الخميس، 7 سبتمبر 2023

ميثاق التعايش

ميثاق التعايش

     لما هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة المنورة وفيها من اليهود ثلاث قبائل، كان من أول ما عمله من شؤون الدولة أن أقام بينه وبينهم ميثاقاً تحترم فيه عقائدهم، وتلتزم فيه الدولة بدفع الأذى، ويكونون مع المسلمين يداً واحدة على من يقصد المدينة بسوء. وبهذا بذر رسول الله ﷺ البذور الأولى للتسامح الديني في الحضارة الإسلامية، ووضع لهذا التسامح قوانين تنفيذية عملية ذات شكل تطبيقي واقعي.

     هذا على مستوى الدولة والتنظيم، أما على مستوى الصلة الطيبة بالأفراد والجماعات غير المسلمة من حيث العلاقات الاجتماعية كالهدية والزيارة، والجيرة والضيافة؛ فقد كان الأمر هو أيضاً على جانب عظيم من التسامح والبر، والدماثة وحسن المعشر. لقد كان لرسول الله ﷺ جيران من أهل الكتاب فكان يتعاهدهم ببره، ويهديهم الهدايا، ويقبل منهم هداياهم.

     ولما جاء وفد نصارى الحبشة أنزلهم رسول الله ﷺ في المسجد، وقام بنفسه على خدمتهم وضيافتهم، كرماً وجوداً وحسن خلق من ناحية، ووفاءً وردّاً للجميل من ناحية أخرى؛ لأن نجاشي الحبشة كان قد أحسن استقبال المسلمين، وأكرمهم يوم هاجروا إلى بلده فراراً مما كانت تلحقه بهم قريش من صنوف التعذيب والأذى، وكان مما قال رسول الله ﷺ وهو يكرم الوفد الحبشي النصراني: (إنهم كانوا لأصحابنا مكرِمين، فأحب أن أكرمهم بنفسي).

     وجاءه مرة وفد نصارى نجران فأنزلهم في المسجد، وسمح لهم بإقامة صلاتهم فيه، ولمّا أرادوا أن يناقشوا الرسول الكريم ﷺ في الدفاع عن دينهم استمع إليهم وجادلهم، كل ذلك برفق وأدب، وسماحة وخلق، وسعة صدر. ومعروف أنه عليه الصلاة والسلام قبِل من المقوقس حاكم مصر القبطي النصراني هديته، ومن الهدية جارية تسرّى بها وولدت له ابنه إبراهيم الذي لم يعش إلا وقتاً قصيراً. ومن وصاياه للمسلمين: ((استوصوا بالقبط خيراً، فإن لكم فيهم نسباً وصهراً))، ومعروف أن هاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأم ولده إسماعيل كانت من مصر.

     وعلى هدي الرسول الكريم ﷺ في تسامحه الديني، ذي النزعة الإنسانية الرفيعة سار خلفاؤه من بعده، فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين يدخل بيت المقدس فاتحاً يجيب سكانها المسيحيين إلى ما اشترطوه من أن لا يساكنهم فيها يهودي. وقد أبى أن يصلي في كنيسة القدس (القيامة) حين أدركته صلاة العصر كيلا يتخذ المسلمون بعده من هذه الصلاة ذريعة للمطالبة بهذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد.

     إنها ذروة سامقة جداً ما عرفنا حضارة أخرى ارتفعت إليها، الخليفة المنتصر يأبى الصلاة في كنيسة قوم مغلوبين ليقطع الطريق بذلك على محاولةٍ قد يقوم بها من بعدُ مسلم متعصب ضيق الأفق فيقول: ها هنا صلى عمر!.. وينبغي أن يكون مكان صلاته مسجداً لا كنيسة.

     ويروى أن امرأة مسيحية من مصر شكت إلى عمر بن الخطاب أن والي مصر عمرو بن العاص أدخل دارها في المسجد كرهاً عنها، فسأل عَمْراً عن ذلك فأخبره عمرو أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم وفي جواره دار هذه المرأة، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها، وبالغ في الثمن، فما رضيت، فاضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت.

     ومع أن تصرف عمرو عادي ومعقول، بل وكريمٌ كذلك، إذ عرض عليها الثمن وزاد فيه، وحين أبت تركه لها وديعة في بيت المال، ومع أنه عمل تبيحه القوانين الحاضرة فلا لوم على عمرو فيه ولا تثريب، إلّا أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يرضَ ذلك كله، وأمر عَمْراً أن يهدم البناء الجديد من المسجد، ويعيد إلى المرأة المسيحية المصرية دارها كما كانت.

     إنها الروح الإسلامية العميقة التي تأصلت فينا نحن -المسلمين- على جميع الأصعدة من الفرد إلى الحضارة، مروراً بكل المؤسسات والأنظمة والقوانين، هي التي تقف وراء هذه الشوامخ الرائعة من كرام المواقف الإنسانية النبيلة، شاهد صدق على عظمة الإسلام كدين، وسمو المسلمين كأمة، وتألق مسيرتهم عبر التاريخ حضارة هدي ونور، وتعاون وبِر، وعدل ومساواة، وكرامة ورشد.
*****

الأحد، 27 أغسطس 2023

كتاب سبيل النور - المقدمة والمحتويات

كتاب سبيل النور

المقـــدمة

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين، ثم أما بعد:

     فإن الهداية غاية مطلب الإسنان في هذه الحياة، وهي طريق النجاة، وهذه من حكمة أن نردد في كل ركعة من صلواتنا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، والله سبحانه وتعالى يهدي لنوره وصراطه المستقيم أولئك الذين صدقوا في طلب الهداية، وأخلصوا النية في طلب الحق. وفي الوقت نفسه يحرم من الهداية المستكبرون الجاحدون، مهما قدمت لهم من براهين وأدلة عقلية منطقية، أو من آيات بصرية مرئية.

     وكم قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآفاق البعيدة أناس لم يعاشروه من قبل، ولم يعيشوا معه، ولكن قلوبهم كانت مستعدة لقبول الحق والاهتداء به، وبالمقابل كفر به أناس هم اقرب الناس إليه، ويعرفونه صدقه وأمانته حق المعرفة.

     ولقد وصف الله سبحانه أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنهم يعرفونه من أوصافه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، ومع هذا فقد كفر أكثر أهل الكتاب في زمانه صلى الله عليه وسلم به.

     إنَّ موكب الإيمان والنور يسير من دون توقف، وينضم إليه في كل عصر ومصر أناس صدقوا النية في الطلب، ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج:24]، اهتدوا بآيات الله سبحانه في الأنفس وفي الآفاق التي وعد الله سبحانه أن يريها الناس لتقوم الحجة عليهم إلى يوم القيامة، فلم تتوقف الدعوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينطفئ نور الله سبحانه، فكان كما قال في كتابه العزيز: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاس ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8]، وهذا من أكبر الدلائل على صدق هذا الدين، وصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     وفي هذه المقالات اختار د.حيدر الغدير نماذج من هؤلاء الباحثين عن نور الله، والمهتدين إلى الصراط المستقيم، ملقيا الضوء على أسباب الهداية، وعوائق الطريق، وصعوبات الثبات من حياة هؤلاء المحظوظين المكرمين، لتكون فيها عبرة وحجة لغيرهم ممن قبل نور الإسلام أو لم يقبله، وممن دعا إلى الله أو لم يدع، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

     وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

شمس الدين درمش

-------------

المحتـويــــات
(روابط تنقلك للمقالات)

- المقدمة ............................................................. 6

-------------

الخميس، 24 أغسطس 2023

كتاب: رجال ونساء أسلموا

كتاب: رجال ونساء أسلموا

     يُعدُّ الكتاب الذي أخرجه الأستاذ عرفات كامل العشي تحت عنوان "رجال ونساء أسلموا" من الكتب الجادة الهادفة ومن أحسنها في موضوعه. ويطيب لك في الكتاب المذكور أن ترى المؤلف محتفلاً بموضوعه، مهتماً بمادّته، صابراً على المراسلة والمحادثة والمتابعة، وبذلك تهيّأَ له إخراج كتاب جيد، جميل العرض بالرغم من دسامة مادته.

     وفي هذا الكتاب فرصة واسعة للنظر الجاد، والتأمل الذكي، لمن يهمه أن ينتشر الإسلام بين العالمين. إنك تجد فيه هواجس الحيرة ووساوس الشك، وهمزات الشياطين، كما أنك تجد الاعتراض على عقائد باطلة موروثة، وحرقة البحث عن الهداية، كما تجد أيضاً لذة الاطمئنان، وبرد اليقين، وسكينة القلب والعقل والجوارح؛ لدى مَن فازوا بنور الهداية، وألقوا قيادهم للإسلام واثقين.

     وقد كان هؤلاء المهتدون في فترة جاهليتهم، وقبل أن تشرق عليهم شمس الهداية أنواعاً وعناصر شتى. فيهم مَنْ كان مسيحياً، ومَنْ كان يهودياً، ومَنْ كان هندوكياً، وفيهم مَنْ مال إلى الإلحاد فاعتنق الشيوعية أو الوجودية، وفيهم من كاد الفساد الأخلاقي يقضي على شبابه وقوّته ويرمي جسده بالهزال والداء العياء. وفيهم الرجل والمرأة، والشيخ والشاب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، وفيهم العالم والأديب، والقصّاص والصحفي، والتاجر والبحّار، فيهم عيّنات من مختلف النماذج البشرية.

     وظلّ هؤلاء في حالك الظلام حتى أبصروا قبساً من نور الإسلام، فكان هذا النور طوق النجاة للغريق، والمرفأ الأمين ترسو فيه السفن بعد أن كابدت العناء الكثير من الأعاصير في بحر لجّي عاصف يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب.

     وفي أقوال المهتدين ما يوجه دعاة الإسلام إلى ما يجنون به أطيب الثمار بأقل الجهد. ولقد كان الإسلام بيسره وسماحته عامل جذب قوي لهم إذ وازنوا بين الضر والنفع، والخير والشر، فرجحت لديهم الكفّة الأفضل، وأجابوا داعي الله تعالى عن اقتناع تام، ثم هبّوا يعلنون على الملأ حقيقة ما اهتدوا إليه من دين سمح كريم يقود خطى المرء إلى سعادة الدنيا والآخرة على السواء.
*****

قبسات من المهتدين

قبسات من المهتدين

     لقد كان جنون الحضارة المادية في الغرب، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات شديدة الإزعاج والأذى والخطورة، وذلك في عصرنا الحاضر، داعياً جهير الصوت للفرار من مجتمعها الغاشم وحياتها القاسية، والبحث عن موئل للسلام والسكينة والأمان، وقد أدى هذا الفرار وما تلاه من بحث إلى التعبير عن نفسه بأشكال شتى، وبحثَ الفارّون كلٌّ حَسْبَ مزاجه وثقافته وخبراته وتطلعاته، وحسب المقادير التي كانت أمامه، عن موئل للسلام والطمأنينة يختلف عما يَنشده رفاقه الآخرون، ففازت قلّةٌ وأخفق الكثيرون.

     أما الكثيرون الذين أخفقوا فقد غرقوا في متاهات جديدة كالشيوعية والإلحاد، والهيبيّة والمخدرات، واليوغا والوثنية الهندية، والإغراق في المفاسد والمباذل، وما إلى ذلك من أشكال الضياع الجديدة.

     وأما القلة التي فازت فقد انتهت إلى الإسلام فآمنَت به ونَجَتْ مما كانت تعاني، وفازت بما كانت تؤمّل. هذه القلة المهتدية بحثتْ عن دين صحيح إيجابي عملي، مثالي واقعي، يهدي إلى الحياة الفاضلة بعيداً عن سُعار التشاحن وجنون التنافس، ومصادمات الأثرة والاحتكار والقسوة والتكاثر.

     والبحث عن هذا الدين الذي يملك هذه المواصفات المحددة عند ذلك النفر الذي فاز بالهداية حقيقة تواطأ على إظهارها كثير من الفارّين من مجتمعهم الضائع المنحدر إلى الإسلام الخالد. وأقوالهم في ذلك جلية بيّنة واضحة تُظهر ضيقهم واشمئزازهم من العيش في مجتمعهم الأول الذي تحوّل إلى غابة تضج بالزئير، وتسيل فيها الدماء، ويصبح الضعيف فيها قوتاً للقوي، وتغيب فيها المُثُل والأخلاقيات وما يتصل بها.
***

× قالت عائشة "برجت هوني" الفتاة الإنكليزية المهتدية للإسلام: يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص النفس والروح، فكل مَنْ يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق وراء بريق التقدم والإبداع المادي، فالناس في الغرب يبحثون عن مُخَلِّصٍ من العقبات التي تحيق بهم، ولكنهم لا يرون منها مخرجاً، فبحثهم عقيم، وليس أمامهم إلا أن يواصلوا سيرهم نحو جحيم الفناء والكارثة.

     وفي الإسلام نجد أنّ الانسجام اللطيف بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح، يمكن أن يمارس تأثيراً قوياً في أيامنا هذه، وبوسعه أن يبيِّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي للفلاح والخلاص الحقيقيين.
***

     ولا شك أنّ ما قالته المهتدية الإنكليزية "عائشة برجت هوني" هو حقيقة مقررة ثابتة، وأنّ هذه الحقيقة قد باتت من الوضوح والذيوع بحيث لا تحتمل كثيراً من الجدال، وإذا كانت عائشة قد أصابت كبد الحقيقة في وصفها لحضارة قومها، فإنها كذلك أصابت كبد الحقيقة مرةً أخرى حين قررت أنّ الإسلام إذ يلبّي حاجات الروح والجسد معاً بانسجام جميل هو السبيل المنقذ والطريق الوحيد الذي يؤدي للخلاص.
***

× ويقول الأخ يعقوب باريموند وهو مهتدٍ آخر: ومما زاد في إقصائي عن النصرانية ما لاحظته من أنّ أساليب الحياة المادية البحتة التي انتشرت في أوروبا وأمريكا الشمالية في الأوقات الحاضرة، قد أدّت إلى تحطيم أبسط القيم الإنسانية تحطيماً كاملاً، إذ ينحصر اهتمام الناس في الأقطار الأوروبية والأمريكية في تحقيق هدف واحد في الحياة وهو تأمين المزيد من وسائل الراحة المادية بصرف النظر عن العزاء النفسي والروحي، فترى كل واحد منهم يلهث وراء ملذاته الشخصية، كما ينعدم الإحساس بالأخوّة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
***

× أما الأخ ركس إنجرام المهتدي الإنكليزي فيقول: إنني لم أغيّر ديني إلا كي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، ولأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء والتأمل، بعيداً عن متاعب الهموم والمحن التي يسبّبها التكالب على الكسب والتهالك على المال، ولأخلص نفسي من براثن الإغراء وخدع الحياة الباطلة والشراب والمخدرات وجنون فرقة الجاز، أسلمتُ لأنقذ ذهني وعقلي وحياتي من الهدم والتدمير.
***

× وفي الاتجاه نفسه، الهارب من قسوة الحياة المادية وعنفها وضجيجها إلى حيث الأمن النفسي والسكينة والسلام مما يوفّره الإسلام لأبنائه نرى المهتدي الهندي بشير أحمد باتيل يتجه ويمضي.

     يقول باتيل: أحسستُ في أعماق نفسي بالشقاء الكامل، كأن روحي كانت تصرخ لحرمانها، وجاء الوقت الذي لم يستطع فيه عقلي المتعثر أن يقنع قلبي الذي كان في لهفة شديدة إلى مبدأ حق يؤمن به، فقد عجزت الحياة المادية والخلقية والفكرية عن تحقيق السلام النفسي، وكانت روحي متعطشةً لمبدأ روحي يحقق لها ما تصبو إليه من سلام.
***

× ويقول عمر لي (ريتشارد لي سابقاً): حصلتُ على كتاب "مقدمة إلى الإسلام"، كان هدفي من قراءته انتقاد الإسلام، وإيجاد الثغرات، وإيجاد التناقض في الأفكار، ولم أكن أجد شيئاً يمكن انتقاده. وفي يوم من الأيام وجدتُ نفسي عند باب المركز الإسلامي في واشنطن أطلبُ موعداً لإشهار إسلامي.

× ويقول: سير جيمس جينز الفلكي الإنكليزي الشهير: لقد بدأ الكون يلوح أكثر شبهاً بفكر عظيم منه بآلة عظيمة.

× ويقول الكاتب الفرنسي المهتدي فانسان مونتيه: يتحدث الأوروبيون دوماً بادّعاء عما حملوا إلى العرب من منجزات حضارية كالمدرسة وطرق المواصلات والهاتف وسواها ويَنْسَوْنَ الدَيْنَ الذي يدينون به للعرب.

     يَنْسَوْنَ أنّ العلم مدين للعرب الذين استوعبوا علوم الإغريق وبقية دول العالم، وحفظوها في تراثهم، ولولا الجهد الواسع في الترجمة، في القاهرة وبغداد وطليطلة وبالرمو لما عرفت أوروبا طريق النور. العرب هم الذين قدّموا إلى الفكر العلمي دوراً عملياً وتقنياً وانفتاحاً دولياً.
***

     وبعد .. فهذه شهادات لعدد من المهتدين تكشف عمّا في مجتمعاتهم الأولى من ضلال وحيرة، وقسوة وضياع، وتكشف عن المقدار الهائل الذي يحققه الإسلام لأبنائه من سلام الروح والعقل، وراحة النفس والأعصاب، والأمن السابغ والسكينة الراضية.
*****

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

أضواء على المراكز الإسلامية في ألمانيا

     حيّا الله الإخوة العاملين للإسلام في أي مكان كانوا، حيّاهم الله وجزاهم خيراً. إنهم بذلك يثبتون صدق ولائهم للإسلام، وجدّية انتمائهم إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وشرف انتسابهم إلى خير أمة أخرجت للناس. تحية لهم من الأعماق على ما يفعلون، ووفّقهم الله عز وجل فيما هم فيه ينشطون.

     وإذا كان كل داعية أهلاً لهذا الدعاء وتلكم التحية، فإن الداعية الذي يعمل في ظروف أشق له دعاء مضاعف، وتحية مكررة، ومن هؤلاء الإخوة العاملون في ميونخ وآخن في ألمانيا.

     ويضطلع المركز الإسلامي في ميونخ بأعمال كثيرة وهامة للمسلمين، فتقام الصلوات الخمس في مكانها من المركز، وهناك عناية يبذلها المركز لتدريس القرآن الكريم وتعليم الصلاة وتعليم اللغة العربية لأكثر من مئة من أبناء المسلمين من البنين والبنات، وينظّم المركز ندوات ومحاضرات بثلاث لغات: العربية والألمانية والتركية. ويعرض أفلاماً سينمائية إسلامية حتى تزداد صلة المسلمين بدينهم، ويتيح الفرصة لمن يريدون التعرف على الإسلام، ممن أسلم أو لم يسلم، أن يحصلوا على ذلك.

     ولقد ساهم ذلك في اعتناق كثير من الألمان الإسلام بعد أن وجدوا فيه العنصر الأساسي الذي تفتقده الحياة الأوروبية، وذلك حين تتوازن النفس بالروحانيات ويتوازن المجتمع بشريعة الإسلام العادلة، فحياة الأفراد تتكامل وتخلو من الصراع النفسي، وحياة المجتمع تتكامل وتخلو من الأحقاد والعُقَد والانقسامات.

     وبين الحين والآخر يعتنق الإسلام عن وعي وإحاطة ودراسة أحد الألمان، وكان آخر هؤلاء المعتنقين آنسة في ريعان الشباب عمرها (21) عاماً؛ اعتنقت هذه الفتاة الإسلام، والتزمت التزاماً كاملاً بكل ما جاء به، فصامت شهر رمضان سعيدةً فرحة، وتحجّبت حجاباً إسلامياً كاملاً كان صدىً لما آمنت به، وتحدياً للعري والتبرج.

     وكان لزاماً على العاملين في المركز الإسلامي في ميونخ أن يقوموا بفتح روضة لأطفال المسلمين لحمايتهم من خطر التنصير، وأكل لحم الخنزير، وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم، ذلك أنّ رياض الأطفال الألمانية تذهب بهم مرتين في الأسبوع إلى الكنيسة. وقد تم بفضل الله افتتاح روضة الأطفال، ويشرف عليها ثلاث من السيدات المسلمات.

     ويُصدِر المركز مجلة "أنت والإسلام" لأبناء المسلمين الذين هم فوق العاشرة، تحبِّبُ إليهم الإيمان، وتُكَرِّهُ إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويُصدِر كذلك مجلة أخرى تحمل اسم "الإسلام" باللغتين التركية والألمانية، ويُصدِر أيضاً بعض النشرات الدورية.

     وهناك وفود من المركز تذهب للاتصال بالوافدين إلى معاهد جوته لتعليم اللغة الألمانية تمهيداً لالتحاقهم بالجامعات الألمانية. ويوثّق المركز صلته بهؤلاء الوافدين، ويقدّم لهم الخدمات التي يحتاجون إليها، ويبذل جهده لحمايتهم من الذوبان في المجتمع الغربي، ولبقائهم عناصر إسلامية صالحة.

     ويقوم المركز بتدريس أبناء المسلمين الذين يدرسون في المدارس الألمانية مادة الدين الإسلامي لأنّ تلك المدارس لا تعلّمهم ذلك، ويقيم معسكرات ومخيمات لربط أفراد الجالية الإسلامية بدينهم وبعضهم ببعض، وتقوية أواصر الإخاء والمحبة فيما بينهم.

     ويستقبل المركز شهرياً وفود الطلبة الألمان من المدارس الألمانية الذي يأتون إليه زائرين ويردّ على استفساراتهم، ويشرح لهم مبادئ الإسلام.

     وفي المركز جناح خاص لاستقبال واستضافة الوافدين من الطلبة والزائرين، ومن خدمات المركز للمسلمين أنه يقوم بإجراء عقود الزواج على مقتضى الشريعة الإسلامية، ومؤخراً اشترى المركز مقبرة لدفن موتى المسلمين.

     ويقوم المركز الإسلامي في آخن (مسجد بلال) بنشاطات حميدة في الدعوة إلى الله عز وجل، ويصدر مجلة شهرية باللغة العربية اسمها "الرائد"، ويعمل الآن على إنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وسكن للطلاب الوافدين، وله نشاط حميد في أوساط الطلبة.

     ومن الأخبار الشائقة التي تدل على وجود الفرص أمام انتشار الإسلام أنّ رسالةً وصلت إلى مركز ميونخ من أحد السجون الألمانية، وقد وقّع عليها عشرون سجيناً ألمانياً يريدون اعتناق الإسلام، وطُرِحَ موضوعهم للدراسة بين العاملين في المركز.

     ويمكن القول: إنّ الشعب الألماني موضوعي إلى حد ما، وهو يتقبل المناقشة، وكثير من أبنائه يهتمون بالبحث الجاد، ومنهم من قرأ عن الإسلام وآمن به من مجرد القراءة فقط.

     إنّ المناخ في ألمانيا للدعوة الإسلامية مناخ مناسب، فالألماني الذي يُسلم يساعد كثيراً في حقل الدعوة الإسلامية، والقوانين الألمانية لا تقف حجرة عثرة في طريقه.

     وهناك محاولة يقوم بها الآن مركزا ميونخ وآخن للاعتراف رسمياً بالدين الإسلامي في ألمانيا على غرار ما جرى في بلجيكا لأنّ لهذا الاعتراف فوائد كثيرة.

     ولا شك أنّ نشاط مركزَيْ آخن وميونخ قد تمكن من إعادة عدد كبير من المسلمين الذين جرفتهم الحياة الأوروبية إلى حظيرة الإسلام، ووفّرت للمسلمين الذين تزوجوا من ألمانيات المكان الصالح لتربية أبنائهم تربية إسلامية جيدة، وتعليمهم اللغة العربية.

     ولقد أدى النشاط المتزايد للمراكز الإسلامية في أوروبا إلى تعاون المسلمين وتعارفهم وظهور شخصيتهم المؤثرة الإيجابية أمام المجتمع الأوروبي، مما جعل أعداداً متزايدة من الأوروبيين تنظر إلى المسلمين نظرة احترام وتقدير.

     وحقيقةً.. إنّ الجهود التي يبذلها الإخوة العاملون في المركز الإسلامي بميونخ، تعبّر عن طبيعة الإسلام في قدرته على الامتداد والانتشار، وعن تصوّره في أنّ الله عز وجل قد جعل الأرض كلها مسجداً وطهوراً، فأيّما مسلم أدركته الصلاة في أيّ مكان فليصلّ، وأيّما مسلم رحل إلى أرض يستطيع أن يبلغ دعوة الله تثبيتاً للمسلمين على إسلامهم وهدياً للذين يشرح الله صدورهم للإسلام فعليه أن يفعل ذلك دون إبطاء.

     وفي دوامة الصراع الفكري والعقائدي التي تلفُّ عالمَنا المعاصر، لا تصلح إلا الجهود الإيجابية في الزحف والامتداد والانتشار ومواصلة الصعود في خط بياني يسجّل كل يوم كسباً جديداً للإسلام. أما النُّواح والبكاء فليس وراءه سوى مشاعر التثبيط واليأس.

     والحق أنّ المركز الإسلامي في ميونخ بادرة إيجابية للدعوة إلى الله عز وجل، تعبّر عن مرحلة جديدة صحّية يضع العمل الإسلامي أقدامه على أبوابها.

     ومن الواضح أنه لو كان لدى المركز إمكانيات أكبر وأوفر لكان نشاطه أثرى وأوسع، والمال مقوّم أساسي في انتشار الدعوات، وفي القرآن الكريم نرى الجهاد بالنفس والجهاد بالمال قد اقترنا كثيراً.

     فندعو أغنياء هذه الأمة إلى البذل السخيّ الواسع، فالله تعالى الذي يرزق مَنْ يشاء بغير حساب، ينبغي أن يُشْكَر من خلال أموال تُنفَقُ في سبيله بدون حساب، ندعو الأغنياء إلى نصرة الإسلام بأموالهم بعد أن فاتتهم نصرته بأنفسهم.

     إنّ المؤسسات المالية الكنسية الضخمة روافدها من تبرعات أغنياء النصارى، وإنّ الفاتيكان اليوم هو واحد من عشر دول استثمارية كبرى في العالم، وإنّ هذه الأموال الهائلة اجتمع معظمها لديه من تبرعات أغنياء الكاثوليك، ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية أنشئ معها صندوق مالي من تبرعات اليهود، وكان لهذا الصندوق وزنه في نجاحات الحركة الصهيونية.

     إن على القادرين من المسلمين أن يقدموا لأنفسهم الخير، ويدّخروا الثواب، ويسارعوا إلى معاونة المراكز الإسلامية في العالم ليتضاعف نشاطها في خدمة الإسلام والمسلمين.
*****

كريستين برنارد ولسون والإسلام

كريستين برنارد ولسون والإسلام

     كان اسمها كريستين برنارد ولسون، وكانت مسيحية كاثوليكية، ثم شرح الله صدرها للإسلام فدخلت فيه مقتنعةً أنه الدين الحق. تقول هذه المهتدية التي اختارت لنفسها اسم هنادي بدر الدين:

     سمعتُ عن الإسلام لأول مرة وأنا طفلة صغيرة أدرس في أول مراحل التعليم، وقد لفت نظري صورة لإحدى السيدات المسلمات المتحجّبات فسألتُ مدرّستي عن ذلك اللباس فأفهمتني أنّ دين الإسلام هو الذي يأمر النسوة بالحجاب. وقد بقيت كلمة الإسلام مرتبطة في ذهني بهذه الصورة بدون فهم أو إدراك حتى التحقتُ بالجامعة، وسمعتُ هذه الكلمة مرة ثانية.

     كنا مجموعة من الطلبة والطالبات، جلسنا في إحدى الأمسيات نتناول الطعام في نادي الجامعة وسط مرج الشباب ولهوه. وكان بيننا طالب عربي لا يشاركنا الشراب، فتعجبتُ من أمره وسألته: هل لديك مانع صحي يجعلك لا تشاركنا الشراب؟ فأجاب: لا، قلت: لم لا تشرب إذن؟ فأجاب: لأنني مسلم. فقلت: آه أنت تؤمن بذلك الدين الذي يأمر النساء بالحجاب ويسمح للرجال بالزواج من أربع!!! فسألني: أهذا كل ما تعرفينه عن الإسلام؟ قلت: نعم، فهل عندك ما تضيفه إلى معلوماتي؟ قال: نعم، وأخذ يحدّثني عن الإسلام.

     وأخذتُ أستمع إلى حديثه باهتمام شديد، وفي صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى المكتبة أبحثُ عن الكتب التي تضاعِفُ معلوماتي عن الإسلام، ولكنني لم أجد غير كتب المستشرقين فرفضتُ الاطلاع عليها، وعدتُ إلى زميلي أطلب منه أن يمدني بكتب تُشبِعُ رغبتي في دراسة الإسلام، ولم يدّخر زميلي وسعاً في ذلك.

     وانقطعتُ للقراءة، وكنتُ كلما انتهيتُ من قراءة كتاب أشعر أنّ شيئاً من الغشاوة التي تغطي عيني قد انزاح، وأنني أصبحتُ أكثر استنارة، وهكذا حتى انتهيتُ من قراءة كل الكتب التي أمدّني بها ذلك الزميل، وهنا شعرتُ بعظمة الإسلام، وقررتُ أن أترك ديني وأصبح مسلمة تعبد إلهاً واحداً لا ثلاثة، وتستطيع أن تؤدي فروض الصلاة في بيتها أو أي مكان آخر دون أن تضطر للذهاب إلى الكنيسة لتُقبل صلاتُها، وقد تم لي ما أردتُ، وأصبحتُ مسلمة، والحمد لله.
***

     وقد سُئِلت كريستين برنارد ولسون عن أهم شيء خرجت به من دراستها للإسلام فقالت:

     استرحتُ كثيراً عندما استقر بي المقام في كنف دين يقوم على عبادة إله واحد لا شريك له، ولا ولد له. فقد كانت فكرة "الثلاثة" في ديني الأول تؤرقني وتزعجني، وكانت أحياناً تجعلني أسخر منها، فكيف يكون الإله شريكاً للبشر في صفاتهم الخاصة كالزواج والوالدية!؟ هذا منطق لا يقبله العقل!.

     وهناك أمور أخرى جذبتني للإسلام منها أنه دين لا يفصل بين القول والعمل، الفكر والسلوك، ولا يقيم الحواجز بين تصرفات الشخص وإيمانه بما يعتقد، فهو دين لا يقف عند حدود العبادة التي ترتبط بمكان كما هو الحال في الأديان الأخرى، ثم إنّ الإسلام ليس دين دقائق أو ساعات يقضيها الإنسان في أداء الفريضة، ثم ينصرف إلى حاله ليتصرف كما يهوى.

     إنه حياة كاملة شاملة يعيشها المسلم، وهو يقول: إنّ العمل عبادة، وطلب العلم عبادة، والسعي في مصالح الناس عبادة، والإسلام لا يفصل بين البدن والنفس، بل يعطي لكل منهما حقه، ويوازن بينهما، ويُعْنى بطهارتهما معاً عنايةً كبرى، ويجعل النظافة من الإيمان.

     وفي مقدمة المسائل التي شدتني جداً إلى الإسلام أنه دين الرحمة والتراحم والتعاون والتكافل، وأنه قد جعل الزكاة من أسباب سلامة المجتمع، ومنع انتشار الحقد والضغينة ومختلف الأمراض الاجتماعية فيه.

     وأيضاً اهتمام الإسلام بالمرأة، ذلك الاهتمام جعله يسوّي بينها وبين الرجل في المنبع الذي خُلِقا منه، وفي الحقوق والواجبات، وأنه جعل الرجل مسؤولاً عن المرأة مسؤولية كاملة ما دامت هي في عصمته، وما دامت تربّي أولاده وتدير شؤون بيته. بل إنّه يعتبر الرجل مسؤولاً عن إعاشتها إن وقع الطلاق بينهما وقرّر لها عليه نفقةً محددة، وفرض عليه أن يدفع لها المهر عند الزواج، أما الأديان الأخرى فالمرأة فيها تدفع المهر للرجل وهو ما يسمّى لديهم بـ"الدوطة".

     وسكتت هنادي لحظات كانت تنظر فيها إلى السماء، ثم تنهّدت بارتياح وهي تقول: الحمد لله الذي هداني للإسلام، وأخرجني من الظلمات إلى النور.
*****

مريم جميلة من اليهودية إلى الإسلام

مريم جميلة من اليهودية إلى الإسلام

     على الرغم من عناد اليهود وجحودهم وتكبرهم وغرورهم، لا تخطئ أن تجد منهم مَنْ يهتدي للإسلام ويمنحه ولاءه وإخلاصه، وفي هذا دليل على أنّ هذا الدين، دينَ الحق، ودينَ الفطرة السوية، بوسعه أن يدخل أشد المعاقل صعوبة ومقاومة.

     إننا نجد في اليهودية عدداً ممن ضاقوا بها واهتدوا إلى الإسلام، وكتبوا مذكرات وجيزة أو وافية تشرح أسباب تفضيلهم للإسلام، بنظر ثاقب وعقل فاحص، من هؤلاء زكي عربي المحامي المصري المشهور، وأحمد نسيم سوسة المهندس العراقي الكبير، ومحمد أسد الأديب المفكر الرحالة النمساوي الذي كان يحمل اسم "ليوبولد فايس"، ومن هؤلاء الكاتبة المفكرة الأمريكية التي حملت بعد إسلامها اسم "مريم جميلة".

     تقول مريم جميلة في حديثها عن تجربتها التي قادتها إلى الإسلام:

     لقد صدمني ما لاحظته من عدم اهتمام زملائي في المدرسة وعدم اكتراث آبائهم بالدين اليهودي، وأخذهم له مأخذ الهزل، فقد اعتاد هؤلاء في أثناء الصلاة في المعبد أن يقرؤوا قصاصات مضحكة كانوا يخفونها في كتب الصلاة، ويضحكون إلى درجة الاستهزاء بالطقوس الدينية.

     ولم يكن جو الاهتمام بالدين في البيت أفضل من هذا بكثير، ففي أعظم الأعياد اليهودية المقدسة كنا نؤخذ أنا وشقيقتي من المدرسة، ونذهب في رحلات عائلية وحفلات مرحة نقضيها في المطاعم الأنيقة بدلاً من حضور الصلاة في المعبد وصيام اليوم الكبير.

     فإذا انضم إلى هذا العزوف النفسي عدم إخلاص الأحبار أنفسهم إزاء حقائق دينهم، ومحاولتهم تشويهها بشكل مكشوف لا لبس فيه؛ فإنّ ذلك مما يزعزع الثقة بالأحبار وبما يقولون.

     ويبدو أنّ ذلك بعض ما عانته مريم جميلة؛ فتقول عن ذلك:

     "وعندما أصبحتُ في العشرين من عمري، وكنتُ حينئذٍ طالبة في جامعة نيويورك كانت إحدى الدورات المرشحة لي تحت عنوان "اليهودية في الإسلام" للبروفيسور الحبر أبراهام إسحاق كاتش رئيس قسم الدراسات العبرية في الجامعة. وكان لا يألو جهداً في إقناع تلامذته وكلهم من اليهود أنّ الإسلام مشتق من اليهودية.

     وكان كتابنا المقرر -وهو من تأليفه- يأخذ آية من القرآن، ويسعى جاهداً لردها إلى أصلها اليهودي المزعوم. وبالرغم من أنّ هدفه الحقيقي هو أن يثبت لطلابه استعلاء اليهودية على الإسلام؛ فقد أقنعني بعكس ذلك تماماً. وكان تصوري لإله اليهود كما ذُكِر في العهد القديم وفي كتاب الصلاة عند اليهود مُشوّهاً وغير لائق، فقد بدا لي –كما تصوِّرُه اليهودية– في صورة وكيل لمقاطعة دنيوية".
***

     وشاء الله عز وجل أن تتمرد الفطرة في شخص هذه المرأة على هاتيك الخزعبلات، لتلقي قيادها للدين الحق، وتختار عن طواعية تامة اللحوق بموكب الإسلام، الهادي المهدي المبارك.
*****

روجيه غارودي ونقد الحضارة الغربية

روجيه غارودي ونقد الحضارة الغربية

     "روجيه غارودي" واحد من أبرز المفكرين الشيوعيين في فرنسا. وقد كان حتى عام 1970م الرأس المفكر للحزب الشيوعي الفرنسي، لكنه طُرِدَ من الحزب لانتقاده موقف الاتحاد السوفييتي من أحداث تشيكوسلوفاكيا. من أهم كتبه "ماركسية القرن العشرين"، و"ما هي المادية؟" الذي تُرجِم إلى العربية، وكتابه "من أجل حوار مع الحضارات" له قيمة خاصة تجعلنا نتوقف عنده بعض الشيء لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

     وإذا كانت للرجل أعمال علمية هادئة ودقيقة، ينتقد فيها بأسلوب موضوعي محض النموذج الاشتراكي في الدولة الشيوعية الأمّ، ويتحدث عن وجهة نظره الخاصة في الماركسية الخالية من القوالب الفكرية الجامدة، فإنه في كتابه "من أجل حوار مع الحضارات" لا ينتقد أيديولوجية خاصة، بل يوجه اتهامه إلى قارة بأكملها.

     إنه يوجه في كتابه هذا نقداً لاذعاً للحضارة الغربية التي انبهر بها الكثيرون، وتبلغ به نقمته على هذه الحضارة أن يصفها بأنّ سيادتها "أخطر كارثة في تاريخ الإنسانية".

     وعن عصر النهضة الأوروبية يقول: إنّ هذا العصر "لم يكن كما يصوره الأوروبيون قمة الحضارة التي أعطت أرقى القيم الإنسانية، بل إنها بداية أحلك فترة في تاريخ الإنسانية، إذ بدأت معها فترة الاستعمار الاقتصادي والسياسي في العالم، عندما بدأ الرجل الأبيض في نهب الموارد البشرية والمواد الأولية من القارات الأخرى، ليشيد بناءه الاقتصادي، ثم استمر إلى اليوم في عملية الاستنزاف الاقتصادي".

     وينتقد الرجل الحضارة الغربية بعد ذلك لتحطيمها القيم الإنسانية فيقول: إنّ الحضارة الأوروبية التي بُنِيت على فلسفة "فاوست"، والتي جعلت من الإنسان الغربي مجرد آلة للإنتاج والاستهلاك تسير بدون هدف.

     ويعلن روجيه غارودي رأيه في مستقبل الإنسانية تحت ظل الحضارة الغربية التي تقودها اليوم، فيقول: إنّ الحضارة الغربية ستقود الإنسانية إلى هلاك محتّم إلا إذا خرج الرجل الأبيض من جهله ومن غروره وغطرسته وتفتّحَ على الحضارات العريقة.
***

     ويقول روجيه غارودي في كتابه "من أجل حوار مع الحضارات"، عن الإنسان في ظل الحضارة الغربية، وكيف غلبت عليه الآلة، ووقع تحت سيطرة النهم الاقتصادي الذي لا ينتهي، والتزايد في الإنتاج الذي ينبغي أن يظل في نمو لا يتوقف:

     "الإنسان الغربي يسير بلا هدف، كالآلة في إنتاجه واستهلاكه، وهدفه الوحيد هو أن يُنتج أكثر فأكثر، ويطلق على ذلك "النمو الاقتصادي"، ويجعل من كمية هذا النمو الاقتصادي المقياس الوحيد الذي يفرق بين دولة متحضّرة ودولة متأخرة".

     ثم يؤكد على ضرورة الإسراع في وضع حد لسيطرة الثقافة الغربية، وعلى ضرورة إيجاد تغيير جذري للنموذج الغربي، وخاصة في علاقة الإنسان مع الطبيعة، ويقرر بأنّ هذا لا يتأتّى إلا بمساعدة ما قدّمه المفكرون المسلمون من آسيا وأفريقيا.

     ولا يجد غارودي في التراث الفكري المادي الأوروبي، وما تمخّض عنه من مدارس اقتصادية واجتماعية أي أمل في إنقاذ الإنسانية المعذّبة اليوم، بل يعتبر أن هذا التراث هو سبب المأساة.

     وإذا كان هذا من غارودي شجاعة فكرية، فإنها شجاعة فكرية منه أكبر وأذكى أن يعلن أنّ الحل إنما يوجد بين ظهراني المسلمين في آسيا وأفريقيا.

     والذي يدرس تراث غارودي، ويقوم بعملية تقويم لفكره، وتطور هذا الفكر، يمكن له أن يقرر أنّ طريقة دراسة العلوم بذهنية مملوءة بتفسيرات مسبقة هي طريقة فاشلة جداً، وقد استخدمها غارودي في العهد الستاليني، ثم تراجع عنها اليوم نادماً على كل ما كتب.

     لقد أدرك هذا المفكر الماركسي المعروف طبيعة الزوبعة الإلحادية التي أثيرت في القرن الثامن عشر، وهو قرن صدور الكتابين الذين كان لهما صدى كبير، "رأس المال" لكارل ماركس، و"أصل الأنواع" لدارون، وذلك حين قال في كتابه: ماركسية القرن العشرين: "إنّ إلحاد القرن الثامن عشر كان في جوهره سياسياً".

     ومهما تحاول قوى الشر إضافة صفة العلمية على الإلحاد؛ فإنّ الحقيقة خلاف ذلك، لأن مسألة ما وراء المادة من الأمور التي لا يتعرض لها البحث العلمي التجريبي السليم الذي يعرف حدوده بالفعل.
*****

إسلام عائشة سليمان الأمريكية

إسلام عائشة سليمان الأمريكية

     هي فتاة أمريكية لم تتجاوز عامها العشرين، أشرق قلبها بنور ربها فأسلمت وتسمّت عائشة سليمان، وعت كلمات الخالق، وآمنت عن قناعة ودراسة.

     تقول: سمعتُ عن الإسلام أول مرة حين كنتُ طفلة صغيرة في المدرسة الابتدائية حيث لفت نظري صورة في كتاب لنساء محجبات، فسألتُ مُدَرِّستي عنهن فقالت لي: إنّ الإسلام في الشرق يأمر النساء أن يلبسن هكذا.

     ولقد ظلت كلمة الإسلام لديّ مرتبطة بهذه الصورة حتى التحقتُ بالجامعة، وسمعتُ هذه الكلمة "الإسلام" مرة ثانية.

     كنا مجموعة من الطلبة والطالبات في نادي الجامعة ذات مساء نتناول الطعام وسط مرح الشباب ولهوه، وكان بيننا طالب أجنبي لم يشاركنا الشراب، فسألتُه: أهناك مانع صحّي يمنعك من الشرب؟ قال: لا، فعاودتُه بالسؤال: ولمَ لا تشرب؟ فقال: لأني مسلم. فقلت له بسذاجة جاهلة: أنت تؤمن بذلك الدين الشرقي الذي يأمر النساء بارتداء الملابس الطويلة، ويتزوج الرجل فيه بأربع؟ فسألني: وهل هذا كل ما تعرفينه عن الإسلام، الدين الإلهي؟ ولقد تعمّد في سؤاله أن يستخدم كلمة "الإلهي" بدلاً من كلمة "الشرقي" التي استخدمتُها أنا.

     ولم يكد الحديث عن الإسلام ينتهي في تلك الليلة حتى ذهبتُ إلى مكتبة الجامعة في اليوم التالي أبحثُ عن الكتب التي تتحدث عن الإسلام، ولم أجد إلا كتب المستشرقين. وهي كتب –كما عرفت فيما بعد– لا تعطي فكرة صادقة عن الإسلام. ومن يومها بدأتُ أقرأ عن الإسلام، وأنتقلُ من كتاب إلى آخر حتى قرأتُ في النهاية ترجمة لمعاني القرآن الكريم.

     لقد كان أهم ما خرجتُ به من دراستي أنه دين لا يفصل بين القول والعمل، بين الفكر والسلوك، ولا يقيم حاجزاً بين تصرّفات الشخص وإيمانه بما يعتقد. فهو دين لا يقف عند حدود العبادة المرتبطة بمكان محدد كما نرى في الأديان الأخرى.

     الإسلام ليس دين دقائق أو ساعات يقضيها الإنسان في أداء الفرائض. إنه حياة كاملة يعيشها المسلم، فهو يؤمن أنّ العمل عبادة، وطلب العلم عبادة، والسعي في قضاء حاجات الناس عبادة، وحتى إزالة الأذى عن الطريق عبادة.

     شيء آخر عرفته آنذاك هو أنّ الإسلام لا يفصل أيضاً بين البدن والنفس، ويعطي لكل منهما حقه ويوازن بينهما، كما أنه يُعْنَى بطهارة البدن عنايته بطهارة النفس، لهذا قررتُ أن أعتنق الإسلام.
*****

إسلام قرية نوريش الإنكليزية

إسلام قرية نوريش الإنكليزية

     اختارت قرية إنكليزية اسمها "نوريش" الإسلام ديناً لها، ورفضت حضارة الفساد والضلال والمسيطرة على بلاد الضباب.

     أوريس تيرز أحد المسلمين الإنكليز يقول: في بريطانيا أعداد كبيرة من المسلمين تزداد يوماً بعد يوم، وبعد أن رأوا الصورة المشرقة للإسلام أصبحوا يرفضون الحياة الغربية، ويبحثون عن معرفة الله وعن الدين الإسلامي الذي يوفر الحياة الهادئة للإنسان، ويحاول المسلمون في مجتمعنا الصغير في نوريش التجمع يومياً في مجتمع متكامل يسوده التعاون والتآخي والتسامح والعدل.

     ويعتقد المسلمون في نوريش أنّ قريتهم قد تكون أنسب القرى لانطلاقة دينية مسلمة لنشر الدين الإسلامي في كافة أنحاء بريطانيا، وهناك دعاة مهمتهم الأولى نشر الدين عن طريق الإقناع وإبراز صورة الإسلام الحقيقية التي يجهلها الكثيرون.

     ويقول تيرز: لقد استطعنا من خلال مجهودنا الشخصي أن نضمّ أعداداً كبيرة بالرغم من إمكانياتنا المادية القليلة.

     ويضيف قائلاً: إنّ الناس الذين قبلوا الإسلام ديناً ومنهج حياة لهم، تركوا حياة الجهل والكفر، وهم ليسوا على استعداد للعودة إلى حياة الضلال. لقد هداهم الله إلى الحياة الصحيحة تحت ظلال الإسلام، وسعادتهم بهذه الحياة لا توصف، رغم قلة الموارد.

     ومجتمع نوريش مجتمعٌ معظمه شباب، وكل أفراده اعتنقوا الإسلام عن إيمان، والجميع يشتغلون بجد ونشاط، وتنضمّ الفتيات بعد الدراسة مباشرة إلى غزل الصوف وأعمال الحياكة ومساعدة أمهاتهن في شؤون المنزل.

     والملاحظ أنّ كل أمٍّ في هذا المجتمع المسلم تعدُّ نفسها أمّاً لكل الأطفال في القرية، ترعاهم وتحسن إليهم، وقد اعتاد أطفال نوريش الاجتماع في أي منزل يريدون وكأنهم في بيتهم.

     ويقول إمام المسجد: لقد استطعنا بحمد الله وعونه، وبمساعدة بعض إخواننا في الدين شراء المسجد الذي نجتمع فيه يومياً، وكل ما نريده من إخواننا المسلمين في العالم العربي دعمنا من أجل نشر الدعوة وإصدار الكتب.

     وقد اختار مسلمو قرية نوريش من بينهم رجلاً مهمته الاهتمام بشؤون القرية دينياً ودنيوياً، وشكّلوا مجلس شورى يجتمع بين الحين والآخر لتدارس أحوال القرية، ومتابعة أوضاع المسلمين في العالم.
*****

الأكثر مشاهدة