نكبة القدس
ظل بسبب نكبة القدس مهموماً محزوناً غارقاً في حوار داخلي مع نفسه، وظل في أشجانه التي لا تفارقه ليل نهار، يبحث عن مخرج ومنقذ. ظل كذلك حتى كان ذات يوم أمام صورة للمسجد الحزين الأسير، فأحس كأنها تنادي وتقول: "إليَّ إليَّ أيها المجاهدون!.. بالجهاد کنت لكم من قدیم، وبالجهاد لكم سأكون".
عندها أحس الرجل أنه قد عثر على مفتاح الأقفال والأغلاق، إنه الجهاد.. وارتحل من بلاده صوب الأرض التي سرقتها یهود في غفلة من الشرفاء والمجاهدين، قاطعاً طريقه الطويل، وفي خاطره مثل هذا الحديث:
يا قدس لا تحزني طويلاً، فلا بد أن يذهب الليل ليأتي النهار، ويرحل الظلم لیظهر العدل، ويهزم اليهود ليحكم المسلمون. ليست هذه هي المرة الأولى التي وقعت فيها أسيرة بيد الأعداء، فلا بد أن تذکري هجمات الصليبيين الذين حكموك قرابة قرن من الزمان، ومنعوا في سمائك الأذان. ولكن العاقبة كانت للحق، لقد أشرقت الشمس، وهربت الجرذان، وتوارت الفئران، واختفى البوم، وولت الغربان، ذلك أن فجراً للإسلام قد بدأ، وعاد الغزاة إلى ديارهم مخذولین مقهورين، وعدتِ مرة ثانية لأبنائك المسلمين يفدونكِ بالمهج والأرواح، عاد إلى مسجدك المصلون، وعلت تكبيرات العباد وارتفع عالياً صوت الأذان.
إننا حين نبكيك اليوم، لا نبكي بدمع اليائس الحزين الذي سقطت همته، وخذلته عزيمته، وخارت قواه، فاستراح إلى دموعه. ذلك أن الإسلام العظيم قد علمنا أن اليأس حرام، فرحمة الله واسعة، ونصره من المؤمنین قريب. لكننا نبكيك بالدمع الشجاع الأبي، المتألم المؤمّل، الواثق الصبور.
بقلوب هدّها تلاحق الآلام؛ لكنها لم تمت، بنفوس أذهلها طغيان اللئام؛ لكنها ما استكانت، بأفئدة أحزنها نسيان الصديق ومكر العدو؛ لكنها ما هانت.
الأمة المسلمة التي طلعت على الدنيا بهدى الله فحملته إلى أصقاع الأرض، ووعت أمانة المسؤولية، وقوامة الشهادة، والوصاية على الناس، فأدت ذلك أحسن ما يكون الأداء، وأبلغته أكرم ما يكون الإبلاغ.
الأمة التي استقامت على أمر الله فنصرها الله، والتزمت دينه وشريعته، فرزقها القيادة والسيادة ومكّن لها في الأرض.
هذه الأمة القوية الإيمان، الباذخة البنيان، المهتدية بالقرآن، التي امتدت إلى كل مكان، وشرفت في كل زمان.
هذه الأمة العريقة الشمّاء، الكريمة المعطاء، ستثأر للأقصى الجريح، تطهره من رجس یهود وبغیها وطغيانها، وتقيم في أرض الإسلام حكم الإسلام، منارة للحق والعدل، والهداية والإيمان.. سوف تجتاح باطل یهود، بعد أن تجتاح في نفسها عوامل الهزيمة والمبادئ الضالة التي سببتها، وتنطلق بالإسلام على هدى الله وبرکته ليكون لها النصر العزيز فتكمل هي شروطه، وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق