الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

ركس إنجرام الإنكليزي يحكي إسلامه

ركس إنجرام الإنكليزي يحكي إسلامه

     ولدتُ في أسكتلندا لأب وأم إنكليزيين، ولم أرَ أبي الذي قُتِلَ في حرب البوير عام 1900م، وأنا ما أزال طفلاً. ومرت الأيام ونحن نعيش عيشاً رغيداً حتى قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، فتطوعتُ في الجيش، وركبتُ البحر إلى فرنسا، وانضممتُ إلى فرقة الفرسان.

     وتقاذفتني ميادين القتال كأنها ديار الجحيم، وقضيتُ فترة في الميدان الغربي، ورأيتُ فيها من أهوال الحرب وفظائعها ما لا طاقة لي بوصفه.

     وفي أواخر عام 1918م، وبعد أن أمضيتُ أربع سنوات في هذا الجحيم عدتُ فوجدتُ أمي قد ماتت وإخوتي الثلاثة قد قُتِلوا في الحرب، فهمتُ على وجهي، ورحتُ أطوف الدنيا. فجستُ خلال الهند والصين واليابان، ولم أَجِدْ ما أقطع به الوقت سوى دراسة اللغات والأديان.

     وفي سوريا تعلمتُ اللغة العربية، ودرستُ مختلف الأديان، فلم أجد مثل ما وجدتُ من العزاء والطمأنينة في مطالعة القرآن الكريم. طالعتُه مراراً وتمعّنتُ في معانيه التي أُشْرِبَتْها روحي، ورأيتُ فيه عذوبة وروعة، ولم يكن يومٌ يمر بي دون أن أتلو آياته.

     وهِمتُ على وجهي مغادراً الإسكندرية التي وصلتها في الثلاثينات من هذا القرن، وما زلت كذلك حتى وصلت إلى دمنهور. وهناك رقدتُ على شاطئ ترعة، وفي نومي رأيتُ دخاناً يتصاعد من الأرض حتى يتكاثف في السماء، وينعقد وقد أضاء نوراً عجيباً، ثم تكونت منه كلمة "الإسلام"، وصحوت وكلمة "الإسلام" لا تزال ملء ناظري وحواسّي، وشعرتُ للمرة الأولى براحة وطمأنينة علماً أني لم أكن فكرت من قبل باعتناق الإسلام.

     وفي الطريق ما مررتُ بقروي إلا أقرأني السلام ودعاني للطعام وبذل جهده في إكرامي وإضافتي في منزله.

     أنا غربي وهم شرقيّون فما بالهم يسارعون إلى إكرامي!؟ أنا الذي رأيتُ كيف يرتاب الناس من بعضهم!؟ لو أنك مررتَ على فلاح في أوروبا وأقرأته السلام؛ فهل يكرمك مثل هذا الإكرام!؟ وإذا وجدتَ رجلاً يأكل ووقفت إلى جانبه فهل هو يشركك طعامه عن طيب خاطر!؟ وهل إذا قرعتَ باباً يُفْتَحُ لك على مصراعيه فتنزل ضيفاً كريماً!؟

     تواردت هذه الخواطر على نفسي وحاولت الإجابة عليها. وعند ذلك علمتُ أن الإسلام هو الذي جعل تلك النفوس سامية كريمة.

     ومرةً أخرى رأيتُ عمود الدخان في نومي ينقلب حروفاً من نور تتجمّع فتكوِّن كلمة "الإسلام"، فأفقتُ وقد أيقنت أن الله عز وجل اختار لي الإسلام ديناً، وشعرتُ براحة عجيبة في أن أعتنق هذا الدين، دين الشفقة والحنوّ والإيثار.

     ولكنْ لماذا أسلمت!؟ لماذا اتخذتُ الإسلام ديناً!؟

     لقد فعلتُ ذلك لأني أعتقد أن الإسلام هو الدين الذي يُدخِل السلام والسكينة إلى النفس، ويُلهم الإنسان العزاء وراحة البال والسلوى في هذه الحياة. ولقد تسرّب روح الإسلام إلى نفسي فشعرتُ بنعمة الإيمان بالقضاء الإلهي وعدم المبالاة بالمؤثرات المادية من لذة وألم.

     إنني لم أُقْدِمْ على هذا التغيير لمجرد خاطر وقتي طرأ على فكري، بل إني قد درست الإسلام مدة سنين، ولم أتخذه ديناً إلا بعد بحث قلبي عميق وتحليل نفسي طويل. لم أغيّر ديني إلا كي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، ولأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء، والتأمل بعيداً عن متاعب الهموم والمحن التي يسببها التكالب على الكسب والتهالك على المال، ولأخلص نفسي من براثن الإغراء وخدع الحياة الباطلة والشراب والمخدرات وجنون فرقة الجاز. أسلمتُ لأنقذ ذهني وعقلي وحياتي من الهدم والتدمير!..

     أذكر أنني ذات مرة وأنا أعمل مصوراً سينمائياً كان عليّ أن ألتقط شريطاً سينمائياً لرجل عربي طويل مهيب يقف في رأس مئذنة ويؤذن للصلاة، وبينما كان يفعل ذلك وأنا أقف جانباً أرقب ما يفعل، كان صوته في ارتفاعه وانخفاضه ينفذ إلى قلبي، ولما انتهينا من التصوير دعوتُ هذا العربي إلى مكتبي، وأخذت أسأله عن دقائق الديانة الإسلامية، واعتنقتُ الإسلام بعد ذلك، وأخذتُ أصلِّي معه، وشعرتُ بقناعة النفس تغمرني رويداً رويداً، وبدأتُ أشعر بالسعادة، وأكره كل الرغائب التي كانت تأسر نفسي.

     وجاء بعد ذلك اليوم الذي اعتقدتُ فيه أنني لا أستطيع أن أوفق بين عملي السينمائي وبين الإسلام الذي آمنتُ به، ولا بد أن يذهب أحدهما، وكان ثمة عراك نفسي شديد، هل أضحّي بعملي من أجل ديني؟ أم بديني من أجل عملي!؟

     وسهرت الليلة بعد الليلة، وأنا على الفراش وعيناي مفتوحتان حتى الصباح أفكر في حل هذه المشكلة.

     وجاء الحل: يجب أن أترك عملي السينمائي وأبتعد عن أخاديع هوليود ومغرياتها. كنت أقوم بعمل شريط سينمائي حين قمتُ في إحدى الليالي أصلي مدة طويلة. وزادت قوتي واشتدت عزيمتي، وفي اليوم التالي أدرتُ ظهري لعملي، وأعطيتُ جسمي ونفسي وحياتي للإسلام.

     وأنا اليوم ابن الإسلام، وإني سعيد أكثر مما كنت في أي يوم من أيام حياتي، ومع مدنيتي الغربية، ومع ثيابي الغربية، سعيدٌ كمؤمن يدين بالإسلام الخالد الذي هو أكملُ دين سماوي ارتضاه الله للبشرية.
***

     وبعد؛.. فهذا في إيجاز قصة المهتدي الإنكليزي ركس إنجرام، وهي على إيجازها ملأى بالعبر والدلالات.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة