الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

مختار وزينب .. الفرنسيان

مختار وزينب .. الفرنسيان

     منذ عدة سنوات، أسلم مهندس فرنسي يعمل في مصانع الطائرات، وحمل اسم :مختار". والذي يستوقف الإنسان في سيرة "مختار" أنه بعد إسلامه حرص على دراسة كتاب الله عز وجل، وتعلم اللغة العربية، وعلى الرغم من أنه يسكن على بعد 50 كم من باريس، فإنه يأتي إليها يومياً بعد الفراغ من عمله، لمقابلة الدكتور الداعية محمد حميد الله، وذلك من أجل دراسة كتاب الله تعالى على يديه.

     من الواضح في سيرة مختار هذا، حرصه الشديد على تعلم الإسلام، دينه الجديد الذي اهتدى إليه، وتعلم اللغة العربية التي نزل بها كتاب هذا الدين. ويبدو ذلك واضحاً جلياً حين يقطع في كل يوم مسافة 100 كم ذهاباً وإياباً من منطقة سكناه إلى باريس ليتلقى درسه اليومي في حرص ومتابعة واستمرار.

     ولا ريب أنه لو لم يكن دافعه الذاتي المؤمن، قوياً إلى درجة بالغة، تجعله يسعى هذا السعي الحثيث الدؤوب، لَما كان بوسعه أن يقوم بهذا الجهد اليومي المتكرر البالغ مدىً لا يستهان به.

     وإنّ المرء حين يتوقف عند حالة هذا الإنسان، البعيد عن مهد الإسلام ودياره، يلحظ مدى الحماسة الإيمانية البالغة التي تملأ شغاف قلبه، وهي حماسة يبدو أنها تلازم ذلك النفر الكريم ممن يسلمون عن قناعة تامة، وبعد بحث طويل، وبعد حُرقة في البحث عن الحقيقة، وبعد فترة من الحيرة والقلق والضياع، والخبط في دروب التيه، لذلك ما يكاد الواحد منهم يصل إلى شاطئ النجاة، وتستقر قدماه على جادة الهدى حتى يحرص على هداه حرصاً شديداً ويتشبث به إلى حد بعيد.

     نلمح هذا الحرص الحميد في قصة هذا المهندس الفرنسي المهتدي، ونلمحه في قصة فرنسية أسلمت واختارت اسم "زكية"، ذلك أنّ زكية هذه لم تكتف بإسلامها، بل أخذت تدعو إليه حتى بلغ عدد من أسلموا على يديها وبدعوتها عشرة أشخاص.

     ويؤكد الأستاذ الداعية محمد حميد الله أنّ الفرنسيين الذين يدخلون الإسلام في فرنسا لديهم حماسة لهذا الدين وتمسك به؛ أكثر من أولئك الذين ورثوا الإسلام عن آبائهم، ويضرب على ذلك مثالاً فيقول: لم أرَ بين المسلمات الفرنسيات واحدة لباسها غير لائق، ولقد شهدتهنَّ يحضون صلاة التراويح بحرص ملحوظ، والأمر في ذلك عند المسلمات بالوراثة مختلف كثيراً.

     ومنذ أعوامٍ خلت حضرت أستاذ جامعية في باريس إلى منزل الأستاذ حميد الله، وأسلمت على يديه، وكان معها رجل مسلم زوَّجَها الأستاذ حميد الله منه بناءً على طلبها.

     وقبل أن تمضي في الإعجاب كثيراً بهذه الحوادث، إليك هذه الواقعة ذات الدلالة الأعظم: إنّ شاباً من أحد البلدان الشيوعية في أوربا الشرقية جاء إلى باريس وقد أسلم، وأسلم معه خمسة شبان آخرين من بلده، وقَدِمَ إلى باريس سراً يريد شراء كتب عن الإسلام باللغة الفرنسية، ليتدارسها مع صحبه ويترجمها إلى لغة بلده، ويدعو بها سراً إلى الإسلام فيه.

     وإنّ المرء لَيشعر بالاعتزاز الهائل بهذا الدين، وقدرته الذاتية على النمو والامتداد واكتساب أنصارٍ له، بجهود ضئيلة جداً يبذلها المسلمون أحياناً، وبدون جهود قط في أحيان أخرى، وما من ريب في أنّ هذه القدرة الذاتية على النماء والبقاء والاستمرار من أسباب عظمة هذا الدين وخلوده، وما مِن ريب كذلك في أنها دليل على صحته، إذ إنها تؤكد بلا جدال ربّانية هذا الدين الذي رحم الله تعالى به الناس.

     إنه لَمِنْ دواعي الاعتزاز الضخم بهذا الإسلام الخالد، أن تجد غربيين قد آمنوا به وهم من الطبقة المثقفة، أسلم بعضهم دون أن يدعوه أحد، بل بجهده الذاتي في البحث عن الحقيقة، وأسلم آخرون بجهد محدود من جهود التبشير بالإسلام، وهي مع الأسف جهود ضئيلة جداً حين تقاس بجهود التبشير المسيحي.

     وإنّ اعتزاز المرء بهذا الدين لَيزداد كلما توقف عند حالة من حالات الهداية، لكنّ هذا الاعتزاز يبلغ أمداءه الرحيبة الواسعة، حين يتوقف المرء عند هداية ذلك الشاب القادم من أوربا الشرقية والرازحِ بلدُه تحت الحكم الشيوعي.

     فذلك الشاب يعيش في بلد لا يعرف الحرية في شيء، لا الفكرية ولا غير الفكرية، ثم إنّ النظام السائد يحارب الأديان ويعمل على تصفيتها، لأن عداء الشيوعيين للأديان عامة وللإسلام خاصة؛ عداء جذري، عميق وعنيف، ومع ذلك تشاء العناية الربانية لهذا الشاب أن يهتدي إلى الإسلام بوسيلة من الوسائل، وما يعلم جنود ربك إلا هو، ولم يكتفِ الشاب بالهداية التي فاز بها لنفسه، بل طفق يسعى إلى نقلها إلى غيره، وإذا به وقد صار معه عدد من المهتدين، يشعر بضرورة دراسة الإسلام، دراسةً وافية، ونقل بعض الكتب عنه إلى لغته لتكون عوناً له في عملية التبشير والهداية.

     إنه الإسلام. دين الله الخالد المحفوظ، لا يزال قادراً على أن يمتد هنا وهناك حاملاً شعلة النور للعالمين.
*****

أنس الياباني وجدية الانتماء

أنس الياباني وجدية الانتماء

     في أحد أيام الآحاد من شهر ربيع الأول 1395هـ= آذار 1975م، قَدِمَ شاب ياباني يعمل سائقاً لسيارة شحن في محافظة أوساكا على بُعد 600 كم جنوب غرب طوكيو، وتبدو على يديه آثار العمل الشاق، إذ هما متقرّحتان. جاء هذا الرجل ليسأل عن الإسلام وكيفية أداء الصلاة.

     وقال في حديثه عن نفسه: إني أومن منذ صغري بإله عظيم قوي، ومرّت بي أحداث عمّقت هذا الإيمان. ولم أكن أعرف كيف أعبد هذا الإله. وقرأتُ كتب البوذيين فلم تهدني، وقرأتُ الأناجيل فلم تجِبْ على تساؤلي.

     وأخيراً قرأتُ ترجمة معاني القرآن الكريم للحاج "عمر ميتا"، فعرفتُ أنّ الإسلام هو الصراط المستقيم، وأنّ الله العليّ القدير، هو الإله الذي أنشُده، فبدأتُ أصلي على حسب ما وصف عمر ميتا في مقدمة ترجمته، وجئتُ الآن لأسلم وأصحح صلاتي. ثم سأل مَنْ وجدهم في مسجد طوكيو من المسلمين سؤالين: أحدهما قبل أن يسلم، والآخر بعد إسلامه.

     أما الأول فقد قال فيه: ما هو موقفي من والديّ؟ هل أتبرّأُ منهما كما تبرّأ نبي الله إبراهيم فأذهبُ إلى المحكمة وأسجّل براءتي فيها؟ وقرأ له المسلمون الذين كانوا معه في المسجد، وصية لقمان التي تأمر ببر الوالدين حتى لو كانا كافرين فارتاح لذلك، ووجد فيه حلاً يرضاه ويطمئن إليه.

     أما السؤال الثاني فقد قال فيه: لمن أعطي الزكاة؟ فقالوا له: اتصل بالأخ خالد كيبا، وهو على مقربة من بلدك، وهو مسلم قديم، وسيدلك عن الذي تعطيه الزكاة ويعلّمك الإسلام، ويشرحه لك بشكل موسّع. وخالد كيبا مسلمٌ قديم وحَسَنُ الاطلاع والثقافة.

     واختاروا له اسم "أنس" فسأل عن معنى هذا الاسم؟ فقالوا له: إنه اسم لواحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم، ومعناه الإنسان الذي تأنس به وترتاح له حين تلقاه، ففرح كثيراً بذلك، وغادر مسجد طوكيو وإخوته في الإسلام الذين جاء يسألهم ويستوضح منهم على عجل، ليلحق بالقطار السريع الذي يوصله إلى بلده، لأنه مُطالب أن يصحو مبكراً لأداء عمله.

     قصة هذا الياباني المهتدي، الذي بات يحمل اسم أنس قصة زاخرة بالحيوية والعبرة والدلالة. إنّ الرجل يعمل سائق سيارة شحن، ومثل هذا العمل يتطلب جهداً كبيراً، ولا يكاد يترك لصاحبه وقتاً ينتفع منه في راحة أو دراسة، خاصة تلك الدراسات التي تحتاج أناةً وتفكيراً هادئاً ومتصلاً، وهي التي ترافق تحوّل الإنسان من دين إلى دين. وها نحن نرى الرجل يصل إلى مسجد طوكيو، وعلى يديه آثار قروح العمل الشاق، وبعد استفسارات كانت تشغله يمضي مسرعاً ليكون بوسعه استئناف عمل الغد.

     ومع هذا؛ فأنس تتحركُ فطرته تبحث عن الهداية، ويتحرك عقله ينشد الحق، هو يؤمن بإله قوي عظيم، ومرّت به أحداث رسّخت هذا الإيمان، لكنه لا يعرف كيف يقوم بحقوق هذا الإيمان!؟ ولا يعرف كيف يعبد الله القوي العظيم!؟ ومضى إلى كتب البوذيين فلم يجد ما يطلب، ومضى إلى الأناجيل فلم تُجِبْ هذه الأناجيل على تساؤله.

     وشاء الله تعالى أن يقرأ أنس ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، التي قام بها الحاج عمر ميتا، فإذا به ينشرح صدره، وتطمئن نفسه، ويوقن أنّ الإسلام هو الحق، ثم يأخذ في التطبيق حين يبدأ يصلي من خلال فهمه لما كتبه عمر ميتا عن الصلاة في مقدمة ترجمته.

     سبحان الله!.. أنس لم يَلْتَقِ بمسلم يحاوره ويحدّثه عن عظمة الإسلام وصحّته، ويدعوه إليه، وإنما تعرف على الإسلام من خلال كتاب، وحين أيقن أنه هو الحق شرع في التطبيق العملي، لكنه وجد نفسه في حاجة إلى مزيد من الإيضاح، ووجد بعض الأسئلة تدور في خلَده فسافر إلى طوكيو، واتجه إلى مسجدها ليلتقي بالمسلمين هناك ويتحدث معهم.

     ويمكن لك أن تلحظ الجدية التامة، والإحساس بضرورة التطبيق العملي والفوري لما يأمر به هذا الدين في جملة أمور، فهو يريد تصحيح صلاته لتكون على الشكل المطلوب، ثم هو يسأل عن موقفه من والديه؛ وهل يتبرّأُ منهما رسمياً وفي سجلات المحكمة!؟ ثم هو يسأل لمن يعطي الزكاة!؟ إنّ في ذلك دلالةً على جدية الانتماء إلى الإسلام، وجدية الشعور بضرورة تطبيقه التام، ما دام الرجل قد آمن به وألقى قياده إليه.

     في قصة أنس دليل على عظمة الإسلام، هذا الدين الرباني المحفوظ، الذي يتحرك بدون أن يحمله أحد في كثير من الأحيان، فهو الدين الحق، الذي يفرض نفسه بذاتيته المعجزة الربانية.

     وفي قصة أنس دليل على الفرص الكبيرة، المتاحة أمام انتشار الإسلام في اليابان، فالشعب الياباني يملك فطرة فيها الكثير من الخير، وهو تربة خصيبة تسهّل على أبنائها الاقتناع بالإسلام.

     وفي قصة أنس دليل كبير على تقصير المسلمين في حمل رسالة الإسلام وإبلاغها للناس. إنّ في اليابان اليوم فرصة كبرى لهداية هذا الشعب الذكي الطموح وانتشار الإسلام بين أبنائه، فعسى ألّا يضيّعها المسلمون.
*****

إسلام .. ميشال فلسان وروني قونون

إسلام .. ميشال فلسان وروني قونون

     كثيرة هي الشواهد والحقائق التي تتجدد وتتكرر بين الحين والآخر، لتثبت صحة هذا الدين وخلوده، وعظمته وتكامله، واستمراره في دوره الخالد في هداية الآخرين وإخراجهم من الظلمات إلى النور. وفي طليعة ذلك، قدرة الإسلام المستمرة على اجتذاب أناس يؤمنون به، ويمنحونه ولاءهم، من شتى البلدان والشعوب.

     وفي حياة الرجل الصالح مصطفى فلسان رحمه الله نموذج يؤكد هذا الذي نقول. ولِد الحاج مصطفى عبد العزيز الذي كان يحمل اسم "ميشال فلسان" قبل إسلامه، في مدينة بوخارست عام 1907م، وهو عالم جليل وموظف كبير في السلك الدبلوماسي لبلاده، وقد وصل به البحث عن الحقيقة إلى اشمئزازه من الحضارة المادية لذويه، واستنكاره ما عليه قومه وحضارته من انحرافات وأخطاء، وما زال يستمر في البحث عن النور، وتقترب خطاه من الحقيقة، وتشرق على عقله وقلبه أنوار الهداية، حتى اعتنق الدين الإسلامي، واستقر نهائياً في باريس حتى وافاه الأجل عام 1394هـ= 1974م.

     قضى المرحوم "مصطفى عبد العزيز فلسان" فترة من الزمن في تونس يدرس الإسلام واللغة العربية، وتأثر في تلك الفترة بباحث آخر عن الحقيقة هو الفرنسي المسلم "روني قونون"، إلى درجة أنه صار تلميذاً له ومُريداً، ومواصلاً لمنهجه من بعده.

     وكان يعيش حياة روحية غنية، ويؤثِر الوحدة والعزلة، لكنه كان يأتي بانتظام إلى مسجد باريس الكبير ليؤدي صلاة الجمعة، وصلاة التراويح في رمضان من كل عام.

     وكان يحب الشبان، لذلك كان يزورهم في منازلهم ليحدثهم عن أهمية الحياة الروحية محاولاً جهده أن يأخذ بأيديهم إلى الطريق المستقيم، طريق الإسلام الخالد العظيم، وكان رحمه الله يصدر جريدة فصلية تخرج كل ثلاثة أشهر، وكان لها تأثير محمود ملاحظ، فقد اجتذبت مقالاته عدداً كبيراً من غير المسلمين إلى الإسلام، فكوّن بهم جمعية مؤمنة متحابة، تذكُرُ الله تعالى وتمجّده، وتؤدي فرائض الشريعة الإسلامية كالصوم في رمضان، وأداء الصلوات الخمس يومياً، وأداء الحج على قدر الاستطاعة، وكانت للمرحوم فلسان لحية جميلة يطلقها بذوق وأناقة، وكان لعدد من أصحابه مثل ذلك.

     وتزوج المرحوم مصطفى عبد العزيز فلسان مرتين، وخلّف عائلة كبيرة، والشيء الذي يبعث على الإعجاب والتقدير أن نرى عائلة هذا الأوربي المهتدي، شديدة التمسك بتعاليم الإسلام، وأبناؤه الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ست وسبع سنوات يرتلون القرآن الكريم باللغة العربية، وفي كثير من الأحيان يفهمون معانيه. وقد زار الجزيرة العربية وعدداً كبيراً من البلدان الإسلامية، وقد فازت إسطنبول بإعجابه ومحبته.

     حقاً إنّ في سيرة هذا الأوروبي المسلم عبراً ودروساً تنتزع الإعجاب وتفرض نفسها على المرء فرضاً. لم يكن فلسان رجلاً جاهلاً أو نكرة بين الناس، بل كان رجلاً ذا أهمية بالغة ومنزلة محترمة، ذلك أنه كان عالماً كبيراً وموظفاً مهماً في السلك الدبلوماسي لبلاده، وكان ذا نزعة روحية قوية لبلاده، ونظر نافذ، وفِكْرٍ حيٍّ متوقّد، لذلك لم يكن غريباً أنْ شعر الرجل بإفلاس حضارة قومه المُغرِقة في المادية، وبحاجته إلى اكتشاف الحقيقة، وأتبَعَ شعوره هذا بالسعي الحثيث بحثاً عن الهداية والنور حتى أكرمه الله تعالى بالإسلام، فألقى إليه قياده سعيداً هانئاً مطمئناً، وعاش في رحابه الطاهرة حتى وافاه الأجل.

     ولقد أدرك فلسان رحمه الله أنّ الإسلام يوجِب على أبنائه أن ينشروا هذا الدين ويبذلوا جهودهم من أجل ذلك، وأنه ليس في الإسلام دعاة رسميون هم الذين يتحملون وحدهم مسؤولية تبليغ الدعوة، بل كلُّ مسلم مُطالبٌ بذلك وإن اختلفت مسؤولية المسلمين في ذلك بحسب منازلهم وإمكاناتهم. لذلك شهدناه رحمه الله، يسعى إلى الشبان في منازلهم ليحدّثهم عن هذا الدين ويأخذ بأيديهم إلى الطريق المستقيم، ولذلك شهدناه أيضاً ينشئ مجلة فصلية، كان لمقالاته فيها تأثير حميد إذ اهتدى بها عدد غير قليل إلى الإسلام، سارع فلسان ليشكل منهم جمعية مؤمنة تحاول تحقيق الحياة الإسلامية فيما بينها بقدر ما تستطيع، وتفكر في أمر الدعوة، وتتواصى بالحق، وتتواصى بالصبر.

     ومن أهمّ النقاط التي تفرض على الإنسان احترام هذا الأوربي المسلم، أنه خلّف عائلة كبيرة وعُنِيَ بها عناية فائقة وبذل لها الكثير من جهده ووقته، وماله وأعصابه، ليكون أفرادها نماذج مؤمنة صالحة، شديدة التمسك بتعاليم الإسلام، وثيقة الصلة بكتاب الله عز وجل وهذا الذين كان. رحم الله مصطفى عبد العزيز فلسان، وأنزله منازل الأطهار الأبرار.

     وانتقل إلى رحمة الله عز وجل ليلة الاثنين 9 ذي القعدة 1394هـ= 24 نوفمبر 1974م، ودُفِنَ في مقبرة المسلمين بإحدى ضواحي باريس بالقرب من مطار أورلي الدولي.

     رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأجزل له المثوبة، ورزق أهله وذويه الصبر، وهيّأ لهم من يُعنى بهم بعد فقدان عائلهم، عناية مادية، وعناية إيمانية على السواء.
*****

مارك ماينكي إلى الإسلام (2)

مارك ماينكي إلى الإسلام
(2)

     إن الغربيين متعطشون إلى دين ينقذهم من المجاعة الروحية التي يعانونها. لقد أنهكتهم المادة وعبادتها من دون الله، وما اعتناقهم للبوذية والهيبية وغير ذلك إلا ردة فعل للقلق الذي يعيشونه.

     هذه العبارة قالها الأستاذ الأمريكي مارك ماينكي الذي أكرمه الله تعالى بالهداية، فأسلم واختار لنفسه اسم "مصعب عبد الله". وقد جاءت عبارته هذه ضمن حديث أجرته معه بعض المجلات الإسلامية، حيث قابلته، وكان ثمة حوار نافع مفيد، تحدث فيه الأخ المهتدي عن الدوافع والأمور التي قادته إلى الهداية.

     وعبارته هذه عبارة صادقة إلى أبعد حدود الصدق، فالغرب فعلاً يعيش في مجاعة روحية رهيبة تطحن الناس طحناً، والمادة أنهكت الناس وهم يَعْدُونَ وراءها ويعبدونها من دون الله عز وجل، والقلق استحوذ على البشر فدمّر أعصابهم، والحيرة أحكمت طوقها عليهم فعادوا يدورون في دوامة التيه والضياع، وطفقوا يبحثون عن أي أمل يلمع أمامهم فيُلقون قيادهم إليه، يتوهّمون أنه سبيلهم إلى النجاة، وهذا يفسّر ما نجدهم في عالم الحضارة الغربية من عجائب وغرائب حين نرى الناس مرة تتبع البوذية، وأخرى تؤمن بالوثنية الهندية لعبادة صنم اسمه "كريشنا" يزعمونه إلهاً، وما إلى ذلك من أضاليل وخرافات.

     يمكن لنا أن نؤكد أنّ الناس في أمريكا، وفي الغرب عامة؛ هم بدون دين، أو إن شئت الدقة فهم يعبدون المادة، وإنهم الآن أحوج ما يكونون إلى أن يتقدم إليهم الدعاة المسلمون لينقذوهم مما هم فيه، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور.

     في حديثه عن إسلامه يقول الأخ مصعب عبد الله: كنتُ أطيلُ النظر في تركيب المجتمع الأوربي، فوجدتُ أنّ هذا المجتمع فاسد، دُمِّرت فيه الأخلاق، وأصاب جحيم هذا الدمار الأسرة فأجهز عليها وحطّم رباطها، فلا هي تلتقي يومياً، وإن اجتمع أعضاؤها فهم مادّيون، والمال الذي في جيب الأخ خيرٌ له من أخيه وأبيه، وكنتُ ألاحظُ تماسك الأسرة في البلاد الإسلامية وما بين أفرادها من محبة وتكافل وإيثار فيعجبني هذا النظام، وتتقزّزُ نفسي مما عليه الأوربيون، والأوربيون لا يعرفون الدين إلا يوم الأحد، وداخل الكنيسة، فإذا خرجوا من الكنيسة صاروا خلقاً آخر، فكان يزعجني هذا التناقض والازدواجية، فما الذي جعلك متديّناً داخل الكنيسة ومنحلّاً سفّاحاً خارجها!؟

     وشاء الله تعالى لي الخير عندما تعرّفتُ على شاب مسلم من لبنان يعتز بدينه، ويعمل في ديار الغرب، هو إبراهيم عبد الله العيتاني، وكان إبراهيم زميلي في الدراسة، وقد أعطاني من أجود الانطباعات عن الإسلام والمسلمين. وفي عام 1969م سافرتُ إلى لبنان وبقيتُ سنة عند أهل زميلي إبراهيم في بيروت، وعرفتُ عن كثب حياة المسلمين، وتماسك الأسرة المسلمة فتأثرتُ من حياتهم تأثراً بالغاً، وتأكدتُ أنّ الدين يعيش معهم دوماً وفي كل لحظة.

     وعدتُ عام 1970م لأمريكا، وتابعتُ دراستي حول الأديان، ومن خلال دراستي الجديدة والقديمة صار لي تصور جديد، وصرتُ أتضايق من المزاعم ضد الإسلام كتلك التي تقولك إن المسلمين يكرهون عيسى عليه السلام.

     إنّ هذه الادّعاءات لم تعد تجدي مع إنسان عاشر المسلمين عن كَثَب. وأصبحتُ أتساءل: إنّ النصارى يقولون: إنّ النصرانية مكمّلة لليهودية، فلماذا لا يكون الإسلام مكمّلاً لليهودية والنصرانية؟

     وفي عام 1971م عملتُ في القاهرة أدرّس اللغة الإنكليزية في الجامعة الأمريكية، ومكثتُ حتى عام 1973م، وكنتُ في الوقت نفسه طالباً في علوم اللغات، وكنتُ أعيش مع الطلاب والمدرسين المسلمين، ومرة قال لي صديق مسلم: كيف تؤمن بنبوة عيسى عليه السلام ولا تؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وظلّ هذا السؤال يتردد عليّ وأسألُ به نفسي حتى انجلت الغشاوة عن عيني، فأبصرتُ الحقيقة.

     وفي عام 1971م عدتُ لأمريكا في الصيف، وصرتُ لا أستريحُ إلى الكنيسة، وإلى ادّعاءات النصارى وافتراءاتهم على الإسلام ورسوله، وزاد تثاقلي ومللي بسبب تناقضات المجتمع الغربي وبُعدِه عن القيم.

     وفي خريف 1973م سافرتُ إلى الكويت لأعمل خبيراً في جامعتها، وما زلتُ أبحث إلى أن أعلنتُ إسلامي، وصار اسمي "مصعب عبد الله" بدلاً من "مارك ماينكي"، وصرتُ أحافظُ -والحمد لله- على الصلوات الخمس يومياً.

     وبعد أن أعلنتُ إسلامي، صرتُ أشعر براحة في ضميري، واطمئنان في قلبي، وزوال كل آثار القلق ومعالمه من نفسي. حقاً لا يشعر بهذا الشعور إلا من أكرمه الله بالإسلام. وأنا اليوم مصعب عبد الله، الذي يعتزُّ بالإسلام، وأعلام المسلمين من مثل مصعب وعبد الله وعمر وخالد.

     إنّ الغربيين متعطشون إلى دين ينقذهم من المجاعة الروحية التي يعانونها، فلقد أنهكتهم المادة وعبادتها من دون الله، والحمد لله الذي هداني للإسلام.

     وبعد .. فإنّا إذ نحيّي من الأعماق الأخ المهتدي مصعب عبد الله، نُهيب بالمسلمين جميعاً أن يمارسوا دورهم في حمل رسالة الإسلام، ونشر أنوارها، في هذا العالم الحائر الضائع، لإخراجه من الظلمات إلى النور، ففي ذلك إبراء للذمة، ونهوض بالمسؤولية، واستفادة من الظرف المواتي اليوم.
*****

المهتدي الأمريكي مارك ماينكي (1)

المهتدي الأمريكي مارك ماينكي
(1)

     ما زال الغربيون يدخلون في دين الله أفواجاً، وفي طليعة الذين يعلنون إسلامهم المثقّفون من العلماء وأساتذة الجامعات وأصحاب الاختصاصات العليا، والفضل في ذلك لله عز وجل الذي أتمّ هذا الدين وأكمله، وارتضاه للعالمين، وحفظه وصانه من التغيير والتبديل والتحريف، ومن الانتقاص منه أو الزيادة فيه، لذلك لا غرابة قط في أن تسمع بين الحين والآخر قصة هداية فرد أو طائفة من الناس، تارة بجهود بعض الدعاة والمبشّرين بالإسلام، وتارة بمجرد الاطلاع الشخصي دون مساعدة من أحد من المسلمين، فيُسلِم الواحد والاثنان، وتُسلِم الجماعة القليلة والجماعة الكبيرة، ويُسلِم رجال، وتُسلِم نساء، ينتزع إعجابهم هذا الدين السمح السهل العميق، بوسطيته بين الروح والجسد، وبتوازنه وشموله وكماله، فهو دين الفطرة الطيبة السوية لا الشذوذ والانحراف، وهو دين الاعتدال لا المبالغة والغلو، والتطرف في شيء على حساب شيء آخر، وهو دين يطلق مواهب البشر العقلية والاجتماعية والسلوكية فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، ويحملهم إلى آفاق الإبداع والاكتشاف والتفوق.

     ونلتقي مع مهتدٍ أمريكي هو الأستاذ مارك ماينكي من مدينة شيكاغو، وهو يحمل درجة البكالوريوس في تاريخ الشرق الأوسط، ودرجة الماجستير في الأديان، ودرجة ماجستير أخرى في علوم اللغات. وكان مسيحياً بروتستانتياً قبل أن يُسلِم. وهو من مواليد عام 1948م أي 1368هـ، فهو شاب في التاسعة والعشرين من عمره، ويعمل خبيراً مشرفاً على النظام الجديد في الكويت. وقد أسلم الرجل عن قناعة تامة، وسمّى نفسه بعد أن اهتدى مصعب عبد الله.

     يتحدث مصعب عن نفسه فيقول: أراد الله عز وجل أن أختص بدراسة التاريخ، ودراسة التاريخ يرافقها دوماً دراسة الأديان، ومنذ طفولتي كنتُ كنصراني أحبُّ دراسة تاريخ القدس منذ أيام المسيح عليه السلام، وهذه الدراسة انتهت بي إلى دراسة تاريخ الإسلام والعرب الذين حملوه، وقد أحببتُ هذه الدراسة، وصار عندي شغف بمتابعتها، ولستُ أدري السبب في ذلك. وقد يكون هذا الحب وُلِدَ عندي لشجاعة العرب الفاتحين، ونبلهم وسموّ أخلاقهم، وقد يكون لهذا الدين الذي اكتسح العالم خلال فترة من الزمن، وكيف آمن الناس به بيسر ودون تعقيد، وقد يكون لجميع هذه الأسباب.

     إنّ علينا أن نلاحظ فيما قاله مصعب قيمة المعرفة الحقّة ودورها في الهداية، ذلك أنه حين تُتاحُ لإنسان غير مسلم يتحلّى بشيء من الإنصاف، فرصةٌ لدراسة الإسلام وتاريخه، من مصادرَ وثيقة، سيجد نفسه أمام مبادئ نبيلة متفوقة، ودعوة سهلة سمحة ليس فيها تعقيد أو لَبس أو غموض، وسيجد نفسه أمام تطبيق عملي عملاق، لتلك المبادئ العملاقة الكريمة، وسيجد بطولات رائعة في الشجاعة والقضاء، والعدالة والمساواة وغير ذلك، وسيلمس النقلة الضخمة الرائعة التي أحدثها الإسلام في الناس، في كل ميدان من ميادين حياتهم، وعلى كل مستوى وصعيد، وهذا كله ومعه ما يشبهه، قادر على انتزاع الإعجاب من الدارس المنصف، وهو إعجاب ربما ينتهي بالهداية وإعلان الإسلام، وربما يتوقف دون ذلك عند حد الإنصاف، وفي كلٍّ من الأمرين خير.

     ولا بد أنّ لدراسة مصعب تاريخ الإسلام، والتوقف عند شجاعة العرب الفاتحين وانتصار الإسلام الكاسح، وإيمان الناس به بيسر وبساطة، أثراً في هدايته للإسلام، ولهذا علينا أن نترجم إلى اللغات الحية الأخرى كتباً إسلامية كثيرة، تعرض عظمة الإسلام وسماحته وخلوده بشكل علمي مشوّق، وطريقة محبّبة جذابة، وتناولٍ مختلفِ الأداء والأساليب، فإنّ لذلك دوراً كبيراً مأمولاً في هداية الناس إلى الإسلام بإذن الله.

     ولا يغيب عن الأخ المهتدي مصعب عبد الله أنّ المسيحية في الغرب وأمريكا تعاني كثيراً من المتاعب والصعاب، وأنها وقد حُرِّفت لم تعد تلبي حاجات الناس وأشواقهم، وأنّ الفرصة متاحة اليوم لهداية القوم هناك، حيث القوم متعطشون إلى دين ينقذهم، وأنّ على المسلمين أن يرسلوا مجموعة من الدعاة لنشر الإسلام، لذلك يقرر قائلاً: "الناس في أمريكا يتخلّون عن النصرانية أفواجاً، فتارة تجدهم بوذيين، وغير ذلك، وعلى الدعاة المسلمين أن يؤدّوا دورهم، وأن يرسلوا وفوداً إلى بلاد الغرب تبشّر بالإسلام".

     ويمضي الأخ مصعب عبد الله يقول: "أتساءل كيف يستغرب المسلمون من إسلام أمريكا وبريطانيا المشركتين، ولا يستغربون إسلام قريش المشركة!؟ وما هو الفرق بين قريش قبل الإسلام وبين أمريكا!؟ ليس إسلام الأمريكان أمراً نستغربه، بل الذي نستغربه ونستنكره أن لا يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

     إنّ على المسلمين أن يستجيبوا لِما أمرهم الله تعالى به، وإذا اقتضت الظروف أن أكون ضمن مَنْ يبشّرون بالإسلام في أمريكا فسوف أستجيب لأوامر ديني، وأفعل ما يرضي ربّي، والحمد لله الذي هداني للإسلام".
*****

عبد الكريم جرمانوس يشخص أمراض الغرب (2)

عبد الكريم جرمانوس يشخص أمراض الغرب
(2)

     الدكتور عبد الكريم جرمانوس، شخصية إسلامية مشهورة، إنه أستاذ التاريخ الحديث في بودابست بالمجر، وقد اهتدى هذا الرجل إلى الإسلام وآمن به، ومنحه صادق ولائه، وهو مختص بالدراسات العربية والإسلامية، وله علم واسع، ومشاركات ثقافية ذات قيمة حقيقية.

     وتستوقف قصة إسلام الرجل، نظر الإنسان، فهي قصة حيّة، حافلة بعناصر الفاعلية والتشويق، وتدل على طهارة هذا الرجل وصدقه، وجدّه وإخلاصه في البحث عن الحقيقة وطلبها. وسنتوقف بعض الشيء مع الدكتور جرمانوس، لا مع قصة إسلامه، فلذلك موضع آخر، ولكن مع شهادة له، يُدين بها الحضارة الغربية، وتبدو قيمة هذه الشهادة، في أنّ صاحبها، رجل نزيه موضوعي، ذو عقل حي ناقد، وثقافة واطلاع واسعين، يضاف إلى ذلك أنّ الرجل عاش معظم عمره الذي يشارف الآن التسعين عاماً، في الغرب نفسه، أستاذاً في إحدى جامعاته، ومعنى هذا كله أنه بالغرب وحضارته خبير بصير.

     يقول الدكتور عبد الكريم جرمانوس: "الكثيرُ الاهتمامِ والانتباهِ، والمراقبُ للأحداث الجماعية التي تحدث في أيامنا هذه، قد يلاحظ أداة الإنذار بالخطر، خطر التفسخ والانحلال، الذي يجتاح أوربا وأمريكا، الكذب والبهتان والسرقة، والسطو على المنازل الآمنة ليلاً، والقتل العمد، والاستمتاع بلذة المواد المخدرة التي تجتمع وتتحد بالفساد، والفسوق الجنسي، وكلها أشياء قوّضت مجتمع الشعوب والأمم".

     إن الدكتور جرمانوس يبدأ حديثه بالإشارة إلى بعض الإفرازات الخطيرة الضالة في حضارة القوم هناك، وهي إفرازات متنوعة، تعبّر عن خطأ مسيرتهم الحضارية وضلالها، وهذه الإفرازات على خطورتها ليست هي علة تلك الحضارة، بل هي المظاهر الخارجية لتلك العلة. ومعنى ذلك أنّ إفرازات جديدة لا بد أن تظهر بين الحين والآخر، وهو واقع الأمر الآن، فما تكاد تمر فترة إلا ونسمع بألوان جديدة من الإفرازات الضالة لتلك الحضارة المنحرفة.

     وحين يعرض الدكتور جرمانوس للجريمة في العالم الغربي، وهي واحدة من أخطر وأشنع إفرازات تلك الحضارة، لا يغيب عنه أن يربط بين نموها وزيادتها، وبين الانحلال الخلقي وظهور النزعة المادية، وضعف الوازع الديني. إنه يقول:

     "إنّ الجريمة والإجرام في العالم الغربي قد فاقت كل حدٍّ ممكن للسلطة، وقد نتعرف على السبب بسهولة إذا ربطنا بين نسبة الجريمة والتفسخ والانحلال، وبين ظهور النزعة المادية اللادينية".

     إنّ المَجَري المسلم ها هنا يقرر دور الوازع الديني في الكفّ عن الجرائم، وهذا الوازع يحتل المرتبة الأولى في مقاومة الجريمة، وفي إنشاء مناعة ذاتية تجعل الناس يكفّون عنها تلقائياً، وهذه حقيقة تقوم عليها شواهد كثيرة جداً في دراسة الحياة الاجتماعية وما يتصل بالجريمة منها بشكل خاص.

     وثمة قضية أخرى ينبّه إليها عبد الكريم جرمانوس في شهادته هذه، وهي النتائج الخطيرة التي تترتّب على انفصال النشاط البشري عن الدين وضوابطه وتوجيهاته. فها هو ذا يقرر قائلاً:

     "إنه لمن دواعي الأسف أنّ النتائج المذهلة في العلم الخالص واستعمالاتها وتطبيقاتها في الحياة العملية قد جَرَّدَتْ بطريقة أو بأخرى الرجولةَ من الإدراك، وليس هذا فحسب، بل إنها عَرَّتها من الاعتراف والتسليم بالحقائق الدينية والروحية للكون والجنس البشري، ومن الجوهر الذي يهدي قوة الأخلاق، والأخلاق لا تستطيع بأية حال من الأحوال أن تنفصل عن الإيمان".

     وهذه القضية التي يشير إليها الدكتور جرمانوس بالغة الخطورة، وها نحن نشاهد كل يوم مصداقها، حين نرى كيف يُوَظَّفُ النشاطُ البشري للشر والتدمير والهلاك حين تنعزل مسيرته عن هدي الدين وتوجيهاته.

     ويدرك الدكتور عبد الكريم جرمانوس، قيمة الشهادة التي يدلي بها في نقد وتقويم الحضارة الغربية، لذلك لا نخطئ أن نلمس ذلك في جملة من الأمور من بينها شعوره بخبرته الواسعة عن الحياة الغربية خلال عمر طويل قارب التسعين عاماً، ومن بينها شعوره العميق بواجبه في نقل خبرته لإخوته المسلمين في العالم، ونصحه إياهم بالحفاظ على أخلاقهم، لأنّ بها قوام حياتهم.

     يقول الدكتور جرمانوس: "إنني أكتب هذه السطور من قلب المدنيّة الغربية محاطاً بآلاف الكتب والمجلدات الغربية والشرقية، ومُزَوَّداً بحياة طولها تسعة وثمانون عاماً بين الخبرة الغربية والشرقية، إنني أتشرّب المعلومات والمعرفة المفيدة، كما أتشرّب الأحداث المؤذية في الكيان الإنساني في كرتنا الأرضية. إنني بحكم كوني المسلم المجري الوحيد، أحث بشجاعة وجسارة كل إخواني للحفاظ على الأخلاق التي هي عقائدنا الروحية في ديننا الإسلامي".

     إنّ الدكتور عبد الكريم جرمانوس، المجري المسلم، قدّم لنا شهادة قيّمة تُدين حضارة الغرب، تنطوي على جملة من الملاحظات الذكيّة، في إدراك نقاط الضعف والقصور في هذه الحضارة التي نواجه مشكلاتها وأزماتها كل يوم.
*****

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

 

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

     "إن الشريعة الإسلامية ترتكز على الأخلاق، وهي تنظّم سلوك الفرد من أسمى وجهة نظر لصون المجتمع، وحمايته بسلامة العقل والطمأنينة والاستقرار، إنها تنشئ انسجاماً تاماً بين الحقوق والواجبات عند الفرد وعلاقته بحكامه".

     هذه عبارة قالها الدكتور عبد الكريم جرمانوس، المجَري الذي اهتدى إلى الإسلام يشيد فيها بالشريعة الإسلامية وعظمتها.

     وابتداءً لا بد لنا من أن نقول: نحن لا نعلّق ولاءنا للإسلام على شهادة بصلاحيته يقول بها أحد من البشر، لكنّ هذا لا يجعلنا نغلق على أنفسنا أبواب الانتفاع من تجارب وخبرات جعلت طوائف من الناس تؤمن بعظمة الإسلام وصحته وخلوده. وتعلن قناعتها هذه على رؤوس الأشهاد، دون تردد أو خوف أو مجاملة.

     إن بعض المفتونين بالغرب، الذين يشعرون إزاءه بالإعجاب والإكبار، ينظرون في ضيق إلى العقوبات الإسلامية، ويرون فيها شيئاً من القسوة. فلنسمع ما قاله أحد المثقفين الكبار في هذا:

     "إن شريعة الغرب الحديثة تميل إلى تخفيف آلام الآثام والجرائم إلى حد إلغاء العقاب. وبعض مشرّعي القانون ينكرون الإجراء الصارم لجريمة السرقة. إنني في خبرتي وتجوالي في أثناء حياتي المبكرة في عدد من الدول الإسلامية لم أقابل أحداً ممن قُطِعت أيديهم، كما أني لم أسمع عن حادثة سرقة ارتُكِبَتْ في المتاجر والأسواق الشرقية وأنا شاهد عيان في تركيا ومصر وسوريا والعراق والمغرب على أنّ أصحاب المتاجر والحوانيت، تركوا أكشاكهم مفتوحة في أثناء الصلاة، فقد كانوا يتركون لافتة تقول: إن صاحب المتجر غير موجود. إنّ العقاب العادل المنصف الذي كان يُعلن بواسطة القاضي كان كافياً ليحول دون مجرم جديد لجريمة جديدة".

     صاحب هذا النص الذي قدّمناه هو الدكتور عبد الكريم جرمانوس، وهو يكشف عن دور العقوبات الإسلامية في تحقيق العدل وإذاعة الأمن.

     ثمة سؤال صغير نوجهه للمفتونين بموقف الغرب إزاء العقوبات هو: إنّ الجرائم هناك تزداد عدداً وتنوّعاً وحدّة، والبيانات والإحصاءات والأرقام تدل على ذلك. أليس هذا معناه أن قانون العقوبات عند القوم فاشل؟ وإلا.. فكيف نفسّر الزيادة المطردة في حجم الجريمة بأنواعها المختلة؟

     إنّ قانون العقوبات يحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية زيادة الجريمة، ولكن تشترك معه فيها عوامل شتى، وأهمها تردّي الوازع الديني عند القوم باستمرار. وإذا وجدت في الغرب، بعض الحركات والنشاطات الدينية، فهي على الأكثر مجرد فَوْرات وقتية سرعان ما تخبو وتبيد.

     إنّ بوسع المرء الباحث عن حقيقة الإيمان في المجتمعات المعاصرة أنْ يقررَ بأنَّ العالم الغربي بشقّيه الرأسمالي والشيوعي لا يعرف الإيمان، العالَم الشيوعي ينكر وجود الله عز وجل ابتداءً ويؤمن بالمادة، والعالَم الرأسمالي لا ينكر وجود الله تعالى، لكنه من الناحية العملية الواقعية، يمارس شتى نشاطاته بمعزل عن هدي الدين وتوجيهاته.

     ولقد كان من نتائج ذلك أن أخفقت حضارة العصر إخفاقاً ذريعاً، وذلك لأنّ أياً من هذين العالَمين على الرغم من إنجازاته العلمية الهائلة لم يستطع أن يَهَبَ للبشرية ما تتطلع إليه من طمأنينة واستقرار، وعدالة وكرامة، بل إنه على العكس من ذلك يسلبها باستمرار طمأنينة نفسها، وسلام روحها، ويتركها نهباً للحيرة والقلق وشتى المخاوف.

     ولقد أثبت استقراء التاريخ أنّ العلم ليس إلا جزءاً يسيراً من حضارات الشعوب، وأنّ الحضارة الحق، هي محصّلة التفاعل التاريخي بين جوانب الحياة الروحية والمادية وما تحمل من خير وسعادة للإنسانية بأسرها، وأنّ العلم إذا لم يكن وسيلة لخير الناس وبناء المجتمع البشري وطريقاً لمرضاة الله عز وجل وإعلاء كلمته، سوف يصبح وسيلة دمار وخراب للبشرية كلها، فيجد الإنسانُ نفسَه صريعاً بسلاحه في آخر المطاف، وينقلب نشاطه عبئاً عليه، ويصبح ذكاؤه كارثة تدمّره.

     لقد سقط إنسان العصر الحديث تحت أقدام المادية العمياء مأخوذاً بوهج الإنجازات العلمية الرائعة، ولقد تمثل سقوط الإنسان في العالَمين الشيوعي والرأسمالي ببروز مشكلات سياسية ونفسية، واقتصادية وإنسانية، وأخلاقية واجتماعية، وتربوية وسلوكية، في غاية العنف والكثرة والتنوع، ونتيجةً لهذا سيطرت على البشر موجات من القلق والفوضى والعبث والضياع والفراغ والحيرة، والمسلم وحده هو الذي يمتلك طوق النجاة.

     إنّ عليه أنْ ينقذ الإنسان المعاصر من مآسيه ومتاعبه، ويقوده بالإسلام إلى طريق السعادتين، سعادة الدين وسعادة الدنيا على السواء:

إنَّ هذا العصــــرَ ليلٌ فــأنِرْ     أيها المسلمُ ليلَ الحـــــائرينْ
وسفينُ الحقِّ في لجِّ الهـوى     لا يرى غيرَكَ ربّانَ السفيـنْ

     إنّ المرء لَيَستشعر في بيتَيْ إقبال هذين، أنّ ثمة دوراً كبيراً ينتظر أمّة العرب والإسلام، وأنّ المسلمين والعرب اليوم قادرون أكثر من أي وقت مضى على مسيرة التعاون من أجل الخير لأنفسهم وللبشرية جمعاء.

     ها هي ذي الشيوعية تزعم الدفاع عن العدل، وها هي ذي الرأسمالية تدّعي الدفاع عن الحريّة، وعلى المسلمين كشفُ هذه المزاعم بكل طريق ممكن، وأهمُّ وأوّلُ هذه الطرق أن يقيموا مجتمعاً إسلامياً راشداً، يحقق العدل والمساواة والحرية، ويطلق طاقات البناء والتعمير في مسيرة إيجابية جادة لخدمة الفرد والجماعة والحضارة. إنّ مثل هذا المجتمع هو أعظم تعريف بالإسلام وردٌّ على أعدائه.
*****

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي (2)

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي
(2)

     حين أسلم الدكتور الياباني المعروف شوقي فوتاكي، أخذ يفكّر كيف يوصل الإسلام إلى أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الياباني، وطفق يوظف طموحه وشعبيته الممتازة من أجل ذلك.

     وقد نشط الدكتور شوقي للسعي من أجل هذا الهدف الجليل بسبب جملة من العوامل، من بينها ذلك التشجيع المعنوي الذي لقيه الرجل، ومن بين صور هذا التشجيع، حفلة أقامها أحد العاملين في السلك الدبلوماسي في طوكيو، في بيته، للمسلمين الجدد، وبعض المسلمين القدامى، وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي، وحضرها كذلك أعضاء المركز الإسلامي في طوكيو، وخلال هذه الحفلة الكريمة، عُرِضَ فيلم عن الحج، كان له وللحفلة الأثر الكبير.

     وبدأ الدكتور شوقي يفكر كيف يحوّل إلى الإسلام جميع أعضاء الجمعية التعاونية التي تمتلك المستشفى الذي يديره، وعدد هؤلاء عشرة آلاف شخص، وهم من مختلف الطبقات، من وزراء ونوّاب وأساتذة جامعات وعمّال وتجّار، ويفكر كذلك في هداية كافة زملائه ومعارفه المبثوثين في كافة أنحاء اليابان، حيث هو شخصية اجتماعية، ذات صلات واسعة.

     ولقد صرّح الدكتور شوقي في الرياض بعد إسلامه بقليل، حيث كان في جولة لزيارة بعض البلدان العربية والتعرف عليها، وأداء العمرة، وزيارة المدينة المنورة، بأنه يأمل أن يسلم خلال عشر السنوات القادمة مليوني ياباني.

     وشهد شهر ربيع الأول من عام 1395هـ؛ حدثاً كبيراً في تاريخ الإسلام في اليابان وهو أول الغيث إن شاء الله، فقد اتصل الدكتور شوقي فوتاكي بالمركز الإسلامي في طوكيو طالباً الاستعداد لاستقبال عدد من المسلمين الجدد في مسجد طوكيو، وذلك يوم الجمعة 8 ربيع الأول 1395هـ= 21 آذار 1975م.

     واتصل المركز الإسلامي بالمسلمين المقيمين في طوكيو لإبلاغهم النبأ، وكذلك بالسفارات الإسلامية. وفي يوم الجمعة المحدد كانت المفاجأة السارة، ذلك أن 68 شخصاً يابانياً دخلوا مسجد طوكيو قبيل صلاة الجمعة، وهم يتوشحون بوشاح أبيض مكتوب عليه بخط أحمر، اسم الجمعية الدينية التي ينوي الدكتور شوقي إنشاءها لكي ينطلق منها العمل الإسلامي، ويزوّد عن طريقها المسلمين الجدد بالثقافة والتربية الإسلامية، وكان يرافق هؤلاء الدكتور شوقي، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا معه. أما اسم الجمعية الذي كُتِبَ على الوشاح فهو "كونغرس مسلمي اليابان".

     ثمانية وستون شخصاً هم الذين جاء بهم الدكتور شوقي إلى المسجد، وهم ما بين رجل وامرأة، وطفل رضيع، وصبي وشاب، ورجل وعجوز، إنهم يمثلون مجتمعاً متكاملاً من جميع النواحي.

     وبعد صلاة الجمعة، زُوِّدَ كل واحد من الحضور، بورقة كُتِبَتْ عليها الشهادتان بالخط الياباني، وكان المسجد غاصاً بالمصلين من اليابانيين القدماء في الإسلام، ومن غير اليابانيين، وجلس المسلمون الجدد في صفوف، وشرح لهم معنى الشهادتين، وما هو الإيمان، ولما كان العدد كبيراً بدأ إمام المسجد وهو شيخ تركي، اسمه عينان محمد صفا يلقّنهم الشهادتين، وهم يرددونها بعده بشكل جماعي.

     واختار كل واحد من المسلمين الجدد الاسم الذي يعجبه، من قائمة بالأسماء الإسلامية، شُرِحَ فيها معنى الأسماء باللغة اليابانية، وبعدها أقبل المسلمون الآخرون من يابانيين وغير يابانيين، على المسلمين اليابانيين الجدد، يهنّئونهم، والكل يعلو وجهه البِشر والفرحة!.. حقاً إنه لَيومٌ من أيام الله في اليابان، فلأول مرة تشهد طوكيو، هذا الدخول الجماعي في الإسلام ومن كل الطبقات والأعمار.

     أما الدكتور شوقي فقد كان واقفاً خلف الصفوف كالديدُبان، تعلو وجهه ابتسامة وفرحة بدخول أصدقائه في الإسلام، وأعلن بعد ذلك عزمه على أن يسعى لدخول ثلاثة آلاف شخص على الأقل في الإسلام حتى نهاية هذا العام، وأن يأخذَ العديد منهم لأداء فريضة الحج.

     والمركز الإسلامي في طوكيو لا يدّخر وسعاً في رعاية المسلمين الجدد، وتوفير الفرصة لهم لفهم الإسلام أكثر، وتركيز معاني الإسلام في نفوسهم، ويأمل من الحكومات والشعوب المسلمة التعاون معه في أداء مهمته في هذه البقعة النائية من العالم، ويأمل في المستقبل القريب أن تشارك السفارات العربية والإسلامية بدور فعال في إدارة المركز الإسلامي ليكون صوته أقوى، وأثره أكبر، وليتمكن من إقامة بناء فخم، يمثل وجه العالم الإسلامي، ويستوعب كافة النشاطات الإسلامية، ويطبع العديد من الكتب الإسلامية باللغة اليابانية.

     هذا .. وقد جاءت موجة من الإسلام الجماعي بعد الموجة الأولى بأربعة عشر يوماً، ففي يوم الجمعة 22 ربيع الأول 1395هـ= 4 نيسان 1975م، جاء الدكتور شوقي بحوالي 200 شخص إلى مسجد طوكيو، واعتنقوا جميعاً الدين الإسلامي.

     إنّ ذلك كله دليل كبير على الفرصة المواتية لانتشار الإسلام في اليابان، وهي فرصة ثمينة ينبغي أن يُحسِن المسلمون الاستفادة منها قبل أن تضيع.
*****

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي (1)

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي
(1)

     تدل دراسة أحوال الشعب الياباني، وتفحص ظروفه المختلفة، أنه ميدان خصيب للدعوة الإسلامية، إذا توجّهت نحوه جهودٌ تجمع الصدق والوعي، والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة متنوّعة، ودلالتها واضحة في غاية النقاء والوضوح والصراحة. وفي توقّفنا مع الدكتور شوقي فوتاكي، الطبيب الياباني المشهور، الذي أسلم مؤخراً، دليل على تلك الحقيقة، وعلى غيرها من حقائق الإسلام الأساسية.

     يقول الدكتور شوقي عن نفسه: إنه كان يؤمن بالأمور الروحية منذ صغره، وحين أُتيحت له فرصةُ التعرف إلى الإسلام خاصة منذ عامين ماضيين، عن طريق صديقه أبي بكر موريي موتو؛ اقتنع أنّ ما يؤمن به من أمور روحية، قريب من الإسلام، ووجد الإسلام يروي ظمأه الروحي فأسلم.

     والدكتور شوقي ليس رجلاً عادياً، بل هو طبيب مشهور في طوكيو يتردد على المستشفى الذي يديره حوالي عشرة آلاف شخص، ويحظى بسمعة اجتماعية ممتازة في الخير، ومحبة مَنْ يتعاون أو يعمل معه، ومن يتردد على مستشفاه.

     ونظام الضمان الصحي في اليابان يجعل الدولة تلتزم بـ70% من نفقات العلاج، بينما يتحملُ المريضُ الباقي، وهو 30% من تلك النفقات. والمرضى الذين يأتون للعلاج عند الدكتور شوقي يتنازل لهم عن الـ30% مكتفياً بالـ70% التي يأخذها من الحكومة، وهذا دليل على شخصية الدكتور شوقي ونفسيته الخيّرة، وهو أيضاً أحد الأسباب التي تفسّر الشعبية الواسعة التي يتمتع بها والتي يحاول الآن توظيفها لصالح الإسلام.

     وقد شعر الدكتور شوقي بعد أن هداه الله تعالى للإسلام، بواجبه في نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها لذويه، وهذا نابع من إخلاصه وحسن فهمه، ونابع كذلك من شعور الاعتزاز بالإسلام، والفخار بالانتماء إليه، وهو شعور نبيل واثق يمتلك على الدكتور شوقي اهتماماته ومطامحه في هذه الفترة. لذلك تراه حريصاً على اغتنام أي فرصة مواتية لإبلاغ الإسلام لبني قومه.

     لقد التقى بصديقه الذي يعمل مديراً لإحدى الجامعات المهمة في اليابان، المرّةَ بعدَ المرّة، وهو لا يفوّتُ واحدة من هذه المرات دون أن يدعو صديقه للإسلام. ويتفنن الدكتور شوقي في طريقة الدعوة ووسائلها، وقد أسلم بسبب جهوده أكثر من 200 شخص مؤخراً، علماً أنه أسلم منذ عدة سنوات فقط، ومع ذلك يقول: نحن نخجل من هذا العدد القليل الذي اهتدى إلى الإسلام.

     وقد نشرت مجلة شيوكان شينتيو، وهي مجلة مشهورة في اليابان مجموعة من الصور الملتقطة في مسجد طوكيو لعدد من المسلمين الجدد الذين هداهم الله تعالى على يد الدكتور شوقي فوتاكي، وفي هؤلاء رجال، وفيهم نساء، بل وفيهم أطفال رضّع، حيث جاء البعض بأولادهم الصغار، وأطفالهم الرضّع في يوم الإسلام الجماعي في مسجد طوكيو.

     كانت النسوة بالثياب البيضاء في الدور الثاني من المسجد ومعهنّ الصغار والأطفال، وكان الرجال في الدور الأرضي منه. وبعد صلاة الجمعة تقدم المهتدون الجدد واحداً واحداً يختارون الأسماء الإسلامية، حيثُ كانت أُعِدَّتْ لهم قوائمُ مسبقة بها، مع ترجمة لمعانيها، ليختار كل منهم الاسم الذي يروق له، وكان الجميع في منتهى السعادة.

     قال أحد المسلمين الجدد: لقد أسلمتُ اليوم بفضل الله تعالى، ثم بفضل الدكتور شوقي فوتاكي وهو أستاذنا الكريم، ولا بد أن أدرس الدين الإسلامي دراسة عميقة حتى أكون مسلماً عظيماً، وأسأل الله تعالى أن يسهّل لي ذلك.

     وقال آخر: الحمد لله، أسلمتُ اليوم بفضل الله تعالى، ثم بفضل السيد فوتاكي، أنا سعيد جداً الآن، ومضى يقول: لم تكن اليابان تميل إلى الاهتمام بآسيا وأفريقيا مع أنها جزء من هذه البلاد، أما الآن فقد أصبحت تهتم بهذه البلاد التي علينا أن نتعلم تاريخها ودينها وعاداتها بشكل جيد كي نصل إلى التفاهم الصحيح معها، والآن أملنا كبير في أن تنمو العلاقات حتى تصبح وحدة المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ويصبح المسلمون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، وأرجو الله العظيم، أن يسدد خطانا ويوفقنا في نشر دين الإسلام في اليابان.

     وهذا كله يدل على شخصية الدكتور شوقي الخيّرة والفاعلة معاً، وحين بدأ ينشر الدعوة الإسلامية، أعدّ دعوة في بيته حضرها الدكتور صالح السامرائي وعدد من أعضاء السفارات، وفي تلك الجلسة، أسلم أربعة من أصدقائه وأقربائه، وحين عرف أنّ أحد الحضور هو من مواليد مكة المكرمة، ازداد ومَنْ معه تأثراً وتعلقاً به، وهكذا جعل الله تعالى البيت الحرام مهوى للأفئدة حتى عند هؤلاء المسلمين اليابانيين الجدد.

     وبعد .. فهذا عرض سريع جداً يكشف عن الفرص الكبيرة، المتاحة أمام انتشار الإسلام في اليابان، والتي يحسُن بالمسلمين أن ينتهزوها ليقدموا رسالة الإسلام الخالد، نوراً وهداية، لهذا الشعب الحائر، الذكي الشجاع الطموح.
*****

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

     يمكن للمرء أن يقرر أنّ هناك عدداً من المفكرين المنصفين، الغربيين والعالميين، جاءتهم الفرصة المواتية لدراسة الإسلام دراسة جادة متكاملة، ومن مصادر نقية، بعيدة عن تشويه رجال الكنيسة ومَنْ يشابههم ممن يحملون روحاً صليبية معادية للإسلام والمسلمين.

     وهؤلاء المفكرون الذين درسوا الإسلام هذه الدراسة الموضوعية الأمينة، قد انتهت في كثير من الأحيان، إلى أن اتخذ هؤلاء المفكرون من الإسلام، مواقف كريمة حقاً، فبعضهم أعلن إسلامه على رؤوس الأشهاد، وطفق يدعو إليه، وبعضهم أسلم ولم يمارس أي دعوة لدينه الذي اهتدى إليه، وبعضهم لم يُسلم، لكنه قال في الإسلام وحضارته وما يتصل به، أقوالاً في غاية الروعة والإنصاف.

     ولقد كانت الحروب الصليبية سبباً من الأسباب القديمة المبكرة التي جعلت الكثيرين من الغربيين، يغيّرون وجهة نظرهم فيما يتعلق بالشرق على العموم، وبالإسلام على الخصوص، وذلك بسبب ما شاهدوه في الشرق المسلم من صفات الشهامة والنبل والفروسية والأخلاق السامية الشريفة، وبسبب ما اكتشفوا من أنّ الدين الإسلامي، ليس دين همجية ووحشية وخرافة وما إلى ذلك من افتراءات، كان يُلْحِقها زوراً وبهتاناً رجال الكنيسة بالإسلام وقرآنه الكريم، ونبيّه الطاهر صلى الله عليه وسلم.

     وبدأ الغربيون يدرسون، في شيء من التدبر والرويّة، هذا الشرق المسلم، الذي كان لا يثير في نفوسهم إلا ما رسمه رجال مُغرضون متعصّبون، من صور له وللحياة فيه، وعقائده وآدابه، تبعث النفور والاشمئزاز. ثم كانت الرحلات الكثيرة، وكان الاتصال المستمر، والصلات المباشرة الوثيقة، من العوامل الفعالة في إزالة كثير من الأوهام التي علقت بأذهان الغربيين عن الشرق وعن الإسلام.

     ومما لا شك فيه أنه لم يعد يوجد اليوم في الغرب، كاتب يحترم نفسه، يذكر أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إله المسلمين ومعبودهم، كما كان يقول ذلك من قبل كُتّابٌ سابقون.

     ولم يقف الأمر عند إزالة الأوهام فحسب، لكنَّ تيارَ فَهْمِ الإسلامِ فهماً جيداً أميناً، قد بدأ يخطُّ مجراه، لذلك أخذنا نسمع حديثاً منصفاً موضوعياً، يثني على الإسلام أحسن الثناء، ويدلي بشهادات عظيمة في ذلك.

     وهؤلاء الكُتّاب المنصفون الغربيون، نجد منهم مَنْ أعلن إسلامه، في غير لبس ولا مراءاة، وجابهَ الرأي العام في بيئته بعقيدته الجديدة، وأخذ يدعو إليها مكرِّساً وقته لنشرها، ومنهم مَنْ أحبّ الإسلام ولا ندري ما الذي أسرّه في نفسه، وإن كان المرء يتوقع أنّ مِنْ هذا الفريق مَنْ أسلم لكنه آثر أن يظلّ إسلامه طي الكتمان.
*****

     ومن مشاهير الأوروبيين الذين يَحسُنُ بالمرء أن يتوقف عندهم وهو يتحدث عن صلة عدد من الغربيين المنصفين بالإسلام، الكونت هنري دي كاستري.

     إنّ هذا الرجل درس الإسلام دراسة عميقة، وكتب عنه كتاباً تُرجِمَ إلى العربية ونُشِرَ فيها تحت عنوان "الإسلام سوانح وخواطر". وقصة تفكيره في دراسة الإسلام قصة طريفة.

     كان الرجل من كبار الموظفين في الجزائر بالرغم من سنّه المبكرة، وكان يتجوّل ممتطياً صهوةَ جواده ويسير خلفه، ثلاثون من فرسان العرب الأقوياء، وكان فخوراً بمركزه، وكان يملؤه الغرور للمدح الذي يزجيه إليه هؤلاء الذين تحت إمرته.

     وفجأة وجدهم يقولون له في شيء من الخشونة، وفي كثير من الاعتداد بالنفس: "لقد حان موعد صلاة العصر"، ودون أن يستأذنوه في الوقوف، ترجّلوا واصطفّوا للصلاة متجهين إلى القبلة.

     ودوّت في الصحراء كلمة الإسلام الخالدة: "الله أكبر"، وشعر الكونت في هذه اللحظة بشيء من المهانة في نفسه، وبكثير من الإعجاب والإكبار لهؤلاء الذين لا يبالون به، ذلك لأنهم اتجهوا إلى الله وحده بكل كيانهم.

     وبدأ يتساءل: ما الإسلام؟ أهو ذلك الدين الذي تصوره الكنيسة في صورة بشعة تنفر منها النفس ولا يستريح إليها الوجدان؟

     لقد أثّر موقف الفرسان الجزائريين في نفسه، وجعله يقوم بعملية استبطان داخلي وحوار مع نفسه، ثم طفق الرجل يدرس الإسلام، فإذا به يعجب به إعجاباً شديداً، وإذا به يرى أن من واجبه أن يعلن ما اهتدى إليه فكان كتابه المنصف: "الإسلام سوانح وخواطر".
***

     وعلى سبيل المثال: إنّ الحيرة في فهم الإله المثلث كانت مثار جدال شاق بين الحائرين المتطلعين نحو الهداية وبين قساوسة الكنائس. وقد يختلف هذا الجدال في تفاصيله وطرائقه وأساليبه، لكنك تجد الجوهر في حقيقته واحداً، وقد أحسن المهتدي المسلم شاكر جورج اللبناني البيروتي الذي اختار لنفسه بعد إسلامه اسم وليد أحمد، تلخيص ذلك في حوار دار بينه وبين راعي كنيسته في بيروت، وإليك هذا الحوار مع مقدمة وجيزة تُفضي إليه:

     عاودتُ قراءة القرآن، وكان يشدّني إليه شعور خفي لم أكن أعرف تفسيراً له، وبدأتُ أوازن بين ما أقرؤه في القرآن وبين ما تعلمتُه طوال حياتي الدراسية الماضية من العقيدة النصرانية، فشعرتُ أني أعيش في دوامة، وجاء يوم الأحد التالي فذهبتُ إلى الكنيسة واستمعتُ إلى القداس وبعد أن فرغ الراهب من تلاوته؛

× قلتُ له: أبونا،
- فقال: نعم،
× قلت: أنا إنسان أليس كذلك؟
- فقال: بلى،
× فقلتُ: إذا تحوّلتُ إلى جماد ألا تذهب عني صفة الإنسان؟
- فقال: نعم،
× فقلت: كيف تقولون بأنّ الله قد تحوّل من إله إلى إنسان ولم يفقد صفات الألوهية؟
- فقال: اذهب؛ فإنّ لك عقل شيطان،
× فقلتُ له: أبونا أقنِعْني أنّ الله عندما أصبح إنساناً، وفدانا بدمه قد بقيت فيه صفات الألوهية،
- فقال بعد صمت: تعال عندي بعد غد كي أعطيك الإجابة، وطبيعي أنه لم يَرَ إجابة أبداً.
***

     وإذا أحببتَ أن تضع يدك على نموذج آخر من هذه النماذج التي كانت قبل هدايتها تمثل ضيقاً شديداً بعقيدة الكنيسة ومنطقها المعقّد الذي ترفضه الفطرة السويّة والعقل الذكي، فإليك هذه الرواية عن فولتير الكاتب الفرنسي ذي الصيت الذائع:

     حين كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية لم يُسِغْ عقله عقيدة التثليث أبداً، وكيف أنّ الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وحدث أنْ كان في درس للحساب، فسأل الأستاذ تلاميذه الصغار وهو يعلّمهم الجمع: واحد زائد واحد زائد واحد، كم يساوي؟ فسارع فولتير يقول: يساوي واحد، فنهره الأستاذ ووصفه بأنه حمار!.. فقال له فولتير: ولكن أستاذ الدين هو الذي علمني أنّ الأب والابن والروح القدس ثلاثة في واحد!..
*****

الأكثر مشاهدة