الأربعاء، 23 أغسطس 2023

رحلة بشير أحمد باتيل إلى فطرة الإسلام (2)

رحلة بشير أحمد باتيل إلى فطرة الإسلام (2)

     كثيرة هي العبر والفوائد والدلالات التي يمكن لنا أن نضع أيدينا عليها ونفوز بها، ونحن ندرس ما يقوله أولئك النفر الذين يهديهم الله تعالى للإسلام بين الحين والآخر من شتى الأمم والألوان والطبقات والبلدان، فهؤلاء هم طلاب حقيقة أولاً وقبل كل شيء، ثم هم ذوو حدٍّ أدنى من الفكر اليقظ والنظر النفّاذ، أضِف إلى ذلك أنهم يمتلكون حداً لا يستهان به من الجرأة المعنوية يستطيعون بها مواجهة أقوامهم بغير ما تعتقد، واحتمالات الأذى ومخاطر الانتقال من دين إلى آخر.

     سنتوقف الآن عند السيد بشير أحمد باتيل وهو هندوكي كانت له تجربة فكرية ومعاناة روحية ونفسية فاز بالإسلام في أعقابها، وسنجد ما يستحق الوقوف عنده بالفعل.

     هذا الرجل ترك ديانتَه الهندوكية وارتمى في أحضان الشيوعية مخدوعاً بشعاراتها المريضة، وأهمها دعواها العريضة المتبجّحة الكذوب التي تزعم فيها أنها تقدم أحسن الحلول وأصحها لراحة الجنس البشري، لكنه بعد أن عرفها عن كثب وَجَدَ ما زلزل كيانَه وشتّت استقراره، ففَرَّ إلى الإسلام عن اقتناعٍ واعٍ حصيف، ودرسٍ جادٍّ صبور.

     يقول الرجل عن المرحلة السابقة لإسلامه: ولمّا شعرتُ بخيبةِ الأمل في قرارة نفسي، أخذتُ أبحثُ عن مذهبٍ سياسي بوسعه أن يحل مشكلات الإنسانية في هذه الدنيا، فاتجهتُ إلى الشيوعية وسرت فترة في حياتي تعمقتُ خلالها في المذهب الشيوعي أكثر فأكثر.

     وبينما كنتُ أدرس هذا المذهب وأطبّقه أخذ إيماني بالله يتلاشى تدريجياً، وأخذت القيم الروحية تفقد وزنها أمام الحجج العقلية المحدودة، ومرّت سنوات حُرِمْتُ خلالها الإيمان بالله.

     وأحسستُ في أعماق نفسي بالشقاء الكامل، وكأن روحي كانت تصرخ لحرمانها من اندفاعها الفطري للانضمام إلى الروح العلوية. وجاء الوقت الذي لم يستطع فيه عقلي المتعثر أن يُقنع قلبي الذي كان في لهفةٍ شديدة إلى مبدأ حق يؤمن به، لقد عجزت الحياة المادية والخلقية والفكرية عن تحقيق السلام لنفسي، وكانت روحي متعطشةً لمبدأ روحي يحقق لها ما تصبو إليه من سلام.

     وتمضي بالرجل فترةُ دراسةٍ واسعة طويلة درس فيها شتى الأديان والملل والمذاهب والعقائد فلم يجد فيها جميعاً بغيته، ولم يحصُلْ على ما كان يؤمّل أن يحصل عليه من قناعة في الفكر وراحة في الوجدان، وسلامٍ في الضمير.

     وأخيراً حين تعرّف إلى عالم الإسلام بدأ السلام يملأ ضميره، والراحة تغمر وجدانه، والقناعة تدخل عقله، فإذا به يدخل الإسلام ويؤمن به إيماناً عميقاً شديدَ الرسوخ.

     يقول الرجل عن المرحلة التي تلت إسلامه: كل هذه الحقائق بالإضافة إلى الإحساس الداخلي، ودعوة الله لي في أعماق نفسي، كل ذلك دفعني إلى اعتناق الإسلام، هذا الدين الذي فسّره القرآن الكريم، وطبّقه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكان نموذجاً رائعاً لتخليص الإنسانية من شقائها. هذه هي العقيدة التي رضي بها قلبي، وتجلت لفكري، وحُبِّبَتْ إلى قلبي، فبدّدت كافة الشبهات والشرور.

     لقد اعتنقتُ الإسلام –هكذا يقول بشير أحمد باتيل– بفضل من الله وهداه يوم الجمعة 14 تموز 1967م، حينما ذهبتُ إلى المحكمة الشرعية، ووقّعتُ شهادة اعتراف خطية أمام القاضي؛ قررتُ فيها أنني أعتنق الإسلام، وأُعربُ عن إيماني العميق بالله الواحد الأحد، وأشهدُ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وأنني سأبذل قصارى جهدي لاتباع الإسلام الصحيح بدراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة دراسة استيعاب وفهم وتطبيق.

     جاء اعتناقي للإسلام ثمرةَ بحثٍ طويلِ الأمد في أعماق نفسي وفي خارجها، فكان تأكيداً لفطرتي: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم:30]، ومع ذلك فربما لم يكن من اللازم أن أشعر بالحاجة إلى اعتناق الإسلام صراحةً، فقد كنتُ أسيرُ على هديه في ذات نفسي من حيث هو عقيدة وصلاح، فمشيئة الله هي التي هدتني لاعتناقه، وهو وحده الذي يعلم سر هذا الحادث.

     هناك عوامل أخلاقية وروحية واجتماعية متعددة أدَّت دورها في هدايتي للإسلام، ومن العسير عليّ أن أشرح كل شيء في اللحظة الراهنة، إلا أنني آمل أن أكتب المزيد في المستقبل.

     يبدو لنا أننا إزاء عقل ذكي جوّاب، حريص على الحقيقة، يبحث وينقّب ويناقش، ويعاني معاناة واسعة، معاناة عقلية ومعاناة وجدانية، في مسعاه الحثيث وراء الهداية التي يأمل أن يجد لديها السعادة والاستقرار.

     وأكرمَ اللهُ عز وجل هذا الهندي المستنير الجاد في البحث عن الحقيقة، فأخرجه من الظلمات إلى النور، فإذا به يسلِم، وإذا به يجد في الإسلام كلَّ ما كان يرجوه لعقله وقلبه فاطمأنّ وهدأ واستراح:

فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النوى     كما قَرَّ عينــاً بالإيابِ المســــافرُ

     إنّ تحوُّلَ أناس كثيرين إلى الإسلام في هذا العصر، حتى في البيئات التي تكون العقيدة الغالبة ديناً آخر غير الإسلام، وحتى في البيئات التي يعاني المسلمون فيها من شتى أنواع الاضطهاد، وحتى في البيئات التي لا تكاد تجد فيها دعاة متفرغين للاهتمام بشؤون الدعوة، وهي حالة العالم الإسلامي كله.. إنّ هذا التحول بالرغم من كل هاتيك الصعاب واحد من الأدلة الكثيرة التي تشهد بصحة هذا الدين، وتهتف بأنه الدين الحق، وتعلن على رؤوس الأشهاد أنه دين الفطرة السليمة، والنفس السوية، والعقل الذكي الرشيد.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة