الخميس، 7 سبتمبر 2023

واجب المسلمين نحو فلسطين

واجب المسلمين نحو فلسطين

     لئن كانت واجبات المسلم اليوم كثيرة كبيرة في إطار قضيته الشاملة، فلا ينبغي أن يقتصر ما يؤديه فيما يتصل بفلسطين بالذات على الانفعال بأحداثها مرة بعد أخرى.. أو أن تقتصر به الحماسة على المطالبة بأقصى المطالب بأعلى صوت، وأن تتحقق بأسرع وقت دون أن يكون هو بالذات جزءاً من التخطيط الشامل السليم ومنبعاً من منابع الجهد الدائب المستمر.

     وفي تاريخ فلسطين وقضية فلسطين الكثير مما يحتاج إلى الإيضاح وإلى التثبيت في الأذهان والضمائر؛ بالكلمة، والمحاضرة، والندوة، والكتاب، والقصة، والقصيدة. وبوسع المرء تناول قضية فلسطين في هذا كله من وجوه عديدة ينجلي بها الحق الأصيل ويستبين.

     وإن الشواهد الكثيرة، والحقائق المختلفة لتشهد أن حق الأمة المسلمة في فلسطين حق عميق أصيل ذو جوانب كثيرة:
  • حقنا في فلسطين حق ديني تاریخي.
  • حقنا في فلسطين حق تاریخي بشري.
  • حقنا في فلسطين حق تاريخي حضاري.
  • حقنا في فلسطين حق قانوني دولي.
  • حقنا في فلسطين حق ثابت.
     مهما بدا واقع المسلمين في ظاهره مدعاة يأس، أو بدا واقع يهود الأرض اليوم مبرراً لدى البعض على طريق الاستسلام والخضوع.

     وميزان التاريخ يؤكد أن مصير مساعي يهود اليوم إلى الفشل دون ريب. ويؤكد أن مصير مساعي التسليم لهم بالباطل إلى الفشل دون ريب.

     ويؤكد أن الموقف الإسلامي الأصيل في القضية أثقل في تأثيره ونتائجه مما يحسبه الواهمون. وعرض تاريخ القضية واجب إسلامي على الأمة الإسلامية لا غنى عن القيام به بعد أن غابت هذه الوجوه أو غاب معظمها عن الأذهان حتى في وعي المسلم أحياناً بفعل ما بذله أعداء الإسلام، وبفعل تقصير المسلمين عن الجهاد بالكلمة والعمل على السواء.

     قال الله تعالى: {فَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۚ} [الحج: 87]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفْسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ} [العنكبوت: 6].
*****

فلسطين حقنا الديني

فلسطين حقنا الديني

     نحن -المسلمين- نطالب بفلسطين من قبل ومن بعد؛ باعتبارها من حقنا الديني التاريخي الذي لا يقبل أية صورة من صور المساومة أو التهاون أو أنصاف الحلول على الإطلاق. ويطالب يهود اليوم بفلسطين بدعوى أنها البلد الذي ظهر فيه "أنبیاؤهم"، ووعدتهم به "توراتهم"، وقام فيه "هيكلهم" المندثر.

     وهذه دعوی باطلة زائفة بمقياس الدین القويم، والتاريخ الأمين، والبحث العلمي المجرد. یریدون أرض الأنبیاء الذين عصوهم وكذبوهم، وقتلوا من استطاعوا منهم، ونسجوا الاتهامات الباطلة ضدهم، فخرجوا بذلك على دينهم، دين التوحيد الخالص، دين الإسلام: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21]، وقال تعالى: { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61]، وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]، {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].

     هذا كلام الله في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن اليهود اليوم یكفرون بكلام الله، ويستندون في دعواهم بفلسطين إلى توراتهم المحرفة، فماذا يقولون عن أنفسهم فيها؟ إنهم يتحدثون عن الأنبياء بصورة لا تقف فيها جريمة التحريف عند حد من الخجل أو الحياء، ويتحدثون عن مواقفهم من الأنبياء بصورة لا تبدو دعواهم تلك في إطارها إلا كحلقة جديدة من حلقات الكفر والعصيان والعدوان والتحريف. يطالبون بأرض الأنبياء والتوراة تصفهم – والإنجيل – في مواضع عديدة بأنهم "قتلة الأنبياء"، و"أولاد الأفاعي"، وأنهم "زناة"، و"رقابهم صلبة"، و"ملعونون بكفرهم"...

     تقول التوراة الحالية: "وقال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقاب"، وتقول: "إن الله قال: اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفقهوا، وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلِّظ قلب هذا الشعب، وثقِّل أذنيه، واطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويفهم بقلبه".

     وتقول "وصار مرشِدو هذا الشعب مضلين ومرشَدوه مبتلَعين، لأجل ذلك لا يفرح الرب بفتيانه، ولا يرحم يتاماه وأرامله لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شر".

     وتقول: "قال الرب إله إسرائيل: هأنذا جالب شراً على أورشلیم ويهوذا، وأدفعهم إلى أيدي أعدائهم فيكونون غنيمة ونهباً لجميع أعدائهم لأنهم عملوا الشر في عيني".

     وتقول: "هأنذا جالب الشر على هذا الموضع وسكانه، من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل عمل أيديهم، فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ".

     وتقول: "وجعلت يهوذا وسكان أورشلیم يزنون کزنا بیت آخاب، هو ذا يضرب الرب شعبك بیتك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة".

     أبهذه الدعوى "الدينية" تطالبون يا بني إسرائيل بأرض فلسطين الطاهرة!؟
*****

فلسطين جزء من دار الإسلام

فلسطين جزء من دار الإسلام

     قضية فلسطين لدى الأمة الإسلامية قضية جزء من دار الإسلام اغتصبه أعداء الإسلام، ولا يجوز أن يكون هدف السلم فيها أدنى من تحرير فلسطين كاملة واستعادتها لحظيرة الإسلام.

     والداعية المسلم اليوم في معركة مصيرية، يجد نفسه في إطار هذه القضية منها وحده إلى جانب الحق ضد أعدائه سواءً الذين اغتصبوا الأرض واستعمروها بغير الحق ويهوّدونها يوماً بعد يوم، أو مَن يدعمونهم دعماً مباشراً من مختلف الجهات الصليبية والشيوعية واليهودية العالمية، كما يجد نفسه في مواجهة أولئك الذين يهبطون بالقضية من مستواها الحقيقي كقضية صراع بين الحق والباطل، بين الإسلام وأعداء الإسلام، وقضية تحرير كامل من النهر إلى البحر بالإسلام ومن أجل الإسلام، إلى مستوى آخر، قد تختلف فيه الشعارات والأهداف المعلنة والوسائل المتبعة أحياناً، ولكن لا تختلف فيه النتائج إطلاقاً.

     فهذا يسميها مشكلة "الشرق الأوسط"، وذاك مشكلة النزاع العربي الإسرائيلي، وثالث مشكلة دولية. هذا يحولها إلى مشكلة لاجئين يبحثون عن موطن، وذاك إلى مشكلة حدود ومستعمرات، وثالث الى مشكلة أمن.

     وقد تصل الشعارات المعلنة فوق هذه المسميات وسواها الى أقصى مدى لها فتطالب بالتحرير الكامل، ولكن من أجل أن تسود في فلسطين سیادة غريبة جديدة، تأباها فلسطين، ويأباها إسلامها وتاريخها. وتلعب الشيوعية الدولية والمحلية خاصة بهذه الشعارات دوراً متفاوتاً تفاوت المواقف السياسية الآنية، وتفاوت ما يبتكر للشيوعية من نعوت وأسماء، يتوارى البعض وراءها عن مكر مقصود، وينخدع البعض الآخر بها عن جهل أو وهم، والشيوعية العالمية والمحلية وراء إسرائيل، كانت وراء إيجادها وما تزال وراء إبقائها.

     قضية فلسطين لدى الأمة الاسلامية جزء من قضية الإسلام والمسلمین الكبری في هذا العصر، لا يجوز فصله عنها بحال من الأحوال. ومن هنا فهي ترفض من يقول بالعمل تحت راية هذه الفئة أو تلك، تحت راية هذا الاتجاه أو ذاك في خدمة هذا النظام الخادم للرأسمالية أو ذاك الخادم للشيوعية. ترفض من يقول بذلك بدعوى التقاء "ظاهري" في أهداف مرحلية معلنة. كما ترفض كل الرفض المواقف الهزيلة وإن كانت بشعار يتعذر بالإمكانات؛ فالإمكانات أعظم مما يتصورون، أو يتحجج بالواقع؛ فالواقع مرفوض أصلاً وغير شرعي قطعاً.

     لا بد أن تكون قضية فلسطين في وعي الأمة الإسلامية ووجدانها، في قلب كل فرد وفكره في وجود الأمة بأسرها قضية إسلامية خالصة، وهدفها فيها التحرير الكامل واستعادة الأرض السليبة؛ بالإسلام بمنهجه ووسائله، ومن أجل الإسلام، من أجل أن يسود فلسطين وسواها من أراضي المسلمين في كل مكان دیناً شاملاً لسائر جوانب الحياة الدنيا والآخرة، ورسالة إلهية خالدة للناس كافة.
*****

بطلان حق اليهود في أرض النبوات

بطلان حق اليهود في أرض النبوات

     أية دعوى أشد بطلاناً في منطق الدين والحق والتاريخ من دعوى اليهود بأرض أنبیاء، وقد أقروا بأنهم عصوهم وقتّلوهم واتّهموهم ونسجوا الأساطير عنهم؟ أية دعوی أشد بطلاناً من ذلك إلا دعوى المجرم يقتل صاحب البيت، ويسلب ماله، ويشهر بسمعته، ويعترف بجريمته، ثم ينادي: إن البيت أصبح من حقه!؟ أم أن يهود اليوم يدّعون الإيمان وبنو إسرائيل الأولون هم الكافرون؟ بل إن يهود اليوم أشد كفراً وفسوقاً من يهود الأمس، إلا أنهم لا يجدون من يقتلون من الأنبياء، فيقتلون الأطفال والشيوخ والنساء في "دير ياسين" و"الكرامة" وحول المسجد الأقصى..

     تلك هي التعاليم التي وضعوها، واتبعوها في طريق الكفر والفساد والإفساد.. مثال واحد يصور القليل من الكثير، مثال من كتاب "صلاة اليهودي" الذي يعلمهم في يوم "کیبور" يوم عيد الغفران كما يسمونه، أن اليهودي مغفورة سائر خطاياه بلا قید ولا شرط.. "مغفور له الافتراء والعنف والاغتصاب واضطهاد الجار وخیانته"!.. مغفور له الجحود والكذب وشهادة الزور والمشاكسة والوقاحة!.. مغفور له التكبر والغطرسة والأيمان الكاذبة!.. مغفور له الاختلاس والسرقة والابتزاز والربا!.. مغفور له الزنا الجماعي وسفاح القربی"!.. والله تعالى يقول: { وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَۚ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [المائدة: 52]، ويقول الله تعالى: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79].

     دعواهم باطلة، وبطلانها مسجل بمداد من دماء الأنبياء الذين قتلوهم على تراب فلسطين الذي دنّسوه ويلعنهم، باطلة لا يُقِرُّ بها إلا فاقد للوجدان، کافر بالدين، وحقنا الديني مسطور في تاريخ الأنبياء بحروف من نور الإيمان بهم جميعاً لا يعمى عنه إلا فاقد البصر والبصيرة.

     إنه الحق الديني المتصل الحلقات من مولد إبراهيم عليه السلام إلى يوم الإسراء والمعراج. {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَاۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

     الحق المتصل الحلقات من يوم بعث موسی فبشَّر بعيسى، فبعث عیسی فبشر بمحمد عليهم صلوات الله وسلامه، إلى يوم بعث محمد ﷺ فبشر بفتح فلسطين أرض الأنبياء، وما زال يذكر بیت المقدس فيها حتى فكر الصحابة الكرام بدفنه فيه بعد وفاته، متصل الحلقات من يوم فتح طالوت وداود بیت المقدس مع عصبة مؤمنة تقول: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].
*****

الصهاينة في فلسطين

الصهاينة في فلسطين

     من المعروف أن الصهاينة في فلسطين المحتلة يسعون فيما يسعون له إلى أمرين يكمل أحدهما الآخر فيما يهدفون إليه:

     الأول: أنهم يحاولون القضاء على الآثار والمقدسات الإسلامية شيئاً فشيئاً، ليستأصلوا بذلك الوجود التاریخي للإسلام والمسلمين. ويظهر هذا جلياً في مدينة القدس بشكل خاص، فهم يزيلون بعض المقابر فيها، وهم يهدمون بعض الأحياء ذات الشكل الإسلامي، ويهدمون بعض المساجد بحجة التوسعة، وما إلى ذلك.

     والثاني: أنهم يحاولون دائماً اختلاق حقوق تاريخية لهم في فلسطين، ودائمو الحديث عن آثار لهم فيها، ودائبو العمل على تضخيم هذه الآثار أمام الرأي العام اليهودي والأجنبي على السواء.

     هذان الأمران اللذان يقوم بهما الصهاينة في فلسطين، إنما يهدفون منهما في آخر الأمر إلى بتر صلة فلسطين بتراثها وتاريخها الاسلامي، وربطها بتاريخ مزعوم للتراث اليهودي.

     إن الصهيونية دائبة على تغيير الأماكن الأثرية المسلمة في فلسطين للقضاء عليها، وهي دائبة على تغيير کتب التاريخ المدرسية المقررة على الطلبة العرب الفلسطينيين بما يؤكد مزاعمها، ومن المعروف أنها تسعى منذ أسر القدس في عام الهزيمة والعار إلى البحث عما تسميه هيكل سليمان عليه الصلاة والسلام، وقد اختارت أن تبحث عند أسوار المسجد الأقصى، لتسهم هذه الحفريات في زعزعة بنائه تمهيداً لهدمه أو إحراقه، ونحن نعرف أنها حاولت إحراقه عام 1389هـ/1969م.

     هذه المحاولات الصهيونية الدؤوبة التي تشمل فيما تشمل إحراق المسجد الأقصى أو هدمه، وإقامة هيكل ينسبونه لسليمان عليه السلام، وكثير أمثالها، تدل على أن الصهيونية ذات وعي دقيق بأهمية التاريخ في حياة الأمم، لذلك هي تحاول استئصال التاريخ الإسلامي في فلسطين، في الوقت الذي تنشئ لنفسها تاريخاً فيها، من الزيف والكذب، ومن أطلال قديمة، ومن فترة تاريخية قصيرة لا تعد شيئاً في عمر الزمان، كان لليهود فيها شيء في فلسطين، ثم تفرقوا أيدي سبأ في مختلف مناطق العالم.

     إن الصهيونية بما تفعله من ذلك، تحاول صبغ فلسطين بالصبغة اليهودية وإظهارها أمام الأجيال اليهودية الناشئة، وأمام العالم بتلك الصورة، على أمل إقناع الجميع بأن فلسطین یهودية تماماً، يدل على ذلك تاريخٌ قديمٌ وآثار، وصبغةٌ يهوديةٌ حالية.

     إنه درس تاریخي سیاسي في غاية الأهمية، ترى هل نحسن الانتفاع منه!؟
*****

اليهود وفلسطين

اليهود وفلسطين

     لا يخطئ المرء أن يلحظ عناية اليهود في فلسطين بدينهم ولغتهم وتاريخهم عناية بالغة، والشواهد التي تؤکد عنايتهم هذه كثيرة جداً. وفي إطار عنايتهم هذه قاموا بنشاطات كثيرة، بعضها له أصل وجذور، وكثير منها تزييف محض خالص، واختراع واختلاق.

     والحق أن اليهود قاموا من أجل هذا التزييف بجهود كبيرة، وهم يسعون من أجل ذلك، منذ دهر بعید بدأب وإصرار. فلقد سموا كيانهم المسخ باسم "إسرائيل" على اسم نبي الله يعقوب عليه السلام الذي يزعمون أنهم إليه ينتسبون، وهم ابتدعوا حكاية جدار المبكى وهو أحد جدران المسجد الأقصى، وأخذوا يتوافدون للبكاء على مجدهم المزعوم منذ القرن الماضي حتى جعلوا ذلك تقليداً دينياً لهم يبدو كأنه موغل في القدم. وهو في الحقيقية يرجع إلى أيام ولاية محمد علي باشا حاكم مصر على الشام حين ضمها إلى حكمه.

     وللجيش عند اليهود حاخامات دینیون كبار يملؤونه بالأباطيل اليهودية، ويشرفون على ذبح الأنعام له وفق عقيدتهم، وقائد أحد قواتهم عام (1967م) ينفخ في البوق متأسیاً بفعل أحد أنبيائهم كما جاء في التوراة، وقد نشرت صور لجنودهم في العام نفسه، يظهر فيها بعضهم في باحة المسجد الأقصى المبارك، وهم يحملون السلاح بيد، والتوراة باليد الأخرى، كما يظهر بعضهم الآخر وهم يرتلون شيئاً من التوراة في صحراء سيناء وقد ظهر عليهم الخشوع.

     وأضف إلى ذلك عناية اليهود الفائقة باللغة العبرية، فقد أحيوها من بين الأنقاض، ونهضوا بها بعد أن خرجت من دنيا الاستعمال، ونسيها اليهود أنفسهم، وظلت بين أحبارهم وقادتهم الدينيين فحسب. لقد عادوا بها إلى الحياة، واستعملوها في الجيش والتعليم والإذاعة والصحافة والبحث العلمي، وفي كل مكان، وهم يشترطون اليوم على كل من يهاجر إلى فلسطين من يهود العالم أن يختار لنفسه اسماً عبریاً.

     إذا كان علينا أن نتعلم من تاريخنا فقد عرفنا أن النصر كان حليفاً لنا دائماً حين نتمسك بإسلامنا، وإذا كان علينا أن نتعلم من تاريخ العدو ومما يفعله الآن، فلنعلم مما يقوم به اليوم من حرص واسع على التراث، أهميةَ التراث في حياة الأمم، فلنعد إلى تراثنا الذي شكله وصاغه الإسلام، لنتشبث به، ونحرص عليه، ونصوغ حياتنا على هديه ونوره، وننتزع الفوز بإذن الله بانطلاقنا من عطائه الخيّر المبارك.
*****

نكبة القدس

نكبة القدس

     ظل بسبب نكبة القدس مهموماً محزوناً غارقاً في حوار داخلي مع نفسه، وظل في أشجانه التي لا تفارقه ليل نهار، يبحث عن مخرج ومنقذ. ظل كذلك حتى كان ذات يوم أمام صورة للمسجد الحزين الأسير، فأحس كأنها تنادي وتقول: "إليَّ إليَّ أيها المجاهدون!.. بالجهاد کنت لكم من قدیم، وبالجهاد لكم سأكون".

     عندها أحس الرجل أنه قد عثر على مفتاح الأقفال والأغلاق، إنه الجهاد.. وارتحل من بلاده صوب الأرض التي سرقتها یهود في غفلة من الشرفاء والمجاهدين، قاطعاً طريقه الطويل، وفي خاطره مثل هذا الحديث:

     يا قدس لا تحزني طويلاً، فلا بد أن يذهب الليل ليأتي النهار، ويرحل الظلم لیظهر العدل، ويهزم اليهود ليحكم المسلمون. ليست هذه هي المرة الأولى التي وقعت فيها أسيرة بيد الأعداء، فلا بد أن تذکري هجمات الصليبيين الذين حكموك قرابة قرن من الزمان، ومنعوا في سمائك الأذان. ولكن العاقبة كانت للحق، لقد أشرقت الشمس، وهربت الجرذان، وتوارت الفئران، واختفى البوم، وولت الغربان، ذلك أن فجراً للإسلام قد بدأ، وعاد الغزاة إلى ديارهم مخذولین مقهورين، وعدتِ مرة ثانية لأبنائك المسلمين يفدونكِ بالمهج والأرواح، عاد إلى مسجدك المصلون، وعلت تكبيرات العباد وارتفع عالياً صوت الأذان.

     إننا حين نبكيك اليوم، لا نبكي بدمع اليائس الحزين الذي سقطت همته، وخذلته عزيمته، وخارت قواه، فاستراح إلى دموعه. ذلك أن الإسلام العظيم قد علمنا أن اليأس حرام، فرحمة الله واسعة، ونصره من المؤمنین قريب. لكننا نبكيك بالدمع الشجاع الأبي، المتألم المؤمّل، الواثق الصبور.

     بقلوب هدّها تلاحق الآلام؛ لكنها لم تمت، بنفوس أذهلها طغيان اللئام؛ لكنها ما استكانت، بأفئدة أحزنها نسيان الصديق ومكر العدو؛ لكنها ما هانت.

     الأمة المسلمة التي طلعت على الدنيا بهدى الله فحملته إلى أصقاع الأرض، ووعت أمانة المسؤولية، وقوامة الشهادة، والوصاية على الناس، فأدت ذلك أحسن ما يكون الأداء، وأبلغته أكرم ما يكون الإبلاغ.

     الأمة التي استقامت على أمر الله فنصرها الله، والتزمت دينه وشريعته، فرزقها القيادة والسيادة ومكّن لها في الأرض.

     هذه الأمة القوية الإيمان، الباذخة البنيان، المهتدية بالقرآن، التي امتدت إلى كل مكان، وشرفت في كل زمان.

     هذه الأمة العريقة الشمّاء، الكريمة المعطاء، ستثأر للأقصى الجريح، تطهره من رجس یهود وبغیها وطغيانها، وتقيم في أرض الإسلام حكم الإسلام، منارة للحق والعدل، والهداية والإيمان.. سوف تجتاح باطل یهود، بعد أن تجتاح في نفسها عوامل الهزيمة والمبادئ الضالة التي سببتها، وتنطلق بالإسلام على هدى الله وبرکته ليكون لها النصر العزيز فتكمل هي شروطه، وصدق الله العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
*****

مأساة القدس

مأساة القدس

     من أعماق المصيبة والنكبة، ومن فداحة الجراحات، ومن الأمل المضيء جاءت هذه النجوی من ذلك الذي كان بعيداً من مكان الكارثة حين سمع بسقوط بيت المقدس في حزيران، حزن الرجل أشد الحزن، واتصلت آلامه ليل نهار، فهو مرهق متعب مكدود، وأخذت الأسئلة الكثيرة الحيرى تنداح في فؤاده، وحين تمثل إجابتها في خلده، كان بين ألم وأمل، حزن ورجاء، مرة يقسو على الأمة الإسلامية، ومرة يلتمس لها المعاذير.

     ويلتفت صوب القدس ليرى فيها صورة المأساة الكبرى التي حلت بالمسلمين، وينظر صوب المسجد الأقصى فيكاد يبكي لولا بقية من حياء. وكان عظيم اليقين، ثابت القناعة أن المأساة إنما كانت من صنع الطغاة والكذابين، والخونة والمجرمين، وأن الإسلام بريء من هذا الضياع، ذلك أنه لم تتح له الفرصة للقتال في تلك الحرب لذا كانت الهزيمة وكان العار.

     أخذ ينظر الى المسجد الأيسر ويردد في خلده، والله ما أضاعك الإسلام الذي ثبت منك العماد، ولا القرآن الذي بناك بالهدى والرشاد. ما أضاعك المؤمنون، وما فرط فيك الصادقون. لقد كنت من قبل للدين قبلته الأولى، ومسجده الشريف. في رحابك الطاهرة أَمَّ رسول الله ﷺ الأنبياء الكرام جميعاً في صلاة صادقة طهور.

     وعلى أرضك الشريفة سجدت جباه الخاشعين، وفي صدی تاریخك العميق أصوات المجاهدين، وهتاف الفاتحین، وصليل السيوف، وقتال الزحوف، وهجوم الصفوف.

     كأن عمر بن الخطاب ما قطع الفيافي والقفار، في رحلة طويلة شاقة ليدخل القدس خافق الطرف، خاشع القلب، ذاکر اللسان، شاكراً لله فضله العظيم. وكأن صلاح الدين ما خاض الغمار، وما جمع الجيوش من كل ناحية ليخوض المعارك هنا وهناك، ويتوّج جهاده المبارك بمعركة حطين، لينفي عنك الأحزان والأشجان، ويبعد عنك الخبث والأدران، ويرفع من جديد في المآذن العالية نداء الأذان.

     كأن المنائر التي صدحت بالنداء الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" حزينة والهة ثكلى، كأن أيام الجُمع الزاكية الوضاء لم تقم على مدى أزمان وأزمان.

مررت بالمسجد المحزون أســــــأله     هل في المصلى أو المحراب مروان
تغيـــر المسجد المحزون واختـــلفت     على المنــــابر أحرار وعبـــــــــدان
فــــــــلا الأذان أذان في منـــــــارته     إذا تـعــــــــــــــــالى ولا الآذان آذان

     كأن قروناً من النسيان طويلة ممتدة، قامت بين الجهاد الصادق والمأساة الدامية، كأن أمجاد التاريخ ومفاخر المسلمين حلم عابر ما أشرق حتى غاب، وما أسفر حتى رحل.
*****

أطماع اليهود في فلسطين

أطماع اليهود في فلسطين

     في بعض الأحيان تحمل الظروفُ الإنسانَ على تكرار الحديث في أمر بات في غاية الوضوح والجلاء، ذلك أنه يجد أن البديهة المنطقية الأولية يتجاهلها أو يجهلها كثيرون. وحين يكون الأمر متصلاً بقضايا خطيرة مصيرية مهمة جداً يصبح الحديث عنها ضرورة مؤكدة. ولعل أطماع اليهود في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين مما يجدر أن يتكرر الحديث عنه ويعاد خاصة في هذه الظروف العسيرة الشاقة.

     وينبغي أن نقرر ابتداءً وبجلاء تام أن أطماع اليهود لا تنحصر في فلسطين فقط، بل تتعدّاها إلى غيرها من البلاد. وقد صرّح بن غوريون في مطلع الخمسينات أن فلسطين ليست وحدها هدفهم، إنما هي جسر سيعبرون منه إلى أهدافهم البعيدة.

     وقبيل الحرب العالمية الثانية وسّطت اليهودية العالمية الرئيس الأمريكي لدى المغفور له الملك عبد العزيز ليسمح لليهود بالعودة إلى خيبر وتيماء ووادي القرى وبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع لأنهم يعتبرون هذه المواطن لهم. وقد رفض المرحوم مشكوراً مأجوراً هذا الطلب العدواني الماكر.

     وفي عام 1967م؛ قال موشي دايان حين دخل القدس: إننا الآن في أورشليم، ونحن في طريقنا إلى يثرب وبابل.

     وفي عام 1949م؛ نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب الأمريكي "بن هخت" جاء فيه: إن العرب لن يرضخوا إلا إذا أرسلنا حملة عسكرية لتهدم المدينة المنورة، وتنبش الضريح الكريم.

     ولم يعد اليهود يكتفون بشعارهم القديم: "حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل"، فنشروا خريطة جديدة لأطماعهم التوسعية، تشمل جميع منابع البترول ومعظم الجزيرة العربية.

     ومن أهم مطامع اليهود أنهم يريدون أن يجعلونا في بلادنا خدماً وعبيداً لهم، يأخذون موادنا الخام ليصنّعوها ويبيعوها لنا، يأخذونها بأبخس الأثمان، ويصدّرونها بأغلى الأثمان، هم القادة والساسة ونحن الأتباع، هم أصحاب المصانع والمعامل والشركات ونحن اليد العاملة المنفّذة. يريدون أن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الاقتصادي ليستعمرونا مالياً بعد استعمارهم إيانا عسكرياً، وأن تكون بلداننا مفتوحة لنشاطهم الثقافي ليطمسوا به على معالم ثقافتنا وشخصيتنا وتراثنا، ولينشروا بيننا سموم أفكارهم الشاذة الضالة المضلِّلة في شتى ميادين الحياة.

     باختصار؛ إنهم يريدون بعد أن نهبوا عسكرياً جزءاً عزيزاً من ديارنا، أن يروّضونا على قبول هذا النهب باسم الصلح، وأن يواصلوا عملية نهبنا في كل ميدان، نهباً اقتصادياً ومالياً، ونهباً للموارد والثروات، ونهباً للثروة البشرية بتوظيف طاقاتها في خدمة أحلامهم، ونهباً أخلاقياً بإفساد أخلاقنا وإضاعة قيمنا وإشاعة المباذل والمفاسد والانحرافات فينا، ونهباً عقيدياً بعزلنا عن عقيدتنا الصحيحة، وإحلال بدائل ضالة خاطئة عنها، ونهباً فكرياً بإهدار عقولنا وقيادتنا إلى متاهات فكرية شتى بغية إضاعتنا وتضليلنا.

     إنهم يريدون أن ينهبوا منا كل شيء طيب، ويُحِلُّوا بدلاً منه شيئاً سيئاً، ومن كان في شك من ذلك فليقرأ "بروتوكولات حكماء صهيون".

     قال أديب مفكر ذكي: ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة..

     ومِثْل ذلك نحن نؤكد ونجزم ونقول: إن أخطار السلام والصلح مع اليهود أفدح بكثير جداً من أخطار الحرب والقتال.
*****

قضية فلسطين

قضية فلسطين

     يبدو نوعاً من التكرار الذي لا بد منه، أن يؤكد المرء أن قضية فلسطين قضية إسلامية، تعود في جذورها وترتبط في تفاعلاتها سلباً وإيجاباً بالتاريخ الإسلامي من ناحية، وبمدى التزام المسلمين بإسلامهم ووعيهم لأهمية الجهاد من ناحية أخرى.

     وقضية فلسطين هي الشكلُ الأكثرُ تفجّراً للهَجْمَةِ الصليبية التي اتخذت شكلَ الاستعمار الأوربي الحديث الذي جزّأَ العالمَ الإسلامي وقطّعه أوصالاً، وكانت ذروة ما فعل في ذلك إسقاطه للدولة العثمانية التي أخّرت الاستعمارَ الأوربي الذي قدم من إسبانيا والبرتغال، ثم من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا قروناً عديدة.

     لقد أدركت بريطانيا خاصة، وأوربا عامة أن وحدةَ العالم الإسلامي المرتكزة على عقيدته، تشكل قوةً هائلة له تحميه من أن يُبْتلع، وتمنحه إمكانيةَ التقدم والامتداد، لذلك حرص الأوربيون على القضاء على تلك الوحدة، وإضعاف تلك العقيدة، وكانت لهم في ذلك خطط وأفكار كثيرة، عبّر كارل بنيزمان عن بعضها في عام 1907م، حين قال أمام لجنة الخبراء:

     يجب أن تفكروا في هذا الخطر الماثل في العالم الذي يقعُ على شواطئ المتوسط الجنوبية والشرقية من مصر إلى الإسكندرونة مروراً بغزة، ويمتد غرباً حتى الرباط، وشرقاً حتى خليج البصرة. هذا العالم الذي يملك كل مقومات الوحدة يجب أن تفكروا في غرس جسم غريب بين شطريه. جسمٍ غريبٍ يفتت وحدته، وقويٍ يجعله في حربٍ دائمة لا تتيحُ له الفرصةَ لاستغلال طاقات وثرواته.

     والتقت أفكار هؤلاء الصليبيين بأفكار اليهودية العالمية ومطامعها، وجمعت المصلحة الواحدة المشتركة بين هؤلاء وهؤلاء، فكان أن أقيمت إسرائيل، جسماً غريباً في قلب وطن واحد يمزّقه ويفصل بين شطريه الكبيرين، الآسيوي والأفريقي، ويستنزف طاقاته، وينفي عنه الأمن والهدوء والاستقرار، ويخطط لاستعماره فكرياً واقتصادياً وأخلاقياً وفي كل ميدان آخر، حتى يكون أهل هذا الوطن خدماً لليهود، تقوم على جهودهم التي يوظّفها اليهود لصالحهم معالم الإمبراطورية الكبرى التي يريد اليهود -لا أنجح الله مسعاهم- بناءها.
*****

الأكثر مشاهدة