الخميس، 24 أغسطس 2023

مستر بورد الأمريكي والمسلمين والنصارى في أوروبا

مستر بورد الأمريكي والمسلمين والنصارى في أوروبا

     يقول مستر "س. أ. بورد" الأمريكي الذي أشهر اسمه في أوائل عشرينيات هذا القرن، بعد دراسة متعمقة لمبادئ الإسلام، طوال سنوات عديدة: "إن أوروبا مدينة للمسلمين بكثير من وسائل الراحة الشخصية في حياتها، فالنظافة من دين المسلمين وما كان لهم أن يقبلوا على أنفسهم ما كان يرتديه الأوروبيون في ذلك الوقت –أي عند بدء اتصالهم بالمسلمين– من ثوب واحد يظل على أجسادهم حتى يتساقط إرباً بالية كريهة الرائحة".

     ويستشهد بورد على ذلك بما ذكره العلامة "جون و. درابر" في كتابه "التطور الفكري في أوروبا" عن حال الأوروبيين عندما بزغ فجر الحضارة الإسلامية. فقد وصف ما كانوا عليه من "همجية" حتى إنه كان "لا يستطيع أحد أن يقول: إنهم ارتقوا عن مستوى الحياة البدائية، فأجسادهم لا تعرف النظافة، وعقولهم جاهلة مظلمة، ومساكنهم الأكواخ، وكان فرش أرضها بالعشب يُعد ترفاً".

     وعندما بدأت المجتمعات الأوروبية تتصل بالمجتمعات الإسلامية عن طريق صقلية والأندلس –ثم عن طريق الحروب الصليبية- بهرهم حرص المسلمين الشديد على النظافة الشخصية والنظافة العامة. غير أنّ العادات والقيم الإسلامية، لم تلق لديهم في بداية الأمر قبولاً حَسَناً، بل ظلوا ينظرون إليها على أنها من مظاهر العقيدة الدينية الوافدة، التي يعد تقليدها انحرافاً عن تقاليد الآباء وقيمهم.

     ومن الطريف أنه قد حدثت في فرنسا مقاومة شديدة لمحاولة الاقتداء بما درج مسلمو الأندلس على اتباعه، من رصف الطرق العامة لوقايتها من الأوحال، وتيسير نظافتها.

     فعندما شرع ملوك فرنسا في رصف شوارع باريس على الأسلوب المتبع في مدينة قرطبة، وصدر الأمر بمنع تربية الخنازير في تلك الشوارع صيانة لها، أغضب ذلك رجال الدين، وطالبوا بألّا يُحالَ دون مرور خنازير "القديس أنطوان" في الشوارع على عادتها المألوفة، وحدثت فتنة كبيرة أجبرت الحكومة على الإذعان لهم، وتركت تلك الخنازير ترتع في أنحاء المدينة تقتات من الأقذار، وتملأ الشوارع بفضلاتها الكريهة، مع تمييزها بأجراس توضع في أعناقها، حتى لا يعترضها أحد.

     ويروى أن الملك "فيليب السمين" مات لسقوطه من فرسه، عندما أزعجه مرأى تلك الخنازير والأجراس تصلصل في أعناقها.

     وقد وصفت العالمة الألمانية "زیغرید هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب" [وترجم الكتاب إلى العربية باسم "شمس العرب تسطع على الغرب]؛ انطباع "الطرطوشي" عن زيارته لبلاد الفرنج في تلك الآونة، وكيف كان "وهو المسلم الذي يتوضأ قبل كل فرض من فروض الصلاة الخمسة، يستنكر حال القذارة التي يحياها الشعب. وأبدى دهشته من أن الفرنجة لا يغتسلون إلا مرة أو مرتين كل عام، وبالماء البارد، أما ملابسهم فلا يغسلونها، بعد أن يلبسوها لكيلا تتمزق".

     ثم تُبيّنُ "زیغريد" ما حدث من تأثر المجتمعات الأوروبية بعد ذلك شيئاً فشيئاً بالعادات الإسلامية الحميدة، بعد أن اتضحت فوائدها، ومنها الإكثار من إقامة الحمامات الخاصة والعامة فتقول:

     "وقد لمس الصليبيون هذه الحياة العربية، وأدركوا أثر الحمامات بما فيها من وسائل الراحة والنظافة والزينة، فهاموا بها كما هام أولئك الغربيون الذين شاهدوها في إسبانيا وصقلية. فألحّوا جميعاً في إدخالها أوروبا بالرغم من المعارضات الشديدة وصرخات الاستنكار التي دوَّت في كل مكان".

     وقد ظل التمسك بأهداب النظافة من أهم شعائر المسلمين بالأندلس التي تُميّزهم عن غيرهم، إلى ما بعد زوال دولتهم فيها.

     غير أنه لما بدأت مرحلة الاضطهاد الجماعي لهم وأُجْلِي الآلاف منهم عن ديارهم فلجؤوا إلى غيرها من الديار الإسلامية، ثم أُجبِر من اضطر للبقاء منهم على التخلي عن عقيدته، فاضطر الكثير منهم للتظاهر بذلك، وممارسة شعائرهم الدينية خفية، صدر قانون في أوائل سنة 1567م، يُلزمهم بترك أبواب دورهم مفتوحة حتى تخضع للتفتيش المفاجئ من وقت إلى آخر.

     وكانت المبالغة في الحفاظ على النظافة البدنية والاغتسال في فترات متقاربة من الأدلة الأكيدة على التمسك الخفي بأهداف الشريعة الإسلامية مما كان يوجب توقيع أشد العقوبات وأقساها، كما شنت حملة محمومة لتخريب الحمامات الخاصة والعامة.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة