الخميس، 7 سبتمبر 2023

أيتها القدس! (6)

أيتها القدس! (6)

     أيتها القدس الحزينة التي تعيش بين الألم والأمل!.. أتدرين متى يكون الخلاص الذي تؤمّلين!؟.. إنه سيكون يوم تعيش قلوبنا بفخر واعتزاز مع ذكريات بدر وخيبر ومؤتة، والقادسية ونهاوند واليرموك، والزلاقة وحطين وعين جالوت، والأملُ العارم يجتاحها، والعزمُ الوقّاد يتدفق فيها، والطموحُ الكبير يستولي عليها، بأنْ نصنعَ أمجاداً جديدة مثل هذه الأمجاد القديمة، ندخل بها التاريخَ كرّةً أخرى، ونثبت صدقَ إيماننا، وأصالةَ أمتنا، وقدرتنا على التحدي والكفاح، وشرفَ انتسابنا للإسلام العظيم، والقرآن الكريم، والرسول الخالد محمد بن عبد الله ﷺ.

يــا سورةَ الأنفالِ مَنْ لي بهـــا     قدسيّـــــةِ الآياتِ تسـتنفــــــــرُ
جنداً يذوقُ الموتَ عَذْبَ المنى     كالصبـــحِ عن إيمـــــانِهِ يسفرُ
ومَنْ يَبِــــعْ للهِ أزكـــــــــى دَمٍ     يَمُتْ شهيـــــدَ الحقِّ أو ينصـرُ
والبـــغيُ مهما طالَ عدوانُـــهُ     فــاللهُ من عدوانِـــهِ أكبـــــــــرُ

     هذه الأبيات ترسم لكِ يا قدس ملامحَ من صورة المجاهدين المؤمنين الذين سيكون على أيديهم الخلاص إن شاء الله. إنهم قوم عشقوا الجهاد في سبيل الله عز وجل، واستطابوا الموت طلباً لرضاه، وصارت الشهادةُ أغلى أمنياتهم وأثمنَ آمالهم، يتوجهون إلى الله العلي القدير أن يكرمهم بها في سجودهم وقيامهم، وليلهم ونهارهم، وهم فرادى وهم مجتمعون.

     ولطالما استوقفتهم آياتُ الجهاد في القرآن الكريم، في سورة الأنفال وغيرها، فَصَفَتْ سرائرهم، وطابت أوقاتهم، وملأهم الحنين إلى الجهاد، إلى الجهادِ المؤمنِ المستبسل الذي يمتلكُ الرجاءُ قَلْبَ كلِّ مبادرٍ إليه أن يُرْزَقَ إحدى الحسنيين، الشهادة أو النصر، وهؤلاء الرجال الكرام، والمجاهدون الأباة الذين يسفر إيمانهم الدفّاق الوهّاج كالصبحِ الطهور، والنورِ اللألاء، والفجرِ الصادق، والذين يستعذبون الموتَ في سبيل الله عز وجل ويحبونه ويستبقون إليه؛ هم مناطُ الأمل، ومعقدُ الرجاء، وبسمةُ البشرى، للإنقاذ المرتقب إن شاء الله.

     سيدخل هؤلاء أعزاءَ كراماً منصورين، أقوياء غالبين مظفرين، وسيدخلون كذلك شاكرين لله تعالى، منيبين إليه مخبتين، متواضعين لا يبغون علواً في الأرض ولا فساداً، لينتهي بدخولهم الكريم، وانتصارهم المؤزَّر، ليلُ الفساد والباطل، ودَنَسُ اليهود، وزيفُ التلمود، ويبدأ عهدٌ جديد، يعلو فيه الحق، ويسود فيه الإسلام، ويحكم فيه بالقرآن، وتخفق فيه رايةُ الإيمانِ عزيزةً ظافرة شمّاء، تُعْلِي في الخافقين هتافَ التوحيد الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة