الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

مختار وزينب .. الفرنسيان

مختار وزينب .. الفرنسيان

     منذ عدة سنوات، أسلم مهندس فرنسي يعمل في مصانع الطائرات، وحمل اسم :مختار". والذي يستوقف الإنسان في سيرة "مختار" أنه بعد إسلامه حرص على دراسة كتاب الله عز وجل، وتعلم اللغة العربية، وعلى الرغم من أنه يسكن على بعد 50 كم من باريس، فإنه يأتي إليها يومياً بعد الفراغ من عمله، لمقابلة الدكتور الداعية محمد حميد الله، وذلك من أجل دراسة كتاب الله تعالى على يديه.

     من الواضح في سيرة مختار هذا، حرصه الشديد على تعلم الإسلام، دينه الجديد الذي اهتدى إليه، وتعلم اللغة العربية التي نزل بها كتاب هذا الدين. ويبدو ذلك واضحاً جلياً حين يقطع في كل يوم مسافة 100 كم ذهاباً وإياباً من منطقة سكناه إلى باريس ليتلقى درسه اليومي في حرص ومتابعة واستمرار.

     ولا ريب أنه لو لم يكن دافعه الذاتي المؤمن، قوياً إلى درجة بالغة، تجعله يسعى هذا السعي الحثيث الدؤوب، لَما كان بوسعه أن يقوم بهذا الجهد اليومي المتكرر البالغ مدىً لا يستهان به.

     وإنّ المرء حين يتوقف عند حالة هذا الإنسان، البعيد عن مهد الإسلام ودياره، يلحظ مدى الحماسة الإيمانية البالغة التي تملأ شغاف قلبه، وهي حماسة يبدو أنها تلازم ذلك النفر الكريم ممن يسلمون عن قناعة تامة، وبعد بحث طويل، وبعد حُرقة في البحث عن الحقيقة، وبعد فترة من الحيرة والقلق والضياع، والخبط في دروب التيه، لذلك ما يكاد الواحد منهم يصل إلى شاطئ النجاة، وتستقر قدماه على جادة الهدى حتى يحرص على هداه حرصاً شديداً ويتشبث به إلى حد بعيد.

     نلمح هذا الحرص الحميد في قصة هذا المهندس الفرنسي المهتدي، ونلمحه في قصة فرنسية أسلمت واختارت اسم "زكية"، ذلك أنّ زكية هذه لم تكتف بإسلامها، بل أخذت تدعو إليه حتى بلغ عدد من أسلموا على يديها وبدعوتها عشرة أشخاص.

     ويؤكد الأستاذ الداعية محمد حميد الله أنّ الفرنسيين الذين يدخلون الإسلام في فرنسا لديهم حماسة لهذا الدين وتمسك به؛ أكثر من أولئك الذين ورثوا الإسلام عن آبائهم، ويضرب على ذلك مثالاً فيقول: لم أرَ بين المسلمات الفرنسيات واحدة لباسها غير لائق، ولقد شهدتهنَّ يحضون صلاة التراويح بحرص ملحوظ، والأمر في ذلك عند المسلمات بالوراثة مختلف كثيراً.

     ومنذ أعوامٍ خلت حضرت أستاذ جامعية في باريس إلى منزل الأستاذ حميد الله، وأسلمت على يديه، وكان معها رجل مسلم زوَّجَها الأستاذ حميد الله منه بناءً على طلبها.

     وقبل أن تمضي في الإعجاب كثيراً بهذه الحوادث، إليك هذه الواقعة ذات الدلالة الأعظم: إنّ شاباً من أحد البلدان الشيوعية في أوربا الشرقية جاء إلى باريس وقد أسلم، وأسلم معه خمسة شبان آخرين من بلده، وقَدِمَ إلى باريس سراً يريد شراء كتب عن الإسلام باللغة الفرنسية، ليتدارسها مع صحبه ويترجمها إلى لغة بلده، ويدعو بها سراً إلى الإسلام فيه.

     وإنّ المرء لَيشعر بالاعتزاز الهائل بهذا الدين، وقدرته الذاتية على النمو والامتداد واكتساب أنصارٍ له، بجهود ضئيلة جداً يبذلها المسلمون أحياناً، وبدون جهود قط في أحيان أخرى، وما من ريب في أنّ هذه القدرة الذاتية على النماء والبقاء والاستمرار من أسباب عظمة هذا الدين وخلوده، وما مِن ريب كذلك في أنها دليل على صحته، إذ إنها تؤكد بلا جدال ربّانية هذا الدين الذي رحم الله تعالى به الناس.

     إنه لَمِنْ دواعي الاعتزاز الضخم بهذا الإسلام الخالد، أن تجد غربيين قد آمنوا به وهم من الطبقة المثقفة، أسلم بعضهم دون أن يدعوه أحد، بل بجهده الذاتي في البحث عن الحقيقة، وأسلم آخرون بجهد محدود من جهود التبشير بالإسلام، وهي مع الأسف جهود ضئيلة جداً حين تقاس بجهود التبشير المسيحي.

     وإنّ اعتزاز المرء بهذا الدين لَيزداد كلما توقف عند حالة من حالات الهداية، لكنّ هذا الاعتزاز يبلغ أمداءه الرحيبة الواسعة، حين يتوقف المرء عند هداية ذلك الشاب القادم من أوربا الشرقية والرازحِ بلدُه تحت الحكم الشيوعي.

     فذلك الشاب يعيش في بلد لا يعرف الحرية في شيء، لا الفكرية ولا غير الفكرية، ثم إنّ النظام السائد يحارب الأديان ويعمل على تصفيتها، لأن عداء الشيوعيين للأديان عامة وللإسلام خاصة؛ عداء جذري، عميق وعنيف، ومع ذلك تشاء العناية الربانية لهذا الشاب أن يهتدي إلى الإسلام بوسيلة من الوسائل، وما يعلم جنود ربك إلا هو، ولم يكتفِ الشاب بالهداية التي فاز بها لنفسه، بل طفق يسعى إلى نقلها إلى غيره، وإذا به وقد صار معه عدد من المهتدين، يشعر بضرورة دراسة الإسلام، دراسةً وافية، ونقل بعض الكتب عنه إلى لغته لتكون عوناً له في عملية التبشير والهداية.

     إنه الإسلام. دين الله الخالد المحفوظ، لا يزال قادراً على أن يمتد هنا وهناك حاملاً شعلة النور للعالمين.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة