الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

 

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

     "إن الشريعة الإسلامية ترتكز على الأخلاق، وهي تنظّم سلوك الفرد من أسمى وجهة نظر لصون المجتمع، وحمايته بسلامة العقل والطمأنينة والاستقرار، إنها تنشئ انسجاماً تاماً بين الحقوق والواجبات عند الفرد وعلاقته بحكامه".

     هذه عبارة قالها الدكتور عبد الكريم جرمانوس، المجَري الذي اهتدى إلى الإسلام يشيد فيها بالشريعة الإسلامية وعظمتها.

     وابتداءً لا بد لنا من أن نقول: نحن لا نعلّق ولاءنا للإسلام على شهادة بصلاحيته يقول بها أحد من البشر، لكنّ هذا لا يجعلنا نغلق على أنفسنا أبواب الانتفاع من تجارب وخبرات جعلت طوائف من الناس تؤمن بعظمة الإسلام وصحته وخلوده. وتعلن قناعتها هذه على رؤوس الأشهاد، دون تردد أو خوف أو مجاملة.

     إن بعض المفتونين بالغرب، الذين يشعرون إزاءه بالإعجاب والإكبار، ينظرون في ضيق إلى العقوبات الإسلامية، ويرون فيها شيئاً من القسوة. فلنسمع ما قاله أحد المثقفين الكبار في هذا:

     "إن شريعة الغرب الحديثة تميل إلى تخفيف آلام الآثام والجرائم إلى حد إلغاء العقاب. وبعض مشرّعي القانون ينكرون الإجراء الصارم لجريمة السرقة. إنني في خبرتي وتجوالي في أثناء حياتي المبكرة في عدد من الدول الإسلامية لم أقابل أحداً ممن قُطِعت أيديهم، كما أني لم أسمع عن حادثة سرقة ارتُكِبَتْ في المتاجر والأسواق الشرقية وأنا شاهد عيان في تركيا ومصر وسوريا والعراق والمغرب على أنّ أصحاب المتاجر والحوانيت، تركوا أكشاكهم مفتوحة في أثناء الصلاة، فقد كانوا يتركون لافتة تقول: إن صاحب المتجر غير موجود. إنّ العقاب العادل المنصف الذي كان يُعلن بواسطة القاضي كان كافياً ليحول دون مجرم جديد لجريمة جديدة".

     صاحب هذا النص الذي قدّمناه هو الدكتور عبد الكريم جرمانوس، وهو يكشف عن دور العقوبات الإسلامية في تحقيق العدل وإذاعة الأمن.

     ثمة سؤال صغير نوجهه للمفتونين بموقف الغرب إزاء العقوبات هو: إنّ الجرائم هناك تزداد عدداً وتنوّعاً وحدّة، والبيانات والإحصاءات والأرقام تدل على ذلك. أليس هذا معناه أن قانون العقوبات عند القوم فاشل؟ وإلا.. فكيف نفسّر الزيادة المطردة في حجم الجريمة بأنواعها المختلة؟

     إنّ قانون العقوبات يحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية زيادة الجريمة، ولكن تشترك معه فيها عوامل شتى، وأهمها تردّي الوازع الديني عند القوم باستمرار. وإذا وجدت في الغرب، بعض الحركات والنشاطات الدينية، فهي على الأكثر مجرد فَوْرات وقتية سرعان ما تخبو وتبيد.

     إنّ بوسع المرء الباحث عن حقيقة الإيمان في المجتمعات المعاصرة أنْ يقررَ بأنَّ العالم الغربي بشقّيه الرأسمالي والشيوعي لا يعرف الإيمان، العالَم الشيوعي ينكر وجود الله عز وجل ابتداءً ويؤمن بالمادة، والعالَم الرأسمالي لا ينكر وجود الله تعالى، لكنه من الناحية العملية الواقعية، يمارس شتى نشاطاته بمعزل عن هدي الدين وتوجيهاته.

     ولقد كان من نتائج ذلك أن أخفقت حضارة العصر إخفاقاً ذريعاً، وذلك لأنّ أياً من هذين العالَمين على الرغم من إنجازاته العلمية الهائلة لم يستطع أن يَهَبَ للبشرية ما تتطلع إليه من طمأنينة واستقرار، وعدالة وكرامة، بل إنه على العكس من ذلك يسلبها باستمرار طمأنينة نفسها، وسلام روحها، ويتركها نهباً للحيرة والقلق وشتى المخاوف.

     ولقد أثبت استقراء التاريخ أنّ العلم ليس إلا جزءاً يسيراً من حضارات الشعوب، وأنّ الحضارة الحق، هي محصّلة التفاعل التاريخي بين جوانب الحياة الروحية والمادية وما تحمل من خير وسعادة للإنسانية بأسرها، وأنّ العلم إذا لم يكن وسيلة لخير الناس وبناء المجتمع البشري وطريقاً لمرضاة الله عز وجل وإعلاء كلمته، سوف يصبح وسيلة دمار وخراب للبشرية كلها، فيجد الإنسانُ نفسَه صريعاً بسلاحه في آخر المطاف، وينقلب نشاطه عبئاً عليه، ويصبح ذكاؤه كارثة تدمّره.

     لقد سقط إنسان العصر الحديث تحت أقدام المادية العمياء مأخوذاً بوهج الإنجازات العلمية الرائعة، ولقد تمثل سقوط الإنسان في العالَمين الشيوعي والرأسمالي ببروز مشكلات سياسية ونفسية، واقتصادية وإنسانية، وأخلاقية واجتماعية، وتربوية وسلوكية، في غاية العنف والكثرة والتنوع، ونتيجةً لهذا سيطرت على البشر موجات من القلق والفوضى والعبث والضياع والفراغ والحيرة، والمسلم وحده هو الذي يمتلك طوق النجاة.

     إنّ عليه أنْ ينقذ الإنسان المعاصر من مآسيه ومتاعبه، ويقوده بالإسلام إلى طريق السعادتين، سعادة الدين وسعادة الدنيا على السواء:

إنَّ هذا العصــــرَ ليلٌ فــأنِرْ     أيها المسلمُ ليلَ الحـــــائرينْ
وسفينُ الحقِّ في لجِّ الهـوى     لا يرى غيرَكَ ربّانَ السفيـنْ

     إنّ المرء لَيَستشعر في بيتَيْ إقبال هذين، أنّ ثمة دوراً كبيراً ينتظر أمّة العرب والإسلام، وأنّ المسلمين والعرب اليوم قادرون أكثر من أي وقت مضى على مسيرة التعاون من أجل الخير لأنفسهم وللبشرية جمعاء.

     ها هي ذي الشيوعية تزعم الدفاع عن العدل، وها هي ذي الرأسمالية تدّعي الدفاع عن الحريّة، وعلى المسلمين كشفُ هذه المزاعم بكل طريق ممكن، وأهمُّ وأوّلُ هذه الطرق أن يقيموا مجتمعاً إسلامياً راشداً، يحقق العدل والمساواة والحرية، ويطلق طاقات البناء والتعمير في مسيرة إيجابية جادة لخدمة الفرد والجماعة والحضارة. إنّ مثل هذا المجتمع هو أعظم تعريف بالإسلام وردٌّ على أعدائه.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة