الخميس، 29 ديسمبر 2022

إسلام جاوبا الهندوكي المثقف

إسلام جاوبا الهندوكي المثقف

     هو رجل هندوكي مثقف، كان محامياً كبيراً بالمحاكم العليا في الهند. درس الإسلام فوجد الفرق الشاسع بينه وبين دينه الوثني الذي ورثه عن آبائه وأجداده. ومنذ أن شبَّ عن الطوق واكتملت لديه أسباب الدراية والفهم أخذ يقارن ويوازن بين الأديان خاصة بعد أن شعر أنه بحاجة إلى دين يضبط سلوكه، ويكون ميزاناً لحياته فكان أن اختار الإسلام فأسلم. إنه الأستاذ "ك. ل. جاوبا" الذي يبدو لنا من خلال معاناته ودراساته رجلاً حر الفكر مستنير الثقافة شجاع الرأي والمعتقد.

     شغل الرجل إحدى مناصب العدالة الراقية في بلاده، وألَمَّ بثقافات الغرب ودياناته ومذاهبه السياسية، وعاود الموازنة بينها جميعاً لعله يهتدي إلى وجهة مريحة، وينتهي إلى قرار يفوز معه بالطمأنينة والسلام.

     يقول الرجل: لقد أحسستُ رغم منصبي الكبير محامياً في المحاكم العليا بالهند أنني ما زلت طفلاً من الناحية الروحية، وكان إيماني بالهندوكية كمثل الطفل الذي يحبو ولا يقدر على شيء. لذلك رأيتُ لزاماً عليّ أن أبحث عن دين!..

     ها هنا نلمس أولى خطواته في البحث عن الهداية، ونشعر بالرغبة الجدية الصادقة في تلمّس الحق. فلننظر كيف بدأ الإسلام يملك عليه إعجابه.

     يقول الرجل: إنّ أول شيء شدّني إلى هذا الدين بساطته ووضوحه، فأساس العقيدة الإسلامية قائم على دعامتين بسيطتين، يستطيع أن يعيهما أبسط الناس، وهاتان الدعامتان هما أنّ النبي الكريم قد جاء بالوحي الربّاني من عند الله، وأنّ الله سبحانه وتعالى واحدٌ لا شريك له.

     ثم يَعْرِضُ الرجل لحقيقة المساواة التي يشيعها الإسلام بين الناس فيقول: فالمساواة في الإسلام تختلف عما في الاشتراكية أو البلشفية، وليست كالمساواة عند النصارى، حيث يُجلَد الرجل الزنجي لا لشيء سوى أنه وقع بصره على امرأة بيضاء، ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة مستقلة بهم عن كنائس البيض.

     والإسلام لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل فيه كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما يكفي المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضواً في أعظم أخوّة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعاً.

     وفي الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة؛ يصبح من حق المسلم الجديد أن يقف في المسجد كتفاً إلى كتف وعلى قدم المساواة مع الملك، وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوّة الإسلامية.

     ويعرض الرجل لمجتمعه الهندوكي، وما فيه من تقسيمات طبقية جائرة، تمنح أناساً لا لجهد بذلوه الأولوية والأفضلية، وتحطّ أقدار الآخرين دون أن يفعلوا شيئاً يسبّب لهم ذلك.

     يقول جاوبا: هناك خلاف كبير يقوم حالياً بين مجتمعات الهندوكية حول دخول فئة منها تُعرف باسم "الممنوع لمسهم" إلى المعابد الهندوكية (يقصد الرجل طبقة المنبوذين)، وهناك فئة معينة تزعم لنفسها أنها تحوّل هؤلاء الممنوع لمسهم إلى أشخاص عاديين بواسطة ما يُسمّى "شوذي"، وليس بوسع أحد من الهنادك أن ينتقل من طبقة إلى أخرى، كذلك تؤمن الديانة الهندوكية أنّ في استطاعة إنسان أن يُطهِّرَ إنساناً آخر.

     أما في الإسلام فإنّ هذا الدين لا يعرف مبدأ "لا مساس"!.. أو ما يسمّى "الممنوع لمسهم"، كما أنه لا يُطهِّرُ الإنسان فيه أخوه الإنسان، ولا سبيل إلى التطهر إلا بالتقرّب إلى الله دون وساطة أحد من خلقه، إذ كيف يتسنّى لبشر أن يطهِّر بشراً آخر وهو في حاجة ماسة إلى التطهير؟

     إنني بهذه المناسبة أتوجّه بالدعوة إلى كل فرد في الذين يُلقّبونهم بالممنوع لمسهم للدخول في الإسلام الحنيف، فهو وحده الذي يسوّي بينهم وبين بقية الناس، وهو وحده الذي ينتفي فيه الاعتقاد بأنَّ ظل إنسان ما يمكن أن يدنّس طعام أو حاجيات إنسان آخر، وهذا الاعتقاد سائد في الهندوكية. إنه في الإسلام لا فضل لأي إنسان على إنسان آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

     ويتحدث المثقف الهندي المستنير عن سبب آخر حمله على الإسلام وهو كما يقول: قدرة الإسلام على التلاؤم والتكيف مع متطلبات الحياة الحاضرة، فليس هناك أي دين من الأديان المعاصرة يتمتع بمثل هذه المقدرة على حل المشكلات الحاضرة التي تواجه الإنسان في هذا الزمان، فالعالم اليوم يتشدق بالأخوة والمساواة، وهذان مبدآن أساسيان صحيحان في الإسلام، وهما مطبّقان عملياً بين المسلمين، أما المبادئ الأخرى فهي على النقيض من ذلك.

     ويتحدث العالم اليوم عن ضرورة الاعتراف بالمؤهلات، والإسلام يعترف بالفضل لذويه. كما نسمع صيحات حول حقوق المرأة، ومآسي الحياة الزوجية المعاصرة، والإسلام يمنح المرأة كل حقوقها واستقلالها، فعلاقتها بالرجل قائمة على أساس عقد كريم.

     لقد وُضِعَت الشرائعُ الإسلامية للبشر لا للملائكة، أما ما يحدث اليوم من شغب وفوضى ومهازل وتواطؤ وزنا فكل هذه المشكلات غريبة عن المجتمع الإسلامي.

     وبعد .. فهذه انطباعات عاجلة، لكنها ذكية وصادقة هتف بها هذا الهندي المثقف وهو يتحدث عن قصة إسلامه التي ختمها بهذا الدعاء الجميل: اللهم خذ بناصية عبادك إلى هذا الدين الحنيف.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة