الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

مارك ماينكي إلى الإسلام (2)

مارك ماينكي إلى الإسلام
(2)

     إن الغربيين متعطشون إلى دين ينقذهم من المجاعة الروحية التي يعانونها. لقد أنهكتهم المادة وعبادتها من دون الله، وما اعتناقهم للبوذية والهيبية وغير ذلك إلا ردة فعل للقلق الذي يعيشونه.

     هذه العبارة قالها الأستاذ الأمريكي مارك ماينكي الذي أكرمه الله تعالى بالهداية، فأسلم واختار لنفسه اسم "مصعب عبد الله". وقد جاءت عبارته هذه ضمن حديث أجرته معه بعض المجلات الإسلامية، حيث قابلته، وكان ثمة حوار نافع مفيد، تحدث فيه الأخ المهتدي عن الدوافع والأمور التي قادته إلى الهداية.

     وعبارته هذه عبارة صادقة إلى أبعد حدود الصدق، فالغرب فعلاً يعيش في مجاعة روحية رهيبة تطحن الناس طحناً، والمادة أنهكت الناس وهم يَعْدُونَ وراءها ويعبدونها من دون الله عز وجل، والقلق استحوذ على البشر فدمّر أعصابهم، والحيرة أحكمت طوقها عليهم فعادوا يدورون في دوامة التيه والضياع، وطفقوا يبحثون عن أي أمل يلمع أمامهم فيُلقون قيادهم إليه، يتوهّمون أنه سبيلهم إلى النجاة، وهذا يفسّر ما نجدهم في عالم الحضارة الغربية من عجائب وغرائب حين نرى الناس مرة تتبع البوذية، وأخرى تؤمن بالوثنية الهندية لعبادة صنم اسمه "كريشنا" يزعمونه إلهاً، وما إلى ذلك من أضاليل وخرافات.

     يمكن لنا أن نؤكد أنّ الناس في أمريكا، وفي الغرب عامة؛ هم بدون دين، أو إن شئت الدقة فهم يعبدون المادة، وإنهم الآن أحوج ما يكونون إلى أن يتقدم إليهم الدعاة المسلمون لينقذوهم مما هم فيه، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور.

     في حديثه عن إسلامه يقول الأخ مصعب عبد الله: كنتُ أطيلُ النظر في تركيب المجتمع الأوربي، فوجدتُ أنّ هذا المجتمع فاسد، دُمِّرت فيه الأخلاق، وأصاب جحيم هذا الدمار الأسرة فأجهز عليها وحطّم رباطها، فلا هي تلتقي يومياً، وإن اجتمع أعضاؤها فهم مادّيون، والمال الذي في جيب الأخ خيرٌ له من أخيه وأبيه، وكنتُ ألاحظُ تماسك الأسرة في البلاد الإسلامية وما بين أفرادها من محبة وتكافل وإيثار فيعجبني هذا النظام، وتتقزّزُ نفسي مما عليه الأوربيون، والأوربيون لا يعرفون الدين إلا يوم الأحد، وداخل الكنيسة، فإذا خرجوا من الكنيسة صاروا خلقاً آخر، فكان يزعجني هذا التناقض والازدواجية، فما الذي جعلك متديّناً داخل الكنيسة ومنحلّاً سفّاحاً خارجها!؟

     وشاء الله تعالى لي الخير عندما تعرّفتُ على شاب مسلم من لبنان يعتز بدينه، ويعمل في ديار الغرب، هو إبراهيم عبد الله العيتاني، وكان إبراهيم زميلي في الدراسة، وقد أعطاني من أجود الانطباعات عن الإسلام والمسلمين. وفي عام 1969م سافرتُ إلى لبنان وبقيتُ سنة عند أهل زميلي إبراهيم في بيروت، وعرفتُ عن كثب حياة المسلمين، وتماسك الأسرة المسلمة فتأثرتُ من حياتهم تأثراً بالغاً، وتأكدتُ أنّ الدين يعيش معهم دوماً وفي كل لحظة.

     وعدتُ عام 1970م لأمريكا، وتابعتُ دراستي حول الأديان، ومن خلال دراستي الجديدة والقديمة صار لي تصور جديد، وصرتُ أتضايق من المزاعم ضد الإسلام كتلك التي تقولك إن المسلمين يكرهون عيسى عليه السلام.

     إنّ هذه الادّعاءات لم تعد تجدي مع إنسان عاشر المسلمين عن كَثَب. وأصبحتُ أتساءل: إنّ النصارى يقولون: إنّ النصرانية مكمّلة لليهودية، فلماذا لا يكون الإسلام مكمّلاً لليهودية والنصرانية؟

     وفي عام 1971م عملتُ في القاهرة أدرّس اللغة الإنكليزية في الجامعة الأمريكية، ومكثتُ حتى عام 1973م، وكنتُ في الوقت نفسه طالباً في علوم اللغات، وكنتُ أعيش مع الطلاب والمدرسين المسلمين، ومرة قال لي صديق مسلم: كيف تؤمن بنبوة عيسى عليه السلام ولا تؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وظلّ هذا السؤال يتردد عليّ وأسألُ به نفسي حتى انجلت الغشاوة عن عيني، فأبصرتُ الحقيقة.

     وفي عام 1971م عدتُ لأمريكا في الصيف، وصرتُ لا أستريحُ إلى الكنيسة، وإلى ادّعاءات النصارى وافتراءاتهم على الإسلام ورسوله، وزاد تثاقلي ومللي بسبب تناقضات المجتمع الغربي وبُعدِه عن القيم.

     وفي خريف 1973م سافرتُ إلى الكويت لأعمل خبيراً في جامعتها، وما زلتُ أبحث إلى أن أعلنتُ إسلامي، وصار اسمي "مصعب عبد الله" بدلاً من "مارك ماينكي"، وصرتُ أحافظُ -والحمد لله- على الصلوات الخمس يومياً.

     وبعد أن أعلنتُ إسلامي، صرتُ أشعر براحة في ضميري، واطمئنان في قلبي، وزوال كل آثار القلق ومعالمه من نفسي. حقاً لا يشعر بهذا الشعور إلا من أكرمه الله بالإسلام. وأنا اليوم مصعب عبد الله، الذي يعتزُّ بالإسلام، وأعلام المسلمين من مثل مصعب وعبد الله وعمر وخالد.

     إنّ الغربيين متعطشون إلى دين ينقذهم من المجاعة الروحية التي يعانونها، فلقد أنهكتهم المادة وعبادتها من دون الله، والحمد لله الذي هداني للإسلام.

     وبعد .. فإنّا إذ نحيّي من الأعماق الأخ المهتدي مصعب عبد الله، نُهيب بالمسلمين جميعاً أن يمارسوا دورهم في حمل رسالة الإسلام، ونشر أنوارها، في هذا العالم الحائر الضائع، لإخراجه من الظلمات إلى النور، ففي ذلك إبراء للذمة، ونهوض بالمسؤولية، واستفادة من الظرف المواتي اليوم.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة