الأربعاء، 28 ديسمبر 2022

أمة الإسلام.. الأمريكية!

أمة الإسلام .. الأمريكية!

     إذا صدقت التوقعات المتفائلة التي يقدّرها بعض الدعاة المسلمين، فإن الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على تطور كبير ناجح بإذن الله.

     وهنا لا بد لنا من أن نتذكر الشهيد "مالك شباز" أو "مالكولم إكس" رحمه الله، الذي جاهد لكي يحوِّل جماعة "إليجيا محمد" المعروفة باسم "أمة الإسلام" إلى الإسلام الصحيح الذي اكتشفه بعد حجّه عام 1383هـ=1936م، لكنه استشهد قبل أن يحقق حلمه، ولقد ظل الكثيرون من العاملين للإسلام هناك على أمل قوي في إمكانية استقامة هذه الجماعة وعودتها إلى الإسلام الصحيح.
***

     وفعلاً بعد موت "إليجيا محمد" وتولّي ابنه "وارث محمد" المعروف باسم "والاس محمد" لشؤون الجماعة بدأت تظهر في تصرفاته وأعماله وتصريحاته، نبرة الهداية والاستقامة خاصةً فيما يتعلق بالرجل الأبيض، وهي النقطة نفسها التي بدأ منها تحول "مالك شباز" من جماعة "إليجيا محمد" إلى الإسلام الحق.

     إن مليوني مسلم الآن في أمريكا -على بعض التقديرات- يتطلعون إلى إقامة جسور تربطهم مع شعوب العالم الإسلامي، وإن بوسعهم أن يصبحوا قوة سياسية منظمة لمساندة العالم الإسلامي وتبنّي قضاياه، فضلاً عن عملها للتبشير بالإسلام والدعوة إليه في تلك القارة الغنية الضالة، أمريكا.

     ومن المعروف أن جماعة "إليجيا محمد" هي مجموعة أمريكية سوداء تنتسب للإسلام، لكنَّ لديها جملةً لا يستهان بها من الأخطاء في العقيدة والتصور والسلوك، ويبدو أن فرصة تصحيح انتمائها للإسلام قوية آخذة بالزيادة والنماء، خاصة في عهد قائدها الجديد "والاس محمد" الذي ورث أباه في زعامتها. ويبدو أن "والاس" ينوي أن يتجه بجماعته إلى الإسلام الصحيح بشكل مرحلي، فجعل مجموعته تصوم عام 1975م، أما الصلاة ففي عام 1976م، وأما الحج ففي عام 1977م.

     وقد أطلقت الصحافة على هذه الجماعة من قديم اسم "المسلمون السود"، أمّا هم فقد أطلقوا على أنفسهم بادئ ذي بدء اسم "أمة المسلمين التائهة"، وقد بدأت حركتهم منذ 40 عاماً وأسسها "إليجيا محمد"، وهم ليسوا جميعاً من السود، بل فيهم عدد من المسلمين البيض، وهم موزَّعون في شيكاغو؛ وفيها مركزهم الرئيسي، وفي نيويورك وواشنطن، وبوسع المرء أن يلحظ تحوّلاً مهماً في اتجاهات هذه الجماعة، بدأ من أبريل 1975م بوفاة "إليجيا محمد" واختيار ابنه "وارث" الذي يسمونه "والاس" ليكون خليفة لأبيه.

     وفي عهد الأب المتوفى كانوا يحرصون على ركن واحد من أركان الإسلام وهو الشهادتان، أما بقية الأركان فكانت مؤجّلة، وقد قرر "وارث" تنفيذ بقية الأركان على ثلاث مراحل.

     وفي عام 1975م أعلنوا للمرة الأولى البدء في صيام شهر رمضان المبارك، وقالوا: إنهم بذلك يشاركون 800 مليون مسلم أداء فريضة الصوم، ويشعرون أنهم ارتبطوا بمسلمي العالم، وصاروا أوثق صلة بهم وأمتن.

     ولقد نقل "إليجيا محمد" عشرات الآلاف من المجرمين والقتلة إلى الإيمان، ووصلهم بالإسلام. صحيح أنه لم يَصِلهم بالإسلام الحق، لكنه جعلهم في المناخ المناسب الذي يمكن من خلاله أن يتقدموا نحو الإسلام الحق، وفيما يبدو لنا، وفيما نرجو ونؤمل أن هذا التحول المرجو هو دور "وارث محمد" إن شاء الله.

     ومما يجدر ذكره أن هذه الجماعة حوّلت اسمها من "أمة المسلمين التائهة" إلى اسم "أمة الإسلام"، وهذا التحويل وإنْ كان شكلياً إلا أنه أجمل وأصح.

     وتبني جماعة "أمة الإسلام" مسجداً كبيراً لها الآن، يضاف إلى مساجدها الكثيرة المنتشرة في أمريكا، ولهذه الجماعة جريدة اسمها "محمد يتكلم" تطبع ربع مليون نسخة، وتحرص على كتابة عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" باللغة العربية على رأس كل صفحة من صفحات هذه الجريدة، التي تتولى تعليمهم أمور الإسلام، فهي تكتب مثلاً عن الصيام وشروطه وأحكامه وحكمته، وعن الزواج في الإسلام، وعن خلق البشر والكون في التصور الإسلامي، وتترجم معاني بعض الآيات الكريمة، وما إلى ذلك.

     ولهذه الجماعة محطة إذاعة ترسل خمس ساعات يومياً تشرح فيها مبادئ الإسلام وأحكامه، ولها بنك إسلامي خاص بها في شيكاغو بدون ربا، ولها أسواق سوبر ماركت، ويذبحون فيها على الطريقة الإسلامية، ولها مطاعم تحرم الخمور ولحم الخنزير، ولها أربع مدارس يسمونها "الجامعة الإسلامية"، وهي مدارس نموذجية، ولها حرس خاص بها لكثرة الاعتداءات التي وقعت عليها من أعدائها، وهذا الحرس مدرَّب ومسلح، وهو مرخَّص رسمياً، وفيه ضباط مؤهلون.

     وما مِنْ ريب في أن هذه الحركة لها الآن شكل مختلف تماماً عما كانت عليه من قبل، لقد ارتقت في سلوكها، وبدأت تصحح عقائدها، وتسعى لمزيد من العلم بالإسلام والمعرفة به وتطبيقه عملياً.

     ولمزيد من الصلة بالعالم الإسلامي؛ قال "وارث محمد" زعيم الجماعة: يجب أن نبدأ بإقامة علاقات قوية مع الإسلام، عن طريق خطوة من جانبنا، وخطوة من جانبكم. والخطاب هنا للمسلمين حيث كانوا وللعالم الإسلامي.

     وتريد هذه الجماعة من العالم الإسلامي مِنَحاً دراسية في الأزهر وجامعة الرياض وغيرهما من جامعات العالم الإسلامي، وتريد أيضاً أن يُستثمرَ بعض المال الإسلامي في البنك غير الربوي الخاص بها بغية دعم حركتها، وتريد أيضاً تبادل الزيارات.

     وتفكر هذه الجماعة في إقامة مدينة إسلامية فاضلة على مساحة 500 فدان لتكون مقراً لها، ونموذجاً للحياة الإسلامية الرشيدة، وليس ذلك مستغرَباً في أمريكا، فقد سبق أن أنشأت جماعة "المورمون" مدينة لها عاشت 50 عاماً.

     وتستعد جماعة "أمة الإسلام" لنشاطات جديدة متنوعة، مما يجعل المرء يتساءل عن مصادر تمويلها. والمصدر الرئيسي للتمويل هو التبرعات وهي ليست قليلة، يضاف إلى ذلك 20% من رسوم الدراسة، وأرباح البنك غير الربوي، وإيرادات المستشفى الخاص بالجماعة، وإيرادات مشروعات استثمارية كثيرة أخرى. وتنفق الجماعة على نشاطاتها المتنوعة في المساجد والكنائس والمدارس والملاجئ والسجون وأدوات الإعلام.
***

     وبعد.. فهذا عرض سريع لجماعة "أمة الإسلام" الأمريكية، وهي الجماعة التي اشتهرت باسم "المسلمين السود" لأن الصحافة الأمريكية أطلقت عليها هذه التسمية وما زالت تكررها حتى ذاعت وانتشرت. وفي هذا العرض ما يجعل الإنسان متفائلاً بمستقبل زاهر للدعوة الإسلامية في أمريكا إن شاء الله.

     على أنّ هذا التفاؤل لا يجعلنا ننسى أن فكرة التأجيل في فرائض الإسلام ليست من الإسلام، فما دام القوم قد أدّوا الشهادة وأسلموا وصاموا فعليهم أن يؤدّوا الصلاة فوراً، ويبدأ القادرون منهم في أداء فريضة الحج والزكاة. ونحن إذ نقرر هذه الملاحظة ونؤكدها، لا يغيب عنا قط أن القوم تحسّن وضعهم الإسلامي كثيراً، والمأمول أن يزداد هذا التحسن حتى يكونوا على الإسلام التام إن شاء الله.
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة