الخميس، 7 سبتمبر 2023

أطماع اليهود تتجاوز فلسطين

أطماع اليهود تتجاوز فلسطين

     حين كان المسلمون الواعون ينبهون أمتهم العربية والإسلامية إلى أن أطماع اليهود لن تقف عند حدود فلسطين أو سيناء أو حتى الجولان والنيل والفرات، كان الناس يتهمونهم بالخيالية والتشاؤم الزائد.

     وحين كانوا يقولون: إن الإسلام هو الهدف الأكبر لمؤامرات اليهود وأشياعهم، وأن كل أرض له هي هدف اعتدائهم ومكرهم انطلاقاً من قوله عز وجل: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة:217)، كان كثير من الناس يصمّون آذانهم ويرون هذه التحذيرات خيال واهم، ومخاوف جبان.

     ولكن الأيام أثبتت أن ما كان وما زال يقوله المسلمون الواعون إنما هو حقيقة لا مراء فيها، وهذه بعض النذر التي تؤكد ذلك:

     النذير الأول: ما نقلته الأنباء عن قيام حركة تسمّى "أرض إسرائيل"، وهي تنادي بإسرائيل الكبرى، وتوزع بطاقة بمناسبة الأعياد اليهودية تحمل خريطة للوطن العربي، وتحته عبارة: "إسرائيل المحتلة"، ولا تستثني هذه العبارة أي جزء من الوطن العربي في المشرق كله دون استثناء.

     النذير الثاني: ما تناقلته الأنباء عن صحيفة جديدة في إسرائيل تحمل اسم "خيبر"، وهي إحدى معاقل اليهود في الحجاز في صدر الدعوة الإسلامية، وقد جعلوا منها مكاناً لمؤامراتهم ومكرهم وكيدهم ضد الإسلام والمسلمين، فغزاهم الرسول الكريم ﷺ فيها وهزمهم وهزيمة منكرة، فلما كان عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلاهم عنها نهائياً.

     النذير الثالث: ما تناقلته الأنباء من أن مدير الموازنة في إسرائيل قال وهو يرد على سؤال لأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي في أثناء مناقشته الموازنة السنوية لإسرائيل في 18/1/1978م: إنني لأشعر بالألم يعتصر قلبي، وأنا أرى موازنة إسرائيل تعتمد كلياً على المساعدات الأجنبية من أصدقاء إسرائيل في الوقت الذي تتعرض فيه ثروات بني إسرائيل للنهب من قِبل العرب.

     ولا نخال هذا اليهودي الخبيث إلا وهو يعني نفط العرب والمسلمين، ومعادنهم وثرواتهم الأخرى.
*****

تضحيات المسلمين لاستعادة فلسطين

تضحيات المسلمين لاستعادة فلسطين

     إن إسرائيل تواجه ضائقة اقتصادية ومالية كبيرة.. نسبة التضخم فيها تزيد على 30%، والعجز في ميزان مدفوعاتها يزيد على (1,8) مليار دولار، ولكنّ هذا لم يمنعها من تخصيص ثلث ميزانيتها الجديدة للنفقات العسكرية، لاستيراد أحدث الأسلحة الأمريكية وصناعة الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ محلياً.

     لقد قدم المسلمون التضحيات بلا حساب من أجل استعادة أرضهم السليبة، وهم على استعداد لتقديم المزيد.. ولكن ليس من أجل توجيه تضحياتهم وإمكاناتهم لتخفيف حجم الضائقة الاقتصادية على إسرائيل بتخفيف قيود المقاطعة العربية يوماً بعد يوم، هم على استعداد لتقديم المزيد.. ولكن ليس من أجل سلام يأباه الإسلام والمسلمون لما فيه من مهانة ومذلة وتخلٍّ فاضح عن الحق الثابت على مر التاريخ وإلى قيام الساعة.. وتأباه إسرائيل نفسها لأنه لا يحقق كل المطامع الصهيونية التوسعية والعدوانية في أرضنا، وإن كان يحقق أكثر مما كانت تصبو إليه قبل سنوات معدودة.

     هم على استعداد لتقديم المزيد.. يوم تعلن الحكومات العربية من جديد الموقف الوحيد الذي يرضى به الإسلام والمسلمون، يوم ترتفع بقضية فلسطين إلى مستواها الحقيقي، فلا تجعل منها مسألة حدود وأمن، ولا مسألة مفاوضات مباشرة في المنطقة أو في جنيف، ولا مسألة تحرير جزئي بالوسائل الدبلوماسية والسياسية، ولا مسألة استرجاع لأرض مغتصبة مقابل التخلي عن أرض مغتصبة أخرى.. يوم ترتفع الحكومات العربية بنفسها إلى مستوى القضية، يوم تنطلق من منطلق الإسلام في تسيير أمورها وحكم شعوبها، وتعلن قضية فلسطين قضية الإسلام والمسلمين جميعاً، قضية التحرير الكامل واستعادة الحق السليب، وتبادر إلى الجهاد بكل طاقات الأمة وإمكاناتها.. يوم يكون ذلك، سيكون النصر بإذن الله ويكون الفوز المبين.
*****

أصوات حرة تؤيد حقنا في فلسطين

أصوات حرة تؤيد حقنا في فلسطين

     لا يخطئ المرء أن يجد بين الحين والآخر أصواتاً حرة تظهر حتى في أشد البيئات تعصباً ضد حقنا في فلسطين، وأكثرها وقوعاً تحت وطأة النفوذ الإعلامي اليهودي، تصدع هذه الأصوات الحرة بالحق، وتقف في وجه الباطل، لتستحق بذلك منا العون والشكر والتأييد.

     وفي إطار عنايتنا بذلك، نلتقي بمقال نشرته مجلة "ثندر بولت" في أمريكا، يكشف حقائق جديدة، ويفضح زيف جانب مهم من دعاية اليهود. تقرر المجلة في مقالها المشار إليه أن اليهود اخترعوا أكذوبة مقتل ستة ملايين منهم على أيدي النازية الألمانية لأهداف دعائية يستدرّون بها عطف الناس، ولأهداف مالية حيث يبتزّون من الألمان بلايين الماركات بحجة التعويض عن ملايينهم الستة، يضاف إلى ذلك حصولهم على مساعدات اقتصادية أخرى، وأعتدة حربية، وتأييد سياسي في المحافل الدولية.

     ولا ريب أن الصهيونية نجحت في تحقيق كثير من آمالها في هذا الجانب بسبب دعايتها المستمرة المركزة الفعالة –والكاذبة أيضاً– حول مقتل ستة ملايين يهودي إبان الحرب العالمية الثانية على أيدي هتلر وجماعته.

     تقول المجلة: إن دفع ألمانيا لهذه التعويضات مباشرة إلى إسرائيل يعتمد إلى حد كبير على رقم الضحايا الذي يدّعيه اليهود، فكلما ازداد هذا الرقم ازدادت أموال تلك التعويضات، ولهذا فقد كانوا على حنكة سياسية بارعة إذ إنهم وضعوا رقم ستة ملايين من أول وهلة، وأعقبوا ذلك بدعاية واسعة ومنظمة، شملت العالم بأسره.

     فقد سخّروا جميع الصحف ووسائل الإعلام –وخاصة في أمريكا– للدعاية لهم وتكرار هذا الرقم ليرسخ في أذهان الرأي العام في أمريكا خاصة. وقد استطاعوا أن ينجحوا في إرساء قواعد لدعايتهم هذه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م حتى وقتنا هذا دون أن ينبري إنسان لكشف زيف دعايتهم هذه، ذلك أنهم استغلوا ظروف ما بعد الحرب والفوضى التي أعقبتها وانشغال الحلفاء في تثبيت احتلالهم لألمانيا –مما هيأ ظروفاً مناسبة وأرضاً خصبة – لزرع بذور تلك الدعاية.
*****

حقنا الديني والتاريخي في فلسطين

حقنا الديني والتاريخي في فلسطين

     إن حقنا التاريخي الديني نحن -العرب المسلمين- في فلسطين حق ثابت، مسطور في وجه التاريخ لا يعمى عنه إلا فاقد الوجدان، فاقد البصر والبصيرة، منقوش على أعمدة المساجد وأهلّة المآذن، في كل مدينة وقرية، محفوظ في التلال والجبال، في أشجار الزيتون والبرتقال، كامن مع الأنبياء والصالحين تحت تراب فلسطين، مكتوب بدماء الشهداء والجرحى في طريق الجهاد من أجل فلسطين.

     ولقد كان من هؤلاء الشهداء والجرحى من قاتل تحت راية فاتح فلسطين، أو جاهد تحت راية محرر فلسطين، ولكن منهم أيضاً (25) ألف شهيد وجريح من العثمانيين المسلمين الذين استشهدوا وجُرحوا في معركة واحدة من معارك فلسطين، دفاعاً عن مدينة واحدة من مدن فلسطين، إنها المعركة التي دارت رحاها حول مدينة القدس الطاهرة، ودخل فيها العرب إلى جانب البريطانيين بعد (13) يوماً فقط من حصول اليهود على وعد بلفور فلسطين، وقبل أن يعلن ليعلم به الثائرون ضد العثمانيين، المقاتلون من حيث يعلمون أو لا يعلمون تحت نفس الراية التي حملها الماسونيون في جمعية الاتحاد والترقي لخلع السلطان عبد الحميد الثاني، بعد أن كان السلطان عبد الحميد الثاني السدّ الأخير في وجه تسرب اليهود إلى فلسطين، يسجّل له مواقفه مؤسس الصهيونية "هرتزل" في يومياته، إذ كان من أجوبته له على عروضه المالية:

     "إني لست مستعداً أن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك لشعبي، وشعبي روّى تربتها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب". "إن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من إمبراطوريتي".

     وبعد هذا الموقف بنصف قرن من الزمن يقف شهيد معركة القسطل "عبد القادر الحسيني" أمام اللجنة العسكرية لجامعة الدول العربية في دمشق ويقول:

     "سيسجّل التاريخ أنّكم أضعتم فلسطين، سأحتل القسطل، وسأموت أنا وجميع إخواني المجاهدين"... ويلتفت إلى رفيقه في الجهاد قاسم الريماوي قائلاً: "هيا نرجع إلى فلسطين كي نموت فيها الميتة التي وضعناها نصب أعيننا، هيا نستشهد أو ننتصر على الأعداء"، ثم يتلو قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]، ومضى فقاتل حتى قُتِل.

*****

قافلة الشهداء في فلسطين

قافلة الشهداء في فلسطين

     إن قافلة الشهداء والجرحى والمجاهدين في تاريخ فلسطين قافلة طويلة، منها مَنْ حفظ التاريخ أسماءهم أمثال "علي فؤاد الحجازي"، و"محمد جمجوم"، و"علي سليم الحسيني"، و"عبد الرحيم الحاج محمد"، وشيخ المجاهدين "عز الدين القسام"، و"أحمد عبد العزيز"، وغيرهم كثير، من رجال الإسلام وشبابه من داخل فلسطين وخارجها، ممن استشهد هناك، أو كُتِبَ له البقاء إلى أمد، ومنها من لا نعرف لهم أسماء وقد طوی تراب فلسطين أجسادهم.

     ومن هؤلاء النساء والأطفال والشيوخ في ثورات "جدار البراق"، و"يوم الأرض"، ومعركة القسطل، وغيرها.

     من هؤلاء من لم يدخل معارك النكبة الأولى إلا بنية الجهاد، ومن مضى في الأعمال الفدائية بين النكبتين وبعد النكبتين، في غزة والنقب وسيناء، وعلى سواحل طبرية والحولة والبحر الميت وضفاف الأردن، وفي أعماق الأرض المباركة معاهداً الله على الجهاد.

     نجهل أسماء الكثير من هؤلاء، كما نجهل أسماء كثير ممن كانوا يتلون القرآن الكريم بدل الاستماع إلى أصوات المطربات والمطربين ممن أرسل إليهم في النكبة الثانية.

     ونجهل أسماء الكثيرين ممن كانوا يرفضون إفطار العاشر من رمضان إلا على رمال سيناء أو في ذرى الجولان، ويقتحمون ميدان القتال وخطوط النيران، بصيحة: "الله أکبر"؛ يسجلها لهم الأعداء، وتسمعها كلّ رملة من رمال فلسطين.

     قد نجهل أسماء كثير من هؤلاء، ولكنهم باقون في سجل القضية، حلقة خالدة من حلقات التاريخ الإسلامي المتصلة، حلقات حقنا الديني التاريخي في فلسطين.. حلقات روحها من روح إبراهيم عليه السلام يوم أراد ذبح ابنه طاعة لربّه، ومن روح إیمان هذا الجيل أيضاً في هذا العصر، ونحن نسمع أطفال المدارس في قلب القدس تحت سيطرة استعمار بني إسرائيل لفلسطين، لا يخشون مواجهتهم بالتكبير والتوحيد حول المسجد الأقصی، لا لشيء، إلا لأنه مسری رسولهم ﷺ، يمنعون اليهود عنه بأجسادهم، بعد أن تخاذلت القيادات عن الجهاد، وخنعت النفوس، وطأطأت الجباه أمام من غضب الله عليهم ولعَنهم بما عصوا وكانوا يعتدون.
*****

ما يعانيه المسلم في قضية فلسطين

ما يعانيه المسلم في قضية فلسطين

     من أشد ما يعانيه المسلم وهو يعمل لقضية فلسطين كجزء من قضيته الإسلامية الكبرى؛ الافتقار إلى إدراك أبعادها التاريخية، والعيش بفهمه وضميره في واقعها الحالي متأثراً ومؤثراً.

     والأبعاد التاريخية للقضية مصدر من مصادر الإرادة الوجدانية العميقة لتغيير الواقع الراهن من الجذور، وإيجاد الواقع الإسلامي عنواناً ومحتوى. وهذه الكلمات موجهة في الدرجة الأولى إلى وجدان الأمة الإسلامية، فعلى عاتقها عبء حل القضية المصيرية إخلاصاً وعزماً وبذلاً، وإلى عقل عقلاها فعلى عاتقهم عبء خدمة القضية المصيرية تخطيطاً وعملاً وجهاداً.

     وهذا الحديث مناقشة موضوعية لحقائق تاريخية، يستبین منها حقنا التاريخي الثابت في فلسطين، وتتضح بها المعالم الحقيقية للواقع الحالي، والقوى المؤثرة فيه، والاحتمالات المترتبة عليه بالصورة الإسلامية الحية التي يجب أن تترسخ في أعماق الأمة بكاملها، وتهز وجدانها، وتؤثر في تفكيرها، وتفجر طاقاتها لتستطيع من بعدُ التأثير في مجرى الأحداث وصناعة التاريخ، وهي تمضي في طريق تجسيد الإسلام الحق في كل مجال من مجالات الحياة.

     يتحدث اليهود عن تاريخ فلسطين فلا يرون فيه إلا بضع مئات من الأعوام كان ليهود الأمس خلالها وجود جزئي في فلسطين لم يتخذ صبغة "دولة" إلا مدة لم تصل لأربعين عاماً، واندثر هذا الوجود دون أن يترك أثراً واحداً في فلسطين. ولكنهم يصورون كل ما قبله وما بعده من تاريخها، وكأنه مندثر لا قيمة له.

     ويتحدث أنصار اليهود من الصليبيين في أنحاء العالم عن تاريخ فلسطين بصورة مشابهة، وأسلوب مماثل لأسباب ومصالح عديدة. وقد يزيدون على ذلك ذكر الغزوة الصليبية القديمة والحديثة، وما للنصارى من وجود جزئي في فلسطين ماضيه وحاضره.

     ويتحدث أنصار اليهود من الشيوعيين المحليين والدوليين عن فلسطين –على اختلاف معهم في أهداف مرحلية– كمسرح من مسارح الصراع الطبقي المادي. فلا يتعرضون للقضية إلا من هذه الزاوية، ولا أهداف لهم فيها إلا في هذا الإطار.

     ويتحدث المتخاذلون في بلادنا أمام اليهود عن فلسطين وكأنما مسخ تاريخها الطويل في الثلاثين عاماً الأخيرة لا يتجاوزونها إلا نادراً، وإذا فعلوا فلا يصلون إلى أبعد من تاريخ تأسيس الحركة الصهيونية في نهاية القرن الميلادي الماضي كأنما انحصر تاريخ القضية في تاريخ الصهيونية العالمية... وإذا استشهدوا بتاريخ الإسلام في فلسطين كان استشهادهم مشوهاً مزيفاً يستهدف تبرير غایات ومصالح وخطوات بعيدة كل البعد عن أصل القضية، متنكرة كل التنكر لها..

     أما المسلمون أصحاب القضية فمقصرون في حقها، وهذا أدنى ما يجب الإقرار به أولاً لتجاوزه والتخلص منه في المستقبل بإذن الله. مئات بل ألوف الكتب تشرح وجهات نظر سائر الفئات المذكورة بمختلف اللغات والأساليب، ولا نجد الكتاب الإسلامي السليم عن القضية.

     وقد يتناول كاتب مخلص القضية من جانب عسكري، فإذا بها في كتابه مشكلة قوة، أو يتناولها آخر من جانب فكري فإذا بها مسألة فكر، أو يتناولها ثالث من جانب علمي تقني فإذا بها قضية جهل أو تأخر، أو يتناولها رابع من جانب خلقي فإذا بها مشكلة أخلاق، أو يتناولها خامس من جانب عقیدي فإذا بها أزمة عقيدة... وهكذا.

     والقضية تجمع هذا كله، ومزيداً عليه أنها قضية وجود ومصير، قضية واقع فاسد من الجذور لا تجد حلها إلا بحل هذا الواقع، وإقامة الواقع الإسلامي الرباني السليم على كل صعيد عقیدي وفكري وعلمي وعسكري، وعلى كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي، وعلى کل صعيد آخر.
*****

فلسطين جزء من القضية الإسلامية الكبرى

فلسطين جزء من القضية الإسلامية الكبرى

     لا ينبغي لكاتب إسلامي أن يتناول قضية فلسطين منفصلة عن القضية الإسلامية الكبری أو أن يعالج جزئية من جزئياتها بسبب ظروفه الخاصة، أو ظروف الواقع من حوله، وهو يصور تلك الجزئية وكأنها كامل القضية، ويصور موقفه منها وكأنه الموقف الإسلامي الأصيل من مجموع الواقع.

     بل لا بد من الكاتب الإسلامي الذي يتعرض للقضية واضعاً في اعتباره أنها جزء من مجموع القضية الإسلامية الأصلية في هذا العصر. إذا تحدث عن بعض جوانبها فلا يغفل عن الجوانب الأخرى. وإذا كتب نبعت كلماته عن أعماق وجدانه لتؤثر في وجدان قارئه، والتزمت الموضوعية لترسم معالم سليمة في اتجاه التطور السليم للعمل من أجل القضية.

     ولا يمكن أن يتضمن الكتاب الإسلامي عن القضية وتاريخها أكثر من بعض الحقائق التاريخية الأساسية، والمعالم الواقعية الرئيسية واللمسات الوجدانية العميقة..، ويبقى بعد ذلك واجب إسلامي على كل فرد من الأمة الإسلامية، أن يبذل جهداً فردیاً، يبدأ فيه بالتعرف بنفسه على تاریخ قضيته وواقعها، وهو يضع نصب عينيه الاستعداد التام للشهادة على طريق الجهاد من أجلها. ونقص الكتاب الإسلامي يبرز الحاجة الماسة إلى من يخصص جهداً أکبر، جهداً مبدعاً لتعويض المكتبة الإسلامية عما ينقصها في هذا المجال.

     ولا بد من الإقرار المؤلم بأن مكتبة فلسطين المليئة بأنواع المؤلفات والكتب تكاد تخلو من الكتاب الإسلامي رغم الأصالة الإسلامية لتاريخ فلسطين..، وإذا توفر كتاب ذو عنوان إسلامي غلبت عليه نزعة الابتعاد عن الموضوعية في بعض الأحيان، أو غلبت عليه نزعة مناصرة فئة من الفئات، أو اتجاه من الاتجاهات.

     والقضية في حاجة إلى غير هذا وذاك، في حاجة إلى العرض التاريخي الموضوعي الأمين، وإلى القلم المتأثر بالأحداث المفجعة المعاصرة، يكتب وصاحبه يدرك كل الإدراك أبعادها وما وراءها، والاحتمالات المترتبة عليها في المستقبل، ويضع في حسابه ما قد تؤدي إليه كلمة الحق الصائبة المخلصة النابعة من أعماق الضمير.. من عواقب، أو تقتضيه من تضحية مقابل ما تتركه من تأثير في حياة الجيل.

     وقد يسأل سائل: كيف نصل إلى القلم المخلص المبدع؟ وکیف نوجد الكاتب الإسلامي الواعي؟

     فليذكر السائل أن صلاح الدين الأيوبي ما وجد نفسه على بداية الطريق إلى المسجد الأقصى في القدس... إلا عندما أصبحت قضية الاستعمار الصليبي للقدس شغله الشاغل ليلاً ونهاراً، وهمّه الدائم في يقظته ومضجعه..؛ كذلك فمن يخدم القضية اليوم لن يستطيع تقديم ثمرة لخدماته ما لم تصبح القضية شغله الشاغل ليلاً ونهاراً، وهمّه الدائم في يقظته ومضجعه.

     ولا شك أن أحداث القضية المفجعة من الأهمية والقدرة على التأثير بما يكفي، إنما نحتاج إلى من أصبح الإسلام متجسداً فيه بالمستوی الذي يجعله يتأثر بتلك الأحداث تأثراً وجدانياً عميقاً محركاً، فإن توفرت له المعطيات اللازمة أمكن أن يقدم للقضية خدمة جلى تحتاج إليها، ويحتاج إليها الإسلام والمسلمون في هذا العصر حاجة ماسة..، ومن ذلك الكتاب الإسلامي عن قضية فلسطين.
*****

يا معشر يهود!

يا معشر يهود!

     يا معشر یهود!.. يا قتلة الأنبياء!.. بأي حق تطالبون بأرض الأنبیاء!؟

     هذه کتب تاریخكم تعدد من قتلتم من الأنبياء فتذكر فيمن تذکر: "حزقيال" على يد أحد قضاتكم، و"أشعيا بن آموص" الذي أمر ملككم "منسى" بنشره على جذع شجرة سنة 700 ق.م، و"آرميا" الذي رجمتموه بالحجارة سنة (650) ق.م، و"زکریا" و"یحیی بن زکریا" – عليهما السلام – اللذين تقولون أنكم قتلتموهما حوالي سنة (30) بعد الميلاد..، تطالبون بالأرض التي استقبلت "إبراهيم" عليه السلام قادماً من أرض بابل، وأنتم الذين تتهمون إبراهيم عليه السلام بالتنجيم!؟

     تطالبون بأرض یعقوب عليه السلام الذي لم تحفظوا له وصية أو عهداً.. تطالبون بأرض داود وسلیمان وأنتم أنفسكم الذين تتهمون نبي الله داوود –عليه السلام– بسفك الدماء، وأحد أبنائه بأنه زنی بزوجات أبيه داود على قارعة الطريق، وتصورون نبي الله هارباً لاجئاً إلى الجبل المطل على القدس، يقذفه السفهاء بالأقذار والحجارة، عاجزاً عن بناء الهيكل بسبب جرائمه.

     والله تعالى يقول في القرآن الكريم الذي لم ولن يُحَرَّف: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

     يا معشر يهود!.. تطالبون بأرض داود وسليمان، بإعادة بناء هيكل سليمان وأنتم أنفسكم تتهمون سليمان عليه السلام بالفساد والزنا والشرك، فتقولون في توراتكم الحالية فيما تقولون: "فالتصق سلیمان بهؤلاء بالمحبة، وكان له سبعمئة من النساء السيدات، وثلاثمئة من السراري... وكان في زمان شیخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى... فذهب سليمان وراء عشتروت آلهة الصيدونيين، وملكولم رجس العمونيين".

     والله تعالى يقول: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].

     كفر الشياطين واتبعوهم فكفروا هم كما يقولون عن أنفسهم في سفر القضاة من توراتهم الحالية: "وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فعبدوا البعل وعشتروت وتركوا الرب إله آبائهم ...".

     أهذه هي الدعوى الدينية التي تطالبون بها بفلسطين الإسلام والمسلمين، تطالبون بالأرض التي أرسلكم موسى إليها وأنتم الذين تقرون في سفر الخروج من توراتكم الحالية أنكم عبدتم العجل في غيابه، وكفرتم به وبربه، وما حفظتم له وصية ولا عهداً حتى إذا أمرکم بالقتال رفضتم وعاندتم: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَاۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِيۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 24-26].

     تطالبون بالأرض التي ولد المسيح عليه السلام فيها، وأنتم الذين كفرتم بالمسيح، واتهمتم أمه الصديقة العذراء بالزنا. وتقولون: إنكم تآمرتم عليه لصلبه، ويصِمُكم الإنجيل بالكفر والعصيان، ويسمّيكم المسيح عليه السلام بالخراف الضائعة، وقتلة الأنبياء، وأولاد الأفاعي، وأولاد الشيطان كما هو وارد في الأناجيل الحالية... والله تعالى يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78].
*****

واجب المسلمين نحو فلسطين

واجب المسلمين نحو فلسطين

     لئن كانت واجبات المسلم اليوم كثيرة كبيرة في إطار قضيته الشاملة، فلا ينبغي أن يقتصر ما يؤديه فيما يتصل بفلسطين بالذات على الانفعال بأحداثها مرة بعد أخرى.. أو أن تقتصر به الحماسة على المطالبة بأقصى المطالب بأعلى صوت، وأن تتحقق بأسرع وقت دون أن يكون هو بالذات جزءاً من التخطيط الشامل السليم ومنبعاً من منابع الجهد الدائب المستمر.

     وفي تاريخ فلسطين وقضية فلسطين الكثير مما يحتاج إلى الإيضاح وإلى التثبيت في الأذهان والضمائر؛ بالكلمة، والمحاضرة، والندوة، والكتاب، والقصة، والقصيدة. وبوسع المرء تناول قضية فلسطين في هذا كله من وجوه عديدة ينجلي بها الحق الأصيل ويستبين.

     وإن الشواهد الكثيرة، والحقائق المختلفة لتشهد أن حق الأمة المسلمة في فلسطين حق عميق أصيل ذو جوانب كثيرة:
  • حقنا في فلسطين حق ديني تاریخي.
  • حقنا في فلسطين حق تاریخي بشري.
  • حقنا في فلسطين حق تاريخي حضاري.
  • حقنا في فلسطين حق قانوني دولي.
  • حقنا في فلسطين حق ثابت.
     مهما بدا واقع المسلمين في ظاهره مدعاة يأس، أو بدا واقع يهود الأرض اليوم مبرراً لدى البعض على طريق الاستسلام والخضوع.

     وميزان التاريخ يؤكد أن مصير مساعي يهود اليوم إلى الفشل دون ريب. ويؤكد أن مصير مساعي التسليم لهم بالباطل إلى الفشل دون ريب.

     ويؤكد أن الموقف الإسلامي الأصيل في القضية أثقل في تأثيره ونتائجه مما يحسبه الواهمون. وعرض تاريخ القضية واجب إسلامي على الأمة الإسلامية لا غنى عن القيام به بعد أن غابت هذه الوجوه أو غاب معظمها عن الأذهان حتى في وعي المسلم أحياناً بفعل ما بذله أعداء الإسلام، وبفعل تقصير المسلمين عن الجهاد بالكلمة والعمل على السواء.

     قال الله تعالى: {فَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۚ} [الحج: 87]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفْسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ} [العنكبوت: 6].
*****

فلسطين حقنا الديني

فلسطين حقنا الديني

     نحن -المسلمين- نطالب بفلسطين من قبل ومن بعد؛ باعتبارها من حقنا الديني التاريخي الذي لا يقبل أية صورة من صور المساومة أو التهاون أو أنصاف الحلول على الإطلاق. ويطالب يهود اليوم بفلسطين بدعوى أنها البلد الذي ظهر فيه "أنبیاؤهم"، ووعدتهم به "توراتهم"، وقام فيه "هيكلهم" المندثر.

     وهذه دعوی باطلة زائفة بمقياس الدین القويم، والتاريخ الأمين، والبحث العلمي المجرد. یریدون أرض الأنبیاء الذين عصوهم وكذبوهم، وقتلوا من استطاعوا منهم، ونسجوا الاتهامات الباطلة ضدهم، فخرجوا بذلك على دينهم، دين التوحيد الخالص، دين الإسلام: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21]، وقال تعالى: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61]، وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]، {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].

     هذا كلام الله في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن اليهود اليوم یكفرون بكلام الله، ويستندون في دعواهم بفلسطين إلى توراتهم المحرفة، فماذا يقولون عن أنفسهم فيها؟ إنهم يتحدثون عن الأنبياء بصورة لا تقف فيها جريمة التحريف عند حد من الخجل أو الحياء، ويتحدثون عن مواقفهم من الأنبياء بصورة لا تبدو دعواهم تلك في إطارها إلا كحلقة جديدة من حلقات الكفر والعصيان والعدوان والتحريف. يطالبون بأرض الأنبياء والتوراة تصفهم – والإنجيل – في مواضع عديدة بأنهم "قتلة الأنبياء"، و"أولاد الأفاعي"، وأنهم "زناة"، و"رقابهم صلبة"، و"ملعونون بكفرهم"...

     تقول التوراة الحالية: "وقال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقاب"، وتقول: "إن الله قال: اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفقهوا، وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلِّظ قلب هذا الشعب، وثقِّل أذنيه، واطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويفهم بقلبه".

     وتقول "وصار مرشِدو هذا الشعب مضلين ومرشَدوه مبتلَعين، لأجل ذلك لا يفرح الرب بفتيانه، ولا يرحم يتاماه وأرامله لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شر".

     وتقول: "قال الرب إله إسرائيل: هأنذا جالب شراً على أورشلیم ويهوذا، وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم فيكونون غنيمة ونهباً لجميع أعدائهم لأنهم عملوا الشر في عيني".

     وتقول: "هأنذا جالب الشر على هذا الموضع وسكانه، من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل عمل أيديهم، فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ".

     وتقول: "وجعلت يهوذا وسكان أورشلیم يزنون کزنا بیت آخاب، هو ذا يضرب الرب شعبك بیتك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة".

     أبهذه الدعوى "الدينية" تطالبون يا بني إسرائيل بأرض فلسطين الطاهرة!؟
*****

الأكثر مشاهدة