الجمعة، 8 سبتمبر 2023

استمرار الحروب الصليبية

استمرار الحروب الصليبية

     إذا كانت الحروب الصليبية قد توقفت عام (690هـ/ 1291م) حين فتح الأشرف خليل قلاوون عكّا آخر معاقل الصليبيين المهمة في الشام، وفي خلال شهور أعقبت الفتح من العام نفسه، تمّت تصفية البقية القليلة من المدن الباقية بأيدي الصليبيين وهي صور وصيدا وحيفا وطرطوس وعتليت، فعادت جميع البلاد الشامية الساحلية إلى دار الإسلام، وإذا كانت صفحة الصليبيين الغربيين الذين غزوا بلاد الشام عام (490هـ/ 1097م) قد انطوت بعد قرنين من القتال الدامي، فإنه ليس معنى ذلك انتهاء قصة الحركة الصليبية التي قُدِّرَ لها أن تستمر بعد ذلك عسكرياً وفكرياً، في أصقاع شتى وبأساليب متباينة.

     إن تلك الحركة لم تتوقف، ذلك أن أوروبا بدأت بعد قليل كرةً أخرى في الأندلس، فلما تم استشهاد الأندلس تدافعت قوات أوروبا على الطريق الأفريقي بدون توقف، وتدفق الإسبان والبرتغال ومن بعدهم الهولنديون والإنكليز والفرنسيون ليضعوا أيديهم على مواقع كثيرة من بلدان المسلمين، وينزلوا بأهلها شتى ألوان القهر ردّاً لجميل المسلمين الذين أحسنوا إليهم، وقدّموا لهم نور العلم والحضارة في الأندلس وصقلية وغيرهما.

     وكان عام 1830م مؤشراً مخيفاً على بداية موجة جديدة من موجات التحرك الصليبي الجديد، وذلك حين بدأت فرنسا في غزو الجزائر، وامتدت المعركة إلى تونس فمصر والسودان، ومنذ ذلك الحين بدأت نتائج الغزو الفكري تظهر، وطلائع التبشير تعمل، وأخذت جوانب من خطة لويس التاسع ووصيته توضع موضع التنفيذ.

     ذلك أن قوات محمد علي باشا انسحبت من الشام عام 1840م، وأخذ الغرب يخطط لإقامة دولة تكون قاعدة له وشوكة في جنب المنطقة، فأخرج ما عرف فيما بعد بـ"لبنان الكبير"، ومن المعروف أن فتنة عام 1860م بين الموارنة والدروز تمت بتغذية القوى الغربية، فالفرنسيون كانوا يدعمون الموارنة، والإنكليز كانوا يدعمون الدروز، وحصلت فتنة دامية أدت إلى أن ينشأ كيان خاص في ظل الدولة العثمانية، وما زال هذا الكيان يدعّم اقتصادياً وعسكرياً وفكرياً حتى أخرجه الجنرال الفرنسي غورو الذي احتل سوريا ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى، بصورته النهائية التي عرفت باسم "لبنان الكبير" يومذاك، وباسم "لبنان" فقط فيما بعد ذلك.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة