الخميس، 7 سبتمبر 2023

يا قدس! (8)

يا قدس! (8)

     يا قدس!.. أتذکرین الفاروق العملاق الشهيد حين قطع إليك المفاوز والقفار والفيافي والسباسب، وخاض نحوك الماء حافياً، والمولى راكب على الجمل، والخليفة الراشد العظيم يقود الجمل الذي يركبه المولى بالحبل، فاعترضه غدير ماء فخاضه، فخاف أحدهم أن يعيب أهلك عمله ذاك فكلمه فيه، فغضب عمر، وهتف بقولته الخالدة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله"!؟. أتذكرين ذلك؛ أم أنساك طول العهد وتقادم الزمن وكرّ الجديدين؟

     إن أبناء الإسلام اليوم يعملون ليستقيم الدرب، ويصحو الغافلون، ويهتدي الناس ليكون الموكب القادم موكباً نقي العقيدة، طاهر الفؤاد، فيدخل المسجد الأقصى لا باغياً ولا عادياً، ولكن مؤمناً متواضعاً، يعلي كلمة الله عز وجل، ويهتدي بقرآنه العظيم.

     سيأتيك موكب المؤمنين الصادقين، تضطرم قلوبهم بالحنين، يستعذبون الموت في سبيل الله، يستبِقون إلى جنة الخلد التي لا تبلى، يعيدون للدنيا مواقف البطولة النادرة، والإيثار العميق، بعد أن خلت الدنيا منها أو كادت، وحسبتها أحاديث يرويها السمار في المجالس، لا وقائع في الحياة اليومية.

     الوجوه الذابلة تعود مشرقة، والقلوب الخاوية تعود قوية، والغرباء الحائرون التائهون، سیرجعون أدلاء هادين مهديین ليكونوا بإذن الله سراً من أسرار النصر ضد بغي يهود.

     إن في المسلمين اليوم بشائرَ يقظةٍ عارمةٍ، ونهجٍ راشدٍ، وفجرٍ صادقٍ، فانظري إليهم وقد أخذوا يتعلمون صناعة القتال، وفن الموت، لن يعودوا بعد اليوم كما كانوا حين ضللهم الدجاجلة والأفاکون، سوائم ضائعة، وحمى مستباحاً، وقطيعاً يتبع كل ناعق وعابث وفاجر.

     لا.. لقد استعلوا على ذلك، وتجاوزوا الهزيمة الفكرية والنفسية، وتمكن فيهم الإيمان والإباء، والثقة والاستعلاء، والاعتزاز الباذخ الشامخ بصحة هذا الدين وخلوده، وبأن المستقبل له بإذن الله.

     يا قدس!.. حقاً هي سنوات شداد عجاف، مرت عليكِ وأنت في أسر اليهود، لكن هذه الفترة وإن بدت طويلة في عمر الأفراد فهي قصيرة في عمر الأمم والشعوب. ونحن أمة الإسلام أعرق الأمم، وأكثرها امتداداً في الزمان والمكان، لذلك ستبدو سنوات الأسر يا قدس قليلة جداً في يوم التحرير والإنقاذ، يوم يقتحم قرآنُ المسلمين زيفَ التوراة وضلال التلمود، وحقُّ الإسلام النقي الصريح باطلَ يهود، ويسترجع المسلمون ديارهم وفي مقدمتها القدس الغالية ليطهروها بالدين الحق، دين الإسلام العظيم، من كل باطل وفساد وجاهلية، ويقيموا فيها حكم الله عز وجل عزيزاً قوياً ينادي بلسان الحال والمقال: أَنْ ها هو فجر جديد أشرق على أمة الإسلام، فجر السعادة والقيادة والنصر العزيز المؤزر.

الوحي والتنزيــل والأحرفُ والآي والإنجيل والمصحـفُ
وســــورة الإسـراء ما رُتِّــلت إلا وأســماع الدنـــا ترهفُ
نبـــارك القدسَ، وما حولها وصخرة القدس بنــــا تهتـفُ:
في كل صـــدرٍ من دمي دفقــــةٌ وكل عينٍ دمعـــةٌ تذرفُ
إن ضمد الآسي جراح الورى فالجرح مني راعفٌ ينزفُ
يـــا دُرةً في جيـــدِ تاريخنا رُبـــــاكِ من كلِّ الربى ألطفُ
كم قد مشت أكبــادنا فوقَها من كل روضٍ زهرةً تقطـــفُ
وكم سقينـــا تربها أنفســـاً أصفى من الياقوتِ بل أشــرفُ
يا قدس .. مهما باعدوا بيننــا ففي غدٍ جيش الهدى يزحفُ
كتـــائب الإيمان قــــد بايعتْ لا فـــاسقٌ فيها ولا متـــرفُ
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة