ما يعانيه المسلم في قضية فلسطين
من أشد ما يعانيه المسلم وهو يعمل لقضية فلسطين كجزء من قضيته الإسلامية الكبرى؛ الافتقار إلى إدراك أبعادها التاريخية، والعيش بفهمه وضميره في واقعها الحالي متأثراً ومؤثراً.
والأبعاد التاريخية للقضية مصدر من مصادر الإرادة الوجدانية العميقة لتغيير الواقع الراهن من الجذور، وإيجاد الواقع الإسلامي عنواناً ومحتوى. وهذه الكلمات موجهة في الدرجة الأولى إلى وجدان الأمة الإسلامية، فعلى عاتقها عبء حل القضية المصيرية إخلاصاً وعزماً وبذلاً، وإلى عقل عقلاها فعلى عاتقهم عبء خدمة القضية المصيرية تخطيطاً وعملاً وجهاداً.
وهذا الحديث مناقشة موضوعية لحقائق تاريخية، يستبین منها حقنا التاريخي الثابت في فلسطين، وتتضح بها المعالم الحقيقية للواقع الحالي، والقوى المؤثرة فيه، والاحتمالات المترتبة عليه بالصورة الإسلامية الحية التي يجب أن تترسخ في أعماق الأمة بكاملها، وتهز وجدانها، وتؤثر في تفكيرها، وتفجر طاقاتها لتستطيع من بعدُ التأثير في مجرى الأحداث وصناعة التاريخ، وهي تمضي في طريق تجسيد الإسلام الحق في كل مجال من مجالات الحياة.
يتحدث اليهود عن تاريخ فلسطين فلا يرون فيه إلا بضع مئات من الأعوام كان ليهود الأمس خلالها وجود جزئي في فلسطين لم يتخذ صبغة "دولة" إلا مدة لم تصل لأربعين عاماً، واندثر هذا الوجود دون أن يترك أثراً واحداً في فلسطين. ولكنهم يصورون كل ما قبله وما بعده من تاريخها، وكأنه مندثر لا قيمة له.
ويتحدث أنصار اليهود من الصليبيين في أنحاء العالم عن تاريخ فلسطين بصورة مشابهة، وأسلوب مماثل لأسباب ومصالح عديدة. وقد يزيدون على ذلك ذكر الغزوة الصليبية القديمة والحديثة، وما للنصارى من وجود جزئي في فلسطين ماضيه وحاضره.
ويتحدث أنصار اليهود من الشيوعيين المحليين والدوليين عن فلسطين –على اختلاف معهم في أهداف مرحلية– كمسرح من مسارح الصراع الطبقي المادي. فلا يتعرضون للقضية إلا من هذه الزاوية، ولا أهداف لهم فيها إلا في هذا الإطار.
ويتحدث المتخاذلون في بلادنا أمام اليهود عن فلسطين وكأنما مسخ تاريخها الطويل في الثلاثين عاماً الأخيرة لا يتجاوزونها إلا نادراً، وإذا فعلوا فلا يصلون إلى أبعد من تاريخ تأسيس الحركة الصهيونية في نهاية القرن الميلادي الماضي كأنما انحصر تاريخ القضية في تاريخ الصهيونية العالمية... وإذا استشهدوا بتاريخ الإسلام في فلسطين كان استشهادهم مشوهاً مزيفاً يستهدف تبرير غایات ومصالح وخطوات بعيدة كل البعد عن أصل القضية، متنكرة كل التنكر لها..
أما المسلمون أصحاب القضية فمقصرون في حقها، وهذا أدنى ما يجب الإقرار به أولاً لتجاوزه والتخلص منه في المستقبل بإذن الله. مئات بل ألوف الكتب تشرح وجهات نظر سائر الفئات المذكورة بمختلف اللغات والأساليب، ولا نجد الكتاب الإسلامي السليم عن القضية.
وقد يتناول كاتب مخلص القضية من جانب عسكري، فإذا بها في كتابه مشكلة قوة، أو يتناولها آخر من جانب فكري فإذا بها مسألة فكر، أو يتناولها ثالث من جانب علمي تقني فإذا بها قضية جهل أو تأخر، أو يتناولها رابع من جانب خلقي فإذا بها مشكلة أخلاق، أو يتناولها خامس من جانب عقیدي فإذا بها أزمة عقيدة... وهكذا.
والقضية تجمع هذا كله، ومزيداً عليه أنها قضية وجود ومصير، قضية واقع فاسد من الجذور لا تجد حلها إلا بحل هذا الواقع، وإقامة الواقع الإسلامي الرباني السليم على كل صعيد عقیدي وفكري وعلمي وعسكري، وعلى كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي، وعلى کل صعيد آخر.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق