إسلام جرجة يوم اليرموك
استبد القلق بالإمبراطور البيزنطي هرقل، إذ رأى جيوشه تتراجع مهزومة مذهولة أمام كتائب المسلمين. استبدّ به القلق، وكثرت عليه الهواجس، فهو محزون كئيب لا يستقر به مقام، ولا يصفو له حال.
من الناحية المادية، جيشه أكثر من جيش المسلمين أضعافاً مضاعفة، ومن الناحية العددية أكثر سلاحاً وأوفر طعاماً، وأقطع سيوفاً، وأغنى زاداً من المسلمين أضعافاً مضاعفة.
ثم إنَّ جيشه خبير بالشام ومسالكها، ومدنها ودروبها، وعشائرها وزعمائها من هؤلاء الطارئين الذين كانوا تائهين في جزيرتهم، ضعفاء متفرقين، فإذا بهم من بعد هذه الرسالة التي ظهرت فيهم أمة أخرى عجيبة. ومع هذا كله تهزم جيوشه وتتراجع، بينما تنتصر جيوش المسلمين وتتقدم، وهذا كان سبب ما استبد به من حزنٍ مُضنٍ عنيف.
وأخيراً قرر إخراج جيش هائل، يحشد له إمكانيات الدولة جميعاً، يقذف به في وجه هذه الأمة الغازية الطموحة على أمل إيقاف زحفها على الأقل، إن لم يكن النصر الغالب، وهكذا كان.
وفي اليرموك التقى الجيشان، الجيش الرومي الذي أرسله هرقل بقيادة "ماهان" والجيش المسلم الذي أرسله عمر بن الخطاب، وله عدة قواد، غير أنهم اتفقوا جميعاً على تأمير خالد بن الوليد في ذلك اليوم العظيم.
* * *
كان من قواد ماهان رجل اسمه "جُرْجَة"، وكان قد سمع الكثير عن خالد وعبقريته العسكرية الرائعة، ففكر في أمره كثيراً، ثم أجمع على أمر غريب، لقد دعا خالداً للبروز إليه في إحدى فترات الراحة بين القتال، فبرز إليه خالد، وكان من أمر جرجة بعد ذلك ما هو حافل بالإثارة والإعجاب.
***
مشهد تمثيلي (1)
الشخصيات: جرجة – رجل مسلم – صوت
- جرجة "بأعلى صوته": يا خالد، ابرز إليَّ، فأنا جرجة عَوْنُ ماهان وساعده الأيمن في قتالكم.
- رجل مسلم: كما تريد أيها الرومي! عمّا قليل يبرز إليك أميرنا خالد بن الوليد.
- جرجة: إني منطلق إليكم "صوت انطلاق جواده، ووقع الحوافر".
- الرجل المسلم: وهاهو خالد ينطلق إليكم "صوت انطلاق جواده، ووقع الحوافر".
(صمت قصير)
- جرجة "في صوت حازم": يا خالد، اصدقني، ولا تكذبني، فإنَّ الحُرَّ لا يكذب، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء، فأعطاك إياه، فلا تسلّه على أحد إلّا هزمته؟
- الصوت "في هدوء": وبكل ثقة هدوء يقول خالد: لا.
- جرجة: فيمَ سُمِّيتَ سيف الله إذن!؟
- الصوت: ويرد خالد بهدوئه وثقته على سؤال جرجة فيقول له: إنَّ الله بعث فينا رسوله، فمِنّا مَنْ صدّق، وِمنّا من كذّب؟ وكنتُ فيمن كذَّب، حتى أخذ الله قلوباً للإسلام وهدانا برسوله فبايعناه، فدعا لي الرسول بالنصر، وقال لي: "أنتَ سيف من سيوف الله"، فهكذا سُمِّيتُ سيفَ الله.
(صمتٌ قصير)..
- جرجة: وإلامَ تدعون؟
- الصوت: ويرد خالد فيقول: إلى توحيد الله وإلى الإسلام..
(صمت)..
- جرجة: هل لِمنْ يدخل في الإسلام اليوم مثل ما لكم من المثوبة والأجر؟
- الصوت: ويرد خالد فيقول له: نعم وأفضل..
(صمت).. (ويندهش جرجة)
- جرجة: كيف وقد سبقتموه؟
- الصوت: فيقول له خالد: لقد عشنا مع رسول الله ورأينا آياته ومعجزاته، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر، أما أنتم فإن أجركم أجزل وأكبر، إذا صدقتم الله سرائركم ونواياكم.
(الصوت يتابع حديثه بصوتٍ عالٍ فخور).
جرجة "يصيح وقد دفع جواده إلى ناحية خالد ووقف إلى جواره": علمني الإسلام يا خالد.
وأسلم الرجل وصلى لله ركعتين لم يُصلِّ سواهما.
***
مشهد تمثيلي (2)
الشخصيات: جرجة – رجل مسلم
صوت المعركة عنيفاً شديداً، وقع حوافر الجياد، صهيلها، السيوف وصليلها، صراخ الفرسان.
- جرجة "بأعلى صوته": يا معشر المسلمين، الثباتَ الثباتَ تُنْصَروا، أنا جرجة الرومي، إليَّ إليَّ نُلقِ أنفسنا في قلب المعركة.
- الرجل المسلم "بأعلى صوته": يا معشر المسلمين، لَنِعم ما انتدبكم إليه أخوكم جرجة.. "صمت".. يا جرجة أنا معك، هيا بنا.
"صوت انطلاق الجوادين"
- جرجة "بأعلى صوته": بالأمس قاتلتُ مع الروم، واليوم مع المسلمين، والله لأصدُقنَّ الله الجهاد. (حفيف سهم) وَيْ!.. أُصِبتُ والله، فُزتُ والله، (يهدأ صوته): أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق