الخميس، 7 سبتمبر 2023

اليهود وفلسطين

اليهود وفلسطين

     لا يخطئ المرء أن يلحظ عناية اليهود في فلسطين بدينهم ولغتهم وتاريخهم عناية بالغة، والشواهد التي تؤکد عنايتهم هذه كثيرة جداً. وفي إطار عنايتهم هذه قاموا بنشاطات كثيرة، بعضها له أصل وجذور، وكثير منها تزييف محض خالص، واختراع واختلاق.

     والحق أن اليهود قاموا من أجل هذا التزييف بجهود كبيرة، وهم يسعون من أجل ذلك، منذ دهر بعید بدأب وإصرار. فلقد سموا كيانهم المسخ باسم "إسرائيل" على اسم نبي الله يعقوب عليه السلام الذي يزعمون أنهم إليه ينتسبون، وهم ابتدعوا حكاية جدار المبكى وهو أحد جدران المسجد الأقصى، وأخذوا يتوافدون للبكاء على مجدهم المزعوم منذ القرن الماضي حتى جعلوا ذلك تقليداً دينياً لهم يبدو كأنه موغل في القدم. وهو في الحقيقية يرجع إلى أيام ولاية محمد علي باشا حاكم مصر على الشام حين ضمها إلى حكمه.

     وللجيش عند اليهود حاخامات دینیون كبار يملؤونه بالأباطيل اليهودية، ويشرفون على ذبح الأنعام له وفق عقيدتهم، وقائد أحد قواتهم عام (1967م) ينفخ في البوق متأسیاً بفعل أحد أنبيائهم كما جاء في التوراة، وقد نشرت صور لجنودهم في العام نفسه، يظهر فيها بعضهم في باحة المسجد الأقصى المبارك، وهم يحملون السلاح بيد، والتوراة باليد الأخرى، كما يظهر بعضهم الآخر وهم يرتلون شيئاً من التوراة في صحراء سيناء وقد ظهر عليهم الخشوع.

     وأضف إلى ذلك عناية اليهود الفائقة باللغة العبرية، فقد أحيوها من بين الأنقاض، ونهضوا بها بعد أن خرجت من دنيا الاستعمال، ونسيها اليهود أنفسهم، وظلت بين أحبارهم وقادتهم الدينيين فحسب. لقد عادوا بها إلى الحياة، واستعملوها في الجيش والتعليم والإذاعة والصحافة والبحث العلمي، وفي كل مكان، وهم يشترطون اليوم على كل من يهاجر إلى فلسطين من يهود العالم أن يختار لنفسه اسماً عبریاً.

     إذا كان علينا أن نتعلم من تاريخنا فقد عرفنا أن النصر كان حليفاً لنا دائماً حين نتمسك بإسلامنا، وإذا كان علينا أن نتعلم من تاريخ العدو ومما يفعله الآن، فلنعلم مما يقوم به اليوم من حرص واسع على التراث، أهميةَ التراث في حياة الأمم، فلنعد إلى تراثنا الذي شكله وصاغه الإسلام، لنتشبث به، ونحرص عليه، ونصوغ حياتنا على هديه ونوره، وننتزع الفوز بإذن الله بانطلاقنا من عطائه الخيّر المبارك.
*****

نكبة القدس

نكبة القدس

     ظل بسبب نكبة القدس مهموماً محزوناً غارقاً في حوار داخلي مع نفسه، وظل في أشجانه التي لا تفارقه ليل نهار، يبحث عن مخرج ومنقذ. ظل كذلك حتى كان ذات يوم أمام صورة للمسجد الحزين الأسير، فأحس كأنها تنادي وتقول: "إليَّ إليَّ أيها المجاهدون!.. بالجهاد کنت لكم من قدیم، وبالجهاد لكم سأكون".

     عندها أحس الرجل أنه قد عثر على مفتاح الأقفال والأغلاق، إنه الجهاد.. وارتحل من بلاده صوب الأرض التي سرقتها یهود في غفلة من الشرفاء والمجاهدين، قاطعاً طريقه الطويل، وفي خاطره مثل هذا الحديث:

     يا قدس لا تحزني طويلاً، فلا بد أن يذهب الليل ليأتي النهار، ويرحل الظلم لیظهر العدل، ويهزم اليهود ليحكم المسلمون. ليست هذه هي المرة الأولى التي وقعت فيها أسيرة بيد الأعداء، فلا بد أن تذکري هجمات الصليبيين الذين حكموك قرابة قرن من الزمان، ومنعوا في سمائك الأذان. ولكن العاقبة كانت للحق، لقد أشرقت الشمس، وهربت الجرذان، وتوارت الفئران، واختفى البوم، وولت الغربان، ذلك أن فجراً للإسلام قد بدأ، وعاد الغزاة إلى ديارهم مخذولین مقهورين، وعدتِ مرة ثانية لأبنائك المسلمين يفدونكِ بالمهج والأرواح، عاد إلى مسجدك المصلون، وعلت تكبيرات العباد وارتفع عالياً صوت الأذان.

     إننا حين نبكيك اليوم، لا نبكي بدمع اليائس الحزين الذي سقطت همته، وخذلته عزيمته، وخارت قواه، فاستراح إلى دموعه. ذلك أن الإسلام العظيم قد علمنا أن اليأس حرام، فرحمة الله واسعة، ونصره من المؤمنین قريب. لكننا نبكيك بالدمع الشجاع الأبي، المتألم المؤمّل، الواثق الصبور.

     بقلوب هدّها تلاحق الآلام؛ لكنها لم تمت، بنفوس أذهلها طغيان اللئام؛ لكنها ما استكانت، بأفئدة أحزنها نسيان الصديق ومكر العدو؛ لكنها ما هانت.

     الأمة المسلمة التي طلعت على الدنيا بهدى الله فحملته إلى أصقاع الأرض، ووعت أمانة المسؤولية، وقوامة الشهادة، والوصاية على الناس، فأدت ذلك أحسن ما يكون الأداء، وأبلغته أكرم ما يكون الإبلاغ.

     الأمة التي استقامت على أمر الله فنصرها الله، والتزمت دينه وشريعته، فرزقها القيادة والسيادة ومكّن لها في الأرض.

     هذه الأمة القوية الإيمان، الباذخة البنيان، المهتدية بالقرآن، التي امتدت إلى كل مكان، وشرفت في كل زمان.

     هذه الأمة العريقة الشمّاء، الكريمة المعطاء، ستثأر للأقصى الجريح، تطهره من رجس یهود وبغیها وطغيانها، وتقيم في أرض الإسلام حكم الإسلام، منارة للحق والعدل، والهداية والإيمان.. سوف تجتاح باطل یهود، بعد أن تجتاح في نفسها عوامل الهزيمة والمبادئ الضالة التي سببتها، وتنطلق بالإسلام على هدى الله وبرکته ليكون لها النصر العزيز فتكمل هي شروطه، وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
*****

مأساة القدس

مأساة القدس

     من أعماق المصيبة والنكبة، ومن فداحة الجراحات، ومن الأمل المضيء جاءت هذه النجوی من ذلك الذي كان بعيداً من مكان الكارثة حين سمع بسقوط بيت المقدس في حزيران، حزن الرجل أشد الحزن، واتصلت آلامه ليل نهار، فهو مرهق متعب مكدود، وأخذت الأسئلة الكثيرة الحيرى تنداح في فؤاده، وحين تمثل إجابتها في خلده، كان بين ألم وأمل، حزن ورجاء، مرة يقسو على الأمة الإسلامية، ومرة يلتمس لها المعاذير.

     ويلتفت صوب القدس ليرى فيها صورة المأساة الكبرى التي حلت بالمسلمين، وينظر صوب المسجد الأقصى فيكاد يبكي لولا بقية من حياء. وكان عظيم اليقين، ثابت القناعة أن المأساة إنما كانت من صنع الطغاة والكذابين، والخونة والمجرمين، وأن الإسلام بريء من هذا الضياع، ذلك أنه لم تتح له الفرصة للقتال في تلك الحرب لذا كانت الهزيمة وكان العار.

     أخذ ينظر الى المسجد الأيسر ويردد في خلده، والله ما أضاعك الإسلام الذي ثبت منك العماد، ولا القرآن الذي بناك بالهدى والرشاد. ما أضاعك المؤمنون، وما فرط فيك الصادقون. لقد كنت من قبل للدين قبلته الأولى، ومسجده الشريف. في رحابك الطاهرة أَمَّ رسول الله ﷺ الأنبياء الكرام جميعاً في صلاة صادقة طهور.

     وعلى أرضك الشريفة سجدت جباه الخاشعين، وفي صدی تاریخك العميق أصوات المجاهدين، وهتاف الفاتحین، وصليل السيوف، وقتال الزحوف، وهجوم الصفوف.

     كأن عمر بن الخطاب ما قطع الفيافي والقفار، في رحلة طويلة شاقة ليدخل القدس خافق الطرف، خاشع القلب، ذاکر اللسان، شاكراً لله فضله العظيم. وكأن صلاح الدين ما خاض الغمار، وما جمع الجيوش من كل ناحية ليخوض المعارك هنا وهناك، ويتوّج جهاده المبارك بمعركة حطين، لينفي عنك الأحزان والأشجان، ويبعد عنك الخبث والأدران، ويرفع من جديد في المآذن العالية نداء الأذان.

     كأن المنائر التي صدحت بالنداء الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" حزينة والهة ثكلى، كأن أيام الجُمع الزاكية الوضاء لم تقم على مدى أزمان وأزمان.

مررت بالمسجد المحزون أســــــأله     هل في المصلى أو المحراب مروان
تغيـــر المسجد المحزون واختـــلفت     على المنــــابر أحرار وعبـــــــــدان
فــــــــلا الأذان أذان في منـــــــارته     إذا تـعــــــــــــــــالى ولا الآذان آذان

     كأن قروناً من النسيان طويلة ممتدة، قامت بين الجهاد الصادق والمأساة الدامية، كأن أمجاد التاريخ ومفاخر المسلمين حلم عابر ما أشرق حتى غاب، وما أسفر حتى رحل.
*****

أطماع اليهود في فلسطين

أطماع اليهود في فلسطين

     في بعض الأحيان تحمل الظروفُ الإنسانَ على تكرار الحديث في أمر بات في غاية الوضوح والجلاء، ذلك أنه يجد أن البديهة المنطقية الأولية يتجاهلها أو يجهلها كثيرون. وحين يكون الأمر متصلاً بقضايا خطيرة مصيرية مهمة جداً يصبح الحديث عنها ضرورة مؤكدة. ولعل أطماع اليهود في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين مما يجدر أن يتكرر الحديث عنه ويعاد خاصة في هذه الظروف العسيرة الشاقة.

     وينبغي أن نقرر ابتداءً وبجلاء تام أن أطماع اليهود لا تنحصر في فلسطين فقط، بل تتعدّاها إلى غيرها من البلاد. وقد صرّح بن غوريون في مطلع الخمسينات أن فلسطين ليست وحدها هدفهم، إنما هي جسر سيعبرون منه إلى أهدافهم البعيدة.

     وقبيل الحرب العالمية الثانية وسّطت اليهودية العالمية الرئيس الأمريكي لدى المغفور له الملك عبد العزيز ليسمح لليهود بالعودة إلى خيبر وتيماء ووادي القرى وبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع لأنهم يعتبرون هذه المواطن لهم. وقد رفض المرحوم مشكوراً مأجوراً هذا الطلب العدواني الماكر.

     وفي عام 1967م؛ قال موشي دايان حين دخل القدس: إننا الآن في أورشليم، ونحن في طريقنا إلى يثرب وبابل.

     وفي عام 1949م؛ نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب الأمريكي "بن هخت" جاء فيه: إن العرب لن يرضخوا إلا إذا أرسلنا حملة عسكرية لتهدم المدينة المنورة، وتنبش الضريح الكريم.

     ولم يعد اليهود يكتفون بشعارهم القديم: "حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل"، فنشروا خريطة جديدة لأطماعهم التوسعية، تشمل جميع منابع البترول ومعظم الجزيرة العربية.

     ومن أهم مطامع اليهود أنهم يريدون أن يجعلونا في بلادنا خدماً وعبيداً لهم، يأخذون موادنا الخام ليصنّعوها ويبيعوها لنا، يأخذونها بأبخس الأثمان، ويصدّرونها بأغلى الأثمان، هم القادة والساسة ونحن الأتباع، هم أصحاب المصانع والمعامل والشركات ونحن اليد العاملة المنفّذة. يريدون أن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الاقتصادي ليستعمرونا مالياً بعد استعمارهم إيانا عسكرياً، وأن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الثقافي ليطمسوا به على معالم ثقافتنا وشخصيتنا وتراثنا، ولينشروا بيننا سموم أفكارهم الشاذة الضالة المضلِّلة في شتى ميادين الحياة.

     باختصار؛ إنهم يريدون بعد أن نهبوا عسكرياً جزءاً عزيزاً من ديارنا، أن يروّضونا على قبول هذا النهب باسم الصلح، وأن يواصلوا عملية نهبنا في كل ميدان، نهباً اقتصادياً ومالياً، ونهباً للموارد والثروات، ونهباً للثروة البشرية بتوظيف طاقاتها في خدمة أحلامهم، ونهباً أخلاقياً بإفساد أخلاقنا وإضاعة قيمنا وإشاعة المباذل والمفاسد والانحرافات فينا، ونهباً عقيدياً بعزلنا عن عقيدتنا الصحيحة، وإحلال بدائل ضالة خاطئة عنها، ونهباً فكرياً بإهدار عقولنا وقيادتنا إلى متاهات فكرية شتى بغية إضاعتنا وتضليلنا.

     إنهم يريدون أن ينهبوا منا كل شيء طيب، ويُحِلُّوا بدلاً منه شيئاً سيئاً، ومن كان في شك من ذلك فليقرأ "بروتوكولات حكماء صهيون".

     قال أديب مفكر ذكي: ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة..

     ومِثْل ذلك نحن نؤكد ونجزم ونقول: إن أخطار السلام والصلح مع اليهود أفدح بكثير جداً من أخطار الحرب والقتال.
*****

قضية فلسطين

قضية فلسطين

     يبدو نوعاً من التكرار الذي لا بد منه، أن يؤكد المرء أن قضية فلسطين قضية إسلامية، تعود في جذورها وترتبط في تفاعلاتها سلباً وإيجاباً بالتاريخ الإسلامي من ناحية، وبمدى التزام المسلمين بإسلامهم ووعيهم لأهمية الجهاد من ناحية أخرى.

     وقضية فلسطين هي الشكلُ الأكثرُ تفجّراً للهَجْمَةِ الصليبية التي اتخذت شكلَ الاستعمار الأوربي الحديث الذي جزّأَ العالمَ الإسلامي وقطّعه أوصالاً، وكانت ذروة ما فعل في ذلك إسقاطه للدولة العثمانية التي أخّرت الاستعمارَ الأوربي الذي قدم من إسبانيا والبرتغال، ثم من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا قروناً عديدة.

     لقد أدركت بريطانيا خاصة، وأوربا عامة أن وحدةَ العالم الإسلامي المرتكزة على عقيدته، تشكل قوةً هائلة له تحميه من أن يُبْتلع، وتمنحه إمكانيةَ التقدم والامتداد، لذلك حرص الأوربيون على القضاء على تلك الوحدة، وإضعاف تلك العقيدة، وكانت لهم في ذلك خطط وأفكار كثيرة، عبّر كارل بنيزمان عن بعضها في عام 1907م، حين قال أمام لجنة الخبراء:

     يجب أن تفكروا في هذا الخطر الماثل في العالم الذي يقعُ على شواطئ المتوسط الجنوبية والشرقية من مصر إلى الإسكندرونة مروراً بغزة، ويمتد غرباً حتى الرباط، وشرقاً حتى خليج البصرة. هذا العالم الذي يملك كل مقومات الوحدة يجب أن تفكروا في غرس جسم غريب بين شطريه. جسمٍ غريبٍ يفتت وحدته، وقويٍ يجعله في حربٍ دائمة لا تتيحُ له الفرصةَ لاستغلال طاقات وثرواته.

     والتقت أفكار هؤلاء الصليبيين بأفكار اليهودية العالمية ومطامعها، وجمعت المصلحة الواحدة المشتركة بين هؤلاء وهؤلاء، فكان أن أقيمت إسرائيل، جسماً غريباً في قلب وطن واحد يمزّقه ويفصل بين شطريه الكبيرين، الآسيوي والأفريقي، ويستنزف طاقاته، وينفي عنه الأمن والهدوء والاستقرار، ويخطط لاستعماره فكرياً واقتصادياً وأخلاقياً وفي كل ميدان آخر، حتى يكون أهل هذا الوطن خدماً لليهود، تقوم على جهودهم التي يوظّفها اليهود لصالحهم معالم الإمبراطورية الكبرى التي يريد اليهود -لا أنجح الله مسعاهم- بناءها.
*****

فلسطين إسلامية

فلسطين إسلامية

     إن فلسطين إسلامية، وستظل إسلامية بالرغم من كل المحاولات الآثمة التي تحاول أن تسلبها من أمة الإسلام والمسلمين.

     حقاً إن فلسطين هي اليوم قد خرجت من أيدي المسلمين، لكنَّ لها عودةً لا ريب فيها قط إلى الراية المسلمة بإذن الله، فذلك هو وعد المصطفى ﷺ، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

     وليست هي المرة الأولى التي تخرج فيها فلسطين من أيدي المسلمين، فلقد أسرها الصليبيون قرابة قرنين من الزمان حتى تم إنقاذها على مراحل، والقدس نفسها ظلت نصف هذه المدة تقريباً أسيرة، وحُوِّل مسجدها الأقصى المبارك إلى كنيسة، لكن الأمة المسلمة المنجبة الولود ما لبثت أن أخذت تقدم قادة حركة الجهاد والاسترداد، عماد الدين زنكي، ثم ولده نور الدين محمود، ثم صلاح الدين الأيوبي إلى آخر سلسلة الجهاد المباركة، وظل الجهاد هو سبيل الأمة الحقيقي والوحيد إلى الإنقاذ، وتوالت الجهود، حتى تكللت بالظفر الأكبر يوم قصم صلاح الدين ظهور الصليبيين في حطين، ثم جاء مِنْ بعده مَنْ تابع المسيرة حتى اتم إنقاذ فلسطين كلها وأعادها للإسلام والمسلمين.

     ولا بد من يومٍ قادم، يوم تسلك فيه الأمة سبيل الجهاد بعد أن استيقنت أن كل السبل الأخرى تقودها إلى مزيد من الهزائم، وعندها ستكون حطين أخرى، وسيكون قادة آخرون كصلاح وغيره ممن يُعْلون كلمة التوحيد، ويقودون الأمة في الطريق الصحيح، طريق الإيمان والجهاد، الذي يقودها نحو سعادتيها في الدنيا والآخرة.

     ويومها يسقط باطل اليهود الزائف أمام حق المسلمين الصراح، وتطوى راية التلمود أمام راية القرآن، وتفرّ جرذان اليهود أمام بطولة المسلمين، ويفلّ جيش أحفاد قتلة الأنبياء ومحترفي الربا وتجار الخنا أمام جيش أحفاد سعد وطارق، والمثنى وعقبة، وعمرو وخالد.

     يومها تسقط الكلمة الآثمة المحرّفة الشريرة، وتعلو كلمة الإسلام الخالدة: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؛ مضمّخةً بالعطر، مُطيّبةً بالشذا، فوّاحةً بالنور والهدى، متوضئةً بزمزم، معطرةً بجلال مكة وشموخها واستعلائها، وجمال المدينة وروعتها وإشراقها.
*****

خطر اليهود في فلسطين

خطر اليهود في فلسطين

     حذر السيد روحي الخطيب أمين مدينة القدس المسلمين من الخطر المتزايد للحفريات الصهيونية على المسجد الأقصى المبارك، وتجري حفريات اليهود حول الحائطين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى والأروقة المجاورة له داخل الحرم الشريف في أربعة مواقع، وبعمق (20) متراً، وقد تضمن التقرير الذي أعدّه السيد روحي الخطيب تفاصيل الاعتداءات اليهودية التي باتت تشكل خطراً مباشراً على المسجد الأقصى وربما على مسجد الصخرة كذلك.

     إن النذير الذي أطلقه السيد الخطيب يجب أن يأخذه المسلمون مأخذ الجدية التامة والعناية اللازمة؛ خاصة بعد أن بلغت حفرياتُ اليهود مرحلة خطيرة تهدد أساسيات المسجد الأقصى والصخرة المشرّفة.

     وإنَّ إصرار العدو اليهودي في حفرياته هذه دليل على خطته الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة، وبرهان على أنه لا يبالي بمشاعر مئات الملايين من المسلمين، ولا يأبه بقرارات المنظمات الدولية في قليل أو كثير. وهذا ما يؤكّد أن السبيل الوحيد لردعه عن غيّه وطغيانه هو سبيل القوة فحسب من خلال جهاد إسلامي دؤوب.

     إن اليهود أحرقوا المسجد الأقصى من قبل، وهم سيحاولون القضاء عليه بمحاولة جديدة لإحراقه أو تهديمه بطريقة خفيّة، أو انتظار سيل عارم أو كارثة ما تحلُّ به فتهدمه بعد أن مهّدوا السبيلَ لذلك، وجعلوه بحفرياتهم التي صدّعت أساساتِه يَضْعُفُ باستمرار ليكونَ تخريبُه في المستقبل بكارثة حقيقية أو مفتعلة أسهلَ لا سمح الله.

     إن عبرةَ تاريخنا مع اليهود تكشفُ أنهم شعبٌ مخادع ماكر خسيس في خصومته، واسعُ المطامع، عميق الأحقاد، وأنه لا يتورع عن عمل أي شيء قط إذا واتته الفرصة، والأسلوب الوحيد الذي يجعله يخاف وينكمش هو أسلوب القوة، فَلْنُجابِه عدوانَه المستمر بالقوة الشجاعة من خلال جهاد مؤمن صبور، لا يرضى أن يتوقف حتى يحرر جميع الأرض المسلمة التي دنّسها طغيان اليهود قاتلهم الله!..

     وَلْنَعْلَمْ أن كل أسلوب سوى الجهاد مع اليهود إنما هو انحرافٌ عن السبيل، وإضاعةٌ للعمر والجهد، وبناءٌ كاذبٌ على أرضٍ من ملح سرعان ما يذوب فيتساقط البناء.
*****

أيتها القدس الغالية! (12)

أيتها القدس الغالية! (12)

     أيتها القدس الغالية!.. أود أن أهمس في أذنك ألّا تيأسي، فإن في الأمة المسلمة خيراً كثيراً، بل إن في هذه الأمة المسلمة يا قدس، حتى في أشد أوقات التيه والظلمة والحيرة، بقية صالحة، لم تتحير عندما اشتد الظلام، ولم تضطرب حين جزع الناس، ولم تنحرف حين فشا الفساد، لم تَزِلَّ بها الأقدام إلى وهدة الانحدار وهاوية الضياع، احتفظت بولائها لدينها وقرآنها حينَ تعاظمَ أمرُ الجاهلية، وقوي سلطانها، وانتشرت راياتها، ودقّت طبولها. ووجود مثل هذه البقية الصالحة المؤمنة الصابرة، سر من أسرار الله تعالى في هذه الأمة وفي هذا الدين.

     وهذه البقية الصالحة المؤمنة هي أمل الإنقاذ إن شاء الله، لأنها قبس من شعلة الإيمان، ونحن بالإيمان نعلو ونغلب ونسود، والإيمان هو مفتاح شخصيتنا وصانع مجدنا، وباني حضارتنا، وجامع شمل أمتنا، وموئل فخارنا وشموخنا.

     وإن في الدروس المستفادة من حرب رمضان المبارك، ما يشهد بصدق هذه الحقيقة أيتها القدس العظيمة الخالدة، فقد كان للإيمان أثره الملموس، ولقد كان للنداء الخالد "الله أكبر" دوره الكبير في تثبيت المؤمنين، وزلزلة يهود، وهو أمر شهد به حتى غير المسلمين.

     وقد تتساءلين يا قدس: وإذن لماذا لم يكن النصر المؤزر والفوز المبين، والفتح المنتظر، والنجاة من رجس يهود!؟

     والجواب يا قدس: أننا لا نستحق من الظفر إلا ما يساوي حَجْمَ صحوتنا وعودتنا إلى ديننا. وها هي عودة جزئية فقط قد زلزلت أركان العدو وكادت تطيح به. إذن كيف لو أن عودةً كبيرة إلى ديننا سادتنا؟ لا ريب أنه الدمار لليهود إذ ذاك، والقضاء على كيانهم الغادر الغشوم، وإنّا لتلك العودة الكبيرة، والأوبة المؤمنة لمنتظرون، وإن يقيننا بها ضخم كبير، وثقتنا بها لا حد لها.

     لا تيأسي يا قدس، فلا بد أن تعودي إلى الراية المسلمة عزيزةً غالية، وستطوي كلمةُ الإيمان كلَّ محاولاتِ الاستسلام والخنوع، وكلَّ مَنْ يحاول أن يفرّط في أرضك الطهور، ويمكّن فيها لعدو الله الغادر ويمنح وجوده الظالم القهري فيها صفةً شرعية أو قانونية.

     وكما انطوت صفحة الصليبيين بالأمس على يد كرام مؤمنين؛ ستنطوي صفحة اليهود في الغد على أيدي كرام مؤمنين، يعملون وكلُّ ولائهم.. لا بعضه؛ لدين الله الخالد المحفوظ الغالب.
*****

أيتها القدس! (11)

أيتها القدس! (11)

     أيتها القدس الحبيبة الغالية!.. يا قدس الإسلام والمسلمين!.. سلامٌ عليكِ من الله ورحمة وبركة، سلامٌ عليكِ يا من بارككِ رب السماء، وعطّر رباكِ نور الأنبياء، وأعلى مقامكِ دم الشهداء.

     سلام عليكِ يوم افتتحكِ للإسلام والمسلمين الخليفة الراشد العظيم عمر بن الخطاب، وسلام عليكِ يوم استرجعك من الصليبيين السلطان العبقري المجاهد صلاح الدين الأيوبي. وسلام عليكِ يوم أسركِ اليهود في عام الخزي والهزيمة والعار!..

     ترى، هل طاب لك المقام بین أنذال یهود؟ هل قرّت عيناكِ بمرأى الجبناء يختالون متكبرين متتالين؟ ترى كيف أنتِ اليوم وقد خضبَتْ جدرانكِ الدماء، وازدحمت في شوارعكِ الأشلاء، وعاث في أرضكِ الدخلاء؟

     كيف أنتِ وقد عدا عليكِ الأنذال الجبناء، فبطشوا وفجروا، ولم يبق فيكِ إلا خائف محزون، وأسير مسجون، ومفزوع مكروب، وضائع مسلوب، ومسكين محروب، ومجاهد مؤمن صابر استعلى على البطش والطغيان، ومضى يجاهد في سبيل الله تعالى منتظراً إحدى الحسنيين؟

     كيف أنتِ وقد داس الدخلاء كرامة الحق، ودنسوا الفضيلة والشرف، وأبدلوكِ بالأمن رعباً، وبالطمأنينة فزعاً وهلعاً؟ ترى أوَ تقبلين بدلاً عن طهر الإيمان وجمال الأذان، وترتيلة القرآن، خبث اليهود وأدناسهم، ومكر الدخلاء وفجورهم!؟ هل يا ترى قبلت سلالة قتَلة الأنبياء الكرام بدلاً من أحفاد المهاجرين والأنصار!؟ وإخوان شيلوك وكوهين بدلاً من أحمد وحسن وصالح؟

     لا والله يا قدس ليس ذلك مما تفعلين!.. فأنتِ ما هُنْتِ ولا قبلتِ، ولكن نحن الذين هُنَّا وقبلنا يوم ابتعدنا عن ديننا. ما رضيت أنتِ الدون، ولكن نحن الذي رضينا يوم نأينا عن الإيمان. ما أبيتِ الجهاد ولكن نحن الذي أبيناه يوم رضينا القعود والتواكل والإخلاد.

     يوم الهزيمة.. نسينا الله عز وجل فوُكِلنا إلى نفوسنا، فإذا بها -وقد استغنت عن الدين- عجز وخواء وذلة وهوان، خواء فارغ لا يقوى على الجهاد لأنه وقد بعد عن الدين، بات مهترئاً منخوراً عاجزاً ذليلاً مهزوماً من الداخل؛ ذلك أن أفكار یهود قد تسللت إلينا قبل حرابها، وأخلاق یهود قد دخلتنا قبل سيوفها، وعقائد وفلسفات یهود قد اقتحمتنا قبل طائراتها.

     ويوم النصر سيأتي حين نأخذ العبرة من يوم الهزيمة، ونصحح موقفنا فعلاً، ونعود إلى الله حقاً وصدقاً، عندها سيكون النصر المؤزر الذي شهدت منه يا قدس في حرب رمضان بشائر فحسب، توازي تماماً حجم الصحوة الجزئية التي فاءت إليها الأمة، والتي نأمل أن تزداد وتتعاظم باستمرار إن شاء الله.
*****

يا قدس! (10)

يا قدس! (10)

     إني قادم إليكِ يا قدس إن شاء الله، قادم إليك فاتحاً غازياً منصوراً لأكون جندياً جديراً بالانتساب إلى الأمة الإسلامية، وأهلاً للجهاد تحت الراية القرآنية. إني قادم إليك يا قدس لأقوم بأداء المهمة الثقيلة التي ألقاها على كاهلي انتمائي إلى خير أمة أخرجت للناس.

     وإني أقسم لكِ يا قدس، أقسم بالله العلي العظيم أن في فؤادي حنيناً جياشاً إلى أرضك الطهور، حنيني إليك حنين الروض لماء القطر، حنين المسجد للأذان، حنين المؤمن لترتيل القرآن، حنين المغترب طال اغترابه ونأت أسفاره إلى داره وأهله وصحبه وذويه.

     أنتِ في قلوب المسلمين رجاء، وفي أفئدتهم دعاء، وفي عيونهم دمعة، وفي أخلادهم أمل، وفي ضمائرهم لوعة، وفي سرائرهم أمنية جياشة حارة..، ومنزلتك هذه الطاهرة العاطرة الأبية الكريمة ستدفعنا يا قدس بإذن الله لنكون رجالاً أوفياء شرفاء، يصوغون مواقف وفية شريفة، وهم في الطريق إليكِ سائرون، حتى يكتب لنا النصر المبين، یكتبه الله عز وجل بقدرته العظيمة الطليقة، ويصوغه قَدَرُه الغالب الذي لا يُرَد بسواعدنا المؤمنة المتوضئة.

     أتذكرين أيام الصحبة العفيفة، والرفقة الطاهرة!؟ أم أن السنوات العجاف تحت راية یهود قد فعلت بذاكرتك الأفاعيل!؟ أما أنا فأقسم أنكِ ما غبتِ عن حسي، ولا نأيتِ عن وجداني، وأنّی لي ذلك وقد شرفتُ بالانتساب إلى الإسلام الذي يعلمني أن الوفاء من شوامخ الأخلاق ونبيل السجايا!؟ وهل لي بعد ذلك إلا أن أكون وفياً لكِ والأقصى الحبيب أولى القبلتين وثالث الحرمين!؟

     يا قدس!.. منذ وعيت حقيقة إسلامي ومسؤولية إيماني؛ عرفت أن لكِ حقاً في عنقي أي حق، فاطمئني فإني مدرك تمام الإدراك كل ما عليَّ أداؤه إزاء حقكِ الكبير. سأزحف إليكِ في فتية مؤمنين ما عرفَتْهُم الأرض إلا ساجدین مستغفرين، في فتية لهم من الأصالة والنبل والتضحية والمضاء ما يليق بهم ليكونوا أول مواكب الإنقاذ:

في فتيةٍ لا تنالُ الأرضُ أدمعَهمْ     ولا مفــــارقَهُمْ إلَّا مُصلِّينـــــــا
لو لم يسودوا بدينٍ فيهِ منــــبهةٌ     للحقِّ كانَتْ لهُمْ أخلاقُهمْ دِینــــا

     فاصبري يا قدس الإسلام والمسلمين!.. فلا بد أن يطلع الفجر الصادق ليقضي على طغيان یهود واستعلائها، ويُنهي مسلسل التنازلات التي يقدمها ليهود المتخاذلون والمفرّطون. إن موعد هؤلاء وأولئك قادم، قادمٌ لا ريب فيه.. إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟
*****

الأكثر مشاهدة