الأحد، 13 يونيو 2021

عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً للدكتور حيدر الغدير - أ.عبد الرزاق ديار بكرلي

عاشق المجد عمر أبو ريشة شاعراً وإنساناً

للدكتور حيدر الغدير

أ.عبد الرزاق ديار بكرلي
نشر في مجلة الحج والعمرة - مكة المكرمة
عدد شعبان 1427هـ - آب وأيلول 2006م


     هذا الكتاب في أصله بحث علمي، حصل به مؤلفه على درجة الدكتوراه من جامعة عين شمس، لكنه حين طباعته أدخل عليه بعض التعديلات؛ بإضافة مواد تتناول حياة الشاعر ونفسيته ومواقفه وطائفة من أخباره؛ مما أضفى على الكتاب حيوية وتشويقاً وتخفيفاً من جفاف المادة العلمية والبحث الأكاديمي. وقد جمع هذا الكتاب بين دفتيه الدرس الأكاديمي إلى جانب السرد التاريخي؛ من خلال جمع أخبار الشاعر وسيرة حياته، وتحليل شعره من مختلف النواحي الفنية؛ فكان بحقٍّ ممتعاً في قراءته، خصباً في معلوماته، مشوقاً في تحليله وعرضه.

     يتألف هذا الكتاب من مقدمة أبان فيها المؤلف عشق الشاعر لمجد أمته، ووطنه، وشعره، ونفسه، فكان له ما أراد، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بالاسم الذي اختاره له مؤلفه (عاشق المجد).

     يلي ذلك سبعة عشر موضوعاً يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، على النحو الآتي:

- القسم الأول:
هو موضوع واحد عنوانه (ديوان الشاعر) أرَّخ فيه لطبعات الديوان، والتعديلات التي طرأت عليه في كل مرة.

- القسم الثاني:
خمسة موضوعات تناولت الجانب الشخصي في حياة الشاعر، وهي:

1ـ صورة كلية:
     درس فيه حياته، فهو سوري، ولد في منبج، وترجع أصوله إلى قرية القرعون في لبنان، وتنتمي أسرته إلى قبيلة (الموالي) التي ترجع إلى قبيلة "طيء" وقد حمل العمل الوظيفي والده ذات يومٍ إلى (عكا) في فلسطين، وتزوج من إحدى بنات عائلة اليشرطي، وقد عاش الشاعر حوالي ثمانين عاماً حافلة بالأحداث والمتغيرات والعطاء، وكانت وفاته في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1410هـ / 1990م، وقد حملت جثمانه طائرة خاصة إلى مدينة حلب بسوريا ليدفن فيها، رحمه الله تعالى.

2ـ مسيرة الحياة:
     لقد عاش الشاعر حياة عريضة زماناً ومكاناً وتنوعاً وامتداداً ودويَّاً، وعاصر هجمة المستعمر على البلاد، وشارك في حركات التحرر، وتلقى دراسته في بلده، وفي إنجلترا: أحبَّ، وعشق، وأصابه الغرام، وكانت حياته ذات تصاريف متنوعة تقلَّب في سرائها وضرائها؛ مؤثِّراً فيها ومتأثراً بها.

3ـ في رحاب (فيصل):
     يتحدث المؤلف عن صلة الشاعر بالملك فيصل رحمه الله تعالى، وكانت هذه الصلة متميزة بالخصوصية التي جعلته في هذه الرحاب أنشط وأزهى منه في أي بلد آخر.

4ـ إباء وكبرياء:
     يورد المؤلف في هذا الموضوع صفة من أهم الصفات التي اتصف بها الشاعر، "حيث كان قامة شامخة شكلاً ومضموناً". وقد أبرز شعره الكثير من الكبرياء والاعتزاز بالنفس وبالأصالة، فهو يشبه نفسه بالنسر الذي اضطر لمغادرة وكره في قنَّة الجبل ليعيش مع بغاث الطير في السفح تعابثه وتدافعه وتنازعه حتى لقمة العيش؛ فشعر بالنقمة على هذا المصير الذي آل إليه أمره، وفضَّل أن يموت في وكره عزيزاً جائعاً، مما دفعه إلى أن يستجمع بقايا قوته ويطير بها إلى الأعالي، لكنه في محاولته تلك سقط جثَّة هامدة في وكره المهجور.

5ـ مواقف جريئة:
     أكد فيه المؤلف على أن الشاعر كان أجرأ شعراء جيله بحسِّه الوطني، والعربي، وكان أجرأهم في الدفاع عن أمته، فقد كانت بعض قصائده تجعله مهدداً في حياته، وعلى الرغم من ذلك فهو يلقيها غير عابئ بما قد يصيبه منها جرَّاء حماسته المتدفقة واندفاعه اللاهب.

- القسم الثالث:
     لقد غطى هذا القسم معظم موضوعات الكتاب التي تناولت الجانب الفني، ويقع هذا القسم في (أحد عشر) موضوعاً، هي على النحو الآتي:

1ـ شعره الوطني:
     يشير المؤلف إلى أنه كان للشاعر في كل ميدان قنبلة، وفي كل معركة غنيمة وانتصار، ويحتل الشعر الوطني في ديوانه حيزاً كبيراً، كما يحتل الشاعر في سجل الشعر العربي الوطني مكانةً بارزةً، وهنا تأتي رائعته الشهيرة "عروس المجد" التي يستهلها بقوله:

يا عروس المجد تيهي واسحبي
               في مغانينا ذيـــــــول الشهــــب
لن تري حفنـــة رمــل فوقــــها
               لم تعطـــر بدما حــــــــــرٍّ أبي
لا يموت الحق مهـــما لطمــت
               عارضيه قبضــــــة المغتصب

2ـ شعره الإسلامي:
     "احتل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والتاريخ الإسلامي، وأبطاله العظام، مكانة عظيمة في نفسه"، ويقول الكاتب عنه: "إن عمر نشأ على ولاء طيب للإسلام، كان يزيد مرة، ويضعف أخرى، لكنه يظل ثابتاً".

3ـ الوحدة العضوية:
     يرى الكاتب في هذا الموضوع أن قصائد الشاعر متماسكة، فهو شاعر القصيدة ذات الوحدة المتكاملة، يأخذ بعضها برقاب بعض حتى تنتهي مع البيت الأخير نهاية تثير الدهشة، وهو ما كان يسميه الشاعر بيت المفاجأة"، ويشعر القارئ بأن القصيدة كتلة واحدة لا أشلاء متفرقة من الأبيات، فالقصيدة عنده وحدة لا تتجزأ على حدِّ قول أبي ريشة ذاته.

4ـ الصورة الشعرية:
     يؤكد فيه المؤلف على أن "الصورة الشعرية دعامة أساسية من دعائم البنية الفنية عند أبي ريشة، مثلها مثل الوحدة العضوية وبيت المفاجأة، فالصورة لديه مكثفة إذ توجز الكثير في القليل، وتومض كأنها لمحة برق وتدعك مأخوذاً مسلوباً.

     فهناك الصورة التي تمثل مشهداً أو لوحة فنية (مصرع الفنان) و(حكاية سمار) و(محمد صلى الله عليه وسلم)، وهناك التشخيص؛ وذلك بخلع الصفات والمشاعر الإنسانية المادية على الأشياء والتصورات العقلية المجردة، ومنها عناية الشاعر بالجمع بين الأمور المتناقضة وحشدها في إطار واحد، ومن ذلك حينما تقول له الفتاة الإسبانية:

هؤلاء الصيـــد قومي فانتسب
               إن تجد أكرم من قومي رجالاً

     فيأتي جوابه لها:

أطرق القلب وغامت أعيني
                برؤاها، وتجاهلت السـؤالا

     ومن ذلك تصويره الموت تصويراً فيه غرابة غير مألوفة؛ مع اعتقاده بأنه مجرد انتقال أو سفر من مكان إلى آخر.

     على أن صوره قد يكتنفها نوع من الغموض أحياناً؛ ذلك الغموض الذي يفتح النوافذ أمام المتلقي ليشارك في تخيل الصورة وتقبلها والاستمتاع بطرافتها وغرابتها.

5ـ الموسيقا الشعرية:
     تناول المؤلف في هذا الموضوع كل ما يتعلق بهذه الموسيقا عند الشاعر، فهو شاعر مطبوع بفطرته، وينتمي إلى أسرة تعتد بالشعر؛ حيث أشرب أنغامه في وقت مبكرٍ جداً من حياته، يضاف إلى ذلك الإرث الصوفي وتأثره بإنشاد المتصوفة، كما كان يحب شعر الموشحات التي تتميز بالنغم والتنويع في القوافي والجمع بين البحور التامة والمجزوءة، والتغيير في أطوال الأسطر، ويضاف إلى ذلك تأثره بالمدرسة المهجرية، فضلاً عن صلته بالشعر العربي القديم.

     لقد تميز الشاعر بالأذن الموسيقية التي وهبه الله إياها، فبها يعرف النغم المناسب حدةً وقوةً وضعفاً، ويعرف بها الذبذبات الخاصة التي لا يحيط بها علم العروض، وكل ذلك ساعده على نظم الشعر بالبحور التامة، والبحور المجزوءة، وتنويعه في الأوزان على حسب الموضوعات، كما أنه يعمد إلى تعدد الوزن داخل القصيدة الواحدة في بعض الأحيان، ويستخدم القوافي المطلقة والمقيدة والمشتركة والقوافي المتنوعة، مركزاً على القوافي المأنوسة، مهتماً بشكل خاص بالموسيقا الداخلية من تصريع، وتماثل في الإيقاع، وتكرار، وكثرة حروف المد؛ حيث يتاح للصوت أن يأخذ أقصى مداه حين إلقاء الشعر أو إنشاده، ويستخدم في شعره النداء، والاستفهام، وحسن التقسيم، والجناس، وغير ذلك من أنواع التلوين الموسيقي.

6ـ لغة الشاعر:
     يتحدث المؤلف عن أن فريقاً من النقاد يتهم أبا ريشة بضعف لغته، وقلة مفرداته، وقلة اتصاله بالتراث اللغوي، وأن فريقاً آخر يقف موقفاً مناقضاً لذلك الموقف، ويشيد بلغته، ويرفع مكانتها، وإن الكاتب حين دراسته الرأيين انتهى إلى أن لأبي ريشة صلة بالشعر العربي القديم، فلغته شاعرية تحتذي النموذج الأعلى جمالاً وجرساً وإيحاءً وظلالاً؛ فهي لغة صحيحة تتسق مع التجربة النفسية التي تنقلها، والواقع الموسيقي للألفاظ، والبناء اللغوي لديه محكم متين؛ فهو محكم السبك، متصل الأواصر، دون نُبُوٍّ أو معاظلة أو تعقيد، مع استرسال جميل وإحكام عذب وتدفق متتابع، ولا يخلو شعره من بعض العيوب ولا سيما قصائده التي قالها في بواكير الشباب.

     أما المعجم الشعري لديه فخاض به، فهو يكرر ألفاظاً بعينها، ويتكئ عليها في أكثر قصائده، ويؤكد المؤلف هنا أن الشاعر يسوق عبارات نجدها مكررة في أماكن عديدة من شعره، وكثير منها إما أنه يدل على إباء الشاعر وشموخه وعنفوانه واعتزازه بدينه وعروبته ووطنه، أو يدل على اعتزازه بتجاربه الشخصية بما في ذلك من غزلٍ ولهوٍ وعبث.

7ـ الرمز الشعري:
     يؤكد المؤلف على أن الشاعر قد اطلع في غربته على أشعار (بودلير) و(إدغار ألان بو) وهما شاعران رمزيان، فالصحراء لدى الشاعر رمز للأصالة والعروبة والمكارم، وهو يستدعي الرمز التاريخي ويوظفه، والنور لديه رمز لكل ما يحبه خاصاً هذا المحبوب كان أم عاماً، ويرمز بالنسر إلى نفسه ويمثل به العزة السالفة والحلم بالعودة إلى القمة الشماء، والجبل رمز للشموخ والإباء والعنفوان، والبلبل لديه محزون، والحياة فتاة جميلة جداً غوية جداً.

8ـ تبديل وتعديل:
     يقول المؤلف: "فالشاعر يغير في شعره حذفاً أو إضافة أو تبديلاً لاعتبارات فنية أو سياسية أو ذوقية، يحدوه في ذلك أنه شاعر ذو أناة ومعاودة، ينظر إلى العمل الفني على أنه جهد متكرر لا بد من تحسينه ولو بعد حين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

9ـ القصة الشعرية:
     يؤكد المؤلف على أن للقصة الشعرية عند أبي ريشة قيمة فنية كبيرة تدل على مقدرته في ضبط عناصرها وتحريك أحداثها ورسم شخصياتها مما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأثر الذي ينشده الشاعر لدى المتلقي، ومن ذلك مثلاً قصيدته "هكذا"، و"في طائرة"، و"جان دارك"، و"كأس"، و"نسر"، وقصيدة "بلادي" التي كتبها في تأبين السياسي الشهير سعد الله الجابري المتوفى عام 1947م؛ مثنياً فيها على موقفه النبيل من (إبراهيم هنانو)، ودعمه وتأييده له في نهضته ضدَّ الفرنسيين المحتلين.

10ـ الملحمة الشعرية:
     يظهر المؤلف في هذا الموضوع الجانب الملحمي في شعر أبي ريشة، فللشاعر قصيدتان ملحميتان هما (خالد) التي نظمها عام 1938م وتتألف من (69) بيتاً على البحر الخفيف، وعلى روي واحد هو النون المكسورة المسبوقة بألف ممدودة، تحدث فيها عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعن جهاده وتضحياته وحياته وحنكته الحربية، ومطلعها:

لا تنامي يا راويات الزمان
               فهو لولاك موجة من دخان

     وقصيدته الملحمية الأخرى "محمد صلى الله عليه وسلم" في (100) بيت على البحر الخفيف، ولها روي واحد هو الهمزة المكسورة المسبوقة بألف ممدودة، ومطلعها:

أي نجوى مخضلة النعماء ... رددتها حنــاجر الصحراء

     وقد أورد المؤلف عدداً من الخصال التي يمتاز بها شعر الشاعر الملحمي، وهي:

1ـ المطلع الملحمي.
2ـ الطول بالنسبة لباقي قصائده.
3ـ غياب الجانب الذاتي والتعبير عن الوجدان الجمعي.
4ـ الروح الغيبية.
5ـ وصف المعارك.
6ـ البناء القصصي.

11ـ المسرح الشعري:
     يشير المؤلف إلى أن هذا الجانب هو أضعف الجوانب في شعر أبي ريشة؛ لكونه شاعراً غنائياً قبل كل شيء، وليس شاعراً مسرحياً، ومن شعره في هذا الجانب مسرحية "ذي قار"، و"أوبريت عذاب"، كما أنه قد نشر فصولاً من ثلاث مسرحيات لم تكتمل هي: "محكمة الشعراء"، و"الطوفان"، و"سمير أميس". وهناك مسرحيات شعرية كان يشير إلى أنه في صدد إعدادها؛ إلا أنها لم تر النور، وهي: "تاج محل"، و"علي"، و"الحسين".

     وأخيراً هناك ثبت بالمراجع العربية، مرتبة وفق الاسم الأول لمؤلفيها، وثبت آخر بالمراجع الأجنبية.

     لا شك بأن هذا الكتاب عمل شامل، وجهد بارز، يجد فيه الدارسون بغيتهم من حيث العرض والتحليل والدراسة والتقصي والاستفاضة، ويجد فيه محبو الأدب ومتذوقوه متعة وجمالاً، وهو كتاب جديد في بابه، فضلاً عن كونه أول كتاب عربي علمي ضافٍ دقيق خاص بالشاعر عمر أبي ريشة - حياةً وشعراً - بعد رحيله عن دنيا حافلة بالكثير من التجارب والمواقف، جمع فيه مؤلفه بين العرض العلمي والذوق الأدبي والواقع التاريخي. رحم الله الشاعر وغفر له، وبارك في صنيع المؤلف ووفقه.

     وقد صدر الكتاب عن مؤسسة الرسالة في بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1417هـ، 1997م. في 540 صفحة، مقاس 24×17.

***
------------------
· نشر في المجلة الإلكترونية، رابطة الأدب الإسلامي، العدد 64، بتاريخ 07/11/2016م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة