الخميس، 24 أغسطس 2023

المهتديان ريموند وسمارت .. وتناقضات النصرانية

المهتديان ريموند وسمارت .. وتناقضات النصرانية

     كثيرة هي الفوائد الجمّة، والملاحظات الذكية، التي يمكن أن تفوز بها بعد دراستك لسيرة واحد ممن اهتدوا إلى الإسلام بعد معاناة طويلة، وتفكير وتأمل واسعين، ذلك أنّ المتوقع من أمثال هؤلاء المهتدين أن يكونوا على درجة واسعة من الوعي بدينهم القديم ودينهم الجديد، وعلى مستوى جيد من الشجاعة العقلية التي تجعلهم يواجهون ذويهم بخطأ معتقداتهم، وتجعلهم كذلك يُيَمِّمون وجوههم صوب الدين الجديد الصائب.

     وإذا كان أحد هؤلاء نصرانياً من قبل، فإنك لا تخطئ أن تعثر لديه على نقد ذكي حصيف لمسيحية الكنيسة المحرّفة، ومقارناتٍ لمّاحةً حيّة، بينها وبين الإسلام، دين الله الخالد المحفوظ.

     وانظر إلى ما قاله في هذا الصدد المهتدي يعقوب ريموند، فإنك ستجده كلاماً ذكياً فيه حياد ونزاهة وعمق:

     لقد وجدتُ ثلاثة فروق جذرية بين المسيحية والإسلام، ساهمت في إقناعي بصدق الإسلام.

     الفارق الأول: هو أنّ المسيحية في الوقت الذي تُقِرُّ فيه وتعترف بكافة الأنبياء تُجَرِّدُ عيسى عليه السلام من النبوة، وترفعه إلى مرتبة الألوهية، كما تنكر نبوة محمد عليه الصلاة والسلام بالكلية. إني لم أجد لذلك أي مبرر، إذ إنّ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم يؤمن بجميع الأنبياء الصادقين، ويؤكد أنّ الرسالة السماوية التي أُنزِلَتْ عليه هي الرسالة السماوية الوحيدة التي لا تزال مكنونة لم تمس بسوء.

     الفارق الثاني: هو أنّ المسيحية تنادي بالنظرية القائلة: إنّ عيسى ابن الله، وإنه طرف في التثليث المقدس، وبذلك يكون عيسى في نظرها إلهاً وابناً لله في وقت واحد مما يتعذر فهمه، وهذه النظرية تناقض التعاليم التي نادى بها موسى وإبراهيم عليهما السلام، فقد علّما الناس أن يعبدوا إلهاً واحداً لا شريك له، وقد نجم عن التصور بأنّ عيسى ابن الله إقامة الفوارق بين الأنبياء وتقسيمهم إلى درجات.

     الفارق الثالث: هو أنّ المسيحية تجعل الكنيسة وسيطاً بين الناس وربهم، فهي تقول لك: اقترف من الآثام ما شئت، والكنيسة تعفو عنك، وتضمن لك الخلاص والنجاة!.. ومن هنا فالخالق في تصوّر الكنيسة [تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً] ليس حراً يفعل ما يشاء، بل لا بد للكنيسة أن تقوده يوم القيامة. وقد وجدتُ لحسن الحظ تصويباً لهذه الفكرة المضحكة وتصحيحاً لها في الإسلام، فالإسلام يبيّن أنّ الله وحده لا شريك هو الذي سيقضي يوم القيامة في الأعمال التي اكتسبها كل ذكر وأنثى في حياتهم الدنيا دون أي تدخل أو نفوذ من أي جهة من الجهات. ثم سألتُ نفسي: أين الاستقرار والثبات بالنسبة للدين الذي تظل تعاليمه عرضة للتعديلات المستمرة حسب ما تقتضيه العادات المتغيّرة المتقلبة!؟ ويتضح من هذا أنّ الديانة النصرانية تقدّم عادات البشر وتقاليدهم، وتجعلها في منزلة أسمى من إرادة الله.

     إنّ هذا الذي قاله المهتدي يعقوب ريموند؛ إنما هو ملاحظات ذكية في غاية الصحة والصواب، وهي من النقاط التي يحسن أن تكون زاداً فكرياً للحِجاج والحوار عند الدعاة الذين يبشّرون بالإسلام في بلدان النصرانية، ويعانون من وطأة الهجوم التبشيري وقساوسته وإرسالياته.

     وهذا الذي قاله المهتدي يعقوب ريموند قد تردد صداه ولا يزال يتردد في نفوس عشرات الآلاف من المسيحيين في مختلف الأزمنة والأمكنة؛ ذلك أنّ الكفر بالثالوث والتبرم بفكرة الوساطة بين الله والعبد، تلقاهما لدى كل هارب من الكنيسة، وإذا كنا وجدنا في حديث يعقوب ريموند ما يمثل وجهة نظر هؤلاء الفارين، فإننا نجده عند المهتدي الأمريكي إستريد هيرما سمارت واضحاً ومؤكداً، ومضافاً إليه تبرمه الساخط بما قاله عن الصلب ووساطة القسيس حيث يقول:

     لا أذكر الوقت والمكان الذي بدأت أتدبّر فيه التناقضات الظاهرة في النصرانية، فقد بدا لي في أحد الأيام أنّ الإيمان بثالوث الآلهة لا يمكن أن يتناسب مع مبادئي، وعبثاً حاولتُ فهم الكتب النصرانية فقبلت ما قيل فيها بالنسبة لميلاد العذراء ولكنْ دون جدوى، وتساءلتُ: كيف تمثّلت روح القدس في حمامة؟ وبعد بحث عثرتُ على الآية التي تقول: ﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُۚ سُبْحَانَهُۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: 4].

     وهكذا وضعتُ المسيح في موضعه الصحيح من تصوّري لمكانته كنبي من أنبياء الله المرسلين، كما اصطدمتُ منذ زمن مع العرف المسيحي السائد باعتبار القسيس وسيطاً بين الله والناس مع أنّ لدي الثقة الكاملة التي أستطيع بها أداء الصلاة (دون حاجة القسيس)، ولم أصدّق حكمة الصلب أبداً، فلأي شيء يموت إنسان ضحية أخطاء وذنوب يرتكبها آخرون؟ إنّ الأمثلة الملموسة حول مغزى هذا الموضوع لا أصدقها.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة