محمد أسد وسر تقدم المسلمين
كثيرة هي النماذج الغربية التي تمثل حالة الحيرة والقلق والضياع والتخبط. هي نماذج كثيرة، تمثل شتى قطاعات الحياة ومستوياتها وجوانبها المختلفة، وهذه العناصر الضالة تعاني من موقف صعب هي فيه.
لقد رفضتْ دِين ذويها وقِيَمه ومُثله وأهدافه، لكنها لم توفَّق إلى العثور على بديل أحسن تهنأ فيه وتسعد، وتنجو مما كانت تعانيه وتكابده.
وأياً كان تقويمنا لهذه العناصر؛ فإن الذي لا ريب فيه أنها مناخ صالح جداً للدعاة المسلمين، أن يمارسوا فيه، دعوة هؤلاء إلى أنوار هذا الدين الخالد المحفوظ.
وكثيراً ما يجد الإنسان بعض مَنْ عاشوا تجربة الضلال والرفض في الغرب، قد انتهوا إلى الإسلام، فآمنوا به حقاً خالصاً واعتنقوه هدايةً محضة، ومنحوه ولاءهم وقيادهم. بل إنّ منهم من يتحول إلى مفكر عميق النظر، صادق الفهم، يقدّم دراسات وملاحظات نفيسة، يُنْصَحُ المرء بدراستها والتأمل فيها.
من هذا النوع الأستاذ المشهور، محمد أسد "ليوبولد فايس" سابقاً؛ الذي تحدث عن قصة إسلامه وظروفها في كتاب شيق جميل مترجم إلى العربية بعنوان: الطريق إلى الإسلام.
× انظر إليه كيف يتحدث عن موقف الإسلام من المعرفة:
- إنّ الإسلام الحق هو الذي حمل المسلمين إلى أعلى درجات الثقافة بتوجيه طاقاتهم كلها نحو التفكير الواعي كوسيلة وحيدة لفهم فطرة الخلق، خلق الله وفهم إرادته من الخلق نفسه.
إن الإسلام لم يطلب من المسلمين قط أن يؤمنوا بعقائد يعسُر أو يتعذر فهمها. والحق أنه ما من عقيدة ملكت رغبة في الثقافة كالإسلام. إنّ التعطّش إلى المعرفة الذي تميّز به تاريخ المسلمين الأوائل، لم يحمل كما حمل في سائر أنحاء العالم على أن يؤكد ذاته في صراع مؤلم ضد الإيمان، بالعكس، فقد انبثق من الإيمان وحده.
***
إنها ملاحظة ذكية من ذلك الرجل، تلك التي يقرر فيها حرص الإسلام على العلم، حرصاً بالغاً جعل عند أبنائه تعطّشاً واسعاً للحصول على شتى المعارف، وحمى أبناءه من أن يقعوا فريسة لفِصام نكد بين أمور يقولها الدين وأخرى يقولها العلم، وإذا كان العلم في تاريخ الحضارة الغربية، قد خاض صراعاً مؤلماً حتى يؤكد نفسه ويبني مركزه، ويحقق ذاته، فإن ذلك لم يحدث أبداً في التاريخ الإسلامي، بل عكس ذلك تماماً هو الذي حدث إذ انبثق العلم من الإيمان.
× ولكن كيف كان ذلك؟
- لقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ طلب العلم فريضة على كل مسلم، وهكذا جعل أتباعه يفهمون أنهم باكتسابهم المعرفة فقط، يتسنّى لهم أنْ يعبدوا الله عبادةً تامة، وعندما تدبَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلق الله داءً إلا وخلق له دواء)، أدركوا أنَّهم بالبحث عن الأدوية المجهولة يُسهمون في تحقيق إرادة الله على الأرض، وهكذا اكتسى البحث ثوب القداسة لكونه فرضاً دينياً.
لقد قرأ المسلمون الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾ [الأنبياء:30]، وفي محاولتهم للنفاذ إلى معنى هذه الكلمات بدؤوا يدرسون الكائنات الحية وقوانين نموها وهكذا أنشؤوا علم البيولوجيا.
لقد أشار القرآن الكريم إلى انسجام النجوم وحركاتها كشواهد على عظمة خالقها، ومن أجل ذلك اشتغل المسلمون بالعلوم الفلكية والرياضية بحميّة واندفاع، احتفِظ بهما في الأديان الأخرى للصلاة وحدها.
إذن فحرارة الإيمان الديني في الإسلام لا تقتصر على الصلاة وحدها، بل تمتد لتشمل جميع النشاطات البشرية عندما يُقصد بها وجه الله عز وجل، فالعالِم في المختبر كالمصلّي في المسجد، كلاهما يعبد الله تعالى.
هذه المقدمة الصحيحة بلا ريب، هل أدّت نتائجها في دنيا العلوم الواقعية العملية أم ظلّت في المجال النظري فقط؟ ترى كيف سيجيب المثقف الغربي الكبير، المهتدي على هذا السؤال؟
× ها هو يقرر:
- إن نظام كوبرنيكوس أثبت دوران الأرض حول محورها، وانتشر في مطلع القرن السادس عشر في أوروبا، حيث وجد معارضة عنيفة باعتباره مخالفاً للكتب المقدّسة كما فهموها، ولكن أسس هذا النظام كانت قد وُضِعت في الحقيقة قبل ذلك بستمئة سنة في البلدان الإسلامية، ذلك أن علماء الفلك المسلمين، كانوا قد توصّلوا إلى الاستنتاج أن الأرض كروية، كما قاموا بحسابات دقيقة لخطوط الطول وخطوط العرض، وبالطريقة نفسها عكفوا على الكيمياء والفيزياء والفزيولوجيا وعلى سائر العلوم التي قُدِّرَ للعبقرية الإسلامية أن تجد فيها أخلد آثارها.
والمسلمون في ذلك لم يفعلوا أكثر من اتباع عظمة نبيهم صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه كقوله: (العلماء ورثة الأنبياء)، وقوله: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وقوله: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب).
وخلال المدة الإنشائية في التاريخ الإسلامي كلّها، أي إبّانَ القرون الخمسة الأولى التي تلت عصر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يكن للعلم والتعليم بطل أعظم من المدنية الإسلامية، ولا وطن آمن من الأراضي التي كانت تعلو فيها كلمة الإسلام.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق