‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب فلسطين والقدس والأقصى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب فلسطين والقدس والأقصى. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 7 سبتمبر 2023

فلسطين جزء من دار الإسلام

فلسطين جزء من دار الإسلام

     قضية فلسطين لدى الأمة الإسلامية قضية جزء من دار الإسلام اغتصبه أعداء الإسلام، ولا يجوز أن يكون هدف السلم فيها أدنى من تحرير فلسطين كاملة واستعادتها لحظيرة الإسلام.

     والداعية المسلم اليوم في معركة مصيرية، يجد نفسه في إطار هذه القضية منها وحده إلى جانب الحق ضد أعدائه سواءً الذين اغتصبوا الأرض واستعمروها بغير الحق ويهوّدونها يوماً بعد يوم، أو مَن يدعمونهم دعماً مباشراً من مختلف الجهات الصليبية والشيوعية واليهودية العالمية، كما يجد نفسه في مواجهة أولئك الذين يهبطون بالقضية من مستواها الحقيقي كقضية صراع بين الحق والباطل، بين الإسلام وأعداء الإسلام، وقضية تحرير كامل من النهر إلى البحر بالإسلام ومن أجل الإسلام، إلى مستوى آخر، قد تختلف فيه الشعارات والأهداف المعلنة والوسائل المتبعة أحياناً، ولكن لا تختلف فيه النتائج إطلاقاً.

     فهذا يسميها مشكلة "الشرق الأوسط"، وذاك مشكلة النزاع العربي الإسرائيلي، وثالث مشكلة دولية. هذا يحولها إلى مشكلة لاجئين يبحثون عن موطن، وذاك إلى مشكلة حدود ومستعمرات، وثالث الى مشكلة أمن.

     وقد تصل الشعارات المعلنة فوق هذه المسميات وسواها الى أقصى مدى لها فتطالب بالتحرير الكامل، ولكن من أجل أن تسود في فلسطين سیادة غريبة جديدة، تأباها فلسطين، ويأباها إسلامها وتاريخها. وتلعب الشيوعية الدولية والمحلية خاصة بهذه الشعارات دوراً متفاوتاً تفاوت المواقف السياسية الآنية، وتفاوت ما يبتكر للشيوعية من نعوت وأسماء، يتوارى البعض وراءها عن مكر مقصود، وينخدع البعض الآخر بها عن جهل أو وهم، والشيوعية العالمية والمحلية وراء إسرائيل، كانت وراء إيجادها وما تزال وراء إبقائها.

     قضية فلسطين لدى الأمة الاسلامية جزء من قضية الإسلام والمسلمین الكبری في هذا العصر، لا يجوز فصله عنها بحال من الأحوال. ومن هنا فهي ترفض من يقول بالعمل تحت راية هذه الفئة أو تلك، تحت راية هذا الاتجاه أو ذاك في خدمة هذا النظام الخادم للرأسمالية أو ذاك الخادم للشيوعية. ترفض من يقول بذلك بدعوى التقاء "ظاهري" في أهداف مرحلية معلنة. كما ترفض كل الرفض المواقف الهزيلة وإن كانت بشعار يتعذر بالإمكانات؛ فالإمكانات أعظم مما يتصورون، أو يتحجج بالواقع؛ فالواقع مرفوض أصلاً وغير شرعي قطعاً.

     لا بد أن تكون قضية فلسطين في وعي الأمة الإسلامية ووجدانها، في قلب كل فرد وفكره في وجود الأمة بأسرها قضية إسلامية خالصة، وهدفها فيها التحرير الكامل واستعادة الأرض السليبة؛ بالإسلام بمنهجه ووسائله، ومن أجل الإسلام، من أجل أن يسود فلسطين وسواها من أراضي المسلمين في كل مكان دیناً شاملاً لسائر جوانب الحياة الدنيا والآخرة، ورسالة إلهية خالدة للناس كافة.
*****

بطلان حق اليهود في أرض النبوات

بطلان حق اليهود في أرض النبوات

     أية دعوى أشد بطلاناً في منطق الدين والحق والتاريخ من دعوى اليهود بأرض أنبیاء، وقد أقروا بأنهم عصوهم وقتّلوهم واتّهموهم ونسجوا الأساطير عنهم؟ أية دعوی أشد بطلاناً من ذلك إلا دعوى المجرم يقتل صاحب البيت، ويسلب ماله، ويشهر بسمعته، ويعترف بجريمته، ثم ينادي: إن البيت أصبح من حقه!؟ أم أن يهود اليوم يدّعون الإيمان وبنو إسرائيل الأولون هم الكافرون؟ بل إن يهود اليوم أشد كفراً وفسوقاً من يهود الأمس، إلا أنهم لا يجدون من يقتلون من الأنبياء، فيقتلون الأطفال والشيوخ والنساء في "دير ياسين" و"الكرامة" وحول المسجد الأقصى..

     تلك هي التعاليم التي وضعوها، واتبعوها في طريق الكفر والفساد والإفساد.. مثال واحد يصور القليل من الكثير، مثال من كتاب "صلاة اليهودي" الذي يعلمهم في يوم "کیبور" يوم عيد الغفران كما يسمونه، أن اليهودي مغفورة سائر خطاياه بلا قید ولا شرط.. "مغفور له الافتراء والعنف والاغتصاب واضطهاد الجار وخیانته"!.. مغفور له الجحود والكذب وشهادة الزور والمشاكسة والوقاحة!.. مغفور له التكبر والغطرسة والأيمان الكاذبة!.. مغفور له الاختلاس والسرقة والابتزاز والربا!.. مغفور له الزنا الجماعي وسفاح القربی"!.. والله تعالى يقول: { وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَۚ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [المائدة: 52]، ويقول الله تعالى: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79].

     دعواهم باطلة، وبطلانها مسجل بمداد من دماء الأنبياء الذين قتلوهم على تراب فلسطين الذي دنّسوه ويلعنهم، باطلة لا يُقِرُّ بها إلا فاقد للوجدان، کافر بالدين، وحقنا الديني مسطور في تاريخ الأنبياء بحروف من نور الإيمان بهم جميعاً لا يعمى عنه إلا فاقد البصر والبصيرة.

     إنه الحق الديني المتصل الحلقات من مولد إبراهيم عليه السلام إلى يوم الإسراء والمعراج. {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَاۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

     الحق المتصل الحلقات من يوم بعث موسی فبشَّر بعيسى، فبعث عیسی فبشر بمحمد عليهم صلوات الله وسلامه، إلى يوم بعث محمد ﷺ فبشر بفتح فلسطين أرض الأنبياء، وما زال يذكر بیت المقدس فيها حتى فكر الصحابة الكرام بدفنه فيه بعد وفاته، متصل الحلقات من يوم فتح طالوت وداود بیت المقدس مع عصبة مؤمنة تقول: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].
*****

الصهاينة في فلسطين

الصهاينة في فلسطين

     من المعروف أن الصهاينة في فلسطين المحتلة يسعون فيما يسعون له إلى أمرين يكمل أحدهما الآخر فيما يهدفون إليه:

     الأول: أنهم يحاولون القضاء على الآثار والمقدسات الإسلامية شيئاً فشيئاً، ليستأصلوا بذلك الوجود التاریخي للإسلام والمسلمين. ويظهر هذا جلياً في مدينة القدس بشكل خاص، فهم يزيلون بعض المقابر فيها، وهم يهدمون بعض الأحياء ذات الشكل الإسلامي، ويهدمون بعض المساجد بحجة التوسعة، وما إلى ذلك.

     والثاني: أنهم يحاولون دائماً اختلاق حقوق تاريخية لهم في فلسطين، ودائمو الحديث عن آثار لهم فيها، ودائبو العمل على تضخيم هذه الآثار أمام الرأي العام اليهودي والأجنبي على السواء.

     هذان الأمران اللذان يقوم بهما الصهاينة في فلسطين، إنما يهدفون منهما في آخر الأمر إلى بتر صلة فلسطين بتراثها وتاريخها الاسلامي، وربطها بتاريخ مزعوم للتراث اليهودي.

     إن الصهيونية دائبة على تغيير الأماكن الأثرية المسلمة في فلسطين للقضاء عليها، وهي دائبة على تغيير کتب التاريخ المدرسية المقررة على الطلبة العرب الفلسطينيين بما يؤكد مزاعمها، ومن المعروف أنها تسعى منذ أسر القدس في عام الهزيمة والعار إلى البحث عما تسميه هيكل سليمان عليه الصلاة والسلام، وقد اختارت أن تبحث عند أسوار المسجد الأقصى، لتسهم هذه الحفريات في زعزعة بنائه تمهيداً لهدمه أو إحراقه، ونحن نعرف أنها حاولت إحراقه عام 1389هـ/1969م.

     هذه المحاولات الصهيونية الدؤوبة التي تشمل فيما تشمل إحراق المسجد الأقصى أو هدمه، وإقامة هيكل ينسبونه لسليمان عليه السلام، وكثير أمثالها، تدل على أن الصهيونية ذات وعي دقيق بأهمية التاريخ في حياة الأمم، لذلك هي تحاول استئصال التاريخ الإسلامي في فلسطين، في الوقت الذي تنشئ لنفسها تاريخاً فيها، من الزيف والكذب، ومن أطلال قديمة، ومن فترة تاريخية قصيرة لا تعد شيئاً في عمر الزمان، كان لليهود فيها شيء في فلسطين، ثم تفرقوا أيدي سبأ في مختلف مناطق العالم.

     إن الصهيونية بما تفعله من ذلك، تحاول صبغ فلسطين بالصبغة اليهودية وإظهارها أمام الأجيال اليهودية الناشئة، وأمام العالم بتلك الصورة، على أمل إقناع الجميع بأن فلسطین یهودية تماماً، يدل على ذلك تاريخٌ قديمٌ وآثار، وصبغةٌ يهوديةٌ حالية.

     إنه درس تاریخي سیاسي في غاية الأهمية، ترى هل نحسن الانتفاع منه!؟
*****

اليهود وفلسطين

اليهود وفلسطين

     لا يخطئ المرء أن يلحظ عناية اليهود في فلسطين بدينهم ولغتهم وتاريخهم عناية بالغة، والشواهد التي تؤکد عنايتهم هذه كثيرة جداً. وفي إطار عنايتهم هذه قاموا بنشاطات كثيرة، بعضها له أصل وجذور، وكثير منها تزييف محض خالص، واختراع واختلاق.

     والحق أن اليهود قاموا من أجل هذا التزييف بجهود كبيرة، وهم يسعون من أجل ذلك، منذ دهر بعید بدأب وإصرار. فلقد سموا كيانهم المسخ باسم "إسرائيل" على اسم نبي الله يعقوب عليه السلام الذي يزعمون أنهم إليه ينتسبون، وهم ابتدعوا حكاية جدار المبكى وهو أحد جدران المسجد الأقصى، وأخذوا يتوافدون للبكاء على مجدهم المزعوم منذ القرن الماضي حتى جعلوا ذلك تقليداً دينياً لهم يبدو كأنه موغل في القدم. وهو في الحقيقية يرجع إلى أيام ولاية محمد علي باشا حاكم مصر على الشام حين ضمها إلى حكمه.

     وللجيش عند اليهود حاخامات دینیون كبار يملؤونه بالأباطيل اليهودية، ويشرفون على ذبح الأنعام له وفق عقيدتهم، وقائد أحد قواتهم عام (1967م) ينفخ في البوق متأسیاً بفعل أحد أنبيائهم كما جاء في التوراة، وقد نشرت صور لجنودهم في العام نفسه، يظهر فيها بعضهم في باحة المسجد الأقصى المبارك، وهم يحملون السلاح بيد، والتوراة باليد الأخرى، كما يظهر بعضهم الآخر وهم يرتلون شيئاً من التوراة في صحراء سيناء وقد ظهر عليهم الخشوع.

     وأضف إلى ذلك عناية اليهود الفائقة باللغة العبرية، فقد أحيوها من بين الأنقاض، ونهضوا بها بعد أن خرجت من دنيا الاستعمال، ونسيها اليهود أنفسهم، وظلت بين أحبارهم وقادتهم الدينيين فحسب. لقد عادوا بها إلى الحياة، واستعملوها في الجيش والتعليم والإذاعة والصحافة والبحث العلمي، وفي كل مكان، وهم يشترطون اليوم على كل من يهاجر إلى فلسطين من يهود العالم أن يختار لنفسه اسماً عبریاً.

     إذا كان علينا أن نتعلم من تاريخنا فقد عرفنا أن النصر كان حليفاً لنا دائماً حين نتمسك بإسلامنا، وإذا كان علينا أن نتعلم من تاريخ العدو ومما يفعله الآن، فلنعلم مما يقوم به اليوم من حرص واسع على التراث، أهميةَ التراث في حياة الأمم، فلنعد إلى تراثنا الذي شكله وصاغه الإسلام، لنتشبث به، ونحرص عليه، ونصوغ حياتنا على هديه ونوره، وننتزع الفوز بإذن الله بانطلاقنا من عطائه الخيّر المبارك.
*****

نكبة القدس

نكبة القدس

     ظل بسبب نكبة القدس مهموماً محزوناً غارقاً في حوار داخلي مع نفسه، وظل في أشجانه التي لا تفارقه ليل نهار، يبحث عن مخرج ومنقذ. ظل كذلك حتى كان ذات يوم أمام صورة للمسجد الحزين الأسير، فأحس كأنها تنادي وتقول: "إليَّ إليَّ أيها المجاهدون!.. بالجهاد کنت لكم من قدیم، وبالجهاد لكم سأكون".

     عندها أحس الرجل أنه قد عثر على مفتاح الأقفال والأغلاق، إنه الجهاد.. وارتحل من بلاده صوب الأرض التي سرقتها یهود في غفلة من الشرفاء والمجاهدين، قاطعاً طريقه الطويل، وفي خاطره مثل هذا الحديث:

     يا قدس لا تحزني طويلاً، فلا بد أن يذهب الليل ليأتي النهار، ويرحل الظلم لیظهر العدل، ويهزم اليهود ليحكم المسلمون. ليست هذه هي المرة الأولى التي وقعت فيها أسيرة بيد الأعداء، فلا بد أن تذکري هجمات الصليبيين الذين حكموك قرابة قرن من الزمان، ومنعوا في سمائك الأذان. ولكن العاقبة كانت للحق، لقد أشرقت الشمس، وهربت الجرذان، وتوارت الفئران، واختفى البوم، وولت الغربان، ذلك أن فجراً للإسلام قد بدأ، وعاد الغزاة إلى ديارهم مخذولین مقهورين، وعدتِ مرة ثانية لأبنائك المسلمين يفدونكِ بالمهج والأرواح، عاد إلى مسجدك المصلون، وعلت تكبيرات العباد وارتفع عالياً صوت الأذان.

     إننا حين نبكيك اليوم، لا نبكي بدمع اليائس الحزين الذي سقطت همته، وخذلته عزيمته، وخارت قواه، فاستراح إلى دموعه. ذلك أن الإسلام العظيم قد علمنا أن اليأس حرام، فرحمة الله واسعة، ونصره من المؤمنین قريب. لكننا نبكيك بالدمع الشجاع الأبي، المتألم المؤمّل، الواثق الصبور.

     بقلوب هدّها تلاحق الآلام؛ لكنها لم تمت، بنفوس أذهلها طغيان اللئام؛ لكنها ما استكانت، بأفئدة أحزنها نسيان الصديق ومكر العدو؛ لكنها ما هانت.

     الأمة المسلمة التي طلعت على الدنيا بهدى الله فحملته إلى أصقاع الأرض، ووعت أمانة المسؤولية، وقوامة الشهادة، والوصاية على الناس، فأدت ذلك أحسن ما يكون الأداء، وأبلغته أكرم ما يكون الإبلاغ.

     الأمة التي استقامت على أمر الله فنصرها الله، والتزمت دينه وشريعته، فرزقها القيادة والسيادة ومكّن لها في الأرض.

     هذه الأمة القوية الإيمان، الباذخة البنيان، المهتدية بالقرآن، التي امتدت إلى كل مكان، وشرفت في كل زمان.

     هذه الأمة العريقة الشمّاء، الكريمة المعطاء، ستثأر للأقصى الجريح، تطهره من رجس یهود وبغیها وطغيانها، وتقيم في أرض الإسلام حكم الإسلام، منارة للحق والعدل، والهداية والإيمان.. سوف تجتاح باطل یهود، بعد أن تجتاح في نفسها عوامل الهزيمة والمبادئ الضالة التي سببتها، وتنطلق بالإسلام على هدى الله وبرکته ليكون لها النصر العزيز فتكمل هي شروطه، وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
*****

مأساة القدس

مأساة القدس

     من أعماق المصيبة والنكبة، ومن فداحة الجراحات، ومن الأمل المضيء جاءت هذه النجوی من ذلك الذي كان بعيداً من مكان الكارثة حين سمع بسقوط بيت المقدس في حزيران، حزن الرجل أشد الحزن، واتصلت آلامه ليل نهار، فهو مرهق متعب مكدود، وأخذت الأسئلة الكثيرة الحيرى تنداح في فؤاده، وحين تمثل إجابتها في خلده، كان بين ألم وأمل، حزن ورجاء، مرة يقسو على الأمة الإسلامية، ومرة يلتمس لها المعاذير.

     ويلتفت صوب القدس ليرى فيها صورة المأساة الكبرى التي حلت بالمسلمين، وينظر صوب المسجد الأقصى فيكاد يبكي لولا بقية من حياء. وكان عظيم اليقين، ثابت القناعة أن المأساة إنما كانت من صنع الطغاة والكذابين، والخونة والمجرمين، وأن الإسلام بريء من هذا الضياع، ذلك أنه لم تتح له الفرصة للقتال في تلك الحرب لذا كانت الهزيمة وكان العار.

     أخذ ينظر الى المسجد الأيسر ويردد في خلده، والله ما أضاعك الإسلام الذي ثبت منك العماد، ولا القرآن الذي بناك بالهدى والرشاد. ما أضاعك المؤمنون، وما فرط فيك الصادقون. لقد كنت من قبل للدين قبلته الأولى، ومسجده الشريف. في رحابك الطاهرة أَمَّ رسول الله ﷺ الأنبياء الكرام جميعاً في صلاة صادقة طهور.

     وعلى أرضك الشريفة سجدت جباه الخاشعين، وفي صدی تاریخك العميق أصوات المجاهدين، وهتاف الفاتحین، وصليل السيوف، وقتال الزحوف، وهجوم الصفوف.

     كأن عمر بن الخطاب ما قطع الفيافي والقفار، في رحلة طويلة شاقة ليدخل القدس خافق الطرف، خاشع القلب، ذاکر اللسان، شاكراً لله فضله العظيم. وكأن صلاح الدين ما خاض الغمار، وما جمع الجيوش من كل ناحية ليخوض المعارك هنا وهناك، ويتوّج جهاده المبارك بمعركة حطين، لينفي عنك الأحزان والأشجان، ويبعد عنك الخبث والأدران، ويرفع من جديد في المآذن العالية نداء الأذان.

     كأن المنائر التي صدحت بالنداء الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" حزينة والهة ثكلى، كأن أيام الجُمع الزاكية الوضاء لم تقم على مدى أزمان وأزمان.

مررت بالمسجد المحزون أســــــأله     هل في المصلى أو المحراب مروان
تغيـــر المسجد المحزون واختـــلفت     على المنــــابر أحرار وعبـــــــــدان
فــــــــلا الأذان أذان في منـــــــارته     إذا تـعــــــــــــــــالى ولا الآذان آذان

     كأن قروناً من النسيان طويلة ممتدة، قامت بين الجهاد الصادق والمأساة الدامية، كأن أمجاد التاريخ ومفاخر المسلمين حلم عابر ما أشرق حتى غاب، وما أسفر حتى رحل.
*****

أطماع اليهود في فلسطين

أطماع اليهود في فلسطين

     في بعض الأحيان تحمل الظروفُ الإنسانَ على تكرار الحديث في أمر بات في غاية الوضوح والجلاء، ذلك أنه يجد أن البديهة المنطقية الأولية يتجاهلها أو يجهلها كثيرون. وحين يكون الأمر متصلاً بقضايا خطيرة مصيرية مهمة جداً يصبح الحديث عنها ضرورة مؤكدة. ولعل أطماع اليهود في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين مما يجدر أن يتكرر الحديث عنه ويعاد خاصة في هذه الظروف العسيرة الشاقة.

     وينبغي أن نقرر ابتداءً وبجلاء تام أن أطماع اليهود لا تنحصر في فلسطين فقط، بل تتعدّاها إلى غيرها من البلاد. وقد صرّح بن غوريون في مطلع الخمسينات أن فلسطين ليست وحدها هدفهم، إنما هي جسر سيعبرون منه إلى أهدافهم البعيدة.

     وقبيل الحرب العالمية الثانية وسّطت اليهودية العالمية الرئيس الأمريكي لدى المغفور له الملك عبد العزيز ليسمح لليهود بالعودة إلى خيبر وتيماء ووادي القرى وبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع لأنهم يعتبرون هذه المواطن لهم. وقد رفض المرحوم مشكوراً مأجوراً هذا الطلب العدواني الماكر.

     وفي عام 1967م؛ قال موشي دايان حين دخل القدس: إننا الآن في أورشليم، ونحن في طريقنا إلى يثرب وبابل.

     وفي عام 1949م؛ نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب الأمريكي "بن هخت" جاء فيه: إن العرب لن يرضخوا إلا إذا أرسلنا حملة عسكرية لتهدم المدينة المنورة، وتنبش الضريح الكريم.

     ولم يعد اليهود يكتفون بشعارهم القديم: "حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل"، فنشروا خريطة جديدة لأطماعهم التوسعية، تشمل جميع منابع البترول ومعظم الجزيرة العربية.

     ومن أهم مطامع اليهود أنهم يريدون أن يجعلونا في بلادنا خدماً وعبيداً لهم، يأخذون موادنا الخام ليصنّعوها ويبيعوها لنا، يأخذونها بأبخس الأثمان، ويصدّرونها بأغلى الأثمان، هم القادة والساسة ونحن الأتباع، هم أصحاب المصانع والمعامل والشركات ونحن اليد العاملة المنفّذة. يريدون أن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الاقتصادي ليستعمرونا مالياً بعد استعمارهم إيانا عسكرياً، وأن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الثقافي ليطمسوا به على معالم ثقافتنا وشخصيتنا وتراثنا، ولينشروا بيننا سموم أفكارهم الشاذة الضالة المضلِّلة في شتى ميادين الحياة.

     باختصار؛ إنهم يريدون بعد أن نهبوا عسكرياً جزءاً عزيزاً من ديارنا، أن يروّضونا على قبول هذا النهب باسم الصلح، وأن يواصلوا عملية نهبنا في كل ميدان، نهباً اقتصادياً ومالياً، ونهباً للموارد والثروات، ونهباً للثروة البشرية بتوظيف طاقاتها في خدمة أحلامهم، ونهباً أخلاقياً بإفساد أخلاقنا وإضاعة قيمنا وإشاعة المباذل والمفاسد والانحرافات فينا، ونهباً عقيدياً بعزلنا عن عقيدتنا الصحيحة، وإحلال بدائل ضالة خاطئة عنها، ونهباً فكرياً بإهدار عقولنا وقيادتنا إلى متاهات فكرية شتى بغية إضاعتنا وتضليلنا.

     إنهم يريدون أن ينهبوا منا كل شيء طيب، ويُحِلُّوا بدلاً منه شيئاً سيئاً، ومن كان في شك من ذلك فليقرأ "بروتوكولات حكماء صهيون".

     قال أديب مفكر ذكي: ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة..

     ومِثْل ذلك نحن نؤكد ونجزم ونقول: إن أخطار السلام والصلح مع اليهود أفدح بكثير جداً من أخطار الحرب والقتال.
*****

قضية فلسطين

قضية فلسطين

     يبدو نوعاً من التكرار الذي لا بد منه، أن يؤكد المرء أن قضية فلسطين قضية إسلامية، تعود في جذورها وترتبط في تفاعلاتها سلباً وإيجاباً بالتاريخ الإسلامي من ناحية، وبمدى التزام المسلمين بإسلامهم ووعيهم لأهمية الجهاد من ناحية أخرى.

     وقضية فلسطين هي الشكلُ الأكثرُ تفجّراً للهَجْمَةِ الصليبية التي اتخذت شكلَ الاستعمار الأوربي الحديث الذي جزّأَ العالمَ الإسلامي وقطّعه أوصالاً، وكانت ذروة ما فعل في ذلك إسقاطه للدولة العثمانية التي أخّرت الاستعمارَ الأوربي الذي قدم من إسبانيا والبرتغال، ثم من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا قروناً عديدة.

     لقد أدركت بريطانيا خاصة، وأوربا عامة أن وحدةَ العالم الإسلامي المرتكزة على عقيدته، تشكل قوةً هائلة له تحميه من أن يُبْتلع، وتمنحه إمكانيةَ التقدم والامتداد، لذلك حرص الأوربيون على القضاء على تلك الوحدة، وإضعاف تلك العقيدة، وكانت لهم في ذلك خطط وأفكار كثيرة، عبّر كارل بنيزمان عن بعضها في عام 1907م، حين قال أمام لجنة الخبراء:

     يجب أن تفكروا في هذا الخطر الماثل في العالم الذي يقعُ على شواطئ المتوسط الجنوبية والشرقية من مصر إلى الإسكندرونة مروراً بغزة، ويمتد غرباً حتى الرباط، وشرقاً حتى خليج البصرة. هذا العالم الذي يملك كل مقومات الوحدة يجب أن تفكروا في غرس جسم غريب بين شطريه. جسمٍ غريبٍ يفتت وحدته، وقويٍ يجعله في حربٍ دائمة لا تتيحُ له الفرصةَ لاستغلال طاقات وثرواته.

     والتقت أفكار هؤلاء الصليبيين بأفكار اليهودية العالمية ومطامعها، وجمعت المصلحة الواحدة المشتركة بين هؤلاء وهؤلاء، فكان أن أقيمت إسرائيل، جسماً غريباً في قلب وطن واحد يمزّقه ويفصل بين شطريه الكبيرين، الآسيوي والأفريقي، ويستنزف طاقاته، وينفي عنه الأمن والهدوء والاستقرار، ويخطط لاستعماره فكرياً واقتصادياً وأخلاقياً وفي كل ميدان آخر، حتى يكون أهل هذا الوطن خدماً لليهود، تقوم على جهودهم التي يوظّفها اليهود لصالحهم معالم الإمبراطورية الكبرى التي يريد اليهود -لا أنجح الله مسعاهم- بناءها.
*****

فلسطين إسلامية

فلسطين إسلامية

     إن فلسطين إسلامية، وستظل إسلامية بالرغم من كل المحاولات الآثمة التي تحاول أن تسلبها من أمة الإسلام والمسلمين.

     حقاً إن فلسطين هي اليوم قد خرجت من أيدي المسلمين، لكنَّ لها عودةً لا ريب فيها قط إلى الراية المسلمة بإذن الله، فذلك هو وعد المصطفى ﷺ، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

     وليست هي المرة الأولى التي تخرج فيها فلسطين من أيدي المسلمين، فلقد أسرها الصليبيون قرابة قرنين من الزمان حتى تم إنقاذها على مراحل، والقدس نفسها ظلت نصف هذه المدة تقريباً أسيرة، وحُوِّل مسجدها الأقصى المبارك إلى كنيسة، لكن الأمة المسلمة المنجبة الولود ما لبثت أن أخذت تقدم قادة حركة الجهاد والاسترداد، عماد الدين زنكي، ثم ولده نور الدين محمود، ثم صلاح الدين الأيوبي إلى آخر سلسلة الجهاد المباركة، وظل الجهاد هو سبيل الأمة الحقيقي والوحيد إلى الإنقاذ، وتوالت الجهود، حتى تكللت بالظفر الأكبر يوم قصم صلاح الدين ظهور الصليبيين في حطين، ثم جاء مِنْ بعده مَنْ تابع المسيرة حتى اتم إنقاذ فلسطين كلها وأعادها للإسلام والمسلمين.

     ولا بد من يومٍ قادم، يوم تسلك فيه الأمة سبيل الجهاد بعد أن استيقنت أن كل السبل الأخرى تقودها إلى مزيد من الهزائم، وعندها ستكون حطين أخرى، وسيكون قادة آخرون كصلاح وغيره ممن يُعْلون كلمة التوحيد، ويقودون الأمة في الطريق الصحيح، طريق الإيمان والجهاد، الذي يقودها نحو سعادتيها في الدنيا والآخرة.

     ويومها يسقط باطل اليهود الزائف أمام حق المسلمين الصراح، وتطوى راية التلمود أمام راية القرآن، وتفرّ جرذان اليهود أمام بطولة المسلمين، ويفلّ جيش أحفاد قتلة الأنبياء ومحترفي الربا وتجار الخنا أمام جيش أحفاد سعد وطارق، والمثنى وعقبة، وعمرو وخالد.

     يومها تسقط الكلمة الآثمة المحرّفة الشريرة، وتعلو كلمة الإسلام الخالدة: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؛ مضمّخةً بالعطر، مُطيّبةً بالشذا، فوّاحةً بالنور والهدى، متوضئةً بزمزم، معطرةً بجلال مكة وشموخها واستعلائها، وجمال المدينة وروعتها وإشراقها.
*****

خطر اليهود في فلسطين

خطر اليهود في فلسطين

     حذر السيد روحي الخطيب أمين مدينة القدس المسلمين من الخطر المتزايد للحفريات الصهيونية على المسجد الأقصى المبارك، وتجري حفريات اليهود حول الحائطين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى والأروقة المجاورة له داخل الحرم الشريف في أربعة مواقع، وبعمق (20) متراً، وقد تضمن التقرير الذي أعدّه السيد روحي الخطيب تفاصيل الاعتداءات اليهودية التي باتت تشكل خطراً مباشراً على المسجد الأقصى وربما على مسجد الصخرة كذلك.

     إن النذير الذي أطلقه السيد الخطيب يجب أن يأخذه المسلمون مأخذ الجدية التامة والعناية اللازمة؛ خاصة بعد أن بلغت حفرياتُ اليهود مرحلة خطيرة تهدد أساسيات المسجد الأقصى والصخرة المشرّفة.

     وإنَّ إصرار العدو اليهودي في حفرياته هذه دليل على خطته الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة، وبرهان على أنه لا يبالي بمشاعر مئات الملايين من المسلمين، ولا يأبه بقرارات المنظمات الدولية في قليل أو كثير. وهذا ما يؤكّد أن السبيل الوحيد لردعه عن غيّه وطغيانه هو سبيل القوة فحسب من خلال جهاد إسلامي دؤوب.

     إن اليهود أحرقوا المسجد الأقصى من قبل، وهم سيحاولون القضاء عليه بمحاولة جديدة لإحراقه أو تهديمه بطريقة خفيّة، أو انتظار سيل عارم أو كارثة ما تحلُّ به فتهدمه بعد أن مهّدوا السبيلَ لذلك، وجعلوه بحفرياتهم التي صدّعت أساساتِه يَضْعُفُ باستمرار ليكونَ تخريبُه في المستقبل بكارثة حقيقية أو مفتعلة أسهلَ لا سمح الله.

     إن عبرةَ تاريخنا مع اليهود تكشفُ أنهم شعبٌ مخادع ماكر خسيس في خصومته، واسعُ المطامع، عميق الأحقاد، وأنه لا يتورع عن عمل أي شيء قط إذا واتته الفرصة، والأسلوب الوحيد الذي يجعله يخاف وينكمش هو أسلوب القوة، فَلْنُجابِه عدوانَه المستمر بالقوة الشجاعة من خلال جهاد مؤمن صبور، لا يرضى أن يتوقف حتى يحرر جميع الأرض المسلمة التي دنّسها طغيان اليهود قاتلهم الله!..

     وَلْنَعْلَمْ أن كل أسلوب سوى الجهاد مع اليهود إنما هو انحرافٌ عن السبيل، وإضاعةٌ للعمر والجهد، وبناءٌ كاذبٌ على أرضٍ من ملح سرعان ما يذوب فيتساقط البناء.
*****

أيتها القدس الغالية! (12)

أيتها القدس الغالية! (12)

     أيتها القدس الغالية!.. أود أن أهمس في أذنك ألّا تيأسي، فإن في الأمة المسلمة خيراً كثيراً، بل إن في هذه الأمة المسلمة يا قدس، حتى في أشد أوقات التيه والظلمة والحيرة، بقية صالحة، لم تتحير عندما اشتد الظلام، ولم تضطرب حين جزع الناس، ولم تنحرف حين فشا الفساد، لم تَزِلَّ بها الأقدام إلى وهدة الانحدار وهاوية الضياع، احتفظت بولائها لدينها وقرآنها حينَ تعاظمَ أمرُ الجاهلية، وقوي سلطانها، وانتشرت راياتها، ودقّت طبولها. ووجود مثل هذه البقية الصالحة المؤمنة الصابرة، سر من أسرار الله تعالى في هذه الأمة وفي هذا الدين.

     وهذه البقية الصالحة المؤمنة هي أمل الإنقاذ إن شاء الله، لأنها قبس من شعلة الإيمان، ونحن بالإيمان نعلو ونغلب ونسود، والإيمان هو مفتاح شخصيتنا وصانع مجدنا، وباني حضارتنا، وجامع شمل أمتنا، وموئل فخارنا وشموخنا.

     وإن في الدروس المستفادة من حرب رمضان المبارك، ما يشهد بصدق هذه الحقيقة أيتها القدس العظيمة الخالدة، فقد كان للإيمان أثره الملموس، ولقد كان للنداء الخالد "الله أكبر" دوره الكبير في تثبيت المؤمنين، وزلزلة يهود، وهو أمر شهد به حتى غير المسلمين.

     وقد تتساءلين يا قدس: وإذن لماذا لم يكن النصر المؤزر والفوز المبين، والفتح المنتظر، والنجاة من رجس يهود!؟

     والجواب يا قدس: أننا لا نستحق من الظفر إلا ما يساوي حَجْمَ صحوتنا وعودتنا إلى ديننا. وها هي عودة جزئية فقط قد زلزلت أركان العدو وكادت تطيح به. إذن كيف لو أن عودةً كبيرة إلى ديننا سادتنا؟ لا ريب أنه الدمار لليهود إذ ذاك، والقضاء على كيانهم الغادر الغشوم، وإنّا لتلك العودة الكبيرة، والأوبة المؤمنة لمنتظرون، وإن يقيننا بها ضخم كبير، وثقتنا بها لا حد لها.

     لا تيأسي يا قدس، فلا بد أن تعودي إلى الراية المسلمة عزيزةً غالية، وستطوي كلمةُ الإيمان كلَّ محاولاتِ الاستسلام والخنوع، وكلَّ مَنْ يحاول أن يفرّط في أرضك الطهور، ويمكّن فيها لعدو الله الغادر ويمنح وجوده الظالم القهري فيها صفةً شرعية أو قانونية.

     وكما انطوت صفحة الصليبيين بالأمس على يد كرام مؤمنين؛ ستنطوي صفحة اليهود في الغد على أيدي كرام مؤمنين، يعملون وكلُّ ولائهم.. لا بعضه؛ لدين الله الخالد المحفوظ الغالب.
*****

أيتها القدس! (11)

أيتها القدس! (11)

     أيتها القدس الحبيبة الغالية!.. يا قدس الإسلام والمسلمين!.. سلامٌ عليكِ من الله ورحمة وبركة، سلامٌ عليكِ يا من بارككِ رب السماء، وعطّر رباكِ نور الأنبياء، وأعلى مقامكِ دم الشهداء.

     سلام عليكِ يوم افتتحكِ للإسلام والمسلمين الخليفة الراشد العظيم عمر بن الخطاب، وسلام عليكِ يوم استرجعك من الصليبيين السلطان العبقري المجاهد صلاح الدين الأيوبي. وسلام عليكِ يوم أسركِ اليهود في عام الخزي والهزيمة والعار!..

     ترى، هل طاب لك المقام بین أنذال یهود؟ هل قرّت عيناكِ بمرأى الجبناء يختالون متكبرين متتالين؟ ترى كيف أنتِ اليوم وقد خضبَتْ جدرانكِ الدماء، وازدحمت في شوارعكِ الأشلاء، وعاث في أرضكِ الدخلاء؟

     كيف أنتِ وقد عدا عليكِ الأنذال الجبناء، فبطشوا وفجروا، ولم يبق فيكِ إلا خائف محزون، وأسير مسجون، ومفزوع مكروب، وضائع مسلوب، ومسكين محروب، ومجاهد مؤمن صابر استعلى على البطش والطغيان، ومضى يجاهد في سبيل الله تعالى منتظراً إحدى الحسنيين؟

     كيف أنتِ وقد داس الدخلاء كرامة الحق، ودنسوا الفضيلة والشرف، وأبدلوكِ بالأمن رعباً، وبالطمأنينة فزعاً وهلعاً؟ ترى أوَ تقبلين بدلاً عن طهر الإيمان وجمال الأذان، وترتيلة القرآن، خبث اليهود وأدناسهم، ومكر الدخلاء وفجورهم!؟ هل يا ترى قبلت سلالة قتَلة الأنبياء الكرام بدلاً من أحفاد المهاجرين والأنصار!؟ وإخوان شيلوك وكوهين بدلاً من أحمد وحسن وصالح؟

     لا والله يا قدس ليس ذلك مما تفعلين!.. فأنتِ ما هُنْتِ ولا قبلتِ، ولكن نحن الذين هُنَّا وقبلنا يوم ابتعدنا عن ديننا. ما رضيت أنتِ الدون، ولكن نحن الذي رضينا يوم نأينا عن الإيمان. ما أبيتِ الجهاد ولكن نحن الذي أبيناه يوم رضينا القعود والتواكل والإخلاد.

     يوم الهزيمة.. نسينا الله عز وجل فوُكِلنا إلى نفوسنا، فإذا بها -وقد استغنت عن الدين- عجز وخواء وذلة وهوان، خواء فارغ لا يقوى على الجهاد لأنه وقد بعد عن الدين، بات مهترئاً منخوراً عاجزاً ذليلاً مهزوماً من الداخل؛ ذلك أن أفكار یهود قد تسللت إلينا قبل حرابها، وأخلاق یهود قد دخلتنا قبل سيوفها، وعقائد وفلسفات یهود قد اقتحمتنا قبل طائراتها.

     ويوم النصر سيأتي حين نأخذ العبرة من يوم الهزيمة، ونصحح موقفنا فعلاً، ونعود إلى الله حقاً وصدقاً، عندها سيكون النصر المؤزر الذي شهدت منه يا قدس في حرب رمضان بشائر فحسب، توازي تماماً حجم الصحوة الجزئية التي فاءت إليها الأمة، والتي نأمل أن تزداد وتتعاظم باستمرار إن شاء الله.
*****

يا قدس! (10)

يا قدس! (10)

     إني قادم إليكِ يا قدس إن شاء الله، قادم إليك فاتحاً غازياً منصوراً لأكون جندياً جديراً بالانتساب إلى الأمة الإسلامية، وأهلاً للجهاد تحت الراية القرآنية. إني قادم إليك يا قدس لأقوم بأداء المهمة الثقيلة التي ألقاها على كاهلي انتمائي إلى خير أمة أخرجت للناس.

     وإني أقسم لكِ يا قدس، أقسم بالله العلي العظيم أن في فؤادي حنيناً جياشاً إلى أرضك الطهور، حنيني إليك حنين الروض لماء القطر، حنين المسجد للأذان، حنين المؤمن لترتيل القرآن، حنين المغترب طال اغترابه ونأت أسفاره إلى داره وأهله وصحبه وذويه.

     أنتِ في قلوب المسلمين رجاء، وفي أفئدتهم دعاء، وفي عيونهم دمعة، وفي أخلادهم أمل، وفي ضمائرهم لوعة، وفي سرائرهم أمنية جياشة حارة..، ومنزلتك هذه الطاهرة العاطرة الأبية الكريمة ستدفعنا يا قدس بإذن الله لنكون رجالاً أوفياء شرفاء، يصوغون مواقف وفية شريفة، وهم في الطريق إليكِ سائرون، حتى يكتب لنا النصر المبين، یكتبه الله عز وجل بقدرته العظيمة الطليقة، ويصوغه قَدَرُه الغالب الذي لا يُرَد بسواعدنا المؤمنة المتوضئة.

     أتذكرين أيام الصحبة العفيفة، والرفقة الطاهرة!؟ أم أن السنوات العجاف تحت راية یهود قد فعلت بذاكرتك الأفاعيل!؟ أما أنا فأقسم أنكِ ما غبتِ عن حسي، ولا نأيتِ عن وجداني، وأنّی لي ذلك وقد شرفتُ بالانتساب إلى الإسلام الذي يعلمني أن الوفاء من شوامخ الأخلاق ونبيل السجايا!؟ وهل لي بعد ذلك إلا أن أكون وفياً لكِ والأقصى الحبيب أولى القبلتين وثالث الحرمين!؟

     يا قدس!.. منذ وعيت حقيقة إسلامي ومسؤولية إيماني؛ عرفت أن لكِ حقاً في عنقي أي حق، فاطمئني فإني مدرك تمام الإدراك كل ما عليَّ أداؤه إزاء حقكِ الكبير. سأزحف إليكِ في فتية مؤمنين ما عرفَتْهُم الأرض إلا ساجدین مستغفرين، في فتية لهم من الأصالة والنبل والتضحية والمضاء ما يليق بهم ليكونوا أول مواكب الإنقاذ:

في فتيةٍ لا تنالُ الأرضُ أدمعَهمْ     ولا مفــــارقَهُمْ إلَّا مُصلِّينـــــــا
لو لم يسودوا بدينٍ فيهِ منــــبهةٌ     للحقِّ كانَتْ لهُمْ أخلاقُهمْ دِینــــا

     فاصبري يا قدس الإسلام والمسلمين!.. فلا بد أن يطلع الفجر الصادق ليقضي على طغيان یهود واستعلائها، ويُنهي مسلسل التنازلات التي يقدمها ليهود المتخاذلون والمفرّطون. إن موعد هؤلاء وأولئك قادم، قادمٌ لا ريب فيه.. إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟
*****

يا قدس! (9)

يا قدس! (9)

     يوم أن تعودي يا قدس الإسلام والمسلمين إلى أهلكِ وذويك، سوف تسعدین وتهنَئِين يومها، سوف تستروحين بالمؤمنین أنسام الطهر والإيمان، وتسترجعين في خيالك الدامي الجريح تلك الصور الإيمانية العظيمة التي عرفت بها مواكب الإيمان. تماماً كما وقف الجنرال الإنكليزي اللنبي الذي دخل حِماك في مطلع هذا القرن وقال: "الآن انتهت الحروب الصليبية".

     وتماماً كما وقف قادة یهود في عام الأسر والهزيمة وهم يرددون "يا لثارات خیبر"، سيقف قادة الجيوش المؤمنة ليرفعوا راية التوحيد كما رفعها ابن الخطاب من قبل، ويهتفوا قائلين: أیتها القدس الغالية، ها قد عدنا اليوم منتصرين ظافرين.

     يا قدس!.. قد تحسبين أنها أحلام، وإنها الآن أحلامٌ حقاً، لكن حقائق اليوم كانت بالأمس أحلاماً، وأحلام اليوم الخيرة الكريمة هي حقائق الغد إن شاء الله.

     لعلك سمعت نبأ بعض اليهود الذين اقتحموا ساحك المصون وأحدهم يحمل التوراة بيد، والسلاح بالأخرى.. إن جند الله سیدخلون كما دخلوا.. كل منهم يحمل قرآنه بيد وسلاحه باليد الأخرى لتغيب التوراة المزيفة المزورة، وينقضي ليل السوء والدجل، لأن فجر القرآن الكريم سوف يسطع نوره إذ ذاك، وسوف تبدو شجاعة يهود الكاذبة المُدّعاة هزيلة كابية، مهترئة خابية إلى جوار شجاعة المجاهدين المؤمنين من أهل القرآن:

سأحمل روحي عـلى راحتي     وألقي بها في مهاوي الردی
فإما حيــــاة تســــر الصديق     وإما ممات يغيــــظ العـــدى

     كذلك سوف يردد الفاتحون المؤمنون وهم نحوكِ يتقدمون، فجباههم العزيزة الشماء لا تسجد لغير الله وهم بين اثنين: عیش عزیز کريم، أو ميتة أبية وشهادة عظيمة.

     لقد نذر جند الله تعالى أنفسهم في سبيله عز وجل، وسوف يوفون بالنذر. وإن هذا الوفاء أن يثأروا لجرحكِ الدامي، ومجدكِ الكسير، فافرحي يا قدس؛ فإن لهم من سمات الجلال ما هو خليق بأنبل الرجال، إنهم مرآة العظمة والصدق والعطاء، إنهم الورود في البساتين، إنهم الرياحين في الحدائق، إنهم شقائق النعمان في المروج، إنهم أغنية الأحلام في البيداء. وهم مع هذا.. أسود ونمور، وصقور وعقبان، عشاق موت وطلاب شهادة، فيهم عزيمة المجاهدين الصادقين، وتكبير الأتقياء المؤمنین، وشجاعة الأبطال الخالدين.

     وأنتِ أيتها الأمة المسلمة!.. أنتِ اليوم مدعوة لتثبتي شرف انتمائك للإسلام العظيم، وإنه لشرف كبير لا يصدقه إلا الدم الزاكي، فهيا إلى الدم والبذل والعطاء، وحذار حذار من كل حلول الاستسلام والتخاذل والتفريط:

أمة الصحراء يا شعـب الخلودْ     مَنْ سواكم حَلَّ أغــلال الوری
أيُّ داعٍ قبلكم في ذا الوجــــودْ     صاح لا كسرى هنا لا قيصرا
*****

مَنْ سواكم من حديثٍ أو قدیــمْ     أطلع القرآن صبحـــاً للرشــادْ
هاتفاً في مسمع الكون العظيـمْ     ليسَ غيرُ الله ربـــــاً للعبـــــادْ
*****

يا قدس! (8)

يا قدس! (8)

     يا قدس!.. أتذکرین الفاروق العملاق الشهيد حين قطع إليك المفاوز والقفار والفيافي والسباسب، وخاض نحوك الماء حافياً، والمولى راكب على الجمل، والخليفة الراشد العظيم يقود الجمل الذي يركبه المولى بالحبل، فاعترضه غدير ماء فخاضه، فخاف أحدهم أن يعيب أهلك عمله ذاك فكلمه فيه، فغضب عمر، وهتف بقولته الخالدة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله"!؟. أتذكرين ذلك؛ أم أنساك طول العهد وتقادم الزمن وكرّ الجديدين؟

     إن أبناء الإسلام اليوم يعملون ليستقيم الدرب، ويصحو الغافلون، ويهتدي الناس ليكون الموكب القادم موكباً نقي العقيدة، طاهر الفؤاد، فيدخل المسجد الأقصى لا باغياً ولا عادياً، ولكن مؤمناً متواضعاً، يعلي كلمة الله عز وجل، ويهتدي بقرآنه العظيم.

     سيأتيك موكب المؤمنين الصادقين، تضطرم قلوبهم بالحنين، يستعذبون الموت في سبيل الله، يستبِقون إلى جنة الخلد التي لا تبلى، يعيدون للدنيا مواقف البطولة النادرة، والإيثار العميق، بعد أن خلت الدنيا منها أو كادت، وحسبتها أحاديث يرويها السمار في المجالس، لا وقائع في الحياة اليومية.

     الوجوه الذابلة تعود مشرقة، والقلوب الخاوية تعود قوية، والغرباء الحائرون التائهون، سیرجعون أدلاء هادين مهديین ليكونوا بإذن الله سراً من أسرار النصر ضد بغي يهود.

     إن في المسلمين اليوم بشائرَ يقظةٍ عارمةٍ، ونهجٍ راشدٍ، وفجرٍ صادقٍ، فانظري إليهم وقد أخذوا يتعلمون صناعة القتال، وفن الموت، لن يعودوا بعد اليوم كما كانوا حين ضللهم الدجاجلة والأفاکون، سوائم ضائعة، وحمى مستباحاً، وقطيعاً يتبع كل ناعق وعابث وفاجر.

     لا.. لقد استعلوا على ذلك، وتجاوزوا الهزيمة الفكرية والنفسية، وتمكن فيهم الإيمان والإباء، والثقة والاستعلاء، والاعتزاز الباذخ الشامخ بصحة هذا الدين وخلوده، وبأن المستقبل له بإذن الله.

     يا قدس!.. حقاً هي سنوات شداد عجاف، مرت عليكِ وأنت في أسر اليهود، لكن هذه الفترة وإن بدت طويلة في عمر الأفراد فهي قصيرة في عمر الأمم والشعوب. ونحن أمة الإسلام أعرق الأمم، وأكثرها امتداداً في الزمان والمكان، لذلك ستبدو سنوات الأسر يا قدس قليلة جداً في يوم التحرير والإنقاذ، يوم يقتحم قرآنُ المسلمين زيفَ التوراة وضلال التلمود، وحقُّ الإسلام النقي الصريح باطلَ يهود، ويسترجع المسلمون ديارهم وفي مقدمتها القدس الغالية ليطهروها بالدين الحق، دين الإسلام العظيم، من كل باطل وفساد وجاهلية، ويقيموا فيها حكم الله عز وجل عزيزاً قوياً ينادي بلسان الحال والمقال: أَنْ ها هو فجر جديد أشرق على أمة الإسلام، فجر السعادة والقيادة والنصر العزيز المؤزر.

الوحي والتنزيــل والأحرفُ والآي والإنجيل والمصحـفُ
وســــورة الإسـراء ما رُتِّــلت إلا وأســماع الدنـــا ترهفُ
نبـــارك القدسَ، وما حولها وصخرة القدس بنــــا تهتـفُ:
في كل صـــدرٍ من دمي دفقــــةٌ وكل عينٍ دمعـــةٌ تذرفُ
إن ضمد الآسي جراح الورى فالجرح مني راعفٌ ينزفُ
يـــا دُرةً في جيـــدِ تاريخنا رُبـــــاكِ من كلِّ الربى ألطفُ
كم قد مشت أكبــادنا فوقَها من كل روضٍ زهرةً تقطـــفُ
وكم سقينـــا تربها أنفســـاً أصفى من الياقوتِ بل أشــرفُ
يا قدس .. مهما باعدوا بيننــا ففي غدٍ جيش الهدى يزحفُ
كتـــائب الإيمان قــــد بايعتْ لا فـــاسقٌ فيها ولا متـــرفُ
*****

أيتها القدس! (7)

أيتها القدس! (7)

     أيتها القدس الأسيرة الحزينة!..

     لا ريب أن سقوطكِ بين براثن "يهود" نكبة عظمى من أكبر نكبات المسلمين في العصر الحاضر، ولكن من الممكن جداً أن يكون لهذا السقوط آثار إيجابية نافعة إذا أحسن المسلمون الانتفاع من دروس السقوط، وقرروا أن يتغلّبوا على الصعاب، ويجتازوا المحنة.

     في النار يخلص الذهب ويصفو، وفي المحنة تطهر الأمة وتستقيم إذ تعرف الخطأ من الصواب، والخبث من الطهر، والأصيل من الدخيل، والشجاع من الجبان. وتدل حوادث التاريخ أن الأمم تتجمع في النكبات والشدائد بأفضل مما تتجمع في الرخاء واللين.

     الليل يسبق النهار، والشتاء يسبق الربيع، والجفاف يسبق الخضرة، والمحنة والهزيمة تسبقان العزة والانتصار. فليمتلئ قلبكِ إذن بالسكينة والثقة والأمل.

     سيأتي يوم الخلاص يا قدس!.. وسيكون الخلاص على أيدي الطاهرين المتوضئين أنقياء القلوب والأرواح، صادقي الرأي والفكر، أما الدجاجلة والكذبة والفراعين فلن تكوني أهلاً لهم، ولن يكونوا بكِ جديرين، ذلك أنهم هم الذين ضيّعوكِ من قبل.

     لك أن تضيقي اليوم بظلمة "يهود"، ولكن حذار من اليأس، فصباح القرآن الكريم قادمٌ عما قريب، وإن للظلمة موعداً سيعرفون فيه بأس المؤمنين الصادقين. إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟ إن بيننا موعداً لن ننساه، هو موعد النصر القادم دون ريب.

     نحن واثقون بهذا الموعد ثقتنا أن الشمس تطلع من الشرق وتغيب من الغرب، وأن البحر فيه ماء، وأن الجو فيه هواء. فقد أخبرنا رسول الله ﷺ بنصر للمسلمين ساحق ماحق حتى لو اختبأ يهودي وراء حجر أو شجر، أنطق الله عز وجل ذلك الحجر والشجر فهتف: يا مسلم يا عبد الله!.. هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.

     وإن ثقتنا بحديث الرسول الأمين ﷺ لا حد لها، ومن نافلة القول أن نؤكد أن قوله الكريم مقدّم لدينا على أقوال الساسة الانهزاميين الذي يحاولون أن يمكّنوا لليهود في ديار المسلمين.

     وأنت أيها المجاهد المسلم المرتقب الذي سيكون الخلاص على يديك المتوضئتين بإذن الله!.. لا يهولنَّك ما جمعوا من عتاد كبير، فربما كان لك ذلك غنيمة باردة، ذلك أن الجبان يصبح سلاحه عبئاً عليه، وقد يأخذه خصمه منه ويقتله به. فأقدِمْ وخذْ سلاح "يهود"، واجعله مصوباً نحو معسكرها معسكر الشيطان.

     افضحْ بشجاعتك جُبْنَ اليهود، واكشِفْ بحقك باطلَهم، واهدِمْ بجهادك الذي تبنيه بالحق والإيمان بناءَهم الظالم المعتدي، الذي أقاموه بالسرقة والغش والخديعة والاحتيال، وحروب سريعة سرقوا النصر فيها في غيبة الشرفاء.
*****

أيتها القدس! (6)

أيتها القدس! (6)

     أيتها القدس الحزينة التي تعيش بين الألم والأمل!.. أتدرين متى يكون الخلاص الذي تؤمّلين!؟.. إنه سيكون يوم تعيش قلوبنا بفخر واعتزاز مع ذكريات بدر وخيبر ومؤتة، والقادسية ونهاوند واليرموك، والزلاقة وحطين وعين جالوت، والأملُ العارم يجتاحها، والعزمُ الوقّاد يتدفق فيها، والطموحُ الكبير يستولي عليها، بأنْ نصنعَ أمجاداً جديدة مثل هذه الأمجاد القديمة، ندخل بها التاريخَ كرّةً أخرى، ونثبت صدقَ إيماننا، وأصالةَ أمتنا، وقدرتنا على التحدي والكفاح، وشرفَ انتسابنا للإسلام العظيم، والقرآن الكريم، والرسول الخالد محمد بن عبد الله ﷺ.

يــا سورةَ الأنفالِ مَنْ لي بهـــا     قدسيّـــــةِ الآياتِ تسـتنفــــــــرُ
جنداً يذوقُ الموتَ عَذْبَ المنى     كالصبـــحِ عن إيمـــــانِهِ يسفرُ
ومَنْ يَبِــــعْ للهِ أزكـــــــــى دَمٍ     يَمُتْ شهيـــــدَ الحقِّ أو ينصـرُ
والبـــغيُ مهما طالَ عدوانُـــهُ     فــاللهُ من عدوانِـــهِ أكبـــــــــرُ

     هذه الأبيات ترسم لكِ يا قدس ملامحَ من صورة المجاهدين المؤمنين الذين سيكون على أيديهم الخلاص إن شاء الله. إنهم قوم عشقوا الجهاد في سبيل الله عز وجل، واستطابوا الموت طلباً لرضاه، وصارت الشهادةُ أغلى أمنياتهم وأثمنَ آمالهم، يتوجهون إلى الله العلي القدير أن يكرمهم بها في سجودهم وقيامهم، وليلهم ونهارهم، وهم فرادى وهم مجتمعون.

     ولطالما استوقفتهم آياتُ الجهاد في القرآن الكريم، في سورة الأنفال وغيرها، فَصَفَتْ سرائرهم، وطابت أوقاتهم، وملأهم الحنين إلى الجهاد، إلى الجهادِ المؤمنِ المستبسل الذي يمتلكُ الرجاءُ قَلْبَ كلِّ مبادرٍ إليه أن يُرْزَقَ إحدى الحسنيين، الشهادة أو النصر، وهؤلاء الرجال الكرام، والمجاهدون الأباة الذين يسفر إيمانهم الدفّاق الوهّاج كالصبحِ الطهور، والنورِ اللألاء، والفجرِ الصادق، والذين يستعذبون الموتَ في سبيل الله عز وجل ويحبونه ويستبقون إليه؛ هم مناطُ الأمل، ومعقدُ الرجاء، وبسمةُ البشرى، للإنقاذ المرتقب إن شاء الله.

     سيدخل هؤلاء أعزاءَ كراماً منصورين، أقوياء غالبين مظفرين، وسيدخلون كذلك شاكرين لله تعالى، منيبين إليه مخبتين، متواضعين لا يبغون علواً في الأرض ولا فساداً، لينتهي بدخولهم الكريم، وانتصارهم المؤزَّر، ليلُ الفساد والباطل، ودَنَسُ اليهود، وزيفُ التلمود، ويبدأ عهدٌ جديد، يعلو فيه الحق، ويسود فيه الإسلام، ويحكم فيه بالقرآن، وتخفق فيه رايةُ الإيمانِ عزيزةً ظافرة شمّاء، تُعْلِي في الخافقين هتافَ التوحيد الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
*****

يا قدس! (5)

يا قدس! (5)

     تحية لك يا قدس الإسلام والمسلمين يَوْمَ أَسَرَكِ العدو، ويَوْمَ أن حاولوا بيعَكِ للعدو!.. بكتكِ قلوب المسلمين التي أثقلتها الآلام، وأوجعتها الأسقام، واشتدت عليها المصيبة، مصيبةُ أَسْرِ اليهود إياكِ في يومٍ شاحبٍ حزين، وكان أشد ما أصاب أفئدة هؤلاء الغيورين، ما شهدته من ضياع الأمة المسلمة حين تردّت في متاهات وضلالات، وعَدَتْ وراءَ سرابٍ كذوب، وصدّقت الدجالين والكذابين، فغُلِبَتْ على أمرها، وخُدِعَتْ عن معركتها، وذُهِلت عن حقيقتها، وغفلت عن مستقبلها ومصيرها، بسببٍ من تصديقها لما قاله الكاذبون والمجرمون، وانخداعها بمذاهب الفساد والضلال، واتباعها مبادئَ الأعداء والمستعمرين.

     هذه الأمة العظيمة الخالدة، كيف آلت إلى هذا المصير!؟ وكيف هانت على نفسها وعلى الناس!؟ أحقاً أنها أمةُ الإسلام يا قدس!؟ أحقاً أن أبناءها هم أهل القرآن!؟ أصحيح أنهم أحفاد الصيد الفاتحين، والغزاة المجاهدين، والعابدين الصادقين!؟ ترى أصحيح ذلك أم أن الحقائق والظنون كلها تكذّبه وتردّه!؟

مَنْ هــؤلاء التــــــائهون     وهجُ الزوابــع والرجومْ
والليـــلُ ينفـضُ فوقَهُـــمْ     من حزنـــه قـلقَ النجومْ
مَن هـؤلاء التــــائهون؟     أفهـــــؤلاء المسلمونْ!؟
أبــــداً تكــــذّبني وتــــر     جمني الحقائقُ والظنونْ

     إن الأمر لعجبٌ حقاً يا قدس!؟؟ وإلا كيف غلبَ اليهودُ المسلمين في حزيران العار، بينما القرائن الظاهرة، تدل جميعاً على استحالة ذلك!؟ ترى أثمة شك في أن السبب هو أنهم لم يكونوا يومَها حقاً مسلمين!؟

     إي والله!.. ما كنا يومها حقاً مسلمين، فقد تبدّلت بنا الحال غير الحال، ساء وضعنا، انحرفت عن السير قافلتُنا، تاه الأدلّاء وحار الهداة فإذا بنا ضائعون، ضائعون بين فكرٍ مستورد، ورأيٍ ضال أهوج يعلو عجيجه، ومبادئَ حمقاء تُدَقُّ لها الطبول، وجاهليةٍ جديدة يُدْعى لها باستمرار وتُحاط بالبهرج والبريق.

     إن عددنا كبير، لكننا ضعفاء، ذلك أن الصادقين من أهل الإيمان باتوا غرباء، وأُلقِيَتْ قيادة الركب إلى دجاجلة وكذبة وفراعين، فكان العار، وكان الشنار، وكان الإسار!. ولن يكون لك يا قدس خلاص إلا إذا قاد الركبَ قوم يؤمنون بالله، ولا يخافون في الحق لومة لائم.
*****

أيتها القدس! (4)

أيتها القدس! (4)

     أيتها القدس الغالية الحزينة!.. أتريدين أن تعرفي سراً من أسرار الهزيمة؟ إن أهل الإيمان كانوا متهمين، والذين يستبقون للموت ويستعذبونه، وتضطرم قلوبهم بالحنين إلى الشهادة صاروا قلة نادرة، خلت منهم الأرض إلا قليلاً.

     انظري جيداً يا قدس!.. في وجوه الهزيمة، إنك سوف ترين وجوهاً وقلوباً خاوية، ونفوساً مهترئة، مسختها الشهوات، وضلّت بها الأهواء، وتفرقت بها السبل، فعادت غريبة حائرة، لا تدري ماذا تفعل، ولا أين تتجه، إنكِ إن نظرتِ إليهم جيداً عرفتِ سراً من أسرار الهزيمة في حزيران بل أكبرَ أسبابها.

     لا تعجبي يا قدس!.. أنْ لم نسقط صرعى قبلَ أن يأسركِ اليهود، وأنْ لمْ نقاتلْ بيتاً بيتاً، وأنْ لم تكن وجوهُنا وقاءً لكِ وفداء، ذلك أننا نسينا فنَّ الموت في سبيل الله، ولم نتعلمْ كيف نصنعُ البطولة، ولم ندرَّب على حب الشهادة.

     وأنّى لنا أن نحميَكِ ونذودَ عنكِ الدخلاء، وقد ضلّ بنا الطريق، وحادت بنا السبيل، وهانت علينا دعوة الحق والنور؟ ومن اعتاد الهوان سَهُلَ عليه كل شيء:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهوانُ عليهِ     ما لجــرحٍ بميّـــتٍ إيــــلامُ

     والذي يهون يا قدس!.. يؤول إلى شرّ مآل، ويصير إلى أبشع مصير، تيهٌ وضياع، وضلالٌ وحيرة، وحمى مستباحٌ عاجز، وتبعيةٌ لكل ناعق وعابث وفاجر، وحرصٌ على حياة، أياً كانت هذه الحياة.

     في يوم الأسر يا قدس!.. صدق علينا قول الشاعر إذ كنا موتى قبل الموت:

نحن موتى وشرُّ ما ابتدعَ الطغـ     ـيــانُ موتى عـلى الدروب تسيرُ
نحن موتى وإنْ ذهبنـــا وعدنــا     والبيـــوتُ المزوّقـــــات قبـــورُ
نحن موتى يُسِــــرُّ جارٌ لجـــارٍ     مستريبـاً متى يكون النشـــورُ!؟

     لقد أضعناكِ يوم أضعنا الدين، وخسرناكِ يوم خسرنا صدق الإيمان المتوهج المتحرك في أعماقنا، وفقدناكِ يوم عُطِّلت حدود الله تبارك وتعالى، ولكنْ لا تحسبينا يائسين، معاذَ الله أن نيأس، فأمتنا نجيبةٌ ولود، ولا بد أن تتجاوزَ كل النقائص والسلبيات بإذن الله، وها هي اليوم تصحو بعد نوم، وتنهض بعد غفلة، وتستقيم بعد اعوجاج، وتمتد بعد انحسار. ولا بد أن يطلع الفجر السعيد الذي يعيدُكِ إلى الإسلام والمسلمين، بالرغم من مؤامرات اليهود وتلاميذهم، واستسلام المتخاذلين الذين يحاولون أن يبيعوكِ للعدو، ويُضفون على احتلاله لك صفة قانونية شرعية.
*****

يا قدس! (3)

يا قدس! (3)

     من بعيد قلبي يرف إليك يا قدس ويهفو ويبكي، فأنتِ تسكنين في كل ذرة من ذرات الوجدان المسلم، كيف لا!؟.. وقد كنتِ يوماً قِبْلةً لأمتنا العظيمة، وفي ليلةٍ مباركة متوضئة كنتِ مسرى رسولنا الكريم ﷺ، وفي يوم الفتح المجيد كانت صخرتكِ مدَنَّسة، فطهّرها بردائه الفاروق العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم ذهب إليكِ ليتسلم مفاتيحكِ مظفراً منصوراً، وكانت العصبية الدينية المغلقة الضيقة تغلق أبوابكِ في وجوه المخالفين، فحرّركِ للجميع دين الإسلام بتسامحه ورحمته.

     أنت يا قدس!.. عندنا عظيمة غالية، لكنَّ أغلى منكِ وأعظم أطفالٌ ونسوةٌ وشيوخٌ من حفدة الفاتحين يدوسهم المعتدون، ويذيقونهم النكال ألواناً ونحن مغلوبون مستسلمون.

     كم سفك همجيو الأمس من الصليبيين، وهمجيو اليوم من اليهود حولكِ من دماء المسلمين ظلماً وعتوّاً!.. وكم اعتدوا على أعراض!.. وكم سطوا على مال وأرض ومتاع!.. ما من شجرة حولكِ إلا روتها بالدماء قسوة الظلمة والمغتصبين، وما من أرض إلا وتحتها قبور لأشلاء المنكوبين، وما من حمامة من حمائم السلام غرّدت في رباكِ في ظل راية القرآن إلا هاجرت حزينة مكلومة، ذلك أنها وقد ألفت السعادة في ظلال القرآن لا يمكن لها إلا أن تحزن حزناً عميقاً مدمراً في ظلال إنجيل محرّف، وتوراة مبدّلة.

     من حولكِ سارت بالنور مواكب الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، ومن فوقكِ هبطت ملائكة السماء، ومن أجلكِ سقطت رؤوس الشهداء وهي تهتف "الله أكبر"، مُؤْثِرَةً ما عند الله على كل ما في الدنيا. {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].

يا قدسُ يا أنشـــودةً في فمي     ويا منـــاراً في ذرى الأنْجـمِ
في كلِّ أفقٍ منـــك تسبـــيحةٌ     وكلِّ شبـــــرٍ دفقـــــةٌ من دمِ
وكلِّ روضٍ نفحةٌ من شــذى     وماؤكِ الرقـــراق من زمزمِ
وكلِّ صـــدرٍ زفـــرةٌ حَـــرَّةٌ     وكلِّ خِــــدْرٍ عَفَّـةُ المبســــمِ
تحنو بقـــــــلبٍ خافقٍ بالمُنى     على بريء رفّ كالبــــرعمِ
قد أغمضَ الأجفـانَ في هدأةٍ     وثغــره في الثـــدي لم يفطمِ
مَنْ مزّق الطفـــلَ بلا رحمةٍ     فمات بين الصدر والمعصـمِ
شظيــةٌ عميـــــاء من حـاقـدٍ     ورميةٌ من ســــــاعدٍ مجـرمِ
قد أطلقت هوجــاءَ في غفـلةٍ     وحلكة من ليــــــلنا المظـــلمِ
ما كان للهــامات أن تنحــني     لو كان فينـــا عزةُ المســــلمِ
*****

الأكثر مشاهدة