أيتها القدس الغالية! (12)
أيتها القدس الغالية!.. أود أن أهمس في أذنك ألّا تيأسي، فإن في الأمة المسلمة خيراً كثيراً، بل إن في هذه الأمة المسلمة يا قدس، حتى في أشد أوقات التيه والظلمة والحيرة، بقية صالحة، لم تتحير عندما اشتد الظلام، ولم تضطرب حين جزع الناس، ولم تنحرف حين فشا الفساد، لم تَزِلَّ بها الأقدام إلى وهدة الانحدار وهاوية الضياع، احتفظت بولائها لدينها وقرآنها حينَ تعاظمَ أمرُ الجاهلية، وقوي سلطانها، وانتشرت راياتها، ودقّت طبولها. ووجود مثل هذه البقية الصالحة المؤمنة الصابرة، سر من أسرار الله تعالى في هذه الأمة وفي هذا الدين.
وهذه البقية الصالحة المؤمنة هي أمل الإنقاذ إن شاء الله، لأنها قبس من شعلة الإيمان، ونحن بالإيمان نعلو ونغلب ونسود، والإيمان هو مفتاح شخصيتنا وصانع مجدنا، وباني حضارتنا، وجامع شمل أمتنا، وموئل فخارنا وشموخنا.
وإن في الدروس المستفادة من حرب رمضان المبارك، ما يشهد بصدق هذه الحقيقة أيتها القدس العظيمة الخالدة، فقد كان للإيمان أثره الملموس، ولقد كان للنداء الخالد "الله أكبر" دوره الكبير في تثبيت المؤمنين، وزلزلة يهود، وهو أمر شهد به حتى غير المسلمين.
وقد تتساءلين يا قدس: وإذن لماذا لم يكن النصر المؤزر والفوز المبين، والفتح المنتظر، والنجاة من رجس يهود!؟
والجواب يا قدس: أننا لا نستحق من الظفر إلا ما يساوي حَجْمَ صحوتنا وعودتنا إلى ديننا. وها هي عودة جزئية فقط قد زلزلت أركان العدو وكادت تطيح به. إذن كيف لو أن عودةً كبيرة إلى ديننا سادتنا؟ لا ريب أنه الدمار لليهود إذ ذاك، والقضاء على كيانهم الغادر الغشوم، وإنّا لتلك العودة الكبيرة، والأوبة المؤمنة لمنتظرون، وإن يقيننا بها ضخم كبير، وثقتنا بها لا حد لها.
لا تيأسي يا قدس، فلا بد أن تعودي إلى الراية المسلمة عزيزةً غالية، وستطوي كلمةُ الإيمان كلَّ محاولاتِ الاستسلام والخنوع، وكلَّ مَنْ يحاول أن يفرّط في أرضك الطهور، ويمكّن فيها لعدو الله الغادر ويمنح وجوده الظالم القهري فيها صفةً شرعية أو قانونية.
وكما انطوت صفحة الصليبيين بالأمس على يد كرام مؤمنين؛ ستنطوي صفحة اليهود في الغد على أيدي كرام مؤمنين، يعملون وكلُّ ولائهم.. لا بعضه؛ لدين الله الخالد المحفوظ الغالب.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق