الخميس، 29 ديسمبر 2022

الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (2)

الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (2)

     الشاعر الإيطالي فنسينزو ماريا ريبو، الذي شاءت له العناية الربانية أن يفوز بالهداية، وينتقل من الظلمات إلى النور، وذلك حين أسلم عن وعي وصدق وحماسة، ثم طفق يحاول أن يجعل من نفسه جندياً لخدمة هذا الدين العظيم، والتبشير به، وهداية قومه إليه. هذا الرجل الذي سمّى نفسه بعد إسلامه "محمد رباح" نموذج كريم متفوّق يستوقف المرء ويستأثر بانتباهه واهتمامه.

     إنه ينتزع الإعجاب والإكبار، وإنك إذ تلمس في حياته ذلك كله، لا تخطئ أيضاً أن تلمس فيها العبرة الواضحة الجلية، والحقيقة القديمة الجديدة عن خلود هذا الدين، وعظمته واستمراره، وقدرته الذاتية على اكتساب أنصار له في كل حين يمنحونه صادق ولائهم وإيمانهم وشجاعتهم.

     إنك لا تخطئ أن تشعر بذلك، كما لا تخطئ أيضاً أن تجد في صدرك حزناً عميقاً، وأسفاً بالغاً، بسبب قعود أهل الإسلام عن حمل رايته ونشر أنواره في كل مكان وزمان، وبشكل خاص في زماننا هذا الذي اتصف بالحيرة والقلق والتخبط والضياع، والذي يتطلع إلى من ينقذه، والمسلم وحده هو القادر على التصدّي لمهمة الإنقاذ، وهو لا يفعل إلا قليلاً، على الرغم من أنّ انتماءه لإسلامه يُلزمه بذلك، ويُهيب به قائلاً على لسان إقبال:

إنَّ هذا العصــرَ ليــــلٌ فأنِرْ     أيهــا المسلمُ ليلَ الحـــائرينْ
وسفينُ الحقِّ في لجِّ الهـوى     لا يرى غيرَكَ ربّانَ السـفينْ

     ويُعَدُّ الأديب الإيطالي المسلم محمد رباح، ذا منزلة بالغة الأهمية في الأدب الإيطالي، حتى إنّ كثيراً من الأدباء والنقاد والدارسين يعدّونه واحداً من أكبر ثلاثة شعراء في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويمكن أن ترى مصداق ذلك في كثرة الجوائز الأدبية والألقاب والمقالات والأحاديث الإذاعية، وكلها مُنِحَتْ له، أو تحدثَتْ عنه بعد وفاته، ذلك أنّ ديوان شعره صدر بعد أن فارق الحياة. وكأن الشاعر رحمه الله كان يستشعر بشيء من ذلك، فقد كتب بخط يده قبل وفاته يقول: "الديوان سيصدر يتيماً"؛ مشيراً إلى أن الديوان سيصدر بعد موته، وهذا الذي كان.

     وقد صدرت عن فنسينزو ماريا ريبو أي محمد رباح خمسة كتب حتى الآن لعدد من الأدباء الطليان، ومثل هذا العدد من الكتب، عن شاب لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره، دليل على موهبته الشعرية الكبيرة التي جعلته يحظى بمثل هذه العناية الفائقة.

     أما الجوائز والأوسمة والألقاب التي فاز بها، فإليكم بعضها على سبيل المثال: جائزة برغامو، وجائزة كاردانيللي تاركلينا، وجائزة سويير تيرم، وجائزة جيبو، وجائزة ماريا كريستينا بولوجيا. أما الذي كتبته عنه الصحف والمجلات فإنه يشكل في مجموعه عدة مجلدات.

     وفي شعره تكثر العبارات والاصطلاحات الدينية، وتَرِدُ في شعره بكثرة الكلمات العربية الدينية مثل كلمة أذان. ولا يخطئ من يعيش مع شعره أن يلمس ما فيه من إحساس رقيق وشعور مرهف. وله قصيدة كتبها قبل وفاته بمدة قصيرة تحمل اسم "خذني يا إلهي"، تُعَدُّ من أروع شعره حتى سمّاها بعضهم معجزة الشعر الإيطالي.

     تعرّف الشاعر رحمه الله في جامعة بيروجيا، إلى بعض المسلمين الأوفياء لدينهم من الطلبة العرب حيث كان طالباً هناك، فكتب قصيدته "مكتبة بيروجيا"، وفيها يتحدث باعتزاز بالغ عن الفتى العربي المسلم، وما يلمحه فيه من خُلُقٍ نبيل وعزة أبيّة، هي نفس العزة التي تمثل الأقدمين النبلاء في الصحراء كما يقول.

     وله قصيدة اسمها "إلى صفوح"، وصفوح هذا أحد الطلبة المسلمين كان على تقوى وورع سُرَّ بهما الشاعر فأهداه قصيدته التي يقول فيها: وهكذا ستفوز، صفوح رجل عدل وصاحب عقيدة مدهشة تحيّر العقول.

     وفي واحدة من قصائده الرائعة يقول: كيف نريد أن نتأقلم في الضباب ونستنشق هواء بِغْ بِنْ؟ ونصعد درجات الجامعة المليئة بالضوضاء؟ إننا نريد أذاناً يخرج من القلب إلى القلب يقول لنا: الحمد لله نحن مسلمون.

     وفي قصيدته الوجدانية المؤثرة "كعبةُ، إليكِ حاجّاً سآتي"، يقول:
كل ليلة أتوجّه إليك.
إله واحد رحمن رحيم.
خذني يا إلهي.
تقبّل صلاتي وتقبّل توحيدي.
لا أريد أن أرجع إلى الوراء وإليكَ وحدك أتوجه.

     وبعد، فإنها وقفة يسيرة مع الشاعر المسلم محمد رباح عليه رحمة الله، الذي وهب هذا الدين ولاءه بصدق وحماسة، ومضى يحاول نشره بين ذويه، وألّف كتاباً عنه مات دون أن يُنجزه، ورحل إلى العالم الآخر بعد أن فاز بالهداية، وأثبت قدرة الإسلام على اكتساب أنصار له من قطاع المتفوقين والنابغين.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة