الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

     يمكن للمرء أن يقرر أنّ هناك عدداً من المفكرين المنصفين، الغربيين والعالميين، جاءتهم الفرصة المواتية لدراسة الإسلام دراسة جادة متكاملة، ومن مصادر نقية، بعيدة عن تشويه رجال الكنيسة ومَنْ يشابههم ممن يحملون روحاً صليبية معادية للإسلام والمسلمين.

     وهؤلاء المفكرون الذين درسوا الإسلام هذه الدراسة الموضوعية الأمينة، قد انتهت في كثير من الأحيان، إلى أن اتخذ هؤلاء المفكرون من الإسلام، مواقف كريمة حقاً، فبعضهم أعلن إسلامه على رؤوس الأشهاد، وطفق يدعو إليه، وبعضهم أسلم ولم يمارس أي دعوة لدينه الذي اهتدى إليه، وبعضهم لم يُسلم، لكنه قال في الإسلام وحضارته وما يتصل به، أقوالاً في غاية الروعة والإنصاف.

     ولقد كانت الحروب الصليبية سبباً من الأسباب القديمة المبكرة التي جعلت الكثيرين من الغربيين، يغيّرون وجهة نظرهم فيما يتعلق بالشرق على العموم، وبالإسلام على الخصوص، وذلك بسبب ما شاهدوه في الشرق المسلم من صفات الشهامة والنبل والفروسية والأخلاق السامية الشريفة، وبسبب ما اكتشفوا من أنّ الدين الإسلامي، ليس دين همجية ووحشية وخرافة وما إلى ذلك من افتراءات، كان يُلْحِقها زوراً وبهتاناً رجال الكنيسة بالإسلام وقرآنه الكريم، ونبيّه الطاهر صلى الله عليه وسلم.

     وبدأ الغربيون يدرسون، في شيء من التدبر والرويّة، هذا الشرق المسلم، الذي كان لا يثير في نفوسهم إلا ما رسمه رجال مُغرضون متعصّبون، من صور له وللحياة فيه، وعقائده وآدابه، تبعث النفور والاشمئزاز. ثم كانت الرحلات الكثيرة، وكان الاتصال المستمر، والصلات المباشرة الوثيقة، من العوامل الفعالة في إزالة كثير من الأوهام التي علقت بأذهان الغربيين عن الشرق وعن الإسلام.

     ومما لا شك فيه أنه لم يعد يوجد اليوم في الغرب، كاتب يحترم نفسه، يذكر أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إله المسلمين ومعبودهم، كما كان يقول ذلك من قبل كُتّابٌ سابقون.

     ولم يقف الأمر عند إزالة الأوهام فحسب، لكنَّ تيارَ فَهْمِ الإسلامِ فهماً جيداً أميناً، قد بدأ يخطُّ مجراه، لذلك أخذنا نسمع حديثاً منصفاً موضوعياً، يثني على الإسلام أحسن الثناء، ويدلي بشهادات عظيمة في ذلك.

     وهؤلاء الكُتّاب المنصفون الغربيون، نجد منهم مَنْ أعلن إسلامه، في غير لبس ولا مراءاة، وجابهَ الرأي العام في بيئته بعقيدته الجديدة، وأخذ يدعو إليها مكرِّساً وقته لنشرها، ومنهم مَنْ أحبّ الإسلام ولا ندري ما الذي أسرّه في نفسه، وإن كان المرء يتوقع أنّ مِنْ هذا الفريق مَنْ أسلم لكنه آثر أن يظلّ إسلامه طي الكتمان.
*****

     ومن مشاهير الأوروبيين الذين يَحسُنُ بالمرء أن يتوقف عندهم وهو يتحدث عن صلة عدد من الغربيين المنصفين بالإسلام، الكونت هنري دي كاستري.

     إنّ هذا الرجل درس الإسلام دراسة عميقة، وكتب عنه كتاباً تُرجِمَ إلى العربية ونُشِرَ فيها تحت عنوان "الإسلام سوانح وخواطر". وقصة تفكيره في دراسة الإسلام قصة طريفة.

     كان الرجل من كبار الموظفين في الجزائر بالرغم من سنّه المبكرة، وكان يتجوّل ممتطياً صهوةَ جواده ويسير خلفه، ثلاثون من فرسان العرب الأقوياء، وكان فخوراً بمركزه، وكان يملؤه الغرور للمدح الذي يزجيه إليه هؤلاء الذين تحت إمرته.

     وفجأة وجدهم يقولون له في شيء من الخشونة، وفي كثير من الاعتداد بالنفس: "لقد حان موعد صلاة العصر"، ودون أن يستأذنوه في الوقوف، ترجّلوا واصطفّوا للصلاة متجهين إلى القبلة.

     ودوّت في الصحراء كلمة الإسلام الخالدة: "الله أكبر"، وشعر الكونت في هذه اللحظة بشيء من المهانة في نفسه، وبكثير من الإعجاب والإكبار لهؤلاء الذين لا يبالون به، ذلك لأنهم اتجهوا إلى الله وحده بكل كيانهم.

     وبدأ يتساءل: ما الإسلام؟ أهو ذلك الدين الذي تصوره الكنيسة في صورة بشعة تنفر منها النفس ولا يستريح إليها الوجدان؟

     لقد أثّر موقف الفرسان الجزائريين في نفسه، وجعله يقوم بعملية استبطان داخلي وحوار مع نفسه، ثم طفق الرجل يدرس الإسلام، فإذا به يعجب به إعجاباً شديداً، وإذا به يرى أن من واجبه أن يعلن ما اهتدى إليه فكان كتابه المنصف: "الإسلام سوانح وخواطر".
***

     وعلى سبيل المثال: إنّ الحيرة في فهم الإله المثلث كانت مثار جدال شاق بين الحائرين المتطلعين نحو الهداية وبين قساوسة الكنائس. وقد يختلف هذا الجدال في تفاصيله وطرائقه وأساليبه، لكنك تجد الجوهر في حقيقته واحداً، وقد أحسن المهتدي المسلم شاكر جورج اللبناني البيروتي الذي اختار لنفسه بعد إسلامه اسم وليد أحمد، تلخيص ذلك في حوار دار بينه وبين راعي كنيسته في بيروت، وإليك هذا الحوار مع مقدمة وجيزة تُفضي إليه:

     عاودتُ قراءة القرآن، وكان يشدّني إليه شعور خفي لم أكن أعرف تفسيراً له، وبدأتُ أوازن بين ما أقرؤه في القرآن وبين ما تعلمتُه طوال حياتي الدراسية الماضية من العقيدة النصرانية، فشعرتُ أني أعيش في دوامة، وجاء يوم الأحد التالي فذهبتُ إلى الكنيسة واستمعتُ إلى القداس وبعد أن فرغ الراهب من تلاوته؛

× قلتُ له: أبونا،
- فقال: نعم،
× قلت: أنا إنسان أليس كذلك؟
- فقال: بلى،
× فقلتُ: إذا تحوّلتُ إلى جماد ألا تذهب عني صفة الإنسان؟
- فقال: نعم،
× فقلت: كيف تقولون بأنّ الله قد تحوّل من إله إلى إنسان ولم يفقد صفات الألوهية؟
- فقال: اذهب؛ فإنّ لك عقل شيطان،
× فقلتُ له: أبونا أقنِعْني أنّ الله عندما أصبح إنساناً، وفدانا بدمه قد بقيت فيه صفات الألوهية،
- فقال بعد صمت: تعال عندي بعد غد كي أعطيك الإجابة، وطبيعي أنه لم يَرَ إجابة أبداً.
***

     وإذا أحببتَ أن تضع يدك على نموذج آخر من هذه النماذج التي كانت قبل هدايتها تمثل ضيقاً شديداً بعقيدة الكنيسة ومنطقها المعقّد الذي ترفضه الفطرة السويّة والعقل الذكي، فإليك هذه الرواية عن فولتير الكاتب الفرنسي ذي الصيت الذائع:

     حين كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية لم يُسِغْ عقله عقيدة التثليث أبداً، وكيف أنّ الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وحدث أنْ كان في درس للحساب، فسأل الأستاذ تلاميذه الصغار وهو يعلّمهم الجمع: واحد زائد واحد زائد واحد، كم يساوي؟ فسارع فولتير يقول: يساوي واحد، فنهره الأستاذ ووصفه بأنه حمار!.. فقال له فولتير: ولكن أستاذ الدين هو الذي علمني أنّ الأب والابن والروح القدس ثلاثة في واحد!..
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأكثر مشاهدة