الأحد، 13 يونيو 2021

تعريف بكتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً" - أ.شمس الدين درمش

تعريف بكتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً"

للدكتور حيدر الغدير

أ.شمس الدين درمش


     هذا الكتاب في أصله بحث علميّ، حصل به صاحبه الدكتور حيدر الغدير على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1414ﻫ - 1994م.

     كان البحث موزعاً في أصله العلمي على بابين، وعدد من الفصول، لكن مؤلفه حين طبعه كتاباً للناس ألغى هذا التوزيع، وجعله موضوعات متوالية، كل موضوعٍ يحملُ عنوانه الخاص به، دون أن تسبقه كلمة "باب" أو "فصل"، حيث بدا له أن ذلك أيسرُ على القارئ، لأنه يتيح له أن يستمر في قراءة الكتاب، من دون أن تشغله التقسيمات الفنية، على أن ذلك لم يجرْ على منهج الدراسة ومادتها ونتائجها.

     يضاف إلى ذلك أن المؤلف حذف منه بعض المواد التي بدت له مغرقة في التخصص، بحيث لا تهمُّ القارئ العادي في قليل أو كثير، وأضاف إليه بعض المواد التي تتعلق بحياة الشاعر وطبيعته ومزاجه، وهذه المواد لم تكن موجودة في الأصل الذي كان دراسة فنية للشاعر فقط. ويبدو لي أن المؤلف أحسن في إضافة هذه المواد لأنها تساعد على فهم الشاعر وعصره، خاصة أنه جعلها تأتي قبل الدراسة الفنية، التي استأثرت بمعظم الكتاب، وهذه ميزة تذكر فتشكر، لأن الدراسة الفنية هي الميدان الذي تظهر فيه قدرة المؤلف وخصوصيته، وحسه الفني.

     وهذا بيان بالمواد المضافة: صورة كلية، مسيرة الحياة، في رحاب فيصل، إباء وكبرياء، مواقف جريئة، مبالغات وادعاءات، شعره الوطني، شعره الإسلامي.

     أما مواد الكتاب الأصليّة، وهي التي تناولت الجانب الفني من شعر عمر أبو ريشة فهي: الوحدة العضوية، الصورة الشعرية، الموسيقى الشعرية، لغة الشعر، الرمز الشعري، تبديل وتعديل، القصة الشعرية، الملحمة الشعرية، المسرح الشعري.

     الكتاب جهد علمي رصين، فيه متابعة واستقصاء، وتحليل، وفيه أيضاً أسلوب أدبي مشرق، ولا غرابة؛ فالمؤلف أديب وشاعر بادئ ذي بدء، لذلك جاء كتابه عملاً مميزاً يجمع بين دقة العالم ولغة الأديب، فكان جميلاً ومشوقاً.

     يحمد للمؤلف أن دراسته قامت أولاً، وقبل أي شيء على شعر الشاعر، فهي دراسة "نصية"، لذلك كانت أحكامه الأدبية تقوم على استقرائه للنص الشعري، لا على مجرد النقول عن هذا وذاك، وهذه ميزة تدل على القدرة والخصوصية والجهد الذاتي.

     تعامل المؤلف مع مناهج الدراسة الأدبية بمرونة وانفتاح في الحدود التي رآها تخدم البحث، فلم يكن أسيراً مقيداً لها، وأعانه على ذلك أن له رؤيته المستقلة من ناحية، وأن دراسته قامت قبل كل شيء على "استنطاق" النص الشعري لعمر أبو ريشة.

     إن الذي يقرأ هذا الكتاب يشعر بالجهد الدؤوب الذي بذله الباحث، ويشعر أنه وفق في حشد مادته ومقدماته، وأحسن ترتيبها ترتيباً جيداً، يأخذ بعضه برقاب بعض، وعليه تبنى النتائج التي تأتي في مواقعها المنطقية، فتكون قادرة على إقناع القارئ بها.

     ومما تمتاز به هذه الطبعة أنها مُتقَنة جداً، من حيث الإخراج الفني، والأخطاء الطباعية فيها قليلة جداً، ومردُّ ذلك إلى طبيعة المؤلف التي تحرصُ على الريْث والدقة، وإطالة النظر في تجارب الطباعة قبل إجازتها، وإلى استعانته بعدد من إخوانه اللغويين البارعين الذين دققوا النظر في مادة الكتاب تأليفاً وطباعة.

     هذا وقد كانت لأخي حيدر صلة طيبة جداً بالشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، يمكن لك أن تجدها بوضوح في مقالته عنه التي تحمل عنوان "الشيخ الأعجوبة علي الطنطاوي أستاذي وأستاذ الأجيال"، وفي هذه المقالة نجد أن الشيخ الجليل يتصل بتلميذه حيدر حين حصل على الدكتوراه ليقول له عبر الهاتف من حيث يقيم في جدة إلى حيث يقيم في الرياض: "أنا ما اتصلت بك لأهنئك بالدكتوراه بل لأهنئ الدكتوراه بك". فاستبدّ بأخي حيدر فرحٌ غامر، وشكر الشيخ الجليل على ثنائه، وسارع إلى تسجيل هذا الثناء وتأريخه في أوراقه الخاصة، اعتزازاً به، وخوفاً عليه من الضياع.

     وحين تمت طباعة الكتاب، حرص أخي حيدر على إهداء الشيخ نسخة منه، فقرأها الشيخ وأثنى عليها كثيراً، ووصف الكتاب بأنه مدهشٌ وممتاز، وأنه أنصف الشاعر، وقال لأخي المؤلف: كنت أقر بجودتك كاتباً، لكني لم أكن أظنك بهذا المستوى، وأنا الآن أشيد بمقدرتك كاتباً بعد أن أشدت بمقدرتك شاعراً. وهنا فرح أخي حيدر كثيراً، وسارع – كما فعل في المرة السابقة – إلى تسجيل هذا الثناء وتاريخه في أوراقه الخاصة اعتزازاً به، وخوفاً من الضياع.

     هذا؛ وقد صدرت في بردة جميلة مُجلّدة؛ الطبعة الثانية من كتاب "عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً"، وهي التي يعرف بها هذا المقال، عن دار المؤيد في الرياض، عام 1428ﻫ - 2007م. وتقع في 571 صفحة، مقاس 24 × 17، وكانت الطبعة الأولى من الكتاب قد صدرت عن مؤسسة الرسالة في بيروت، عام 1417ﻫ - 1997م، في 540 صفحة من المقاس نفسه.

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة