الخميس، 24 أغسطس 2023

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

     حيّا الله الإخوة العاملين للإسلام في أي مكان كانوا، حيّاهم الله وجزاهم خيراً. إنهم بذلك يثبتون صدق ولائهم للإسلام، وجدّية انتمائهم إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وشرف انتسابهم إلى خير أمة أخرجت للناس. تحية لهم من الأعماق على ما يفعلون، ووفّقهم الله عز وجل فيما هم فيه ينشطون.

     وإذا كان كل داعية أهلاً لهذا الدعاء وتلكم التحية، فإن الداعية الذي يعمل في ظروف أشق له دعاء مضاعف، وتحية مكررة، ومن هؤلاء الإخوة العاملون في ميونخ وآخن في ألمانيا.

     ويضطلع المركز الإسلامي في ميونخ بأعمال كثيرة وهامة للمسلمين، فتقام الصلوات الخمس في مكانها من المركز، وهناك عناية يبذلها المركز لتدريس القرآن الكريم وتعليم الصلاة وتعليم اللغة العربية لأكثر من مئة من أبناء المسلمين من البنين والبنات، وينظّم المركز ندوات ومحاضرات بثلاث لغات: العربية والألمانية والتركية. ويعرض أفلاماً سينمائية إسلامية حتى تزداد صلة المسلمين بدينهم، ويتيح الفرصة لمن يريدون التعرف على الإسلام، ممن أسلم أو لم يسلم، أن يحصلوا على ذلك.

     ولقد ساهم ذلك في اعتناق كثير من الألمان الإسلام بعد أن وجدوا فيه العنصر الأساسي الذي تفتقده الحياة الأوروبية، وذلك حين تتوازن النفس بالروحانيات ويتوازن المجتمع بشريعة الإسلام العادلة، فحياة الأفراد تتكامل وتخلو من الصراع النفسي، وحياة المجتمع تتكامل وتخلو من الأحقاد والعُقَد والانقسامات.

     وبين الحين والآخر يعتنق الإسلام عن وعي وإحاطة ودراسة أحد الألمان، وكان آخر هؤلاء المعتنقين آنسة في ريعان الشباب عمرها (21) عاماً؛ اعتنقت هذه الفتاة الإسلام، والتزمت التزاماً كاملاً بكل ما جاء به، فصامت شهر رمضان سعيدةً فرحة، وتحجّبت حجاباً إسلامياً كاملاً كان صدىً لما آمنت به، وتحدياً للعري والتبرج.

     وكان لزاماً على العاملين في المركز الإسلامي في ميونخ أن يقوموا بفتح روضة لأطفال المسلمين لحمايتهم من خطر التنصير، وأكل لحم الخنزير، وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم، ذلك أنّ رياض الأطفال الألمانية تذهب بهم مرتين في الأسبوع إلى الكنيسة. وقد تم بفضل الله افتتاح روضة الأطفال، ويشرف عليها ثلاث من السيدات المسلمات.

     ويُصدِر المركز مجلة "أنت والإسلام" لأبناء المسلمين الذين هم فوق العاشرة، تحبِّبُ إليهم الإيمان، وتُكَرِّهُ إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويُصدِر كذلك مجلة أخرى تحمل اسم "الإسلام" باللغتين التركية والألمانية، ويُصدِر أيضاً بعض النشرات الدورية.

     وهناك وفود من المركز تذهب للاتصال بالوافدين إلى معاهد جوته لتعليم اللغة الألمانية تمهيداً لالتحاقهم بالجامعات الألمانية. ويوثّق المركز صلته بهؤلاء الوافدين، ويقدّم لهم الخدمات التي يحتاجون إليها، ويبذل جهده لحمايتهم من الذوبان في المجتمع الغربي، ولبقائهم عناصر إسلامية صالحة.

     ويقوم المركز بتدريس أبناء المسلمين الذين يدرسون في المدارس الألمانية مادة الدين الإسلامي لأنّ تلك المدارس لا تعلّمهم ذلك، ويقيم معسكرات ومخيمات لربط أفراد الجالية الإسلامية بدينهم وبعضهم ببعض، وتقوية أواصر الإخاء والمحبة فيما بينهم.

     ويستقبل المركز شهرياً وفود الطلبة الألمان من المدارس الألمانية الذي يأتون إليه زائرين ويردّ على استفساراتهم، ويشرح لهم مبادئ الإسلام.

     وفي المركز جناح خاص لاستقبال واستضافة الوافدين من الطلبة والزائرين، ومن خدمات المركز للمسلمين أنه يقوم بإجراء عقود الزواج على مقتضى الشريعة الإسلامية، ومؤخراً اشترى المركز مقبرة لدفن موتى المسلمين.

     ويقوم المركز الإسلامي في آخن (مسجد بلال) بنشاطات حميدة في الدعوة إلى الله عز وجل، ويصدر مجلة شهرية باللغة العربية اسمها "الرائد"، ويعمل الآن على إنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وسكن للطلاب الوافدين، وله نشاط حميد في أوساط الطلبة.

     ومن الأخبار الشائقة التي تدل على وجود الفرص أمام انتشار الإسلام أنّ رسالةً وصلت إلى مركز ميونخ من أحد السجون الألمانية، وقد وقّع عليها عشرون سجيناً ألمانياً يريدون اعتناق الإسلام، وطُرِحَ موضوعهم للدراسة بين العاملين في المركز.

     ويمكن القول: إنّ الشعب الألماني موضوعي إلى حد ما، وهو يتقبل المناقشة، وكثير من أبنائه يهتمون بالبحث الجاد، ومنهم من قرأ عن الإسلام وآمن به من مجرد القراءة فقط.

     إنّ المناخ في ألمانيا للدعوة الإسلامية مناخ مناسب، فالألماني الذي يُسلم يساعد كثيراً في حقل الدعوة الإسلامية، والقوانين الألمانية لا تقف حجرة عثرة في طريقه.

     وهناك محاولة يقوم بها الآن مركزا ميونخ وآخن للاعتراف رسمياً بالدين الإسلامي في ألمانيا على غرار ما جرى في بلجيكا لأنّ لهذا الاعتراف فوائد كثيرة.

     ولا شك أنّ نشاط مركزَيْ آخن وميونخ قد تمكن من إعادة عدد كبير من المسلمين الذين جرفتهم الحياة الأوروبية إلى حظيرة الإسلام، ووفّرت للمسلمين الذين تزوجوا من ألمانيات المكان الصالح لتربية أبنائهم تربية إسلامية جيدة، وتعليمهم اللغة العربية.

     ولقد أدى النشاط المتزايد للمراكز الإسلامية في أوروبا إلى تعاون المسلمين وتعارفهم وظهور شخصيتهم المؤثرة الإيجابية أمام المجتمع الأوروبي، مما جعل أعداداً متزايدة من الأوروبيين تنظر إلى المسلمين نظرة احترام وتقدير.

     وحقيقةً.. إنّ الجهود التي يبذلها الإخوة العاملون في المركز الإسلامي بميونخ، تعبّر عن طبيعة الإسلام في قدرته على الامتداد والانتشار، وعن تصوّره في أنّ الله عز وجل قد جعل الأرض كلها مسجداً وطهوراً، فأيّما مسلم أدركته الصلاة في أيّ مكان فليصلّ، وأيّما مسلم رحل إلى أرض يستطيع أن يبلغ دعوة الله تثبيتاً للمسلمين على إسلامهم وهدياً للذين يشرح الله صدورهم للإسلام فعليه أن يفعل ذلك دون إبطاء.

     وفي دوامة الصراع الفكري والعقائدي التي تلفُّ عالمَنا المعاصر، لا تصلح إلا الجهود الإيجابية في الزحف والامتداد والانتشار ومواصلة الصعود في خط بياني يسجّل كل يوم كسباً جديداً للإسلام. أما النُّواح والبكاء فليس وراءه سوى مشاعر التثبيط واليأس.

     والحق أنّ المركز الإسلامي في ميونخ بادرة إيجابية للدعوة إلى الله عز وجل، تعبّر عن مرحلة جديدة صحّية يضع العمل الإسلامي أقدامه على أبوابها.

     ومن الواضح أنه لو كان لدى المركز إمكانيات أكبر وأوفر لكان نشاطه أثرى وأوسع، والمال مقوّم أساسي في انتشار الدعوات، وفي القرآن الكريم نرى الجهاد بالنفس والجهاد بالمال قد اقترنا كثيراً.

     فندعو أغنياء هذه الأمة إلى البذل السخيّ الواسع، فالله تعالى الذي يرزق مَنْ يشاء بغير حساب، ينبغي أن يُشْكَر من خلال أموال تُنفَقُ في سبيله بدون حساب، ندعو الأغنياء إلى نصرة الإسلام بأموالهم بعد أن فاتتهم نصرته بأنفسهم.

     إنّ المؤسسات المالية الكنسية الضخمة روافدها من تبرعات أغنياء النصارى، وإنّ الفاتيكان اليوم هو واحد من عشر دول استثمارية كبرى في العالم، وإنّ هذه الأموال الهائلة اجتمع معظمها لديه من تبرعات أغنياء الكاثوليك، ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية أنشئ معها صندوق مالي من تبرعات اليهود، وكان لهذا الصندوق وزنه في نجاحات الحركة الصهيونية.

     إن على القادرين من المسلمين أن يقدموا لأنفسهم الخير، ويدّخروا الثواب، ويسارعوا إلى معاونة المراكز الإسلامية في العالم ليتضاعف نشاطها في خدمة الإسلام والمسلمين.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة