الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

الدكتور غرينيه المسلم

الدكتور غرينيه المسلم

     هو رجل مصري من أهل الخير والاستقامة، ومن ذوي الغيرة الإسلامية، ومتابعةِ شؤون المسلمين، وأخبار الدعوة إلى الله، ومَنْ يفوزُ بنورها، ويَنْهَلُ من عطائها، فيتحوّلُ إليها، ويؤمنُ بالإسلام، ويمنحُه ولاءه الصادق المكين. وطوّحت الأيام بهذا الرجل إلى فرنسا، فظلّ فيها على حسن خلقه، وجميل استقامته، وحسن اهتمامه، وظلّ فيها طاهر النفس عفيف الذيل، معنيّاً كعادته بشؤون الإسلام والمسلمين.

     تحدث الرجل عن نفسه فقال: كنتُ أسمع وأنا نزيل فرنسا بطبيب عظيم له شهرة واسعة بين بني قومه في حب الخير ونشر الفضيلة. هذا الطبيب هو الدكتور "غرينيه" الذي كان في بعض أيامه عضواً في مجلس النواب الفرنسي، فرأى الأمور التي تجري في ذلك المجلس، غير ملائمة لكثير من مبادئه الإنسانية، فانسحب منه على كثرة المتزاحمين على الظفر بكرسي فيه، وآثر الإقامة في بلدة صغيرة هادئة من بلاد فرنسا يداوي فيها أمراض الناس الجسمية والروحية. وقد اعتنق الإسلام عن بيّنة واقتناع.

     أردتُ أن أعرفَ هذا الرجل الفاضل، وأن أسمع من لسانه سبب خروجه من النصرانية ودخوله في الإسلام، فتوجهتُ إلى البلدة التي انزوى فيها مبتعداً عن ضجيج الحضارة وموبقات باريس، فلما دخلتُها جعلتُ أسألُ عنه، فكان كل من سألتُه عنه يجيبني بلهفة وابتهاج فعلمتُ من ذلك، أنّ جميع أهل ذلك البلد مغمورون بفضل الرجل، وليس منهم أحد إلا وقد سبق له شيء من الخير، فهو يطبّب الفقراء وأشباه الفقراء بلا مقابل، ويعطيهم العلاج من عنده، وإذا جاء معهم أطفال، يُدخِلُ على قلوبهم الصغيرة، البهجة والسرور بما يمنحهم من الملابس والحلويات وغيرها. وهو لجميعهم بمقام الوالد بمشورته ونصائحه وإرشاداته.

     ولما اجتمعتُ بالدكتور "غرينيه" في منزله عرّفتُه بنفسي، وذكرتُ له سبب زيارتي فرحّب بي كثيراً، ولقيتُ منه فوق ما كنتُ أتوقع، وسألتُه عن سبب إسلامه فقال:

     لقد كنتُ في أيام شبابي طبيباً بحرياً، ألازمُ السفن الشراعية، وأعيشُ فيها بين السماء والماء. واطّلعتُ مرةً على نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الفرنسية بقلم المسيو ساڤاري. فقرأتُ فيها آية من سورة النور، تتضمن صفة الجاحد، وتخبّطه في جحوده كما يتخبّط الغريق بين ظلمات الأمواج في يومٍ شاتٍ كثير السحاب، وهي قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَاۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [النور:40].

     وكنتُ لما قرأتُ هذه الآية، لم أتشرف بعدُ بهداية الإسلام، ولا أعلم شيئاً عن المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فخُيِّلَ إليّ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، رجل عاش في البحار طوال حياته. ومع ذلك كنتُ أعجبُ كيف يتسنّى لرجل أن يصف تخبّط الضالين بمثل هذا الوصف الموجز الذي جمع بكلمات قلائل، أحوالَ البحار، وحالتها الطبيعية، حتى يكاد الإنسان يشهدُ الحقيقةَ بحواسه كلها.

     فلما علمتُ بعد ذلك أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، لم يركب البحر قط، وأنه فوق ذلك كان أمّياً رجعتُ إلى القرآن الكريم، فأطلتُ النظر في سورة النور، وفي سائر آياتِ هذا الكتاب الحكيم، فأيقنتُ أنّه ليس من كلام البشر، وإنما هو من وحي الله عز وجل، فأسلمت. ولا أزال مغتبطاً بإسلامي الذي أراهُ دين الفطرة المعقولة، البعيد عن كل ما في الديانات الأخرى من بقايا الوثنية.

     ومما قاله الطبيب الفرنسي المهتدي للرحّالة المصري الذي زارهُ مُحاوراً مستفسراً:

     إني تتبّعتُ كل الآيات القرآنية الكريمة، التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية التي درستُها من صغري، وأعلمُها جيداً، فوجدتُ هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمتُ، لأني تيقّنتُ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم، أتى بالحق الصُراح من قبل ألف سنة، من قبل أن يكون معلّمٌ أو مدرّسٌ من البشر. ولو أنّ كل صاحب فن من الفنون، أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلَّمَ جيداً كما قارنتُ أنا، لَأَسلمَ بلا شك، إن كان عاقلاً خالياً من الأغراض.

     إنها قصة عَطِرَةٌ مشوّقة، تلك التي يرويها الطبيب الفرنسي وهو يتحدث عن إسلامه. ولعلّ أطرف وأجمل ما فيها، أنّ الرجل لم يتلقّ الإسلام دراسةً على أحد من البشر، بل كان أستاذه الأول الذي قاده إلى الهداية، هو هذا الكون الواسع، وذلك حين شهد من البحر ما شهد من الظلام المطبق والموج الذي يعلوه موج، والسحاب الذي يكتنف ذلك ويعلوه، حتى إنه ظنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم قد عاش في البحار طيلة عمره، وذلك حين وجد الآية الكريمة المعجزة التي تصف ذلك وصفاً دقيقاً، فلما تبين له أنّ الأمرَ خلاف ذلك، وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر قط، وأنه كان أمِّياً؛ استيقن أنّ القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل، فكان أنْ أسلم.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة