الخميس، 29 ديسمبر 2022

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (2)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (2)

     يشعر المرء بكثير من الاعتزاز، حين يدرس سيرة أحد الرجال الذين أسلموا، وكان إسلامهم عن وعي وبصيرة، وحماسة وصدق، خاصة حين يكونون من المستويات العالية المتفوّقة، والمعادن الحرة النفيسة.

     حقاً إن الإسلام دين هداية لجميع الناس في كل زمان ومكان، ولكنْ من الحق كذلك أنّ للنفوس الكريمة، ذات المعادن العليا مكانة خاصة، ودوراً هاماً في أمر الإيمان، ولعل هذا هو السبب في أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وهو بمكة المكرمة، والمسلمون مستضعفون فقال: اللهم أَعِزَّ الإسلام بأحد العمرين، فأصابت دعوته عمر بن الخطاب ففاز.

     وربما كان اللورد هيدلي الفاروق، الإنكليزي الذي أسلم، صاحب معدن كريم، من هذه المعادن التي نتحدث عنها، ذلك أنّ المرء يلمس في بعض تصرفاته وكتاباته وأقواله ما يدل على ذلك. من ذلك شجاعته الأدبية التي كان يمتلكها، ومن ذلك أنه منذ منح الإسلامَ كامل ولائه، واختار سبيلاً للهداية والسعادة، طفق يفكّر كيف يستطيع أن ينقل هذا الدين إلى قومه، أو بالأصح كيف ينقل قومه إليه؟

     وفي كتابه الذي يحمل اسم: "رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام"؛ نجد الرجل يقرر لنا أنّ واحدةً من أفكاره الرئيسية لعدة سنوات، هي كيف يستطيع الإنسان أن يمارس دوره في الانتقال للغرب وهداية الناس فيه؟

     ويتساءل الرجل قائلاً: كيف يمكننا نحن -معشرَ الغربيين- أن نعد أنفسنا لنكتب ونفقه معنى الإسلام الحقيقي؟ ويبيّن أنّ كون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً شرقياً ينبغي ألّا يكون عاملاً في صدود الغربيين عن الإسلام، لأنّ المسيح عليه الصلاة والسلام، كان هو الآخر رجلاً شرقياً.

     يقول: كيف أننا لم نَشْكُ من جنسية المسيح الذي نعرف أنه كان آسيوياً محضاً؟ كانت أمه العذراء مريم، آسيوية، وكان موسى وكل الأنبياء الموحى إليهم شرقيين، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم شرقياً مثل الآخرين، وأُنْزِلَتْ عليه الشريعة من الله. فالقرآن الكريم من كلام الله عز وجل، كما كان الإنجيل وباقي الكتب المنزلة الأخرى. والقرآن يثبت ويحقق الكتب المقدسة الأخرى والوحي السابق.

     إنّ الرجل أسلم، ومن الواضح أنه منح الإسلام صادق ولائه، ومن هنا نراه كثير الاهتمام بنشر الإسلام، وحمل أنواره للناس عامة، ولمجتمعه الغربي خاصة، ويفكر كيف يستطيع هذا الدين العالمي أن يؤدي رسالته في العالم كله؟

     يقول الرجل: يجب عليّ أن أعترف أنّ زيارتي للشرق ملأتني احتراماً عظيماً للإسلام، هذا الدين السلس الذي يجعل الإنسان يعبد الله حقيقة طول الحياة، لا في أيام الآحاد فقط. أيمكن إذن أن يوجد دِين يمكّن العالم الإنساني من أن يجمع أمره على عبادة الله الواحد الحقيقي الذي هو فوق الجميع بطريقة سهلة خالية من الحشو والتداخل؟ ذلكم هو سؤال اللورد هيلي عن الدين العالمي الحق الذي يحتاجه الناس جميعاً، وهو سؤال يجعل الجواب عليه: إنه الإسلام.

     ويستشعر الرجل أعمق معاني الشكر، لله العلي القدير الذي هداه للإسلام فتراه يقول:

     روح الشكر هي خلاصة الدين الإسلامي، والابتهال أصل في طلب القيادة والإرشاد من الله. إنه وإن كان شكري لله تعالى على عنايته وكرمه، كان متأصلاً فيّ منذ صغري وأيام حداثتي، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أشاهد ذلك من خلال السنين القليلة الماضية، التي قرع فيها الدين الإسلامي لبّي حقاً، وتملّك رشدي صدقاً، وأقنعني نقاؤه، وأصبح حقيقة راسخة في عقلي وفؤادي، إذِ التقيتُ بسعادة وطمأنينة ما رأيتهما قط من قبل، وكأنهما هواء البحر الخالص النقي الذي أستنشِقُه. وإنني وقد تحققتُ من سلاسة الإسلام وضيائه، وعظمته ومجده، أصبحتُ كرجل فرَّ من سرداب مظلم إلى فسيح من الأرض تضيئه شمس النهار.

     إنّ الرجل يعبّر عن شكره لله عز وجل، وعن سعادته بالذي أصابه من فوز وسعادة وطمأنينة، بأسلوب حي، فيه العاطفة الحيّة الجيّاشة، وفيه الحرارة الدافقة المؤمنة، وفيه البيان الجميل، وفيه الإحساس البالغ العميق، بعظيم فضل الله تعالى عليه، من أجل ذلك، وصف نفسه، إذ انتقل من الكفر إلى الهداية، بأنه كمن كان في سرداب مظلم يعاني من الضيق والوحشة والكآبة، ثم انتقل إلى فسيح من الأرض، تغمره شمس النهار، وتملؤه بالضياء والعافية، والبِشْر والألق والجمال. فكأنه بذلك وُلِدَ ولادة جديدة، وانتقل إلى دنيا طليقة هنيئة بهيجة ترفل بالخير والسعادة، يُسَرُّ بها كل من رآها، لكنَّ أعظم الناس سروراً بها، مَنْ عاش مِن قبل في دنيا تناقضها، دنيا من الظلمة والكآبة والشقاء والحيرة. لذلك كان يستنشق السعادة كما يستنشق هواء البحر النقي الخالص، وكانت كل ذرة من ذراته تستشعر الشكر العميق، لله عز وجل، الذي هدى هذا الرجل للإسلام.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة