‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديوان غداً نأتيك يا أقصى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديوان غداً نأتيك يا أقصى. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 2 يونيو 2021

قراءة في ديوان غداً نأتيك يا أقصى - د. أمين الستيتي

قراءة في ديوان غداً نأتيك يا أقصى

لحيــــدر الغديــــر

د. أمين الستيتي – الرياض
نشرت في مجلة الدعوة، العدد 2129
29 محرم 1429هـ - 7 فبراير 2008م


     يلوح على بساط تتقاذفه ظلمة الأمواج، ملتحفاً بظلمة ليل تائه، وتختلس من بين عتماته شمس خجول، نظرة تعبر عن أمل تكسرت أعطافه بين دياجير الظلام، هكذا بدت لوحة الغلاف، متوجة بعنوان اختاره الشاعر حيدر الغدير ليعبر عن المعاني التي عاشت في صدره، وفار بها فؤاده. وبعدها ولجنا إلى الإهداء، وفيه حلقة متينة من العواطف في سلسلة المشاعر التي أورقت في شغاف القلوب، وقد وجهها الشاعر إلى أبطال المسلمين الذين يزرعون النصر، ويحصدونه في يوم الأمل الذي يراه شاعرنا حقيقة تزحم وجه الشمس في رابعة النهار.

     ثم وضع جدول المحتويات في الصفحة الخامسة، وزرع فيها ثماني وأربعين قصيدة، وأولها أم الديوان: (غداً نأتيك يا أقصى)، وقد بناها على (مفاعلتن) مكررة مرتين أو ثلاثاً، أو أربعاً، وقد ساعده هذا الوزن الحُدائي النغمات على صنع ألحان متماوجة كهضاب نجد، بل كما خبَّت الصحراء بالإبل، تغذ السير إلى ساح الوغى، وقد اعتلاها الغاضبون لربهم، حين تجبر الطاغون وبغوا، فيقول:

عهدك أيها الأقصى، وعهدك جمرة فينا، وحلم في مآقينا
ينادينا، فلا ننسى، وكل خلية فينا هي الأخرى .. تنادينا
إلى الأقصى، إلى الأقصى

     هكذا بدت موجة عالية من صخب العواطف، تحمل إعصاراً من زفرات الأمة، لتصبح نصر حطين مرة أخرى، وتكرر فتح خيبر، وكأن الشاعر يربط بين النصرين، ذلك أن العدوين في المعركتين عبر التاريخ قد وحدوا خبائثهم، ومكرهم ضد الإسلام والمسلمين.

     وتتدافع الألفاظ القرآنية على شفتي الشاعر لتشغل حيزاً من اللوحة الشعرية التي رسمها الشاعر ببساطة العربي البدوي، لتمثل غضبة الأمة على أعداء الله، في قوله:

وقد تبت أياديكم
وقد بادت صياصيكم
نتبر كل ما شدتم

     معتمداً على ما أخبر به الرسول صل الله عليه وسلم بقوله:

لنا عهد سننجزه، ووعد سوف نحرزه، بأن النصر آتينا،
كذلك قال سيدنا، وهادينا، محمدنا..

     ولا ينسى شاعرنا حيدر الغدير أن شرط النصر هو التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما فعل أجدادنا الأولون، وبثقة المؤمن، الذي يرى ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم رأي العين، فهو في يافا، وفي عكا، وفي صفد، والرملة، يزرع ويسقي ويسوس الخيل، ويذكر هيبة ابن الخطاب رضي الله عنه، وهو الفاتح الأول، وصلاح الدين، بوجهه الوضاء، وبينهما قائد جموع المسلمين الزاحفة، الذي سيرفع علم الجهاد ثانية، ويخوض معركة الإسلام، والتي سيكرمنا الله فيها بالنصر المؤزر.

     ويكاد الشاعر يرسم صورة هذا البطل المسلم القائد، بل يكاد يسميه، ويناديه حين يقول:

ونلقى الفاتح الأول، أبا حفص بهيبته،
ونلقى الفاتح الثاني صلاحاً في وضاءته،
ونلقى الفاتح الثالث فنعرفه بطلعته،
وقامته التي شمخت، وسطوته ورحمته،
ونسجد كلنا شكراً، لواهب زحفنا النصرا،
سيبقى مجد أمتنا هو الأعلى هو الأنضر،
وتبقى شمسها الأحلى، ويبقى حقلها الأخضر،
لأن الله حافظها، ولله الدنا تعنو، ويبقى أمره الأكبر

     لقد انسابت كلمات الشاعر سلسة، لا تكلف فيها، يظنها القارئ نثراً، لولا وزنها الذي غلفها بألحان شعرية، في قوافيها المتلاحقة، مع موجات ملتهبة من العواطف في حروف منسابة، يسيرة المعنى، واضحة الصورة، بينة الدلالة، تذكرنا بأبي العتاهية، الذي لم يكن يتميز شعره عن النثر بغير الوزن والقافية. ومع أن الشاعر بهذه القصيدة وأبياتها يعلن مواكبته لعصره، والتحاقه، أو موافقته المجددين، غير أنه لم يبارح الشعر العمودي، ولا المعاني المألوفة عند العربي، محتفظاً بذاتيته، ووضوح صورته، وقرب معانيه، وخطابية التعبير المباشر، وبعده عن الإيغال في المعاني، أو الغوص في أعماق الصور، واللوحات الشعرية المتكاملة الناطقة في الشعر المعاصر، والتي اتخذت عنوان العصرية، والتطور في هذا الزمن.

     حتى في إحالاته وجدناه قريباً، واضحاً جلياً، ولو كان لقارئ الديوان أن يرسم صورة صاحبه لظهرت أمامنا صورة رجل واضح المعالم، يتحرك تحت الضوء، ويعيش الحياة اليسيرة، السهلة، بكل ما تعني هذه الكلمات.

     وإذا كانت أحزان الأقصى حاضرة أمام الناظرين اليوم، فإن أحزان الأندلس لم تغب عن قلوب المسلمين، بل كأنها لن تغيب حتى يغسل الآتون بنصر الله سبحانه هزائم الغابرين، الذين فرطوا بأسباب النصر التي بينتها شريعته الخالدة، ففرط بهم النصر.

     لقد رسم شاعرنا حيدر الغدير صورة غرناطة الأندلس، وأحداث هزيمة (أبي عبدالله الصغير) وما حل به، في القصيدة الثانية من ديوانه، وجعل عنوانها (حسرة العربيّ)، وهو اسم المكان الذي وقف فيه ذلك الصغير يودع مدينة ملكه، واختار شاعرنا لهذه القصيدة ألحان بحر الطويل: (فعولن مفاعلين)، تلك الألحان المتزنة، واسعة المدى، وعزف عليها كل الأحزان، والدموع والآلام الماضية والحاضرة، والتي عاشت في قلبه وقلوب الأمة عبر الزمن، وبشر بما يبشر به الرسول صل الله عليه وسلم إذا أخذ المسلمون بأسباب النصر.

     ورأيناه ينطلق من بكاء أبي عبد الله الصغير، ليصف الدماء التي صبغت تلك المدينة، وأجراس الكنائس التي طغت وكتمت أصوات المؤذنين، والأستار التي هتكت، والخيول التي خلت صهواتها.. ونواح المحصنات اللواتي لم يأسفن على الذين قتلوا مستسلمين، ولا على الفارين، بل ذكرنهم بما كان ينبغي، من الإقدام، والقتال، للفوز بإحدى الحسنيين، لأن ذلك طريق الخلود التي سلكها المنتصرون. وقد شكلت كلمات أم عبد الله الصغير عمود القصيدة، ومحور الفكر الإسلامي، فصاغها الشاعر مطراً يغلي بقوله:

ألا فابك مثل الغيــــد ملكا أضعتــــــــه
               وما صنته عن عـفـــة وتكــــــــــــــرم
ألا كنت مثل الليــــث في حومة الوغى
               يصـــول إذا يرمي، ويحــــدو إذا رُمِي
وخضت إلى الفردوس بحراً من اللظى
               وكنت الأبي الحر والـفــــــارس الكمي
ولو مت مقـدامــــــاً لعشت مخلـــــــــداً
               وصرت نشـــــيداً كالأغاريد في الــــفم
وخلدت بين المسلميـــــــــــن كحمـــزة
               وكفنــــت في برد من المجــــــــد والدم

     وقد أحسن الشاعر حين انسل من مرارة الواقع الممتد من (حسرة العربي) أرضاً وزماناً، حتى أيامنا هذه، نحو مجد غابر صنعه السابقون بقلوب ملأها الإيمان، وفاضت بها آمال النصر. فعاشت تتهادى بين إيمانها وآمالها، وأحلامها، وعقدت عزائمها لتجسد ذلك انتصارات بلغت أقاصي الشرق والغرب، وجلجلت سيوفهم، وخفقت راياتهم، وعلت بهم منارات صدحوا من فوقها بأصوات الأذان، ونشروا دين الله، وطهروا الأرض من دنس الكافرين وظلمهم، يتساءل شاعرنا عن كل ذلك فيقول:

أين الأذان يزف النـــــور مؤتزراً
               بالطيب ينهل مثل الهاطل الهضب
والمسلمون سرايـا بالهدى انطلقت
               يحفها مهرجان الفتح والغلــــــــب
تطهر الأرض من كفر ومن دنـس
               وتنقذ الناس من بغي ومن حـــرب

     لم يلبث الشاعر أن مزج حلمه بأحلام موسى بن نصير، وشكل جيوش الفتح القادمة، وجعل في نفسه رفيقاً لطارق في جند الفتح، وكأنه يراهم رأي العين: فيقول:

إني لأبصرهم زحفاً له زجــــــــــل
               إلى الديــــار التي عزت على أربي
غداً يحقــق حلمي سيـــد نجـــــــــد
               يمضي إليه (على جسر من التعب)
أنا وطارق جنـــد في كتائبـــــــــــه
               فأسرجوا خيلكم يا أمة العــــــــرب

     لم يغادر شاعرنا ألفاظه السلسة، ومعانيه القريبة، وصوره اليسيرة المنال، المألوفة عبر الزمن، وكان تأثره بالألفاظ القرآنية والنبوية المشرفة جلياً، وفي كل أنحاء القصيدة، وظهرت صورته وهو يمزج بين حمراء قرطبة، وأقصى فلسطين، وكأنه يؤاخي بين حسرات المسجدين!! وقد التحف الشاعر أشواقاً حارة، معبراً عن أشجان أمة الإسلام قاطبة.

     أما اللون الثالث في هذا الديوان فكان الشعر الإخواني، وشعر المناسبات، وذاتية الشاعر، الذي ضم كثيراً من قصائده، ولا عجب فالشاعر متفرغ للقراءة والكتابة، وممارسة العلاقات الاجتماعية، والندوات الثقافية، ومن هذه القصائد ذات العنوان الإسلامي: (نم في البقيع) التي رثى فيها الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري.

     ولم يخرج شاعرنا في هذه القصيدة عن نهجه، وظل متمسكاً بعمود الشعر، ومعاني الأولين من الشعراء، فذكر محامد الفقيد الكثيرة، وأشاد بمواقفه، وجهاده بالكلمة والنفس والمال، والآمال، التي تجلت في أن يمكن الله سبحانه للمسلمين، ثم زف إليه أنباء انتصارات المسلمين في بعض البلاد، وتمنى لو كان حياً ليتغنى بها، لكنه واسى نفسه بالملائكة الذين سيزفون له أنباء تلك الانتصارات، فقال:

نصر كما تهوى فأين يتيمـــــة
               من حر شعـرك للأسود تصفق
أترى الملائكة الكرام سعت به
               نبأ إليك وبسمــــــــــة تترقرق

     ولا ينسى أن يبارك له نومه في البقيع، إلى جوار جده، ويبشره بأن مسلسل الانتصارات الذي بدأت شموسه تسطع بجلاء، لابد أن يصل القدس، وتشرق فيها شموسه.

     لقد كان الشاعر ملتزماً بدينه، منافحاً عنه، في كل إبداعه الشعري، وعلى كل صوره، مشيداً بالمتمسكين بشرع الله، كتاباً وسنة، واقفاً معهم في كل خنادقهم، وهو بذلك يؤكد نفسه في مسيرة الأدب الإسلامي، وتسخير الشعر والإبداع لخدمة هذا الدين الحنيف.

***

الأربعاء، 6 يناير 2021

من النجم؟

من النجم؟ 

الرياض ـ الأحد
22/ 12/ 1426هـ ـ 22/ 1/ 2006م. 

كرّمت إثنينية الأستاذ خوجة في جدة، الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي، فأحسنت إلى نفسها قبل أن تحسن إليه.

رأيتكَ بين الورى يا حسنْ
               ذكي الفؤاد ذكي اللَسَنْ
تحيط بك الغرر الطيبات
               وهن الحسان وأنت الحسن
سرينَ إليك فطاب السرى
               لهن وكنتَ وطبتَ السكن
شكرتَ الجوادَ لأفضاله
               ونقيتَ سرك قبل العلن
وغالبتَ نفسك حتى انتصرت
               وكنتَ الصبور الذي ما وهن
وأحكمتها بالهدى لا الهوى
               إذا ما فرحتَ وعند الحزن
ويعلو الفتى دان أهواءه
               وإلا فهن الردى والكفن
       ***** 

وجئتَ إلى الحفل لما دعوك
               فكنتَ الهزارَ وكان الفنن
تحــدثتَ فيه فطيَّــــبته
               وطاب الحضور وطاب الزمن
ومُدَّ رواق من الزائنات
               إلى حسنها العقل والقلب حن
فإن المضيف وإن الضيوف
               جميعاً أخ آمن مؤتمن
       *****

وجئتُ الرواقَ وفيَّ اشتياق
               وفيَّ طيوف الونى والوسن
فقد أسكرتني صباباته
               ولا تسألنّي لماذا ومن
فأبصرتُ في صدره كوكباً
               تلألأ فيه المنى والمنن
تسابقت والشوق نعدو إليه
               كأنا مِهار أبين الرسن
سألتُ الصحابَ وقد راعني
               مَنِ النجمُ؟ قالوا المجلّي حسن
       *****

سلامي لتطوان قد أنجبتك
               وصحب بها كالحيا إن هتن
لقد سكنوا القلب حتى غدا
               مثاباً ولم يبرحوه ولن
       *****

أسِلْها دمعة

أسِلْها دمعة

الرياض ـ الثلاثاء
17/ 12/ 1426هـ ـ 17/ 1/ 2006م

ذكر الله خالياً فكاد يبكي لكنه استحيا.

أَسِـــلْها دمعة تمحــــو الخطايا 
               وتجلو الران عششَ في الحنايا 
ولا تخجلْ فدمعتـــك ارتقـــــاء
               إذا أخـلصــت لله الـنـوايــــا 
ستعلو حين تسكبها وتغـــدو
               مع السبع الخيار من البرايا 
لهم ظل من الرحمن ضاف
               إذا جاؤوا الحساب وهم عرايا 
وكان السر إعلانـــــــاً ومُدَّتْ
               سجلات لهم تحصي الخطايــا 
وجاء الخوف تســــبقه غواش
               وتصحبه وتتــــلوه البلايــــــا 
وعافت كل مرضعة فتـــاهـا 
               وأعول ذو الجراءة والصبايا 
ستـــلقى ما سكبت سناً وأمناً
               وبرداً في اللهاة وفي الحوايا 
وتروى حيث يظمأ كل عات
               وتأمن والورى رهن الرزايا 
       ***** 

أعذني رب من دمع عنيــــد 
               وقلب كالصفاة ومن هوايـــا 
أَمِتْ طمعي وخوفي حيث أمضي 
               وأخلصـــــني عِلاني والخفــــايا 
وأوقـــــد همـــتي لأكون حراً
               رضاك، وَهَبْهُ لي، أغلى منايا 
أعيش له وأعليه لـيغـــــدو
               مفازي حينما أرد المنـــايا 
ومن يطلب رضاك ولا يبالي 
               رضا الأغيار يدركها عطايا 
وأنت تديمها نعماً حســاناً
               وجلّت مثل مهديها الهدايا 
أأدركها؟ عساي، فذاك حلمي 
               صباحي والأصائل والعشايا 
       ***** 

إذن أغدو المظفَّر أمنيــــاتي 
               أتت عجلى لتحثوها يدايـــــا
       *****

قال الأشج


قال الأشجّ

الرياض ـ الأحد
1/ 12/ 1426هـ ـ 1/ 1/ 2006م

"قاتل هواك كما تقاتل عدوك".
نصيحة رائعة للخليفة الرائع عمر بن عبد العزيز، أشجّ بني أمية ومفخرتهم، ومجدد الإسلام الأول. رحم الله عمر، لقد كانت خلافته تطبيقاً عملياً لوصيته، وكذلك العظماء.

قاتلْ هواك ففيه يكمن الخطرُ
               وَهْو العدو الذي يبدو ويستترُ
فإن بدا فهو ذئب في شراسته
               وإن تخفّى يكنْ أعتى ويستعر
إن الهوى فتن هوجاءُ عاتيةٌ
               من دونها الهول إذ يشتد والخطر
وشرُّ ما عبد الإنسان من سفه
               أهواؤه منذ كان الكون والبشر
أخنتْ عليه ويرضاها ويحسبها
               طوقَ النجاة وفيها السعد والظفر
يا بؤسه إذ يرى في الشر أنعمه
               وبئس ما ظنّه والوِرْدُ والصدر
       *****

قاتلْ هواك كذا قد قلت يا عمرُ
               ومن يدانيك أنت الشمس والقمرُ!
وأنت من ملك الدنيا فما ملكت
               منه الفؤاد وعفَّ السمع والبصر
خلافة الله قد جـــــاءتك طائعةً
               مثل العروس عليها الحسن والخفر
فكنت أكبر منها إذ دعيت لها
               لأنـــــك المرء بالإيمان يأتزرُ
(لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها
               لكنْ لأنفسهم كانت بك الأثر)
أعدتها مثلما كانت على سنن
               من الرشاد فطاب الخُبْرُ والخَبر
جعلتها محنةً أو منحةً عظُمت
               وقلت: أرضى بما قد خطّه القدر
وحُطْتها بسياجٍ ظل يحرســــها
               العدل جوهره لا الجنــدُ والوَزَرُ
كنت الحفيَّ بها تشقى لتســعدَها
               وتحمل العبء في عشق وتصطبر
فصرت معجزةً حسنـــاءَ خالدةً
               يروي مآثرَها السمّــــار والسمر
       ***** 

أنت الأشجّ الذي الفاروق نبعتُهُ
               وديمةٌ أنـتــــــما بالفضل تنهمر
مات الهوى فيكما والدهر شاهدة
               أسفاره والضحى والليل والسحر
وتبقيان على الأيام مشعـــــلها
               وينطفي عابدُ الأهواء يــا عمر
       ***** 

إن الهوى والورى في الدهر معركة
               والناس صنفــــان مهزوم ومنتصر
       *****

فكن لي القصر

فكن لي القصر

الرياض ـ الأربعاء
5/ 11/ 1426هـ ـ 17/ 12/ 2005م


من أجمل الأدعية التي يدعو بها المسلمون وخاصة في رمضان: "اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نعمره".

خلوت وخافقي فرح حزين
               تنادمني الأماني والشجون
ولي من فرحتي خل خدين 
               ومن حزني تغشّاني خدين 
ولا تعجبْ ففي عيني أثامي 
               يطالعني فتسطو بي الظنون
وأبصر بعده خيري وسيماً
               يبشـــــرني فيملؤني اليقين 
       ***** 

غفوت وِسادتي خوف وأمن 
               كما يغفو على الوعد السجين 
رأيـــــت كأنني أمشي بعيداً
               إلى جبـــــــل ذوائبه وكون
أعاليه السحــاب وأخمصاه 
               عجائب تجتـــــليهن العيون
مضيت فراعني وجــه لدار
               تقول أنا المطيّبة المصون
تبرج حسنها وعلا وجــلَّى
               وحفّته المتارف والفتــون
رأيت ببابها طيفاً دعـــاني 
               كما تدعو الفتى أم حنـــون
له وجه كيوسف في سنـاه
               يزيد نضـــــارة إذ تستبين 
سألت فقال: هذي الدار قبر 
               لمن عاش الحياة وفيه دين
وقبر المؤمن التوّاب روض
               وقصر جــاده غيث هتون
أترجوه؟ تساءل قلت: بَهْراً
               نعم أرجــــوه والله المعين 
غداً آتيه إذ تطوى حيــاتي 
               وكل فتى له حَيْن وحيـــن
وإني المرء أخطائي غواشٍ
               ولكن لا أضلّ ولا أمين 
       ***** 

أَثِمْتُ نعــم ولكنْ فيّ خير 
               وفيّ لدعوتي حب مكين 
وخيـــــر منهما آلاء رب
               ورحمته هي الحصن الحصين 
وظني فيه آمال حســـــان 
               مداهن المهامه والحزون
وحسن الظن بالرحمن كنز 
               وقد أشربتـــــه وبه أدين 
غداً آتيك يا قبــــري بعفو 
               وأمر الله كافٌ ثم نـــــون
فكن لي القصر أجمل ما أرجّي 
               وكن لي الحلم أصدق ما يكون
       *****

هي الكعبة الزهراء

هي الكعبة الزهراء

الرياض ـ السبت
1/ 11/ 1426هـ ـ 3/ 12/ 2005م


     أهدي هذه القصيدة إلى كل من أراد الحج فاستطاع، وإلى كل من أراده فلم يستطع، وعساه ينال بصدق نيته ثواب حجة مبرورة، وأهديها بشكل خاص إلى الشاعر الكبير بدوي الجبل، الذي راعتني قصيدته ((الكعبة الزهراء)) فحاكيتها بهذه القصيدة.

على لهفة من صبوة ووجيب
               وشوق لحوح ظامئ ورحيب
رحلتُ إليها قبل جسميَ بالمنى
               وهنّ حسان من هدى وطيوب
وأسري على برق يجوب بيَ الدنا
               لأدرك منها كيف شئتُ نصيبي
ولمْ لا وقد عُلّقتها مُذْ يفا عتي
               وحين استوى عودي وحين مشيبي 
وأسكنتها قبلَ الجوارح مهجتي 
               فكانت شذا عمري ونور دروبي 
وكانت أمامي في صلاتي وخلوتي
               وفي الربع إن أمكث وحين ركوبي 
       *****

هي الكعبة الزهراء جمٌّ عطاؤها 
               لدانٍ إلى نعمــــــائها وغريب
أنختُ بها بعد العناء ركائبي 
               فبادرني سيبٌ لهــــا بهبوب
وهلَّ فحياني فأهرقت دمعةً
               تَسَابَقُ فيها فرحتي ونحيبي 
سجدت فكحلت المآقي بتربها 
               وقبّلته سبعاً فأتــــرع كوبي 
وقال هنا الفوز الذي عشتَ تبتغي 
               فخذه كما ترجو بـدون رقيـــب 
       ***** 

وتكرمني اللقيا بأفيح معشب
               ندي رخي العدوتين خصيب
من الجود والصفح الجميل ورحمة
               كطل مذاب بالشِهـــاد سكوب
دعوتُ بروحي والفؤاد ومقلتي
               وقبل لساني خالقي وحسيبي
وقلت وآمالي إليـــه نواظر:
               أأدعو وإن الرملُ عَدُّ ذنوبي
أناختْ على عقلي وقلبي وأعظمي
               وعرّت لصحبي والعداة عيوبي
هرِعت إلى نعماك منها فإنها
               فواقر غالت جيئتي وذُهوبي
       ***** 

رأيت نجاتي في الهروب بتوبة
               ولكنْ إلى رحماك كان هروبي
فرحماك يا غفار جئتك نادماً
               وفيّ يقين أنْ ستغفرُ حوبي
ومرتْ ثوانٍ قمت جذلان بعدها 
               وثمة صوت كالملاك مجيبي 
يقول: لك البشرى فربك قابل 
               متاب فتى مهما أساء منيب 
فأبصرت آمالي حساناً روانياً 
               كأيك ضحوك المقلتين قشيب 
لأن رجائي فيه فوق مخاوفي 
               وأكرمْ به من قاد ر ووهوب
فأورق عودي بعد طول جفافه 
               وأشرق وجهي بعد طول شحوب
وجاءت ليَ النعمى ودانت ليَ المنى 
               فعدت إلى نجواي عود طروب
أردد حمد الله دون ملالـــــة
               بفرحة محبور وبوح أديــب
       ***** 

هو الحج باق كالزمان وأهله 
               جديداً قديماً دون أي مغيـــب 
ويمتد في يومٍ من السلم باسمٍ
               وآخر مثل الغاشيات عصيب 
لقد قام إبراهيم يدعو له الدنا 
               فكان صداه الضخم زحف شعوب
قوافل شتى وحّد الله بيــــنها
               فكانت حبيباً يحتفي بحبيب 
وكانت إخاءً مثل عالية الضحى 
               طهوراً كمزن في الغداة صبيب 
 
(يكاد الثرى من تحتها يلج الثرى)
               من الخوف في عسف يمور رهيب
تجوز المدى تلو المدى تبتغي القرى
               وتقطع في صبر يطول دؤوب
(مهالكَ لم تصحبْ بها الذئبَ نفسه)
               وتثوي بها الغربان دون نعيب
وغاض بها ماء وحارت أدلة
               وصبّت عليها الشمس بحر لهيب 
ولكنها تمضي على رغم ما بها 
               بخطو جواد سابقٍ وَوَثوب
فقد هوّن المأمول صعب دروبها 
               فعادت كروض في الربيع رطيب 
       ***** 

مضت وهي لا تأْلو تسير بها المنى 
               تلّبي بصدق شف غير مشوب
إلى ربها ترجو نداه ورحمة 
               مداها سهوب تنتهي بسهوب
فلما رأى البيتَ الحرامَ دليلُها 
               وبشرها هبت هبوب كَسُوب
لتسجد للرحمن شكراً وفرحة 
               بإقبـــال أوّاب ولمح أريـــب
وزال العنا منها سريعاً وغردت
               هنــــاءتها تختال ملء قلوب
       ***** 

نظرتُ إلى قومي فثارت مواجعي 
               وهم رهن كرب مؤذن بكروب
لقد ضلّلتهم في الحياة مبادئ
               مزوّرة من كــــــافر وكذوب
ومن كارهٍ للدين أعماه حقده
               ومن حائرٍ ضل الهدى وشعوبي
ومن بائع للشرق والغرب نفسه 
               ومن سادر في غيه وصليبي 
فوا عجباً تاهوا وفيهم محمد 
               ومنْ مثله من سيــــد ونجيب 
(بأيمانهم نوران ذكر وسنة
               فما بالهم في) حيرة وخطوب
إذا محنة ولّت رماهم بغيرها 
               ضلال صديق أو كياد مريب
(تداووا من الجلّى بجلّى وخلفوا
               وراءهم الإسلام خير طبيب)
ويمضون من تيهٍ لتيهٍ وحيرة
               إلى أختها كالنار ذات شُبوب
ولكنْ وإن تاهوا وأجلب واغلٌ 
               على دارهم من طامع وغصوب
لهم موعدٌ آت كما يسطع الضحى 
               هو النصر في يوم أغر قريب 
وأقسم إني قد رأيت وعوده
               بروق سلام أو بروق حروب
سيهديه للإسلام والثأر والحمى 
               وللأهل من مرد رجوه وشيب
صلاح وسعد والمثنى وخالد 
               ومليار ميمون الرواح غضوب
       ***** 

دعوتك ربي قبل نفسي لأمتي 
               فكن لهما يا رب خير مجيب 
لنا حسن ظن فيك يا رب واسع 
               فأجزل ثواباً يا أجل مثيب
       *****

يا شذا طيبة

يا شذا طيبة

الرياض ـ الثلاثاء
20/ 6/ 1426هـ ـ 26/ 7/ 2005م

إذا جئت طيبة حيّاك شذاها، وهو سكينة راضية، وأفراح من نور، وصفاء ممتد، ولا غرابة ففيها سيد البشر، وكرام الصحابة، ومعالم التاريخ المجيد. 

يـــا شذا طيبة يا أغلى شـــذا 
               حبـــــذا ريّاك فينا حبـــــــذا
أنت للمســــــلم نعـــــماه إذا 
               جاء يرجو الرفد أو يشكو الأذى
والأمــاني موعــد في ذا وذا 
               جادك النور وقد كان الجوادْ
بالهدى ينهل نعمى للعبــــادْ
               وفيوضاً ما لها قط نفـــــــاد
إنها أكرم زاد للمعــــــــــاد 
               إنـهـــا القوة يهديها الرشـاد 
ياشذا أنت شِهاد وزهـــــورْ
               والأباريق اللواتي من حبــورْ
بالرضا السمح وبالصفو تدور
               في رواق شائق الحسن طهور
إنك الساقي وإني للشــكور 
               وابتهالات من الشمل الجميعْ
فيك أنفــــــاس قباء والبقيعْ
               في رجاء زانــه طهر بديع
تقطع الأمداء للمولى السميع 
               دونه المزن وفي شمس الربيع 
فيك سلع عز جاراً والعقيقْ 
               بين شطيه صديق وصديقْ 
يغنمان الأنس والأنس رحيق 
               وَهْو بالخلوة والطهر خليق 
وهو للأسرار كالبحر العميق 
               فيك مجد الخلفاء الراشدينْ 
زينوا الكون وهم دنيا ودينْ 
               في الوغى كانوا الليوث الغالبين 
والسنا في سلمهم والياسمين 
               إنـهـــم عقد من النبل ثمين 
فاقتبس من روحه الروح النبيلْ 
               والهبات البيض تسخو بالجزيلْ 
والمحيا النضر والصبر الجميل 
               والهدى يهمي كأنداء الأصيل 
والورى آتوه من كل قبيل 
               يا شذا طيبة إن جئت الحمى 
طالباً منه ومنك المغنما 
               أجزلا لي الرفد يأتيني كما 
يفعل الأجواد كي أحظى بما 
               عشت أرجوه مشوقاً مسلما
       *****

هي الدنيا

هي الدنيا 

الرياض - الأربعاء
7/ 6/ 1426هـ - 13/ 7/ 2005م


بدا لي العمر مثل الطيف ومضا 
               وبرقــــاً لم يـلــــحْ حتى تقضّى 
كأن حقيــقة الـدنيـــــا سراب
               ونحن بها أصحـاء ومرضى 
أصحاء إذا نحيـــــــا كراماً
               نعيش الخير نافـــلة وفرضا
تنادينا الهداية إن عنـــــدي
               أجل الفوز ميموناً ووضّــا
وتدعونا له في حرص أمٍ
               تحض صغارها للخير حضا
فنبصره لنا مغنى ومنـــجى
               وآلاء تنــــادمنا وروضــــا
ونُهْرَعُ واليقين لنـــا سراج
               ومشكاة تنير سَمَاً وأرضا
وحادٍ لا يني في الركب وعظاً
               ومُهْرٌ لا يني في السبق ركضا
ونبتدر الأماني والـنـوايـــا
               لنجعـــلهن للرحمن محضا
سمعنـا الله مقترضاً فجئنــا
               سراعاً جاعلين العمر قرضا 
وبعنـــاه الذي أهدى إلـينــا
               وعدنا نقبض الأرباح قبضا 
وكنا عصبة جلّت فعــاشت 
               مطهرة السرى كفاً وخوضا 
تسابقنا فضـــائلنا إلـينـــــا
               فتسبقنـــا ونسبقهن أيضـــاً
ونحن بها المحاسن وهي فينا
               محاسن تجتلى رفعاً وخفضا 
كأن بها الصباح دنا وضيئاً 
               وزهراً في (الربيع الطلق) بضا 
ونحن أُخوَّةٌ خلصت فكانت 
               جَنان الأصفياء منى ونبضا 
يشـــد عزيمة الواهي أخوه 
               ويرفد بعضنا في العسر بعضا 
وإن نــــال الفتى منا منـاه
               غدونــا فرحة فيحاء بيضا
       ***** 

معـــاصي القلب أغلال ثقال
               وأهلوها بها أسرى وجَرْضى
ونحن القوم نبصرهن عــاراً 
               دميماً لم يزل شؤماً ودحضا 
ومرضى حين نسدر في هوانا
               ونألف شره طولاً وعرضا 
ونحسوه كؤوساً مترعــاتٍ
               دواميَ كالصلال أذى وعضا 
يخادعنا من الأوهام زيف 
               يميس نضارة ويتيه غضا 
فنعـــدو إثره والوهم ســـم 
               قتول من نيوب الذئب أمضى
فـــإن جئنـــاه ألفينــــاه آلاً
               ودمنة مرمل بليت وقضّا 
فأطرقنـــا وأيدينـــا خواء
               ورحنا ننفض الأحزان نفضا
وكلٌّ حـــــائر يرنو إليــه 
               أخوه فإن رآه جثا وأغضى 
وإن له من الآلام سقيـــا 
               وزقوماً وغسلينا ورمضا 
ولا عجب فإن الوهم قيد 
               كريه ما أمر وما أمضا 
       ***** 

هي الدنيا حقيقتها ثـــــوان
               كرمشة مقلةٍ فتحاً وغمضا
وجسر بعده نعمى عروب 
               وبؤسى أرعدت عنتاً وبغضا
تدور فمن ملاينة لعســـر
               ومن أمن يطيب لنا لفوضى 
أعنّي ربِّ فيها كي تراني
               بها الأتقى وزدني منك فيضا 
لأغلب قبل أعدائي هَناتي 
               وأنهض من مهاويهن نهضا 
يلوح الخيـر لي فأكون فيه 
               سبوقــــاً للغوالي فيه أفضى 
وإن برز الهوى يغري ويبدي
               مفاتنه غضضت الطرف غضا
ورحت ولي من الإيمان ردء
               أفض نيوبه الحمراء فضا 
ومن يغلب هواه يكن هماماً
               وشهماً يحتذى والسيف ينضى 
       ***** 

أعذني ربّ مني واصطنعني 
               لما ترضاه لي أخذاً ورفضا 
ومحّضني وأخلصني لأغدو
               لنيل رضاك قديساً ومحضا
وأنت رجاء من يأتيــك يعدو
               وأنت بنا الأبر وأنت أقضى 
فهب لي نية أرضى لأحظى 
               وهب لي توبة أمضى لترضى
       *****

وأقبل على الرضوان

وأقبل على الرضوان 

الرياض ـ الأربعاء
22/ 12/ 1425هـ ـ 2/ 2/ 2005م

تأملتُ أيــــامي اللواتي مضتْ تترى
               وبعضٌ إلى اليسرى وبعضٌ إلى العسرى
فأبصـــرت فيـــــها رحمة الله ثرةً
               إذا أفرحتــني أو أرتني لها الضُرَّا
وأبصرت أحلامَ الفتى طول عمره
               سراباً ينــــــاديه ويحيا به مُغْرى
إذا أحرز الأولى عرته زهـــــادةٌ
               وشمّر كالمسعور يعدو إلى الأخرى
ينام ويصحو والمطامع عشـــــقه 
               ودَنٌّ من الأوهام والمهجة الحرى
وقد يحسب الإنسان في الشر خيره
               وقد يحسب الخير العميم له شـــرا
وبعض العطايا كالمنايا قواتـــــل 
               وإن لبست ثوباً تميس به نضـرا 
وبعض البلايا وهي كره غنــيمة 
               وسَجْلٌ من الإحسان يستوجب الشكرا
فعش راضيـــــاً فالغيب لله وحده
               وسلّم له سراً وســــــلّم له جهرا
وأقبل على الرضوان واكرعْ كؤوسه 
               دهاقاً لتحيا العمر مستبشراً حرا
وللغيب أســــــــرار ولله أمرها 
               ورحمته أسخى وحكمته أدرى
       ***** 

إذا أســــلم الإنســــــان لله أمره
               ستضحك بعد القلب في وجهه البشرى
وأكــــرم منها جَنَّة في معـــــاده
               وفيها أجلّ الفوز والنعمة الكبرى
       *****

صوّح العمر

صوّح العمر

الرياض ـ الأحد
15/ 10/ 1425هـ ـ 28/ 11/ 2004م

صوَّح العمرُ فاستفقْ من سبـاتكْ
               والتمسْ في المتاب درب نجاتكْ
واصطنعْ من جذاه عزماً وحزماً
               واقتبسْ من هداه نور حيـــاتك
أطلق النفس من إسار الأماني 
               خادعـــاتٍ فإنهن الفواتـــــك
واستبقه بالصالحات البــواقي 
               زائنـــــــاتٍ فإنهن العـــواتك
وافطم النفس عن هواها وقدها 
               بخطام أحكمته من ثبــــــاتك 
واطّراح الآثام سراً وجهـــراً
               واغتنام الأوقات في طاعاتك 
نقّـــها نقّـــها بكل ســـريّ
               ورضيّ ينهلّ من مشكاتك 
فالهوى عاتياً أضَرَّ عداتك 
               والهدى هامياً أَبَرُّ حمــاتك 
       ***** 

أنت تدري أن الحياة فصول
               دائرات في نفعها أو أذاتــك 
لا تبالي بصيّب من ثنــائك 
               أو تبالي بوابل من شَكــاتك
فامض فيها والزاد صبر وشكر 
               بين أبنائها وفي خلواتـــك 
وهي خداعةٌ وحلوٌ نَثـــاها 
               أنت أدرى بها وأدرى بذاتك 
فاتخذها مطية لمعـــــــــاد
               أنت آتٍ إليه في ميقـــــاتك 
       ***** 

لا تطشْ إن أرتك يوماً عبوساً
               أو أرتك العزيز من أمنياتك
حكمة الله قد تغيب وتبــــــدو
               وهي في الحالتين أغلى عظاتك 
قد يكون التوفيق في عثــراتك
               ويكون الشقاء طيّ هبــــاتك
وتكون المأساة في ملهـــاتك 
               وتكون الملهاة في مأســـاتك 
       ***** 

أيها الراحل المشمّر يعــــدو
               اجعل القبر روضة بصلاتك 
إن أردت الهــدى فثمة درب
               مستبين بادره قبــــل مماتك 
فإذا اخترته فبشـــــرى وإلا 
               سوف تخزى بعاصف من هَناتك
واجعل الله نصب عينــيك دوماً
               في فعال أو قالةٍ أو صُماتك 
وإذا لم تكن لربـــــك عبـــداً
               أنت عبد العزّى وعبد مناتك
       *****

كأنها الآل


كأنها الآل 

الرياض ـ الثلاثاء
21/ 8/ 1425هـ ـ 5/ 10/ 2004م

لقيت شيخاً يحمل قرناً كاملاً على كاهله فقلت له وقال لي. 

أبصرته وَهْو لا يلوي على أحدِ 
               كأنه حــــــالمٌ يرنو إلى الأبدِ 
على محيّــاه نورٌ من سكينته 
               والمقلتان بقايا السهد والرمـد
والشيب يملأ فوديه، وخطوتُه 
               (أخنى عليها الذي أخنى على لبد)
وفي يديه من الأموال أنفسُــها 
               والأكثرون من الأعوان والحَفَدِ
لكنــه عازفٌ عما يحيـــــط به
               يرنو إليه بعين الزاهـــد الحَرِد
مَنْ أنت؟ ساءلته، ماذا تهيم به 
               وفيم تحلم أن تلقـــاه يوم غـــد
أجاب: إني عجوزٌ أمْسُهُ غَــدُهُ
               قد عاش دنياه بين الضنك والرغد 
أفنيتُ قرناً مضى عجلانَ في دأبٍ
               كأنه الحلم لم ينقصْ ولم يــــزد
وكيف أبصرتَ دنياك التي ارتحلتْ
               ساءلتُه وفؤادي راجفٌ ويـــدي
فقال: أبصرتُها شوهاءَ فاتنةً
               كأنها الآلُ في وعد وفي فَنَد 
ونحن فيها كطيرٍ جاء يطلبها
               فكاد يرجع محسوراً ولم يَرِد
إلا على نُقْرةٍ تــاهتْ بمهلكة 
               بها بقايا من الأوشـال والثَمَد 
فنال منها قطيــراتٍ بها ظمأٌ
               وعادَ أظمأَ يحسو الوهمَ في الزبد 
والعمرُ أكثرُه يا سائلي عبثٌ
               وعودةٌ من دَدٍ يلهــــو بنا لِدَد
وللزمان فُجاءاتٌ مســارعة
               تعدو علينا ونمضي دونما قَوَد
والفوز في الجنة الزهراء إنْ رحلتْ
               بنا المنيّة ذات الفتك والرصد
وقد هُدِينَا وإلا فالثبورُ لنـــــا
               والأمرُ مرجعه للغيّ والرشد
***** 

كيف النجاةُ سألتُ الشيخَ في وجلٍ
               فقال: بالصالحات الغرّ يا ولدي
والقبر في غدنا دار لنا اتقدت
               بالنار أو روضة ريّا بكل نــد
فاعمره بالصدق والتقوى وفي ثقة
               واجعل رغابك وجه الخالق الصمد
تبلغْ فراديسه اللاتي حلمت بهــا
               ملأى بكل أماني الروح والجسد
*****

لأنك آليت


لأنك آليت 

الرياض ـ الخميس
24/ 7/ 1425هـ ـ 9/ 9/ 2004م

إلى مصطفى صادق الرافعي إمام البلاغة والبيان رحمه الله. 

بيـــــانك باق بقاء الزمانْ
               يوشّيـــــه من كل فن بنانْ
إذا أنت أدمنتــــــه تستزيد 
               ويزداد حسناً ولا تسأمان
فتغدو نضارته كالصبـاح
               وتغدو وسامته كالجِنـــان
سيبقى بقاء السها والسنــا 
               وما امتدت الضاد عبر المكان
وما طاب في الأيك نفح الشـذا
               وما طاب للعربي البيــان
       ***** 

بيـانك وهو السريّ الوضي
               هزار يغني وأنشودتان[1]
وأفراح روض سقاه الحيا
               وعينان بالشهد نضاختـان
يجدده روحـــــك العبقري
               وأنك والمشتــــري توأمان
وأن البـــــــلاغة آلت إليك 
               فكنت بها درة المهرجـــان
ولِمْ لا وأنــــت الذكي الذي
               رأى في التراث الغوالي الهِجان؟
سهـــــرت عليه وأدمنـــته 
               فأهداك منها الوضاء الحسان
وجئـــت الكتاب فأسكنتـــه 
               حناياك تتـــلوه في كل آن
وتنسج من آيــه الباهرات
               بروداً كحسن الصبايا لدان
كأن عليها رواء الكتـــاب
               وأقباسه[2] وامتداد الأذان
       ***** 

سيبقى بيانك ملء الزمان
               ربيعاً محاسنه إضْحيـــان
يحدث عن حسنه المشرقان
               ويروي جلالته المغربــان
ويفنى البيان الدعي الدخيل
               كما فني الآل في الصحصحان
ويدفن في ثوبه المستــعار
               وأكفانه شؤمه واللِعــــــان
       ***** 

سلاحك في الغاشيات الثبات
               وعزم تطاول كالسنديــــان
لأنـــك آلـيـــــــــت ألا تهي 
               وألا تخاف الخطوب العوان
وأنك مَنْ فاز لمـــــا اشترى
               فغنّى: ربحتُ ونلت الأمان
وأشواقك الأمنيات الوضاء
               وعيناك من فرحة تهميــان
وأوقدت من أصغريك الشموع
               لتهدي البلاد وتحمي الكيــــان
وأحكمت من كل سطر قنـــــاة
               وأسرجت من كل حرف حصان
تنام ولكنْ كحســــــو القطا
               وقلبك في يقظة الديدبــــان
دؤوبـــاً كجــدك[3] في كـدّه
               وأنت الـمـعين وأنت المعان
ومنه استقيت نبيل الخصال
               إذا اشتد في أمره أو ألان
       ***** 

نجي الدراري وترب الخـــلود
               لقد كنت حسان[4] هذا الزمان
ستـــبقى لأمتنـــا مشعـــــلاً
               وتبقى لها في الغواشي كِنان
وتبقى بأعراسهـــا فرحــــة
               وفيها البشائر جذلى حوان
وتبقى لها بسمة في الثغور
               وضَوْعَةَ مسك ورجع أغان
ومُهْراً قوائمه في السحـاب
               تأبّى على كبوة أو حِـــران
مداه الريــــاح بكل المظان
               ويعدو ليبلغ أقصى المظان
       ***** 

وأشهد كنت الجريء الجسور
               ويشهد لي النجـــــم والعاقبان
تقاتل عن حرمة المسلمين[5]
               وعيناك من غضبة جمرتان
وَكَفَّاك في صولة تفريــان
               ولا تهدآن وسيفك قــــــان
تقول أصـــــاول عن أمتي
               وفي خلدي تسكن الحسنيان
وعن لغة الضاد وهي المدى
               وعن مجد أهليَ وهو الرعان
وعن طيبة مأرز المؤمنين
               ومكة وهي الهدى منذ كان
وعما بنى الفاتحون العظام
               وشاد الخلائف عبر الزمان
وتحرس دينــك من جاهل
               وآخــــر مانَ وآخـــر خان
ومستشرق مغرق في العداء
               ومستغرب قاحم أو جبـــان
ومن منكر الشمس في رأدهــا
               ويزعم أن سنــــاها دخـــان
ومن بـــــائع للعدا قـومـــه
               وسيف أبيه الصؤول اليمان
       ***** 

أصم وتسمع كيد الحواة[6]
               وما قال في الخلوة الألعبان
وما أحكموه من الشائنــات
               وما بهرجوا وهو سامٌ وران
فتفجؤهم فاضحاً كيـــــدهم
               فتغدو سخائمهم في العِــلان
فإن سألوا: كيف صار الأصم
               عليماً وأذناه لا تســــمعان
أجبت بأن سماعي الرؤى
               وعقلي وقلبيَ لا يكذبــــان
وفيّ البصيرة مثل الضحى
               سمعت بها والليالي دِجان
       ***** 

سألت العروبة في خلوتي:
               مَنِ الرافعيُّ وأنت الرزان
وأنت الفضائل والمكرمات
               وأنت الذكاء وأنت الحصان
وأنت مهاد البيان الأصيل
               وأنت له منذ كان الخوان
فقالت: هو الألمعي الــذي
               أجاد وساد ونال الرهــان
وإني له ظئره واللِبـــــان
               وإني له خمره والدنــــان
فقلت: صدقت وأمجـــاده
               لها حيث تسري جمال وشان
ويشهد لي الضاد والمبدعون
               سريًّا كما كنت والفرقــدان

------------------------------
[1] هما: الشعر والنثر. 
[2] وصف سعد زغلول بيان الرافعي بأنه: (بيان كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم). 
[3] ينتهي نسب الرافعي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 
[4] وظّف الرافعي بيانه للدفاع عن الإسلام، كما فعل حسان بن ثابت 
رضي الله عنه
[5] عاش الرافعي وهو يشعر أنه أحد المطالبين دائماً بحراسة الدين والأمة واللغة. 
[6] ضعف سمع الرافعي حتى انتهى إلى الصمم التام.

الأكثر مشاهدة