الخميس، 29 ديسمبر 2022

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (1)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (1)

     اللورد هيدلي الفاروق، هو واحد من كرام النماذج الغربية التي شاء الله عز وجل لها أن تهتدي إلى نور الإسلام، ومثال عملي حي، على قدرة الإسلام على أن يفوز بالجديد من الأنصار والمؤمنين في مختلف الظروف، ومن شتى القطاعات المتنوعة وفي طليعتها قطاع المثقفين والمتفوقين.

     لقد اعتنق الرجل الإسلام في وقت كان فيه معظم العالم الإسلامي قد وقع تحت قبضة الاحتلال الصليبي لدياره، وذلك في مطالع هذا القرن، وفي وقت كانت فيه بلاده إنكلترا إمبراطورية ضخمة لا تغيب الشمس عنها بالفعل، وكانت هي بالذات تسيطر على كثير من ديار المسلمين، وتتحكم في مقدراتهم، ولها دور بارز في موازين السياسة العالمية.

     لقد أسلم الرجل في تلك الظروف التاريخية العصيبة، واستطاع الإسلام العظيم أن يجذبه إليه، فإذا به يمنح ولاءه، ولم يُحْجِمْ عن ذلك بسبب ضعف العالم الإسلامي وتخلفه واحتلاله ذلك أنّ الحق النقي الصريح، الذي جاء به الإسلام الخالد أعظم وأبقى من فترة ضعف هان فيها المسلمون، وقوي فيها أعداؤهم وتجبّروا وتسلطوا.

     واللورد هيدلي الفاروق هو "رايت أونو رابل سير رولاند جورج ألانسون". ولِد في عام 1855م، وكان أميراً بريطانيّاً بارزاً، وسياسياً ومؤلفاً، وكانت دراسته في جامعة كامبردج.

     وصار أميراً في عام 1877م، وخدم في الجيش فشغل رتبة كابتن ثم مُقدّم في الفيلق البريطاني الرابع. وعلى الرغم من كونه مهندساً بحكم المهنة إلا أنه كان يتمتع بأذواق أدبية واسعة. وكان في وقت من الأوقات رئيساً لتحرير جريدة سالزبوري جورنال.

     وكان مؤلفاً لعديد من الكتب أشهرها كتابه الذي يحمل اسم: "رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام"، وقد أعلن إسلامه في 16 نوفمبر 1913م، واختار لنفسه اسماً مسلماً هو "رحمة الله الفاروق"، وقد زار الهند في عام 1928م، وذلك في بعض أسفاره الكثيرة.

     وكان لإسلام اللورد هيدلي ضجة كبيرة نظراً لمركزه المرموق، ولِما يعهده فيه عارفوه من تروٍّ في الأمور ونضج في التفكير. وحين مَرَّ الرجل بالإسكندرية في طريقه إلى الحج، أقام له أهالي الثغر يومذاك حفلة كبيرة برئاسة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الغني محمود شيخ علماء الإسكندرية، وبرعاية الأمير عمر طوسون.

     يقول الرجل وهو يتحدث عن قصة إسلامه: من المحتمل أن يتصور بعض أصدقائي أنني وقعتُ تحت تأثير المسلمين، ولكن ذلك ليس هو السبب في تحوّلي إلى الإسلام، لأنّ اقتناعي كان حصيلة لدراسة دامت سنوات عديدة.

     ولم تبدأ مناقشاتي مع المسلمين المثقفين إلا منذ أسابيع قليلة، وكم كان اغتباطي عظيماً حين وجدتُ أنّ نظرياتي، في مقدماتها ونتائجها تتفق تماماً مع تعاليم الإسلام. وانّ القرآن الكريم ينص على أنّ الاتجاه نحو اعتناق دين جديد، لا بد أن يكون نابعاً من الاختيار الحر والحكم الذاتي، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].

     ويؤسفني أن أذكر أنّ المبشرين النصارى يقومون بعمل لا أرى مبرِّراً له. لستُ أدري لماذا يسعى المبشِّرون إلى تنصيرِ مَنْ هم أنصارٌ لعيسى عليه السلام أكثرَ من أنفسِهم؟ إنني أقول هذا عن علم، لأنّ ما تتميز به العقيدة الإسلامية من إحسان وتسامح وسعة أفق، أقرب إلى تعاليم عيسى عليه السلام من المعتقدات الضيقة الأفق التي تنادي بها الكنائس النصرانية المختلفة.

     ولنضرب مثالاً على ذلك بالعقيدة الأثناسية، التي تتناول مبدأ التثليث بطريقة محيّرة للغاية. فهذه العقيدة التي تُعَدُّ في غاية الأهمية لمعالجتها لمبدأ أساسي من مبادئ الكنائس، تصرّح بوضوح تام أنها تمثل العقيدة الكاثوليكية، وأننا إذا لم نصدقها فسوف نموت إلى الأبد، ثم نسمع أننا لا بد أن نتدبر مبدأ التثليث إذا أردنا الخلاص. وبعبارة أخرى علينا أن نتأمل فكرة إله، نخلع عليه صفة الرحمة والقوة، وفي ذات الوقت نتهمه بالظلم والقسوة، كأنّ الله العليّ الكبير وهو الأول والمهيمن يمكن أن يتأثر بصورة من الصور برأي الإنسان الفاني المسكين في مبدأ التثليث.

     وهكذا ينتقد الرجل المسيحية المحرَّفة هذا النقد الذكي العميق، ويبيّن بطلان مذهب التثليث وانهياره وتهافته وتناقضه، ويكشف عن سماحة الإسلام العظيم، وما فيه من تسامح وسعة أفق، لذلك لا غرابة أن كان المسلمون يوقرون عيسى عليه الصلاة والسلام أشدّ التوقير، فذلك أمر يوجبه عليهم دينهم، بل إنّ المسلمين كما يقرر اللورد هيدلي يوقرون المسيح عليه الصلاة والسلام، أكثر مما يوقره أولئك المنتسبون إليه، وهم أنصاره الحقيقيون لا أولئك الذين يعملون بين المسلمين للتبشير بالمسيحية، وهم حين يفعلون ذلك والمسيحية منهم براء، والمسلمون هم على أصلها الصحيح قبل تحريفها، كمثل من يحمل التمر من البادية ليبيعه في العراق، أو ينقل الماء على ظهور الجِمال ليبيعه على شواطئ النيل ودجلة والفرات.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة