وثيقة لويس التاسع
ظهرت في السنوات الأخيرة وثائق كثيرة كانت خافية على المسلمين والعرب، لها أثرها الكبير في مصائرهم ومقدراتهم، وبسببها يمكن تفسير كثير من الأحداث والنكبات التي حلّت بهم، ومن الوعي الدقيق بها يمكن اتخاذ كثير من المواقف الصادقة الصحيحة.
من هذه الوثائق وثيقة تعود إلى أيام الحروب الصليبية المشهورة وهي وثيقة لويس التاسع. فبعد هزيمة لويس التاسع في المنصورة وجنوحه إلى التأمل في نتيجة خطته التي جرّت عليه الهزيمة والاعتقال في دار (ابن لقمان) بالمنصورة، كتب مذكرة خطية أشارت إليها مراجع عديدة من كتب التاريخ الفرنسي، وذكرها المؤرّخ "جوانفيل"، يحدد فيها الموقف من العالم الإسلامي بعد السنوات الطويلة من الحروب الصليبية. والمعروف أن لويس التاسع كان ملكاً على فرنسا، وكان شديد التدين، وكان هو قائد الحملة الصليبية الثامنة التي اتجهت إلى مصر، وانتهت بالهزيمة وأسر قائدها وسجنه.
لقد أدرك لويس التاسع في وثيقته، وأشار فيها إلى إدراكه هذا، أنه لا سبيل إلى السيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة، ذلك لأن في دينهم عاملاً حاسماً هو عامل المواجهة والمقاومة والجهاد وبذل النفس والدم في سبيل الله، دفاعاً عن الأرض والعرض والدين، وأكد الرجل أن مع وجود هذا المعنى عند المسلمين، من المستحيل أن تنجح السيطرة عليهم، لأنهم قادرون دوماً على المقاومة ودحر الغزو.
وأكد الرجل أنه للسيطرة على المسلمين لا بد من إيجاد سبيل من شأنه أن يزيف مفهوم المقاومة والجهاد لدى المسلمين حتى يصبح مفهوماً باهتاً بحيث تسقط خطورته واندفاعته وقدرته على بث روح التحدي والبطولة. وقرر الرجل أن ذلك لا يتم إلا بتركيز واسع على الفكر الإسلامي لتحويله عن منطلقاته وأهدافه، بحيث يفقد المسلمون اعتزازهم بدينهم واستعلاءهم به، ويستسلمون أمام القوى الغربية، وتروّض أنفسهم على قبولها على نحو من أنحاء السيطرة أو التبعية أو الاحتواء أو الصداقة، أو ما شاكل ذلك.
وتدل المعلومات المتوفرة عن طبيعة الصراع بين المسلمين وبين الغرب الصليبي أن وثيقة لويس التاسع وَجَدَتْ لدى قيادات ذلك الغرب آذاناً صاغية، بحيث إن كثيراً مما جرى بعد ذلك؛ يعد بشكل أو بآخر انتفاعاً منها واستجابة لها.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق