إسلام اللورد هيدلي الفاروق (3)
كثير من الناس، قد يكونون مقتنعين بفكرة ما أو مذهب معين، لكنهم يخافون من أن يعلنوا قناعاتهم هذه، بسبب الضغوط المتنوعة التي يمكن أن تواجههم في المجتمع الذي يعيشون فيه، خاصة حين يؤمنون بعقيدة ما، يَدين بها أقوام من البشر، كانت بينهم وبين مجتمعهم ألوان من العداوات والصراعات. لهذا كان إيمان مَنْ يؤمنون بأديان غيرهم يحتاج إلى جرأة أدبية، وشجاعة معنوية، يستطيع معهما، اتخاذ قراره بادئ ذي بدء، ثم إعلانه من بعد ذلك.
ولعل كثيرين من الغربيين اليوم، يؤمنون في أعماقهم أنّ الإسلام دين حق، وأنه دين الهداية والرحمة والعدالة، الذي يحقق للإنسانية كل خير تريده وتصبو إليه. ولعل أعداداً أخرى منهم، لم تصل إلى مثل هذه القناعة الواضحة الحاسمة النهائية، لكنها آمنت بأنّ كثيراً من مبادئ الإسلام صحيحة وكريمة، ويمكن أن تحقق للإنسانية خيراً كثيراً. ولكنْ لا هؤلاء ولا أولئك، استطاعوا إعلان قناعاتهم هذه، لافتقادهم الجرأة المعنوية التي تجعلهم يفعلون ذلك.
من أجل ذلك يستطيع المرء أن يقول: إنّ اللورد هيدلي الفاروق، الإنكليزي الذي أسلم كان على درجة عالية من الصواب حين قرّر هذا المعنى وأكّده، وذلك حين قال وهو يتحدث عن سبب إسلامه: أعتقد أنّ هناك آلافاً من الرجال والنساء (يقصد أهل أوروبا) مسلمون في أعماق قلوبهم، ولكن التقاليد، والخوف من التعليقات الشديدة، والرغبة في تجنب كل إزعاج وتغيير، هذه الأمور كلها تضافرت للحيلولة دون تصريحهم بالحقيقة الواقعة (أي بصحة الإسلام).
ولكنْ من الواضح أنّ الرجل كان على خلاف أولئك الخائفين من إعلان قناعاتهم على رؤوس الأشهاد. لقد آمن بالإسلام، وشهد أنه هو الحق، وهتف بذلك في مجتمع ذويه وقومه، دون خوف أو تردد، على الرغم من علمه أنّ كثيراً من أقاربه وذويه وبني قومه سيكون موقفهم منه، موقف الكراهية والعداء، أو الازدراء والاحتقار، أو الكيد أو الإيذاء، أو ذلك كله جميعاً.
يقول الرجل عن نفسه: لقد أقدمتُ على الإعلان بأنني اعتنقتُ الإسلام، مع ثقتي التامة، بأنّ كثيراً من أصدقائي وقرابتي ينظرون إليّ الآن، كأنني ضللتُ سواء السبيل في تقديرهم، إلى حد لا يجدي معه نُصح أو ينفع معه دعاء. ومع ذلك فإنّ عقيدتي هي هي كما كانت من عشرين عاماً، إنما كان إعلاني لها أخيراً على الملأ هو ما أفقدني حُسن تقديرهم.
ولم يغِبْ عن الرجل أنّ المسيحي الذي يُسلم، لا يخسر المسيحية الحقة أبداً، ذلك أنّ الإسلام جاء يصدّق الحق الذي سبقه ويهيمن عليه، فهو لم يخسر المسيحية، إنما رَبِحَ الحق منها، وهو لم يخسر المسيح عليه الصلاة والسلام، بل رَبِحَ إلى جانبه محمداً صلى الله عليه وسلم.
يقول الرجل عن نفسه: لقد بيّنتُ في إيجاز بعض الدوافع التي حدت بي إلى اتّباع الإسلام، وبيّنتُ أني أعتبرُ نفسي بهذه الخطوة نفسها أصبحتُ مسيحياً أفضل مما كنتُ من قبل. وإنني لَأُهيبُ بغيري أن ينهج نفس المنهاج الذي أعتقدُ مخلصاً أنه الصراط المستقيم، الذي يجلب السعادة لهؤلاء الذين يرون فيما أقدمتُ عليه خطوة إلى الأمام، وليس فيها على أي حال معنى العداء للمسيحية.
ويبدو من متابعة ما قاله وكتبه اللورد هيدلي أنّ الرجل كان على درجة عالية وصحيحة من حُسنِ الوعي وسلامة الفهم، ويبدو كذلك أنّ الرجل خاض بحاراً من التأملات في داخل نفسه، ومن المقارنات بين الإسلام والمسيحية، وأنّه كانت في أعماقه معاناة داخلية ضخمة امتدت دهراً طويلاً من الزمن، يقول عنه الرجل: فكّرتُ وصلّيتُ أربعين سنة كي أصل إلى حل صحيح.
ويقول الرجل عن تجربته في التفكير والهداية: عندما كنتُ أقضي أنا نفسي، الزمن الطويل من حياتي الأولى في جو المسيحية، كنتُ أشعر دائماً أنّ الدين الإسلامي فيه الحُسن والسهولة، وأنه خالٍ من عقائد الرومان والبروتستانت. وقد ثبّتني على هذا الاعتقاد، زيارتي للشرق التي أعقبت ذلك، ودراستي للقرآن المجيد.
وها هو الرجل يقول عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إنّ حياة محمد صلى الله عليه وسلم، هي كمرآة أمامنا، تعكس العقل الراقي، والسخاء والكرم، والشجاعة والإقدام، والصبر والحِلم، والوداعة والعفو، وباقي الأخلاق الجوهرية التي تُكوِّنُ الإنسانية، ونرى فيها ذلك بألوان وضّاءة. خذ أي وجه من وجوه الآداب وأنت تتأكد أنك تجده موضّحاً في إحدى حوادث حياته. ومحمد صلى الله عليه وسلم، وصل إلى أعظم قوة وأتى إليه مقاوموه، ووجدوا منه شفقة لا تجارى، وكان ذلك سبباً في هدايتهم ونقائهم في الحياة. رحم الله اللورد هيدلي، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق