الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

مواقف دعوية مع عبد الله كوليام

مواقف دعوية مع عبد الله كوليام

     إنّ على دعاة الإسلام، والمبشّرين بدعوته، والعاملين لإعلاء مجده، وذيوع كلمته وسطوع أنواره أن يصبروا على ما يجدون في طريقهم من صعاب ومشاق، ذلك أنّ أعداء الحق والهداية لا يطيقون رؤية الحق يعلو وهم ينظرون، لهذا ينصرفون إلى حربه بشتى الطرق والوسائل. والصراع بين الحق والباطل سنّة من سنن الله في هذه الحياة وناموس من نواميسه.

     وحين ينظر الإنسان إلى ما يلقاه بعض المبشّرين بالإسلام والعاملين له في عصرنا هذا أو في غيره من العصور، تقفز إلى ذاكرته ألوان الاضطهاد التي ذاقها المسلمون الأوائل في مكة المكرمة، فيجد الأمر واحداً وإن تعددت مشاهده، ويجد التاريخ يعيد نفسه كما يقولون.

     يتذكر المرء هذا حين يقرأ عن المهتدي الإنكليزي عبد الله كوليام وما وجده من صعاب بعد أن أسلم وبعد أن طفق يدعو للإسلام بين ذويه. تحدث الرجل عن بعض ما لقيه حين كان يدعو للإسلام في ليڤربول، كانت الأقذار تُلقى على المصلين في أثناء الصلاة أو بعد خروجهم من المسجد، وقد حدث أن رُجِمَ المؤذن بالحجارة، وألقِيَ الزجاج المكسور على سجادات الصلاة إيذاءً للمصلين.

     يقول كوليام عما فعله بعض الأشرار: وذات مساء انتهزوا فرصة وجودنا في مسجدنا فوضعوا على الدرج أسلاكاً لنعثر بها عند خروجنا في الليل، واتفق أنّ أحد الإخوة أهدى إليَّ عصا، ولم يكن من عادتي أن أحمل العصا، ولكني يومذاك حملتُ العصا المُهداة، وبينما أنا خارج من مسجدنا أمام بقية الإخوة، أحرك العصا بيدي، صدمت عصاي السلك فانتبهتُ له وللأسلاك الأخرى ووقانا الله شرها وشر أصحابها.

     ثم يروي عبد الله كوليام هذه الحادثة الرائعة، التي جاء فيها بعض الناس إلى المسجد بُغية الأذى، فإذا بهم يفوزون بالهدى. يقول كوليام: دخلتُ المسجد مرة أنا وإخواني لألقي عليهم محاضرة في تفسير آية من القرآن الشريف. فرأيتُ جماعة قد سبقتنا إلى المسجد قرأتُ في وجوه أصحابها أنها وجوه غريبة، فلمْ أبالِ بها، وتلوتُ آية القرآن الشريف، وشرعتُ أفسِّرُها وأستنتج منها العظات والعبر، فلما انتهيتُ من المحاضرة قام أحد أولئك المريبين، وأخرج من جيبه حجارة ألقاها على الأرض وتوجّه إلى أصحابه قائلاً: مَنْ كان منكم يريد أن يرجم المسلمين بالحجارة التي معه فأنا قد صرتُ مسلماً الآن فارجموني بها، فألقى الآخرون حجارتهم كذلك وأسلموا. وهذا الرجل الذي كان رئيساً لهم ما لبث أن صار عضدي الأيمن، وسمّى نفسه جمال الدين علي ولازمني في كل رحلاتي التي قمتُ بها للدعوة إلى الإسلام.

     وذهبنا مرة إلى بلدة بيركنهيد لإلقاء محاضرة في جمعية منع المُسْكِرات، وأتيتُ في هذه المحاضرة على ذكر النبي صلى الله عيه وسلم، وتحدثتُ بعض الشيء عن الإسلام. واهتمّت سكرتيرة الجمعية بمحاضرتي وطلبتْ مني أن أشفي غليلها بمعلومات أخرى عن الإسلام، لكنها قالت: ولكنْ أليس نبي المسلمين هو القائل: إنّ النساء ليست لهنّ أرواح فلا يدخلن الجنة؟ فأخبرتها بأنّ هذا من اختلاقات أعداء الإسلام، وأعطيتها المعلومات الصحيحة عن الإسلام فأسلمتْ وتسمّتْ فاطمة، وأسلم على يدها زوجُها وشقيقتاها.

     وفي إحدى المرات كنتُ ألقي محاضرة في ليڤربول، وفي النهاية تقدّمَ إليَّ رجل وطلب أن يرافقني إلى البيت ليحادثني في الطريق، وصرنا نتحدث عن الإسلام، وكانت الأسئلة والأجوبة من دواعي سرورنا. فلما بلغتُ باب المنزل دعوتُه لشرب الشاي عندي. وبقينا إلى نصف الليل في حديث عن الإسلام وشرف منزلته، ومبادئه العلمية الصالحة لكل زمان ومكان، وأخيراً قال لي: وإذا كان ما تقوله عن الإسلام حقاً فماذا يمنعك أن تكون مسلماً؟ فأجبتُه: إني أفتخر بأني مسلم، فأسلم هو أيضاً وتسمّى جمال الدين بخاري.

     ويتحدث الرجل عن أول لورد إنكليزي دخل الإسلام فيقول: إن البعض يعتقدون أن اللورد هيدلي هو أول لورد إنكليزي دخل الإسلام، وليس هذا صحيحاً، فقد دخل الإسلامَ قبلَه اللورد ستانلي أولدرلي الذي كان يحب أن يُدعى بين إخوته المسلمين باسم عبد الرحمن أفندي، وكان يأتي مسجدنا فيصلي مع إخواننا رغم ما بينهم وبينه من التفاوت العظيم في المنزلة الاجتماعية، وبلغ عدد الإنكليز الذين أسلموا بضع مئات. وهذا الرقم الذي يذكره كوليام يمثل عدد المسلمين الإنكليز يوم حديثه عن ذلك قبل حوالي نصف قرن.

     وبعد .. فمن الواضح أنّ هذا الرجل قد لاقى عناءً ومشقة وهو يسعى لخدمة دين الله ونشره بين الناس، ومن الواضح أنه كان واعياً لمسؤوليته في نشر الإسلام حريصاً على الوفاء بها، فكان نموذجاً كريماً من نماذج الهداية الربانية الكريمة. ولقد أكرم الله تعالى هذا الرجل مرتين: مرة حين اهتدى هو للإسلام، ومرة حين اهتدى بدعوته كثير من الضالين.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة