دراسة وثيقة لويس التاسع
تدل دراسة وثيقة لويس التاسع عشر التي عكف على إعدادها بعد هزيمة حملته الصليبية على مصر، أن الغرب الصليبي قد تبين له من خلال مراجعة لويس التاسع لتجربة الحروب الصليبية عامة، وحربه هو منها خاصة، أن المعركة مع المسلمين يجب أن تبدأ أولاً من تزييف عقيدتهم الراسخة التي تحمل طابع الجهاد والمقاومة، والتي تدفع بالألوف منهم إلى ساحات الشهادة في سبيل الله دفاعاً عن الدين والعرض والوطن والحق.
تلك هي بداية المعركة العنيفة الضروس التي نشبت بعد فترة الحروب الصليبية، ولقد حرصت تلك المعركة على تمييع مفهوم العقيدة عند المسلمين عامة، ومفهوم الجهاد خاصة، وامتصاص كل ما فيهما من قوة وبطولة، واستعلاء وإيمان، وذلك بوسائل كثيرة، منها التفرقة بين العقيدة والشريعة، ومنها تصوير الإسلام على أنه دين عبادي فقط كما هو الحال في المسيحية، ومنها فصل الدين عن الدولة، ومنها الزعم بأن الإسلام جاء لفترة وانتهى دوره.
والهدف من ذلك أن يفقد المسلمون السر الخطير الكامن في أصالة عقيدتهم وجوهر دينهم، وهو سر الثقة والبطولة والاستعلاء، بحيث يصبحون قطعاناً من السائمة التي يسهل قيادها إلى حيث يشاء الأعداء، ومن هنا بدأت معارك التبشير والاستشراق والغزو الفكري والاحتواء.
إن الضرورة تلزمنا بدراسة ذلك المنحنى الخطير الذي تحوّلت إليه علاقات الغرب مع عالم الإسلام، الذي جنّدت في أعقابه تلك المعارك العنيفة الضروس، التي أريد لها أن تكون بديلاً عن حروب الميدان القتالية، أو ردءاً لها ومقدمة وتمهيداً.
ويمكن أن يصاغ الهدف من ذلك بدقة أنه: إيقاف توسع الإسلام أولاً، ومحاصرته ثانياً، واحتواؤه ثالثاً. ولقد حرص ذلك المخطط على استخدام مَنْ يمكن إغراؤهم من مسيحيي الشرق ومن المسلمين المضلَّلين، كما حرص على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق الإسلامي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز ومركزاً لدعوته الدينية والسياسية، وقد عيّن لويس التاسع مكان تلك القاعدة في الأراضي الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ولا ريب أن أولى دلالات وصية لويس التاسع بعد هزيمته في المنصورة هي انتهاء خطة، وبداية خطة جديدة، وقد تمثلت الخطة الجديدة بالغزو الفكري بشتى ألوانه وأساليبه، وهو المخطط الذي يستهدف دحر الإسلام فكراً؛ بعد العجز عن دحره أمةً، أو دحر هذه الأمة في معتقداتها بعد العجز عن دحرها في بلادها.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق