مع اليهود!؟

     سؤال قد يدور في أذهان الناظرين من بعيد!.. وقد قالها لي أخ باكستاني مرة، وهو يتحدث عن مشكلة كشمير بين باكستان والهند.

     جواب هذا السؤال ليس عندنا وحدنا، بل عند الآخرين الذين ينازعوننا في فلسطين والقدس والأقصى.. وإذا عدنا إلى النصوص التي عندنا في القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف وجدنا أنها تقرر أن لا مناص من هذا النزاع، ليس لأننا نريد النزاع ونسعى إليه، ولكنهم (اليهود والنصارى) لا يتخلون عن ذلك.

     ونحن في العصر وأسلافنا في العصور الماضية مهما بذلنا من حسن النية، والدفع بالتي هي أحسن، وإظهار المودة، فلن ينفع في الأمر شيئاً، لأن العداوة متأصلة فيهم لا فكاك منها. وقد أثبت التاريخ ذلك مع اليهود ومع النصارى سواء، بله المشركين والفئات الكافرة الأخرى من النحل والملل. فهم في عداوتهم للمسلمين سواء في كل عصر ومصر، يصدقه قول الله تعالى: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2]، وقوله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].

     وفلسطين والقدس والمسجد الأقصى مركز دائرة الصراع الإسلامي وغير الإسلامي، كان ومازال، وسيستمر إلى أن يشاء الله تعالى، ولله في خلقه شؤون، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولكن شاء أن يجعلهم مختلفين متدافعين تدافع الحق والباطل.

     وهذه المقالات التي بين أيدينا كتبها الدكتور حيدر الغدير بجنانه، قبل أن يصوغها بلسانه، وسطرها بقلمه قبل أن ينشرها بكتابه، وجدت فيها قلباً نابضاً، ولساناً صادقاً، ويقيناً ثابتاً بموعود الله للمؤمنين من عباده، في صراع الحق والباطل، وأن الله سبحانه ناصر عبده إن نصر ربه، ومحقق وعده، في نشر نوره ولو كره الكافرون والمشركون.

     هذه المقالات قديمة جديدة، لأن موضوعها يتجدد، ويشتعل نارها، ويعلو أوارها، ويتلهب جمرها، ولا غنى عن قراءتها، لأنها توضح الحقائق، وتبني الأمل في النفوس، وتبعث النور في القلب اليؤوس.

     والدكتور حيدر الغدير قال شعراً كثيراً عن القدس والأقصى وفلسطين، وما يرتبط بها من رموز مثل عماد الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، حتى خصها بديوان من دواوينه بعنوان: "غداً نأتيك يا أقصى"، وفي هذه المقالات من الشاعرية المـتألقة ما يقارب ديوانه، ويكاد ينافسه. فجزاه الله خيراً.
شمس الدين درمش
الرياض – السبت
11 رجب 1443هـ

-------------------

المحتويات
(روابط تنقلك للمقالات)
1. مقدمة ...................................................... 2 
-----------

النصر والهزيمة بين الاعتزاز والانبهار

النصر والهزيمة بين الاعتزاز والانبهار

     الانبهار بالأعداء جرثومة تُفقِد الأمة مناعتها الذاتية، وقدرتها على النمو المستقل، تماماً كما يفقد الجسم مناعته وصحته حين تتسلل الجراثيم إلى داخله، وتتركه أسير الداء، ضعيفاً مهزولاً. والمقويات الخارجية التي تدعم أمة من الأمم تدل على أنها في حالة عجز يقارب الانهيار، تماماً كما تدل حاجة الجسم إلى المنشّطات والمقوّيات والتغذية الطبية الدائمة، أنه في حالة عجز يقارب الانهيار. والذين لا يملكون في ذواتهم إرادة الحياة المستعلية المتفوقة، لن يتمكنوا أن يظلوا دوماً على قيد الحياة من خلال الاعتماد على شتى الحقن الدائمة المستوردة من الآخرين، بحيث يعني انقطاعها عنهم، إصابتهم بالشلل والانهيار والدمار. وإذن فالمُعوّل على القوة الذاتية والإرادة المستقلة والتفوق النفسي.

     وعندما استقبل العرب المسلمون في عهد الفتوحات الأولى؛ أعداءهم من الفرس والروم، وهم أسبق منهم في العلم والصناعة والإدارة والثروة وما إلى ذلك من المادّيات لم يعاملوا أعداءهم هؤلاء على أساس الإعجاب بهم، والانبهار بالذي يملكون، لأن الذي يبدأ بالإعجاب والانبهار ينتهي بالاستسلام والهزيمة وعقد النقص المختلفة.

     بدأ المسلمون يتعاملون مع أعدائهم من خلال اعتزازهم بذاتهم، وشعورهم بنفاسة المهمة التي يحملون، وضخامة الدور الذي يؤدون، وإحساسهم أنهم رسل دين جديد ابتعثهم به الله عز وجل، لإخراج أعدائهم السابقين لهم في الماديات من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن عفن الحضارة الفاسدة إلى فجر الحضارة الجديدة المباركة.

    وقد احتقر رَبْعي بن عامر، وغيره من المسلمين الذين فاوضوا رستم في عرينه، مظاهر الترف المادي الذي غرق فيه القائد الفارسي المشهور، ولم يشعر أي مسلم بالإعجاب بالعدو نظراً لسبقه المادي، ولم يشعر أي مسلم بالخجل والنقص نظراً لتخلفه المادي والصناعي، لذلك انتصر المسلمون انتصاراً عزيزاً مؤزراً، لأن إرادتهم كانت متحررة، ونفوسهم كانت متفوقة، وشادوا على أنقاض الهالكين الخاسرين الذين كانوا سادة الأرض، حضارة حقيقية متفوقة، تعلي كرامة الإنسان إذ تطهره وتزكيه وتباركه بالإيمان. فلنبدأ اليوم بالاعتزاز بأنفسنا، واحترام تراثنا، والحرص على ذاتيتنا وأصالتنا، ولنوقن أننا متفوقون حضارياً في ظل مبادئنا الإسلامية، وأن تخلّفنا في الماديات تخلف موقوت، وعارض بوسعنا تجاوزه بالكفاح الدؤوب، وأول ما يعيننا على تجاوز هذا التخلف، إحساسنا بنفاسة دورنا في الحياة، وعظمة العقيدة التي ننتسب إليها، وتفوقنا الروحي الذي يمنحنا ثقة لا حد لها، وإرادة حية غلّابة. الأمم كلها حلت بها كوارث وهزائم، ومرّت بها عهود من الضعف، لكن الأمم الأصيلة ظلت قادرة على الدوام، على تحويل الهزيمة إلى نصر، والتخلف إلى تقدم. وأمتنا هي كذلك. لقد سقطنا عبر تاريخنا الإسلامي أكثر من مرة، ثم قمنا، وكان بإمكاننا دائماً أن ننهض، لأننا كنا نؤمن أنها كَبْوة فحسب، وأننا في جوهرنا المتفوّقون، ودربنا هو الصحيح وعقيدتنا هي السليمة. هكذا علّمنا ديننا، وتلكم من عبر تاريخنا.
*****

استمرار الحروب الصليبية

استمرار الحروب الصليبية

     إذا كانت الحروب الصليبية قد توقفت عام (690هـ/ 1291م) حين فتح الأشرف خليل قلاوون عكّا آخر معاقل الصليبيين المهمة في الشام، وفي خلال شهور أعقبت الفتح من العام نفسه، تمّت تصفية البقية القليلة من المدن الباقية بأيدي الصليبيين وهي صور وصيدا وحيفا وطرطوس وعتليت، فعادت جميع البلاد الشامية الساحلية إلى دار الإسلام، وإذا كانت صفحة الصليبيين الغربيين الذين غزوا بلاد الشام عام (490هـ/ 1097م) قد انطوت بعد قرنين من القتال الدامي، فإنه ليس معنى ذلك انتهاء قصة الحركة الصليبية التي قُدِّرَ لها أن تستمر بعد ذلك عسكرياً وفكرياً، في أصقاع شتى وبأساليب متباينة.

     إن تلك الحركة لم تتوقف، ذلك أن أوروبا بدأت بعد قليل كرةً أخرى في الأندلس، فلما تم استشهاد الأندلس تدافعت قوات أوروبا على الطريق الأفريقي بدون توقف، وتدفق الإسبان والبرتغال ومن بعدهم الهولنديون والإنكليز والفرنسيون ليضعوا أيديهم على مواقع كثيرة من بلدان المسلمين، وينزلوا بأهلها شتى ألوان القهر ردّاً لجميل المسلمين الذين أحسنوا إليهم، وقدّموا لهم نور العلم والحضارة في الأندلس وصقلية وغيرهما.

     وكان عام 1830م مؤشراً مخيفاً على بداية موجة جديدة من موجات التحرك الصليبي الجديد، وذلك حين بدأت فرنسا في غزو الجزائر، وامتدت المعركة إلى تونس فمصر والسودان، ومنذ ذلك الحين بدأت نتائج الغزو الفكري تظهر، وطلائع التبشير تعمل، وأخذت جوانب من خطة لويس التاسع ووصيته توضع موضع التنفيذ.

     ذلك أن قوات محمد علي باشا انسحبت من الشام عام 1840م، وأخذ الغرب يخطط لإقامة دولة تكون قاعدة له وشوكة في جنب المنطقة، فأخرج ما عرف فيما بعد بـ"لبنان الكبير"، ومن المعروف أن فتنة عام 1860م بين الموارنة والدروز تمت بتغذية القوى الغربية، فالفرنسيون كانوا يدعمون الموارنة، والإنكليز كانوا يدعمون الدروز، وحصلت فتنة دامية أدت إلى أن ينشأ كيان خاص في ظل الدولة العثمانية، وما زال هذا الكيان يدعّم اقتصادياً وعسكرياً وفكرياً حتى أخرجه الجنرال الفرنسي غورو الذي احتل سوريا ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى، بصورته النهائية التي عرفت باسم "لبنان الكبير" يومذاك، وباسم "لبنان" فقط فيما بعد ذلك.
*****

دراسة وثيقة لويس التاسع

دراسة وثيقة لويس التاسع

     تدل دراسة وثيقة لويس التاسع عشر التي عكف على إعدادها بعد هزيمة حملته الصليبية على مصر، أن الغرب الصليبي قد تبين له من خلال مراجعة لويس التاسع لتجربة الحروب الصليبية عامة، وحربه هو منها خاصة، أن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ أولاً من تزييف عقيدتهم الراسخة التي تحمل طابع الجهاد والمقاومة، والتي تدفع بالألوف منهم إلى ساحات الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن الدين والعرض والوطن والحق.

     تلك هي بداية المعركة العنيفة الضروس التي نشبت بعد فترة الحروب الصليبية، ولقد حرصت تلك المعركة على تمييع مفهوم العقيدة عند المسلمين عامة، ومفهوم الجهاد خاصة، وامتصاص كل ما فيهما من قوة وبطولة، واستعلاء وإيمان، وذلك بوسائل كثيرة، منها التفرقة بين العقيدة والشريعة، ومنها تصوير الإسلام على أنه دين عبادي فقط كما هو الحال في المسيحية، ومنها فصل الدين عن الدولة، ومنها الزعم بأن الإسلام جاء لفترة وانتهى دوره.

     والهدف من ذلك أن يفقد المسلمون السر الخطير الكامن في أصالة عقيدتهم وجوهر دينهم، وهو سر الثقة والبطولة والاستعلاء، بحيث يصبحون قطعاناً من السائمة التي يسهل قيادها إلى حيث يشاء الأعداء، ومن هنا بدأت معارك التبشير والاستشراق والغزو الفكري والاحتواء.

     إن الضرورة تلزمنا بدراسة ذلك المنحنى الخطير الذي تحوّلت إليه علاقات الغرب مع عالم الإسلام، الذي جنّدت في أعقابه تلك المعارك العنيفة الضروس، التي أريد لها أن تكون بديلاً عن حروب الميدان القتالية، أو ردءاً لها ومقدمة وتمهيداً.

     ويمكن أن يصاغ الهدف من ذلك بدقة أنه: إيقاف توسع الإسلام أولاً، ومحاصرته ثانياً، واحتواؤه ثالثاً. ولقد حرص ذلك المخطط على استخدام مَنْ يمكن إغراؤهم من مسيحيي الشرق ومن المسلمين المضلَّلين، كما حرص على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق الإسلامي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز ومركزاً لدعوته الدينية والسياسية، وقد عيّن لويس التاسع مكان تلك القاعدة في الأراضي الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

     ولا ريب أن أولى دلالات وصية لويس التاسع بعد هزيمته في المنصورة هي انتهاء خطة، وبداية خطة جديدة، وقد تمثلت الخطة الجديدة بالغزو الفكري بشتى ألوانه وأساليبه، وهو المخطط الذي يستهدف دحر الإسلام فكراً؛ بعد العجز عن دحره أمةً، أو دحر هذه الأمة في معتقداتها بعد العجز عن دحرها في بلادها.
*****

وثيقة لويس التاسع

وثيقة لويس التاسع

     ظهرت في السنوات الأخيرة وثائق كثيرة كانت خافية على المسلمين والعرب، لها أثرها الكبير في مصائرهم ومقدراتهم، وبسببها يمكن تفسير كثير من الأحداث والنكبات التي حلّت بهم، ومن الوعي الدقيق بها يمكن اتخاذ كثير من المواقف الصادقة الصحيحة.

     من هذه الوثائق وثيقة تعود إلى أيام الحروب الصليبية المشهورة وهي وثيقة لويس التاسع. فبعد هزيمة لويس التاسع في المنصورة وجنوحه إلى التأمل في نتيجة خطته التي جرّت عليه الهزيمة والاعتقال في دار (ابن لقمان) بالمنصورة، كتب مذكرة خطية أشارت إليها مراجع عديدة من كتب التاريخ الفرنسي، وذكرها المؤرّخ "جوانفيل"، يحدد فيها الموقف من العالم الإسلامي بعد السنوات الطويلة من الحروب الصليبية. والمعروف أن لويس التاسع كان ملكاً على فرنسا، وكان شديد التدين، وكان هو قائد الحملة الصليبية الثامنة التي اتجهت إلى مصر، وانتهت بالهزيمة وأسر قائدها وسجنه.

     لقد أدرك لويس التاسع في وثيقته، وأشار فيها إلى إدراكه هذا، أنه لا سبيل إلى السيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة، ذلك لأن في دينهم عاملاً حاسماً هو عامل المواجهة والمقاومة والجهاد وبذل النفس والدم في سبيل الله، دفاعاً عن الأرض والعرض والدين، وأكد الرجل أن مع وجود هذا المعنى عند المسلمين، من المستحيل أن تنجح السيطرة عليهم، لأنهم قادرون دوماً على المقاومة ودحر الغزو.

     وأكد الرجل أنه للسيطرة على المسلمين لا بد من إيجاد سبيل من شأنه أن يزيف مفهوم المقاومة والجهاد لدى المسلمين حتى يصبح مفهوماً باهتاً بحيث تسقط خطورته واندفاعته وقدرته على بث روح التحدي والبطولة. وقرر الرجل أن ذلك لا يتم إلا بتركيز واسع على الفكر الإسلامي لتحويله عن منطلقاته وأهدافه، بحيث يفقد المسلمون اعتزازهم بدينهم واستعلاءهم به، ويستسلمون أمام القوى الغربية، وتروّض أنفسهم على قبولها على نحو من أنحاء السيطرة أو التبعية أو الاحتواء أو الصداقة، أو ما شاكل ذلك.

     وتدل المعلومات المتوفرة عن طبيعة الصراع بين المسلمين وبين الغرب الصليبي أن وثيقة لويس التاسع وَجَدَتْ لدى قيادات ذلك الغرب آذاناً صاغية، بحيث إن كثيراً مما جرى بعد ذلك؛ يعد بشكل أو بآخر انتفاعاً منها واستجابة لها.
*****

مسرح الحروب الصليبية

مسرح الحروب الصليبية

     يظن الكثيرون أن الحروب الصليبية المشهورة في التاريخ هي تلك التي دارت في المشرق العربي في مصر والشام، وكان محورها الأساسي القدس فقط، وهذا خطأ بالغ.

     فالحروب الصليبية أوسع في الزمان والمكان من ذلك. فقد دارت تلك الحروب بصورة مماثلة في أثيوبيا طوال القرون الوسطى، إلا أن انغلاق أثيوبيا وعزلتها حجب تاريخ هذا الصراع عن العالم، كما أن هذه الحرب دارت كذلك بصورة مماثلة في الأندلس.

     وقد اختلفت النتائج في الساحات الثلاث. ففي الشام ومصر كان الانتصار الإسلامي كاسحاً، وفي الأندلس كان الانتصار المسيحي كاسحاً، وقد اتسم الانتصار الإسلامي بالعدل والرحمة وحفظ العهود والأخلاق النبيلة، واتصف الانتصار المسيحي بالعنف والقسوة ونقض العهود والتصفية التامة للمسلمين.

     أما الساحة الأثيوبية فقد كان الانتصار المسيحي فيها كبيراً لكنه لم يستطع أن يصفي المسلمين قط، بل إنهم حتى ساعتنا هذه هم الأغلبية في سكان أثيوبيا.

     وفي أواخر القرن الماضي حقق الإمبراطور "منيلك الثاني" بمساعدة دول أوربا انتصارات ضخمة على عدد من الإمارات الإسلامية وأهمها إمارة الجالا. وبعد منيلك أتى الإمبراطور "أياسو" وكان هذا الرجل سليل أسرة إسلامية عريقة. وحين تبوّأ العرش عام 1917 أظهر أنه ملك مسلم وابن ملك مسلم ومن شعب الجالا. وأظهر تعاونه مع الدولة العثمانية بصفتها دولة الخلافة الإسلامية يومذاك، إلا أن القوى المسيحية استطاعت بقيادة هيلاسلاسي أن تقضي على أياسو. وعندها بدأ عهد هيلاسلاسي الذي دام نصف قرن من الزمن.

     ولقد حورب المسلمون الأثيوبيون حرباً قاسية جداً، قتلاً وحرقاً، ونفياً وإبعاداً، وتجهيلاً وتجويعاً، وتفريقاً ومصادرةً، وما إلى ذلك من الوسائل غير الأخلاقية التي تصل إلى تسميم مياه الشرب في الأقاليم الإسلامية، وترك المسلمين تحصدهم المجاعات والأوبئة أحياناً، وتعمُّد نشر هذه الأوبئة من قبل السلطة نفسها في بعض الأحيان الأخرى في مناطق المسلمين للتقليل منهم.

     وإذن فهي حرب صليبية ضروس، نشبت منذ قرون، واستمرت إلى يومنا الحاضر بين المسلمين والصليبيين على مسرح الأرض الأثيوبية، وما زالت.
*****

الخميس، 7 سبتمبر 2023

الصليبية والشباب المسلم

الصليبية والشباب المسلم

     كلما ضاعفت الصليبية العالمية تحركاتها في ميدان التبشير، وكلما ركزت بوسائلها المادية المختلفة على الشباب المسلم بغية تضليله والسيطرة عليه، وتشكیكه بصحة دينه، ومحاولة صرفه عن تعاليم نبيه محمد ﷺ.. كلما فعلت ذلك وظنت أنها قطعت شوطاً في هذا المجال برزت للوجود معجزة إلهية وهدمت ما بنته يد الإنسان الفاجر المتاجر بدينه المنسوخ، وعقيدته المنحرفة.

     تتجدد بين الحين والآخر معجزة الله تعالى لا لتجرد عقيدة الصليب المستحدثة من هالة العظمة والقدسية والعصمة التي ادعتها لنفسها فحسب، بل لتشهد بطلان كل خلط عقائدي يتعارض مع فطرة التوحيد والملة الحنيفية، وبذلك تنكشف الحجب، وترتفع الأستار، وتسقط الأقنعة، وتفتضح أسرار كل ترکيبة عقائدية صاغها الإنسان بیده، ونسبها زوراً وبهتاناً لبارئه. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءًۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد:17).

     ومن أجمل ما قرأت في دحض الوثائق التاريخية لبدعة الصليب وملة التثليث ما جاء في مجلة "بلانيتا" التي تصدر باللغة البرتغالية في سان باولو، والتي تهتم بالتحقيقات العلمية ومعرفة الآثار، ورغم أن جميع المسؤولين فيها من النصارى، فقد جاء في عددها رقم (86) الصادر في شباط 1978م، صفحة (92) مقالاً بعنوان: "هل العهد الجديد صحيح؟". جاء في المقال ما نصه:

     "اكتشف أحد الرعاة عام 1927م، في إحدى مغائر الأردن بعض الجرار الطويلة العنق، وبداخلها بعض المخطوطات، والملفات المخطوطة، والتي يعود تاريخ بعضها لما قبل المسيح، والبعض الآخر لما بعده. وتم لعلماء الآثار استلامها ودراسة فحواها. إلا أن هذه الملفات –التي عُرفت فيما بعد بملفات البحر الميت– قد أدت ثورة فكرية في تعاليم الإنجيل، وخاصة فيما يتعلق بالعهد الجديد.

     وقد قامت لجنة من الاختصاصيين بدراسة هذه الملفات يتقدمهم العالم الشهير "جون ماركو إليكدور" الذي أخذ يعتقد من خلال ما اكتشفه في هذه المخطوطات أن المسيح عليه السلام لم يمت مصلوباً".

     وأضافت المقالة أيضاً: "إن هذه الملفات لم يُنشر جميع فحواها بعدُ لأن ما ثبت فيها يشكل خطراً على الديانة المسيحية". وتنهي المجلة مقالها: بـ"أن هذه الملفات تثبت براءة المسيح من عقيدة الصليب لأن عقيدة الصليب –والتثليث– جاءت متأخرة جداً بعد المسيحية".

     وليس من تعليق على هذا إلا أن یشكر المسلمون ربهم عز وجل أنْ منَّ عليهم بقرآن کریم منزل من فوق سبع سماوات فيه نبأ مَن قبلهم، وخبر مَن بعدهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، قوله تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الشورى:24)، وقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
*****

ادعاءات باطلة حول المحرقة

ادعاءات باطلة حول المحرقة

     نشرت مجلة "ثندر بولت" إحدى الصحف الأمريكية المستقلة حقائق جديدة مثيرة، كشفت فيها الادعاءات الصهيونية الباطلة حول مقتل ستة ملايين يهودي إبان الحرب العالمية الثانية على يد النازية في ألمانيا وأوربا. ففي عددها الصادر في نيسان من عام 1978م قالت المجلة تحت عنوان بالخط العريض: "براهين أخرى على زيف الدعوة اليهودية":

     إنه منذ عام 1949م، والإدارات الأمريكية الاتحادية المتعاقبة على الحكم في البيت الأبيض تهمل إلقاء ضوء على الظلام الذي أسدله الصهاينة واليهود في ادعاءاتهم الباطلة إزاء ما يسمّونه "الاضطهاد النازي لليهود" إبان الحرب العالمية الثانية.

     ولم يتجرأ الألمان على منح تفويض لأي مسؤول محايد لاستقصاء الحقائق التاريخية كما أنهم لم يعطوا الحرية المطلقة لأي واحد من العلماء الألمان من أجل وضع النقاط على الحروف إزاء الدعايات اليهودية الباطلة ضد النازية وزعمائها.

     ومضت المجلة الأمريكية تقول نقلاً عن أحد المصادر الألمانية السياسية المطلعة بأنه حسب تقدير ومعرفة أحد مأموري التسجيل الخاص الذي عهد إليه بجمع المعلومات عن ضحايا معسكرات التجمع والاعتقال التي أقامتها ألمانيا لليهود، فقد صرح هذا المأمور بقوله: إنه لم يجد حالة واحدة من هؤلاء الضحايا اليهود قد أُعدِمت في أفران الغاز التي يدّعيها اليهود زوراً وبهتاناً.

     وكان مأمور التسجيل هذا قد انتهى من جمع هذه المعلومات في مدينة "أرولسين" الألمانية في نهاية ديسمبر من عام 1976م، لهذا تعتبر معلوماته ذات صفة جديدة، ومن أهم ما كُشِف عنه مؤخراً إزاء ادعاءات الصهيونية العالمية، مما جعل تلك الادعاءات باطلة، ولا صحة لها مطلقاً.

     وأضافت مجلة "ثندر بولت" في كشفها لادعاءات اليهود الباطلة حول مقتل ستة ملايين منهم تقول: لقد أصبح مما لا يدع مجالاً للشك أن اليهودية والصهيونية العالمية قصدت تحقيق غايات وأهداف معينة من إطلاقهم لمثل هذه الادعاءات، وإن أهم تلك الأهداف كسب عطف الرأي العام العالمي لإقامة كيان يهودي في فلسطين من جهة، وإجبار ألمانيا على دفع تعويضات باهظة لليهود من جهة أخرى.
*****

بطلان الدعاية اليهودية

بطلان الدعاية اليهودية

     تقول مجلة "ثندر بولت" الأمريكية في متابعتها كشف بطلان الدعاية اليهودية:

     إن إلقاء نظرة بسيطة على زيادة ونمو السكان اليهود في فلسطين أو ما يُسمى بإسرائيل في الوقت الحاضر، يُظهِر بوضوح خرافة رقم "الستة ملايين ضحية"، ويعطي برهاناً لا جدال فيه أن مثل هذا الادعاء عارٍ عن الصحة، ولا أساس له على الإطلاق.

     فمنذ عام 1933م أخذت الهجرة اليهودية بمئات الألوف تتدفق على هذه الأرض العربية التاريخية المقدسة، وأخذ عدد السكان اليهود يزداد يوماً بعد يوم. ومعظم هؤلاء اليهود هاجروا بالدرجة الأولى من أقطار أوربا الغربية والشرقية على السواء.

     وبعد دراسة بالأرقام عن أعداد اليهود في البلدان التي هاجروا منها، وعن الجاليات اليهودية المهاجرة إلى فلسطين وأصولها التي ترجع إليها، وملاحظة أن معظمها قدمت من روسيا وأوربا الشرقية، انتهت المجلة إلى رفض دعوى اليهود، بأنهم فقدوا في الحرب العالمية الثانية ستة ملايين يهودي على أيدي النازيين.

     وأكدت المجلة بالحقائق التاريخية أن معظم ضحايا اليهود إبان الحرب العالمية الثانية كانوا من يهود بولندا، وأن الذين سقطوا قتلى، إنما سقطوا على أيدي الروس حين اجتاحت قواتهم بولندا لطرد الألمان منها. كما أكدت المجلة أن عدد اليهود في بولندا كان كثيفاً جداً، وأنهم أنشؤوا فرقاً عسكرية خاصة بهم كانت تحارب إلى جانب البولنديين ضد الغزو الألماني والروسي أيضاً، لذلك كان عدد ضحاياهم أضعاف العدد الذي سقط على يد النازية الألمانية.

     ذلك أن ألمانيا لم تقتل ربع اليهود الذين قُتِلوا نتيجة المعارك الحربية، شأنهم شأن باقي سكان أقطار أوربا الآخرين الذين كانوا من جملة من سقط في أثناء تحرك روسيا لغزو شرقي أوربا، وبولندا بوجه خاص، لذلك فجميع من قُتِل من اليهود لا يتجاوز 600 ألف فقط، لكن الدعايات اليهودية أضافت عدة أصفار لا قيمة لها حسابياً لولا الرقم 6 الذي يقع شمال تلك الأصفار ليحولها إلى رقم هائل خيالي هو ستة ملايين، وهذا من صنع وفبركة العقل اليهودي، وكلما ازداد هذا الرقم ارتفاعاً؛ حصل اليهود على المزيد من بلايين الماركات الألمانية.
*****

فرية الملايين الستة

فرية الملايين الستة

     تقول مجلة "ثندر بولت" الأمريكية وهي تناقش في مقال جريء، فرية الملايين الستة الذين قُتِلوا على أيدي النازيين:

     إن الادعاءات اليهودية الكاذبة قد وضعت ألمانيا اليوم موضع المتهم الذي اقترف جريمة، ولا بد أن يدفع ثمن تلك الجريمة. وإن مثل هذا الموقف الألماني اليوم يلقي ضوءاً على الغد، وإن المستقبل يتوقف إلى حد كبير على الشعب الألماني، وخاصة الجيل المقبل الذي أوشك أن يتسلم زمام الأمور والسلطة، وتسيير دفة السياسة الألمانية وتخطيطها، وعليه تدور علامة استفهام غامضة؟

     فهل سيظل هذا الجيل المقبل ملتزماً بدفع هذه التعويضات الألمانية لإسرائيل، أم أنه سيعتبرها كفراً، ومن ثم يوقفها ويبطلها، ويعتبر أن المسؤولين الألمان السابقين مطايا للصهيونية وإسرائيل، ويصفهم بالذل والخنوع لليهود، وخاصة بعد أن كشفت الحقائق زيف هذا الباطل الذي كانوا يدّعون به؟ وكذلك يعتبر أن دفع التعويضات كان إثماً لأنها كانت جائرة بحق الشعب الألماني، مع أن تلك التعويضات لا تُدفع ماركات ألمانية، ومساعداتٍ اقتصادية وعسكرية فقط، بل تُدفع أيضاً تأييداً سياسياً وأدبياً لإسرائيل.

     ثم استدركت المجلة تقول: إننا نشك أن الجيل المقبل لألمانيا سيلتزم بدفع هذه التعويضات، والمستقبل سوف يكشف ذلك. إننا نعلم إزاء كشفنا لهذه الحقائق أننا قد انتهكنا إحدى المحرمات التي يُحظر التعرض إليها أو مسّها من قريب أو بعيد في وقتنا هذا. ففي الأزمنة السابقة كان يتهم بالإلحاد والكفر كل من يشك في أن الأرض منبسطة وليست كروية، أما في عصرنا هذا الذي يُعتبر عصر النور والازدهار والحضارة والعلم والتقدم [هكذا وصفت المجلة عصرنا هذا] فإننا قد اخترقنا حاجز المحرمات لنكشف عن الحقيقة، تلك المحرمات التي من صنع الدعاية الصهيونية واليهودية العالمية، وسوف نطرق كل أبواب المحرمات هذه، إنصافاً للحقيقة والتاريخ.
*****

حقائق عن ضحايا اليهود في فلسطين

حقائق عن ضحايا اليهود في فلسطين

     تقرر المجلة الأمريكية "ثندر بولت" أن الوقائع والحقائق التي كُشِفت مؤخراً عن ضحايا اليهود في ألمانيا النازية أيام الحرب العالمية الثانية، تدل على أن الرقم الذي يزعمه اليهود وهو ستة ملايين، رقم خيالي ومبالغ فيه جداً، وأن الضحايا لم يصل عددهم إلى عُشْرِ الرقم الذي يدّعيه اليهود، وتُقرر المجلة أن اليهود استفادوا من ظروف كثيرة في تثبيت أكذوبتهم الكبيرة، ومن بين هذه الظروف أن العلماء والدارسين لم يجرؤوا على دراسة الوقائع وكشف الحقائق خوفاً من أن يُتّهموا بالنازية أو بأنهم موالون لها.

     ورغم ما ذكرته الدعايات اليهودية عن مقتل هؤلاء اليهود؛ فإن ثمة سؤالاً يفرض نفسه بقوة في هذا المضمار وهو: لماذا قتلت ألمانيا النازية هؤلاء اليهود!؟ وهل هناك جريمة تقع على أي مستوى دون أن يكون هناك سبب مبرر لوقوعها!؟

     تقول المجلة: إننا نريد أن نوجه هذا السؤال لليهود: فهل هم على استعداد للجواب عليه بالحق والواقع؟ واستدركت المجلة تقول: إننا نشك في ذلك، فحتى لو قدم اليهود جواباً فسوف يكون تحريفاً وتشويهاً وزوراً وبهتاناً، وبعيداً كل البعد عن الحقيقة والواقع لأنهم عوّدونا على دعاياتهم الزائفة وأقاويلهم الباطلة التي لا يمكن لأي مدرك وعاقل استيعابها أو تصديقها.

     وتقول المجلة في تفسيرها لسبب مقتل اليهود الذين يزعم الصهاينة أن عددهم ستة ملايين والحقيقة أنهم لا يصلون إلى عُشْرِ هذا الرقم: إن اليهود والصهاينة سوف يشعرون بالعار إذا عرف العالم سبب مقتل هؤلاء على أيدي النازية الهتلرية، لقد كانوا ينعمون بخيرات ألمانيا، ويجمعون ثروات طائلة من وراء تجارتهم وأعمالهم، ثم نقلوا تلك الأموال إلى إنكلترا، وعملوا على التجسس لصالحها ضد ألمانيا، فخانوا العهد، وتنكروا للبلد العريق الذي آواهم زمناً طويلاً، وانكبوا يعملون ضده سراً وعلانية، الأمر الذي أدى إلى قتل أنفسهم بأنفسهم، وهذا شأنهم في كل زمان ومكان من تاريخهم، فأينما حلوا في بلد، عملوا فيه فتنة وفساداً.
*****

أطماع اليهود تتجاوز فلسطين

أطماع اليهود تتجاوز فلسطين

     حين كان المسلمون الواعون ينبهون أمتهم العربية والإسلامية إلى أن أطماع اليهود لن تقف عند حدود فلسطين أو سيناء أو حتى الجولان والنيل والفرات، كان الناس يتهمونهم بالخيالية والتشاؤم الزائد.

     وحين كانوا يقولون: إن الإسلام هو الهدف الأكبر لمؤامرات اليهود وأشياعهم، وأن كل أرض له هي هدف اعتدائهم ومكرهم انطلاقاً من قوله عز وجل: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة:217)، كان كثير من الناس يصمّون آذانهم ويرون هذه التحذيرات خيال واهم، ومخاوف جبان.

     ولكن الأيام أثبتت أن ما كان وما زال يقوله المسلمون الواعون إنما هو حقيقة لا مراء فيها، وهذه بعض النذر التي تؤكد ذلك:

     النذير الأول: ما نقلته الأنباء عن قيام حركة تسمّى "أرض إسرائيل"، وهي تنادي بإسرائيل الكبرى، وتوزع بطاقة بمناسبة الأعياد اليهودية تحمل خريطة للوطن العربي، وتحته عبارة: "إسرائيل المحتلة"، ولا تستثني هذه العبارة أي جزء من الوطن العربي في المشرق كله دون استثناء.

     النذير الثاني: ما تناقلته الأنباء عن صحيفة جديدة في إسرائيل تحمل اسم "خيبر"، وهي إحدى معاقل اليهود في الحجاز في صدر الدعوة الإسلامية، وقد جعلوا منها مكاناً لمؤامراتهم ومكرهم وكيدهم ضد الإسلام والمسلمين، فغزاهم الرسول الكريم ﷺ فيها وهزمهم وهزيمة منكرة، فلما كان عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلاهم عنها نهائياً.

     النذير الثالث: ما تناقلته الأنباء من أن مدير الموازنة في إسرائيل قال وهو يرد على سؤال لأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي في أثناء مناقشته الموازنة السنوية لإسرائيل في 18/1/1978م: إنني لأشعر بالألم يعتصر قلبي، وأنا أرى موازنة إسرائيل تعتمد كلياً على المساعدات الأجنبية من أصدقاء إسرائيل في الوقت الذي تتعرض فيه ثروات بني إسرائيل للنهب من قِبل العرب.

     ولا نخال هذا اليهودي الخبيث إلا وهو يعني نفط العرب والمسلمين، ومعادنهم وثرواتهم الأخرى.
*****

تضحيات المسلمين لاستعادة فلسطين

تضحيات المسلمين لاستعادة فلسطين

     إن إسرائيل تواجه ضائقة اقتصادية ومالية كبيرة.. نسبة التضخم فيها تزيد على 30%، والعجز في ميزان مدفوعاتها يزيد على (1,8) مليار دولار، ولكنّ هذا لم يمنعها من تخصيص ثلث ميزانيتها الجديدة للنفقات العسكرية، لاستيراد أحدث الأسلحة الأمريكية وصناعة الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ محلياً.

     لقد قدم المسلمون التضحيات بلا حساب من أجل استعادة أرضهم السليبة، وهم على استعداد لتقديم المزيد.. ولكن ليس من أجل توجيه تضحياتهم وإمكاناتهم لتخفيف حجم الضائقة الاقتصادية على إسرائيل بتخفيف قيود المقاطعة العربية يوماً بعد يوم، هم على استعداد لتقديم المزيد.. ولكن ليس من أجل سلام يأباه الإسلام والمسلمون لما فيه من مهانة ومذلة وتخلٍّ فاضح عن الحق الثابت على مر التاريخ وإلى قيام الساعة.. وتأباه إسرائيل نفسها لأنه لا يحقق كل المطامع الصهيونية التوسعية والعدوانية في أرضنا، وإن كان يحقق أكثر مما كانت تصبو إليه قبل سنوات معدودة.

     هم على استعداد لتقديم المزيد.. يوم تعلن الحكومات العربية من جديد الموقف الوحيد الذي يرضى به الإسلام والمسلمون، يوم ترتفع بقضية فلسطين إلى مستواها الحقيقي، فلا تجعل منها مسألة حدود وأمن، ولا مسألة مفاوضات مباشرة في المنطقة أو في جنيف، ولا مسألة تحرير جزئي بالوسائل الدبلوماسية والسياسية، ولا مسألة استرجاع لأرض مغتصبة مقابل التخلي عن أرض مغتصبة أخرى.. يوم ترتفع الحكومات العربية بنفسها إلى مستوى القضية، يوم تنطلق من منطلق الإسلام في تسيير أمورها وحكم شعوبها، وتعلن قضية فلسطين قضية الإسلام والمسلمين جميعاً، قضية التحرير الكامل واستعادة الحق السليب، وتبادر إلى الجهاد بكل طاقات الأمة وإمكاناتها.. يوم يكون ذلك، سيكون النصر بإذن الله ويكون الفوز المبين.
*****

أصوات حرة تؤيد حقنا في فلسطين

أصوات حرة تؤيد حقنا في فلسطين

     لا يخطئ المرء أن يجد بين الحين والآخر أصواتاً حرة تظهر حتى في أشد البيئات تعصباً ضد حقنا في فلسطين، وأكثرها وقوعاً تحت وطأة النفوذ الإعلامي اليهودي، تصدع هذه الأصوات الحرة بالحق، وتقف في وجه الباطل، لتستحق بذلك منا العون والشكر والتأييد.

     وفي إطار عنايتنا بذلك، نلتقي بمقال نشرته مجلة "ثندر بولت" في أمريكا، يكشف حقائق جديدة، ويفضح زيف جانب مهم من دعاية اليهود. تقرر المجلة في مقالها المشار إليه أن اليهود اخترعوا أكذوبة مقتل ستة ملايين منهم على أيدي النازية الألمانية لأهداف دعائية يستدرّون بها عطف الناس، ولأهداف مالية حيث يبتزّون من الألمان بلايين الماركات بحجة التعويض عن ملايينهم الستة، يضاف إلى ذلك حصولهم على مساعدات اقتصادية أخرى، وأعتدة حربية، وتأييد سياسي في المحافل الدولية.

     ولا ريب أن الصهيونية نجحت في تحقيق كثير من آمالها في هذا الجانب بسبب دعايتها المستمرة المركزة الفعالة –والكاذبة أيضاً– حول مقتل ستة ملايين يهودي إبان الحرب العالمية الثانية على أيدي هتلر وجماعته.

     تقول المجلة: إن دفع ألمانيا لهذه التعويضات مباشرة إلى إسرائيل يعتمد إلى حد كبير على رقم الضحايا الذي يدّعيه اليهود، فكلما ازداد هذا الرقم ازدادت أموال تلك التعويضات، ولهذا فقد كانوا على حنكة سياسية بارعة إذ إنهم وضعوا رقم ستة ملايين من أول وهلة، وأعقبوا ذلك بدعاية واسعة ومنظمة، شملت العالم بأسره.

     فقد سخّروا جميع الصحف ووسائل الإعلام –وخاصة في أمريكا– للدعاية لهم وتكرار هذا الرقم ليرسخ في أذهان الرأي العام في أمريكا خاصة. وقد استطاعوا أن ينجحوا في إرساء قواعد لدعايتهم هذه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م حتى وقتنا هذا دون أن ينبري إنسان لكشف زيف دعايتهم هذه، ذلك أنهم استغلوا ظروف ما بعد الحرب والفوضى التي أعقبتها وانشغال الحلفاء في تثبيت احتلالهم لألمانيا –مما هيأ ظروفاً مناسبة وأرضاً خصبة – لزرع بذور تلك الدعاية.
*****

حقنا الديني والتاريخي في فلسطين

حقنا الديني والتاريخي في فلسطين

     إن حقنا التاريخي الديني نحن -العرب المسلمين- في فلسطين حق ثابت، مسطور في وجه التاريخ لا يعمى عنه إلا فاقد الوجدان، فاقد البصر والبصيرة، منقوش على أعمدة المساجد وأهلّة المآذن، في كل مدينة وقرية، محفوظ في التلال والجبال، في أشجار الزيتون والبرتقال، كامن مع الأنبياء والصالحين تحت تراب فلسطين، مكتوب بدماء الشهداء والجرحى في طريق الجهاد من أجل فلسطين.

     ولقد كان من هؤلاء الشهداء والجرحى من قاتل تحت راية فاتح فلسطين، أو جاهد تحت راية محرر فلسطين، ولكن منهم أيضاً (25) ألف شهيد وجريح من العثمانيين المسلمين الذين استشهدوا وجُرحوا في معركة واحدة من معارك فلسطين، دفاعاً عن مدينة واحدة من مدن فلسطين، إنها المعركة التي دارت رحاها حول مدينة القدس الطاهرة، ودخل فيها العرب إلى جانب البريطانيين بعد (13) يوماً فقط من حصول اليهود على وعد بلفور فلسطين، وقبل أن يعلن ليعلم به الثائرون ضد العثمانيين، المقاتلون من حيث يعلمون أو لا يعلمون تحت نفس الراية التي حملها الماسونيون في جمعية الاتحاد والترقي لخلع السلطان عبد الحميد الثاني، بعد أن كان السلطان عبد الحميد الثاني السدّ الأخير في وجه تسرب اليهود إلى فلسطين، يسجّل له مواقفه مؤسس الصهيونية "هرتزل" في يومياته، إذ كان من أجوبته له على عروضه المالية:

     "إني لست مستعداً أن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك لشعبي، وشعبي روّى تربتها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب". "إن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من إمبراطوريتي".

     وبعد هذا الموقف بنصف قرن من الزمن يقف شهيد معركة القسطل "عبد القادر الحسيني" أمام اللجنة العسكرية لجامعة الدول العربية في دمشق ويقول:

     "سيسجّل التاريخ أنّكم أضعتم فلسطين، سأحتل القسطل، وسأموت أنا وجميع إخواني المجاهدين"... ويلتفت إلى رفيقه في الجهاد قاسم الريماوي قائلاً: "هيا نرجع إلى فلسطين كي نموت فيها الميتة التي وضعناها نصب أعيننا، هيا نستشهد أو ننتصر على الأعداء"، ثم يتلو قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]، ومضى فقاتل حتى قُتِل.

*****

قافلة الشهداء في فلسطين

قافلة الشهداء في فلسطين

     إن قافلة الشهداء والجرحى والمجاهدين في تاريخ فلسطين قافلة طويلة، منها مَنْ حفظ التاريخ أسماءهم أمثال "علي فؤاد الحجازي"، و"محمد جمجوم"، و"علي سليم الحسيني"، و"عبد الرحيم الحاج محمد"، وشيخ المجاهدين "عز الدين القسام"، و"أحمد عبد العزيز"، وغيرهم كثير، من رجال الإسلام وشبابه من داخل فلسطين وخارجها، ممن استشهد هناك، أو كُتِبَ له البقاء إلى أمد، ومنها من لا نعرف لهم أسماء وقد طوی تراب فلسطين أجسادهم.

     ومن هؤلاء النساء والأطفال والشيوخ في ثورات "جدار البراق"، و"يوم الأرض"، ومعركة القسطل، وغيرها.

     من هؤلاء من لم يدخل معارك النكبة الأولى إلا بنية الجهاد، ومن مضى في الأعمال الفدائية بين النكبتين وبعد النكبتين، في غزة والنقب وسيناء، وعلى سواحل طبرية والحولة والبحر الميت وضفاف الأردن، وفي أعماق الأرض المباركة معاهداً الله على الجهاد.

     نجهل أسماء الكثير من هؤلاء، كما نجهل أسماء كثير ممن كانوا يتلون القرآن الكريم بدل الاستماع إلى أصوات المطربات والمطربين ممن أرسل إليهم في النكبة الثانية.

     ونجهل أسماء الكثيرين ممن كانوا يرفضون إفطار العاشر من رمضان إلا على رمال سيناء أو في ذرى الجولان، ويقتحمون ميدان القتال وخطوط النيران، بصيحة: "الله أکبر"؛ يسجلها لهم الأعداء، وتسمعها كلّ رملة من رمال فلسطين.

     قد نجهل أسماء كثير من هؤلاء، ولكنهم باقون في سجل القضية، حلقة خالدة من حلقات التاريخ الإسلامي المتصلة، حلقات حقنا الديني التاريخي في فلسطين.. حلقات روحها من روح إبراهيم عليه السلام يوم أراد ذبح ابنه طاعة لربّه، ومن روح إیمان هذا الجيل أيضاً في هذا العصر، ونحن نسمع أطفال المدارس في قلب القدس تحت سيطرة استعمار بني إسرائيل لفلسطين، لا يخشون مواجهتهم بالتكبير والتوحيد حول المسجد الأقصی، لا لشيء، إلا لأنه مسری رسولهم ﷺ، يمنعون اليهود عنه بأجسادهم، بعد أن تخاذلت القيادات عن الجهاد، وخنعت النفوس، وطأطأت الجباه أمام من غضب الله عليهم ولعَنهم بما عصوا وكانوا يعتدون.
*****

ما يعانيه المسلم في قضية فلسطين

ما يعانيه المسلم في قضية فلسطين

     من أشد ما يعانيه المسلم وهو يعمل لقضية فلسطين كجزء من قضيته الإسلامية الكبرى؛ الافتقار إلى إدراك أبعادها التاريخية، والعيش بفهمه وضميره في واقعها الحالي متأثراً ومؤثراً.

     والأبعاد التاريخية للقضية مصدر من مصادر الإرادة الوجدانية العميقة لتغيير الواقع الراهن من الجذور، وإيجاد الواقع الإسلامي عنواناً ومحتوى. وهذه الكلمات موجهة في الدرجة الأولى إلى وجدان الأمة الإسلامية، فعلى عاتقها عبء حل القضية المصيرية إخلاصاً وعزماً وبذلاً، وإلى عقل عقلاها فعلى عاتقهم عبء خدمة القضية المصيرية تخطيطاً وعملاً وجهاداً.

     وهذا الحديث مناقشة موضوعية لحقائق تاريخية، يستبین منها حقنا التاريخي الثابت في فلسطين، وتتضح بها المعالم الحقيقية للواقع الحالي، والقوى المؤثرة فيه، والاحتمالات المترتبة عليه بالصورة الإسلامية الحية التي يجب أن تترسخ في أعماق الأمة بكاملها، وتهز وجدانها، وتؤثر في تفكيرها، وتفجر طاقاتها لتستطيع من بعدُ التأثير في مجرى الأحداث وصناعة التاريخ، وهي تمضي في طريق تجسيد الإسلام الحق في كل مجال من مجالات الحياة.

     يتحدث اليهود عن تاريخ فلسطين فلا يرون فيه إلا بضع مئات من الأعوام كان ليهود الأمس خلالها وجود جزئي في فلسطين لم يتخذ صبغة "دولة" إلا مدة لم تصل لأربعين عاماً، واندثر هذا الوجود دون أن يترك أثراً واحداً في فلسطين. ولكنهم يصورون كل ما قبله وما بعده من تاريخها، وكأنه مندثر لا قيمة له.

     ويتحدث أنصار اليهود من الصليبيين في أنحاء العالم عن تاريخ فلسطين بصورة مشابهة، وأسلوب مماثل لأسباب ومصالح عديدة. وقد يزيدون على ذلك ذكر الغزوة الصليبية القديمة والحديثة، وما للنصارى من وجود جزئي في فلسطين ماضيه وحاضره.

     ويتحدث أنصار اليهود من الشيوعيين المحليين والدوليين عن فلسطين –على اختلاف معهم في أهداف مرحلية– كمسرح من مسارح الصراع الطبقي المادي. فلا يتعرضون للقضية إلا من هذه الزاوية، ولا أهداف لهم فيها إلا في هذا الإطار.

     ويتحدث المتخاذلون في بلادنا أمام اليهود عن فلسطين وكأنما مسخ تاريخها الطويل في الثلاثين عاماً الأخيرة لا يتجاوزونها إلا نادراً، وإذا فعلوا فلا يصلون إلى أبعد من تاريخ تأسيس الحركة الصهيونية في نهاية القرن الميلادي الماضي كأنما انحصر تاريخ القضية في تاريخ الصهيونية العالمية... وإذا استشهدوا بتاريخ الإسلام في فلسطين كان استشهادهم مشوهاً مزيفاً يستهدف تبرير غایات ومصالح وخطوات بعيدة كل البعد عن أصل القضية، متنكرة كل التنكر لها..

     أما المسلمون أصحاب القضية فمقصرون في حقها، وهذا أدنى ما يجب الإقرار به أولاً لتجاوزه والتخلص منه في المستقبل بإذن الله. مئات بل ألوف الكتب تشرح وجهات نظر سائر الفئات المذكورة بمختلف اللغات والأساليب، ولا نجد الكتاب الإسلامي السليم عن القضية.

     وقد يتناول كاتب مخلص القضية من جانب عسكري، فإذا بها في كتابه مشكلة قوة، أو يتناولها آخر من جانب فكري فإذا بها مسألة فكر، أو يتناولها ثالث من جانب علمي تقني فإذا بها قضية جهل أو تأخر، أو يتناولها رابع من جانب خلقي فإذا بها مشكلة أخلاق، أو يتناولها خامس من جانب عقیدي فإذا بها أزمة عقيدة... وهكذا.

     والقضية تجمع هذا كله، ومزيداً عليه أنها قضية وجود ومصير، قضية واقع فاسد من الجذور لا تجد حلها إلا بحل هذا الواقع، وإقامة الواقع الإسلامي الرباني السليم على كل صعيد عقیدي وفكري وعلمي وعسكري، وعلى كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي، وعلى کل صعيد آخر.
*****

فلسطين جزء من القضية الإسلامية الكبرى

فلسطين جزء من القضية الإسلامية الكبرى

     لا ينبغي لكاتب إسلامي أن يتناول قضية فلسطين منفصلة عن القضية الإسلامية الكبری أو أن يعالج جزئية من جزئياتها بسبب ظروفه الخاصة، أو ظروف الواقع من حوله، وهو يصور تلك الجزئية وكأنها كامل القضية، ويصور موقفه منها وكأنه الموقف الإسلامي الأصيل من مجموع الواقع.

     بل لا بد من الكاتب الإسلامي الذي يتعرض للقضية واضعاً في اعتباره أنها جزء من مجموع القضية الإسلامية الأصلية في هذا العصر. إذا تحدث عن بعض جوانبها فلا يغفل عن الجوانب الأخرى. وإذا كتب نبعت كلماته عن أعماق وجدانه لتؤثر في وجدان قارئه، والتزمت الموضوعية لترسم معالم سليمة في اتجاه التطور السليم للعمل من أجل القضية.

     ولا يمكن أن يتضمن الكتاب الإسلامي عن القضية وتاريخها أكثر من بعض الحقائق التاريخية الأساسية، والمعالم الواقعية الرئيسية واللمسات الوجدانية العميقة..، ويبقى بعد ذلك واجب إسلامي على كل فرد من الأمة الإسلامية، أن يبذل جهداً فردیاً، يبدأ فيه بالتعرف بنفسه على تاریخ قضيته وواقعها، وهو يضع نصب عينيه الاستعداد التام للشهادة على طريق الجهاد من أجلها. ونقص الكتاب الإسلامي يبرز الحاجة الماسة إلى من يخصص جهداً أکبر، جهداً مبدعاً لتعويض المكتبة الإسلامية عما ينقصها في هذا المجال.

     ولا بد من الإقرار المؤلم بأن مكتبة فلسطين المليئة بأنواع المؤلفات والكتب تكاد تخلو من الكتاب الإسلامي رغم الأصالة الإسلامية لتاريخ فلسطين..، وإذا توفر كتاب ذو عنوان إسلامي غلبت عليه نزعة الابتعاد عن الموضوعية في بعض الأحيان، أو غلبت عليه نزعة مناصرة فئة من الفئات، أو اتجاه من الاتجاهات.

     والقضية في حاجة إلى غير هذا وذاك، في حاجة إلى العرض التاريخي الموضوعي الأمين، وإلى القلم المتأثر بالأحداث المفجعة المعاصرة، يكتب وصاحبه يدرك كل الإدراك أبعادها وما وراءها، والاحتمالات المترتبة عليها في المستقبل، ويضع في حسابه ما قد تؤدي إليه كلمة الحق الصائبة المخلصة النابعة من أعماق الضمير.. من عواقب، أو تقتضيه من تضحية مقابل ما تتركه من تأثير في حياة الجيل.

     وقد يسأل سائل: كيف نصل إلى القلم المخلص المبدع؟ وکیف نوجد الكاتب الإسلامي الواعي؟

     فليذكر السائل أن صلاح الدين الأيوبي ما وجد نفسه على بداية الطريق إلى المسجد الأقصى في القدس... إلا عندما أصبحت قضية الاستعمار الصليبي للقدس شغله الشاغل ليلاً ونهاراً، وهمّه الدائم في يقظته ومضجعه..؛ كذلك فمن يخدم القضية اليوم لن يستطيع تقديم ثمرة لخدماته ما لم تصبح القضية شغله الشاغل ليلاً ونهاراً، وهمّه الدائم في يقظته ومضجعه.

     ولا شك أن أحداث القضية المفجعة من الأهمية والقدرة على التأثير بما يكفي، إنما نحتاج إلى من أصبح الإسلام متجسداً فيه بالمستوی الذي يجعله يتأثر بتلك الأحداث تأثراً وجدانياً عميقاً محركاً، فإن توفرت له المعطيات اللازمة أمكن أن يقدم للقضية خدمة جلى تحتاج إليها، ويحتاج إليها الإسلام والمسلمون في هذا العصر حاجة ماسة..، ومن ذلك الكتاب الإسلامي عن قضية فلسطين.
*****

يا معشر يهود!

يا معشر يهود!

     يا معشر یهود!.. يا قتلة الأنبياء!.. بأي حق تطالبون بأرض الأنبیاء!؟

     هذه کتب تاریخكم تعدد من قتلتم من الأنبياء فتذكر فيمن تذکر: "حزقيال" على يد أحد قضاتكم، و"أشعيا بن آموص" الذي أمر ملككم "منسى" بنشره على جذع شجرة سنة 700 ق.م، و"آرميا" الذي رجمتموه بالحجارة سنة (650) ق.م، و"زکریا" و"یحیی بن زکریا" – عليهما السلام – اللذين تقولون أنكم قتلتموهما حوالي سنة (30) بعد الميلاد..، تطالبون بالأرض التي استقبلت "إبراهيم" عليه السلام قادماً من أرض بابل، وأنتم الذين تتهمون إبراهيم عليه السلام بالتنجيم!؟

     تطالبون بأرض یعقوب عليه السلام الذي لم تحفظوا له وصية أو عهداً.. تطالبون بأرض داود وسلیمان وأنتم أنفسكم الذين تتهمون نبي الله داوود –عليه السلام– بسفك الدماء، وأحد أبنائه بأنه زنی بزوجات أبيه داود على قارعة الطريق، وتصورون نبي الله هارباً لاجئاً إلى الجبل المطل على القدس، يقذفه السفهاء بالأقذار والحجارة، عاجزاً عن بناء الهيكل بسبب جرائمه.

     والله تعالى يقول في القرآن الكريم الذي لم ولن يُحَرَّف: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

     يا معشر يهود!.. تطالبون بأرض داود وسليمان، بإعادة بناء هيكل سليمان وأنتم أنفسكم تتهمون سليمان عليه السلام بالفساد والزنا والشرك، فتقولون في توراتكم الحالية فيما تقولون: "فالتصق سلیمان بهؤلاء بالمحبة، وكان له سبعمئة من النساء السيدات، وثلاثمئة من السراري... وكان في زمان شیخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى... فذهب سليمان وراء عشتروت آلهة الصيدونيين، وملكولم رجس العمونيين".

     والله تعالى يقول: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].

     كفر الشياطين واتبعوهم فكفروا هم كما يقولون عن أنفسهم في سفر القضاة من توراتهم الحالية: "وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فعبدوا البعل وعشتروت وتركوا الرب إله آبائهم ...".

     أهذه هي الدعوى الدينية التي تطالبون بها بفلسطين الإسلام والمسلمين، تطالبون بالأرض التي أرسلكم موسى إليها وأنتم الذين تقرون في سفر الخروج من توراتكم الحالية أنكم عبدتم العجل في غيابه، وكفرتم به وبربه، وما حفظتم له وصية ولا عهداً حتى إذا أمرکم بالقتال رفضتم وعاندتم: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَاۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِيۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 24-26].

     تطالبون بالأرض التي ولد المسيح عليه السلام فيها، وأنتم الذين كفرتم بالمسيح، واتهمتم أمه الصديقة العذراء بالزنا. وتقولون: إنكم تآمرتم عليه لصلبه، ويصِمُكم الإنجيل بالكفر والعصيان، ويسمّيكم المسيح عليه السلام بالخراف الضائعة، وقتلة الأنبياء، وأولاد الأفاعي، وأولاد الشيطان كما هو وارد في الأناجيل الحالية... والله تعالى يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78].
*****

واجب المسلمين نحو فلسطين

واجب المسلمين نحو فلسطين

     لئن كانت واجبات المسلم اليوم كثيرة كبيرة في إطار قضيته الشاملة، فلا ينبغي أن يقتصر ما يؤديه فيما يتصل بفلسطين بالذات على الانفعال بأحداثها مرة بعد أخرى.. أو أن تقتصر به الحماسة على المطالبة بأقصى المطالب بأعلى صوت، وأن تتحقق بأسرع وقت دون أن يكون هو بالذات جزءاً من التخطيط الشامل السليم ومنبعاً من منابع الجهد الدائب المستمر.

     وفي تاريخ فلسطين وقضية فلسطين الكثير مما يحتاج إلى الإيضاح وإلى التثبيت في الأذهان والضمائر؛ بالكلمة، والمحاضرة، والندوة، والكتاب، والقصة، والقصيدة. وبوسع المرء تناول قضية فلسطين في هذا كله من وجوه عديدة ينجلي بها الحق الأصيل ويستبين.

     وإن الشواهد الكثيرة، والحقائق المختلفة لتشهد أن حق الأمة المسلمة في فلسطين حق عميق أصيل ذو جوانب كثيرة:
  • حقنا في فلسطين حق ديني تاریخي.
  • حقنا في فلسطين حق تاریخي بشري.
  • حقنا في فلسطين حق تاريخي حضاري.
  • حقنا في فلسطين حق قانوني دولي.
  • حقنا في فلسطين حق ثابت.
     مهما بدا واقع المسلمين في ظاهره مدعاة يأس، أو بدا واقع يهود الأرض اليوم مبرراً لدى البعض على طريق الاستسلام والخضوع.

     وميزان التاريخ يؤكد أن مصير مساعي يهود اليوم إلى الفشل دون ريب. ويؤكد أن مصير مساعي التسليم لهم بالباطل إلى الفشل دون ريب.

     ويؤكد أن الموقف الإسلامي الأصيل في القضية أثقل في تأثيره ونتائجه مما يحسبه الواهمون. وعرض تاريخ القضية واجب إسلامي على الأمة الإسلامية لا غنى عن القيام به بعد أن غابت هذه الوجوه أو غاب معظمها عن الأذهان حتى في وعي المسلم أحياناً بفعل ما بذله أعداء الإسلام، وبفعل تقصير المسلمين عن الجهاد بالكلمة والعمل على السواء.

     قال الله تعالى: {فَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۚ} [الحج: 87]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفْسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ} [العنكبوت: 6].
*****

الأكثر مشاهدة