الأربعاء، 23 أغسطس 2023

بشير أحمد باتيل الباحث عن الحقيقة (1)

بشير أحمد باتيل الباحث عن الحقيقة (1)

     هو الأخ المهتدي بشير أحمد باتيل، وهو مثقف هندي واسع الأفق، ذو معرفة جيدة واطلاع متنوع، أكرمه الله تعالى بالهداية للإسلام، بعد معاناة طويلة، وبحث جادٍّ عن الحقيقة، درس خلالها شتى الأديان والمذاهب والنُظُم دراسة واعية ذكية فلم يجد في شيء منها ما يروي لهفته وظمأه، ويمنحه الطمأنينة واليقين والسلام. وأخيراً فاز بالإسلام فاهتدى إليه وآمن به، وكتب عن إسلامه ما يكشف شخصيته الحريصة على الحق، الباحثة عن النور، وفطرته التي ظلت حائرة قلقة حتى وجدت ما يحقق لها أشواقها وتطلعاتها السويّة حين ألقت قيادها لهذا الدين.

     يقول عن نفسه: ولِدتُ في الهند عام 1929م، وسط أسرة هندية عريقة ذات شرف وثقافة، ونشأتُ في ظل تقاليد العقيدة الهندوكية العليا، وآلمني أشدّ الإيلام ما شاهدتُه من إيمان العقيدة الهندوكية بآلهة كثيرة وعبادتها لها من خلال أحجار وصور، وإيمانها بأنهار مقدسة تُغسَلُ فيها الآثام، واعتقادها بالبرهمية، وهي عقيدة الرهبان الذين بوسعهم أن يساوموا آلهتهم المزعومة لمنح الخلاص لزبائنهم الدينيين، ثم ما تميزت به من ألوان التفرقة الطائفية وتكبّرها واتباعها الهوى لا في المجتمع فحسب، بل في المجال الديني كذلك.

     كل هذه الأمور جعلتني أضيق بها ذرعاً قلباً وقالباً، فشرعتُ بهديٍ من فطرتي أعلق أهمية أكبر على الاستقامة في السلوك، إلا أنّ هذا لم يُشبِع القوة الدافعة في نفسي، وكنتُ أشعر بالسلام النفسي المؤقت تبعاً لأعمال الخير التي كنتُ أعملها من أجل الإنسان مجرّدةً عن أي تعصب، ورغم ذلك كنتُ أحِسُّ بحاجة في نفسي، لقد أرادت نفسي أن تعرف الحقيقة بالنسبة لخالق هذا الكون وسر الخلق. وفي جانب الحياة الظاهرة كنتُ أحسُّ إحساساً عميقاً بالمآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية التي تتعرض لها البشرية المكافحة.

     هذا التطلع الذي كان يملأ قلب الرجل، مضافاً إلى الفراغ الذي كان يعيش فيه، هيّأ الفرصة أمامه من حيث يعلم أو لا يعلم ليتجه نحو الشيوعية، وبالفعل يمَّم الرجل وجهه إليها واعتنقها، لكنه لم يلبث أن أُصيب بخيبة أمل منها، إنه لم يجد فيها حلول المشكلات التي كانت تستأثر باهتمامه، ثم إنه مع إغراقه فيها أخذ يخسر إيمانه بالتدريج، ومع خسارته لإيمانه كان يخسر هدوء باله، وراحة ضميره، وسكينة نفسه، وما يتبع ذلك من رضى وطمأنينة وسلام، لذلك ظلّت روحه متعطشةً أبداً كما يقول هو عن نفسه.

     ومن جديد، طفق الرجل يبحث وينقب ويفتش؛ يقول: بدأتُ من جديد أبحث وأنقب في ملتي الهندوكية الواسعة التي ولِدتُ في أحضانها، وأخذتُ أقرأ عن المسيحية واليهودية والجينية والبوذية وديانة السيخ والزرادشتية والفلسفة الصينية القديمة والبهائية.

     وأخيراً بدأتُ أدرس الإسلام الذي كنتُ أحسّ دوماً بميلٍ نفسي يدفعني إليه، وكان من عادتي أن ألتقي برجال متديّنين، ورجال يمثلون مختلف النِّحَل باحثاً عن الصراط العملي المستقيم، ودفعتني دراستي للكتب والمناهج المختلفة إلى الجزم بأنّ كافة الديانات السماوية قد أنزِلت على الناس في أوقات وأماكن معينة، حملها إليهم أكثرهم صلاحاً لهداية البشرية إلى معرفة إله الكون الواحد، وأنّ كل دين من الأديان السماوية المتعاقبة قد أخذ بيد الإنسانية المعذّبة وقادها تجاه مرحلة أسمى من سابقتها.

     اتفقت جميع الأديان السماوية في فهمها لغاية الوجود الإنساني وهي الاعتصام بالنور الإلهي. هذه بعض الخواطر التي كانت تدور في خلدي وأنا أقلب الكتب المقدسة عند مختلف الأديان.

     ووجد الرجل في الإسلام حين درسه كل ما كان يصبو إليه وهو يبحث عن الحقيقة والهداية، ووجد أنّ هذا الدين المحفوظ الخالد يلبّي كافة تطلعات عقله وقلبه، وكافة أشواق فطرته.

     يقول: لقد أيقنتُ أن الإسلام هو المنهج الذي يحقق هذه الغاية، فهو يمتاز بالبساطة والواقعية والاستعلاء والحساسية والشمول. فالإسلام يحترم كافة الأديان، ويوقّرُ جميع الأنبياء، يقول الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:136].

     ويشعر الرجل أنّ هذا الدين هو كلمةُ السماءِ الأخيرةُ إلى الأرض، وأنّ رسالته الشاملة الكاملة جاءت لتكون أفضل الرسالات، وخَتْماً للتنزيل كذلك. يقول بعد أن يتحدث عن منهج الإسلام وآثاره العملية الواقعية: فهل هناك أبلغ من هذا الدليل على شمول الإسلام وعقيدته وإيمانه بالله الواحد الأحد!؟ وهل هناك أفضل من قول الله تعالى كبرهان على ختم التنزيل!؟ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران:19].

     وبعد .. فإنّ في حديث هذا الهندي المستنير المثقف الذي درس شتى الأديان والنظم فلم يقتنع بها، ثم اقتنع بالإسلام العظيم وآمن به، إيمانَ عقلٍ جوَّاب، وقلبٍ حي، ووجدانٍ جياش لدليلاً على عظمة هذا الدين خلوده، وقدرته على هداية الناس إليه في شتى الظروف والأحوال، ومن مختلف الطبقات، خاصةً من طبقة الأذكياء والمتفوقين.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة