الخميس، 7 سبتمبر 2023

يا قدس! (3)

يا قدس! (3)

     من بعيد قلبي يرف إليك يا قدس ويهفو ويبكي، فأنتِ تسكنين في كل ذرة من ذرات الوجدان المسلم، كيف لا!؟.. وقد كنتِ يوماً قِبْلةً لأمتنا العظيمة، وفي ليلةٍ مباركة متوضئة كنتِ مسرى رسولنا الكريم ﷺ، وفي يوم الفتح المجيد كانت صخرتكِ مدَنَّسة، فطهّرها بردائه الفاروق العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم ذهب إليكِ ليتسلم مفاتيحكِ مظفراً منصوراً، وكانت العصبية الدينية المغلقة الضيقة تغلق أبوابكِ في وجوه المخالفين، فحرّركِ للجميع دين الإسلام بتسامحه ورحمته.

     أنت يا قدس!.. عندنا عظيمة غالية، لكنَّ أغلى منكِ وأعظم أطفالٌ ونسوةٌ وشيوخٌ من حفدة الفاتحين يدوسهم المعتدون، ويذيقونهم النكال ألواناً ونحن مغلوبون مستسلمون.

     كم سفك همجيو الأمس من الصليبيين، وهمجيو اليوم من اليهود حولكِ من دماء المسلمين ظلماً وعتوّاً!.. وكم اعتدوا على أعراض!.. وكم سطوا على مال وأرض ومتاع!.. ما من شجرة حولكِ إلا روتها بالدماء قسوة الظلمة والمغتصبين، وما من أرض إلا وتحتها قبور لأشلاء المنكوبين، وما من حمامة من حمائم السلام غرّدت في رباكِ في ظل راية القرآن إلا هاجرت حزينة مكلومة، ذلك أنها وقد ألفت السعادة في ظلال القرآن لا يمكن لها إلا أن تحزن حزناً عميقاً مدمراً في ظلال إنجيل محرّف، وتوراة مبدّلة.

     من حولكِ سارت بالنور مواكب الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، ومن فوقكِ هبطت ملائكة السماء، ومن أجلكِ سقطت رؤوس الشهداء وهي تهتف "الله أكبر"، مُؤْثِرَةً ما عند الله على كل ما في الدنيا. {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].

يا قدسُ يا أنشـــودةً في فمي     ويا منـــاراً في ذرى الأنْجـمِ
في كلِّ أفقٍ منـــك تسبـــيحةٌ     وكلِّ شبـــــرٍ دفقـــــةٌ من دمِ
وكلِّ روضٍ نفحةٌ من شــذى     وماؤكِ الرقـــراق من زمزمِ
وكلِّ صـــدرٍ زفـــرةٌ حَـــرَّةٌ     وكلِّ خِــــدْرٍ عَفَّـةُ المبســــمِ
تحنو بقـــــــلبٍ خافقٍ بالمُنى     على بريء رفّ كالبــــرعمِ
قد أغمضَ الأجفـانَ في هدأةٍ     وثغــره في الثـــدي لم يفطمِ
مَنْ مزّق الطفـــلَ بلا رحمةٍ     فمات بين الصدر والمعصـمِ
شظيــةٌ عميـــــاء من حـاقـدٍ     ورميةٌ من ســــــاعدٍ مجـرمِ
قد أطلقت هوجــاءَ في غفـلةٍ     وحلكة من ليــــــلنا المظـــلمِ
ما كان للهــامات أن تنحــني     لو كان فينـــا عزةُ المســــلمِ
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة