إسلام الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (1)
عجيبةٌ قدرة هذا الإسلام العظيم على التقدم واكتساب مواقع جديدة له، إنْ في عالم الجغرافيا والأرض، وإنْ في عالم البشر والناس. هي قدرة عجيبة وعميقة معاً، والسبب الأكبر في ذلك أنها قدرة ذاتية، نابعة من تركيبه الربّاني المعجِز، لذلك تظل قادرةً على أداء دورها، حتى في تلك الظروف التي يقصّر فيها المسلمون عن القيام بواجبهم في نشر أنوار هذا الدين لينقذوا به الضالين والحائرين. ولعله لا شيء يدل على ذلك، ويؤكده ويصدّقه، كتلك الحالات التي نظل نسمع عنها بين الحين والآخر، والتي يكتسب الإسلام فيها، له أنصاراً متفوقين.
وإنه لَمِنَ الإنصاف الحق، أنْ نذكر بخير أخاً كريماً من هؤلاء المهتدين المتفوقين طَوَتْهُ يد المنون، واعترف بفضله ونبوغه العدو قبل الصديق. إنه أخٌ إيطالي عزيز نبغ في الشعر وتفوق، حتى عُدَّ واحداً من مجددي الشعر في بلده، وفاز بجائزة ذات قيمة كبيرة وأهمية بالغة في عالم الشعر في إيطاليا، إنه الأخ فنسينزو ماريا ريبو، أو محمد رباح كما سمّى نفسه بعد أن أسلم.
ولد محمد رباح في نابولي عام 1947م، ودرس المرحلة الابتدائية في المدينة نفسها، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة بوتنسا بيجينو حيث عمل والده مفتشاً في وزارة التربية، ودرس هناك المرحلة المتوسطة. ثم انتقل مرة أخرى إلى مدينة سبوليتو فأنهى المرحلة الثانوية بتفوق، ودخل جامعة بيروجيا التي تبعد عن بلده مسافة تبلغ حوالي 70 كم. وفي بيروجيا حيث يكثر الطلبة العرب بدأ احتكاكه بالوسط الأجنبي عنه، وفي 12 نيسان 1970م حيثُ بَقِيَ له بضعةُ شهورٍ على التخرج انتقل إلى رحمة الله عز وجل.
وقد بدأ رحمه الله بكتابة الشعر صغيراً، وهذا دليل على رهافة حسّه، وكان رحمه الله شاعراً مرموقاً احتل بشهادة الجميع منزلة هامة في الجيل الجديد للشعراء الشبان بإيطاليا. كما بدأت دواوين شعره تتجمع وعمره ستة عشر عاماً، وحين توفي كانت قد بلغت ألف صفحة لم تُطبع حتى الآن.
وقد تقلّب في حياة النعمة، واتصل بالطبقات الراقية في المجتمع الإيطالي، خاصة فئة الأدباء، حيث كان والده مفتشاً في وزارة التربية، وهو وحيدُ أهله، وهذا أتاح له فرصة الوعي المتقدم من ناحية، كما حمله على اختيار الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية ودراسة الأدب في الجامعة من ناحية ثانية.
وكان يعرف اللاتينية ويتكلمها، وله ترجمات شعرية من اللاتينية إلى الإيطالية، وكل هذه العوامل والمؤثرات، إلى جانب دراسته المقارنة للأديان، على ما يوجد في مصادر هذه الدراسة المقارنة من دسٍّ على الإسلام وتشويهٍ له، أوجدت عند المرحوم، الحافز للتعرف على الإسلام لأنه وجد فيه الشيء الوحيد الذي يركن إليه، وخاصة وقت الشدة كما نرى في كثير من قصائده.
وأُعجِبَ محمد رباح بالإسلام، على الرغم من أنه لم يتعرف إليه نقياً من الشوائب، صحيحاً بعيداً عن الكذب والتشويه فأسلم، وأخفى إسلامه فترة من الزمن، ثم طفق يدعو قومه للإسلام مما أثار عليه حقداً مريراً.
وقد أثبت الفحص الطبي أنه حُقِنَ بمستحضرٍ لتسييل الدم فأصابه نزيف شديد، وكانَ ساعةَ نَقلِه إلى المستشفى يقرأ القرآن الكريم ودمه ينزف، ودموعه تسيل، حتى فارق الحياة، مما جعل بعض المسلمين في إيطاليا يسمونه بالشهيد.
أسلم رحمه الله في عام 1388هـ=1968م، وأتقن الصلاة والصيام، وحَسَّنَ إسلامَه وعقيدتَه وعبادتَه، وقام بزيارة مع والده إلى سوريا في العام التالي، وكانت رحلته تلك، رحلة الوداع، لينام بعدها قرير العين في العالم الآخر، وكان في استقباله نفر من خيار الناس وخاصة في مدينة حلب، حيث رأى هناك ما يسرُّ نفسه ويُرضي ضميره، ويزرع في وجدانه آثاراً وانطباعات عميقة ظهرت في شعره.
إنه بمقدار ما يبتهج الإنسان حين يتوقف أمام أمر كهذا، يعتصر الألم قلبه حين يرى ما يرى من تقصير وعقوق. أمّا أنَّ الإنسان يبتهج فلأنه يشهد عملية هداية وتحول وانتقال من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى الإسلام، حيث ينطلق امرؤ متفوق ذو موهبة كبيرة ليسير في مواكب الإيمان والهداية، وليجنِّد نفسه بعد ذلك للتعريف بالإسلام والدعوة إليه بين ذويه، حتى ينتقل إلى رحمة الله عز وجل في ميتة غامضة يحسبها بعض الناس شهادة في سبيل الله، والله أعلم.
أمّا ما يتردد في الوجدان من ألم وأسف؛ فهو بسبب ما لدى أكثر المسلمين اليوم من تقصير وعقوق، تقصيرٍ يحملهم على القعود فلا يُبشّرون بدين الله، ولا يسعون لنشره وإنقاذ الناس به، وعقوقٍ يجعل أكثر الأدباء والمتأدّبين، يهتمون بشتى أدباء العالم، وفيهم من يستحق ومن لا يستحق، وفيهم الفاجر والفاسد والحائر، وفيهم مَنْ يقف جهاراً نهاراً معادياً لنا، ويسكتون عن الاهتمام بشاعرنا فنسينزو ماريا ريبو على الرغم من إسلامه ونبوغه.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق