الخميس، 7 سبتمبر 2023

فلسطين إسلامية

فلسطين إسلامية

     إن فلسطين إسلامية، وستظل إسلامية بالرغم من كل المحاولات الآثمة التي تحاول أن تسلبها من أمة الإسلام والمسلمين.

     حقاً إن فلسطين هي اليوم قد خرجت من أيدي المسلمين، لكنَّ لها عودةً لا ريب فيها قط إلى الراية المسلمة بإذن الله، فذلك هو وعد المصطفى ﷺ، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.

     وليست هي المرة الأولى التي تخرج فيها فلسطين من أيدي المسلمين، فلقد أسرها الصليبيون قرابة قرنين من الزمان حتى تم إنقاذها على مراحل، والقدس نفسها ظلت نصف هذه المدة تقريباً أسيرة، وحُوِّل مسجدها الأقصى المبارك إلى كنيسة، لكن الأمة المسلمة المنجبة الولود ما لبثت أن أخذت تقدم قادة حركة الجهاد والاسترداد، عماد الدين زنكي، ثم ولده نور الدين محمود، ثم صلاح الدين الأيوبي إلى آخر سلسلة الجهاد المباركة، وظل الجهاد هو سبيل الأمة الحقيقي والوحيد إلى الإنقاذ، وتوالت الجهود، حتى تكللت بالظفر الأكبر يوم قصم صلاح الدين ظهور الصليبيين في حطين، ثم جاء مِنْ بعده مَنْ تابع المسيرة حتى اتم إنقاذ فلسطين كلها وأعادها للإسلام والمسلمين.

     ولا بد من يومٍ قادم، يوم تسلك فيه الأمة سبيل الجهاد بعد أن استيقنت أن كل السبل الأخرى تقودها إلى مزيد من الهزائم، وعندها ستكون حطين أخرى، وسيكون قادة آخرون كصلاح وغيره ممن يُعْلون كلمة التوحيد، ويقودون الأمة في الطريق الصحيح، طريق الإيمان والجهاد، الذي يقودها نحو سعادتيها في الدنيا والآخرة.

     ويومها يسقط باطل اليهود الزائف أمام حق المسلمين الصراح، وتطوى راية التلمود أمام راية القرآن، وتفرّ جرذان اليهود أمام بطولة المسلمين، ويفلّ جيش أحفاد قتلة الأنبياء ومحترفي الربا وتجار الخنا أمام جيش أحفاد سعد وطارق، والمثنى وعقبة، وعمرو وخالد.

     يومها تسقط الكلمة الآثمة المحرّفة الشريرة، وتعلو كلمة الإسلام الخالدة: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؛ مضمّخةً بالعطر، مُطيّبةً بالشذا، فوّاحةً بالنور والهدى، متوضئةً بزمزم، معطرةً بجلال مكة وشموخها واستعلائها، وجمال المدينة وروعتها وإشراقها.
*****

خطر اليهود في فلسطين

خطر اليهود في فلسطين

     حذر السيد روحي الخطيب أمين مدينة القدس المسلمين من الخطر المتزايد للحفريات الصهيونية على المسجد الأقصى المبارك، وتجري حفريات اليهود حول الحائطين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى والأروقة المجاورة له داخل الحرم الشريف في أربعة مواقع، وبعمق (20) متراً، وقد تضمن التقرير الذي أعدّه السيد روحي الخطيب تفاصيل الاعتداءات اليهودية التي باتت تشكل خطراً مباشراً على المسجد الأقصى وربما على مسجد الصخرة كذلك.

     إن النذير الذي أطلقه السيد الخطيب يجب أن يأخذه المسلمون مأخذ الجدية التامة والعناية اللازمة؛ خاصة بعد أن بلغت حفرياتُ اليهود مرحلة خطيرة تهدد أساسيات المسجد الأقصى والصخرة المشرّفة.

     وإنَّ إصرار العدو اليهودي في حفرياته هذه دليل على خطته الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة، وبرهان على أنه لا يبالي بمشاعر مئات الملايين من المسلمين، ولا يأبه بقرارات المنظمات الدولية في قليل أو كثير. وهذا ما يؤكّد أن السبيل الوحيد لردعه عن غيّه وطغيانه هو سبيل القوة فحسب من خلال جهاد إسلامي دؤوب.

     إن اليهود أحرقوا المسجد الأقصى من قبل، وهم سيحاولون القضاء عليه بمحاولة جديدة لإحراقه أو تهديمه بطريقة خفيّة، أو انتظار سيل عارم أو كارثة ما تحلُّ به فتهدمه بعد أن مهّدوا السبيلَ لذلك، وجعلوه بحفرياتهم التي صدّعت أساساتِه يَضْعُفُ باستمرار ليكونَ تخريبُه في المستقبل بكارثة حقيقية أو مفتعلة أسهلَ لا سمح الله.

     إن عبرةَ تاريخنا مع اليهود تكشفُ أنهم شعبٌ مخادع ماكر خسيس في خصومته، واسعُ المطامع، عميق الأحقاد، وأنه لا يتورع عن عمل أي شيء قط إذا واتته الفرصة، والأسلوب الوحيد الذي يجعله يخاف وينكمش هو أسلوب القوة، فَلْنُجابِه عدوانَه المستمر بالقوة الشجاعة من خلال جهاد مؤمن صبور، لا يرضى أن يتوقف حتى يحرر جميع الأرض المسلمة التي دنّسها طغيان اليهود قاتلهم الله!..

     وَلْنَعْلَمْ أن كل أسلوب سوى الجهاد مع اليهود إنما هو انحرافٌ عن السبيل، وإضاعةٌ للعمر والجهد، وبناءٌ كاذبٌ على أرضٍ من ملح سرعان ما يذوب فيتساقط البناء.
*****

أيتها القدس الغالية! (12)

أيتها القدس الغالية! (12)

     أيتها القدس الغالية!.. أود أن أهمس في أذنك ألّا تيأسي، فإن في الأمة المسلمة خيراً كثيراً، بل إن في هذه الأمة المسلمة يا قدس، حتى في أشد أوقات التيه والظلمة والحيرة، بقية صالحة، لم تتحير عندما اشتد الظلام، ولم تضطرب حين جزع الناس، ولم تنحرف حين فشا الفساد، لم تَزِلَّ بها الأقدام إلى وهدة الانحدار وهاوية الضياع، احتفظت بولائها لدينها وقرآنها حينَ تعاظمَ أمرُ الجاهلية، وقوي سلطانها، وانتشرت راياتها، ودقّت طبولها. ووجود مثل هذه البقية الصالحة المؤمنة الصابرة، سر من أسرار الله تعالى في هذه الأمة وفي هذا الدين.

     وهذه البقية الصالحة المؤمنة هي أمل الإنقاذ إن شاء الله، لأنها قبس من شعلة الإيمان، ونحن بالإيمان نعلو ونغلب ونسود، والإيمان هو مفتاح شخصيتنا وصانع مجدنا، وباني حضارتنا، وجامع شمل أمتنا، وموئل فخارنا وشموخنا.

     وإن في الدروس المستفادة من حرب رمضان المبارك، ما يشهد بصدق هذه الحقيقة أيتها القدس العظيمة الخالدة، فقد كان للإيمان أثره الملموس، ولقد كان للنداء الخالد "الله أكبر" دوره الكبير في تثبيت المؤمنين، وزلزلة يهود، وهو أمر شهد به حتى غير المسلمين.

     وقد تتساءلين يا قدس: وإذن لماذا لم يكن النصر المؤزر والفوز المبين، والفتح المنتظر، والنجاة من رجس يهود!؟

     والجواب يا قدس: أننا لا نستحق من الظفر إلا ما يساوي حَجْمَ صحوتنا وعودتنا إلى ديننا. وها هي عودة جزئية فقط قد زلزلت أركان العدو وكادت تطيح به. إذن كيف لو أن عودةً كبيرة إلى ديننا سادتنا؟ لا ريب أنه الدمار لليهود إذ ذاك، والقضاء على كيانهم الغادر الغشوم، وإنّا لتلك العودة الكبيرة، والأوبة المؤمنة لمنتظرون، وإن يقيننا بها ضخم كبير، وثقتنا بها لا حد لها.

     لا تيأسي يا قدس، فلا بد أن تعودي إلى الراية المسلمة عزيزةً غالية، وستطوي كلمةُ الإيمان كلَّ محاولاتِ الاستسلام والخنوع، وكلَّ مَنْ يحاول أن يفرّط في أرضك الطهور، ويمكّن فيها لعدو الله الغادر ويمنح وجوده الظالم القهري فيها صفةً شرعية أو قانونية.

     وكما انطوت صفحة الصليبيين بالأمس على يد كرام مؤمنين؛ ستنطوي صفحة اليهود في الغد على أيدي كرام مؤمنين، يعملون وكلُّ ولائهم.. لا بعضه؛ لدين الله الخالد المحفوظ الغالب.
*****

أيتها القدس! (11)

أيتها القدس! (11)

     أيتها القدس الحبيبة الغالية!.. يا قدس الإسلام والمسلمين!.. سلامٌ عليكِ من الله ورحمة وبركة، سلامٌ عليكِ يا من بارككِ رب السماء، وعطّر رباكِ نور الأنبياء، وأعلى مقامكِ دم الشهداء.

     سلام عليكِ يوم افتتحكِ للإسلام والمسلمين الخليفة الراشد العظيم عمر بن الخطاب، وسلام عليكِ يوم استرجعك من الصليبيين السلطان العبقري المجاهد صلاح الدين الأيوبي. وسلام عليكِ يوم أسركِ اليهود في عام الخزي والهزيمة والعار!..

     ترى، هل طاب لك المقام بین أنذال یهود؟ هل قرّت عيناكِ بمرأى الجبناء يختالون متكبرين متتالين؟ ترى كيف أنتِ اليوم وقد خضبَتْ جدرانكِ الدماء، وازدحمت في شوارعكِ الأشلاء، وعاث في أرضكِ الدخلاء؟

     كيف أنتِ وقد عدا عليكِ الأنذال الجبناء، فبطشوا وفجروا، ولم يبق فيكِ إلا خائف محزون، وأسير مسجون، ومفزوع مكروب، وضائع مسلوب، ومسكين محروب، ومجاهد مؤمن صابر استعلى على البطش والطغيان، ومضى يجاهد في سبيل الله تعالى منتظراً إحدى الحسنيين؟

     كيف أنتِ وقد داس الدخلاء كرامة الحق، ودنسوا الفضيلة والشرف، وأبدلوكِ بالأمن رعباً، وبالطمأنينة فزعاً وهلعاً؟ ترى أوَ تقبلين بدلاً عن طهر الإيمان وجمال الأذان، وترتيلة القرآن، خبث اليهود وأدناسهم، ومكر الدخلاء وفجورهم!؟ هل يا ترى قبلت سلالة قتَلة الأنبياء الكرام بدلاً من أحفاد المهاجرين والأنصار!؟ وإخوان شيلوك وكوهين بدلاً من أحمد وحسن وصالح؟

     لا والله يا قدس ليس ذلك مما تفعلين!.. فأنتِ ما هُنْتِ ولا قبلتِ، ولكن نحن الذين هُنَّا وقبلنا يوم ابتعدنا عن ديننا. ما رضيت أنتِ الدون، ولكن نحن الذي رضينا يوم نأينا عن الإيمان. ما أبيتِ الجهاد ولكن نحن الذي أبيناه يوم رضينا القعود والتواكل والإخلاد.

     يوم الهزيمة.. نسينا الله عز وجل فوُكِلنا إلى نفوسنا، فإذا بها -وقد استغنت عن الدين- عجز وخواء وذلة وهوان، خواء فارغ لا يقوى على الجهاد لأنه وقد بعد عن الدين، بات مهترئاً منخوراً عاجزاً ذليلاً مهزوماً من الداخل؛ ذلك أن أفكار یهود قد تسللت إلينا قبل حرابها، وأخلاق یهود قد دخلتنا قبل سيوفها، وعقائد وفلسفات یهود قد اقتحمتنا قبل طائراتها.

     ويوم النصر سيأتي حين نأخذ العبرة من يوم الهزيمة، ونصحح موقفنا فعلاً، ونعود إلى الله حقاً وصدقاً، عندها سيكون النصر المؤزر الذي شهدت منه يا قدس في حرب رمضان بشائر فحسب، توازي تماماً حجم الصحوة الجزئية التي فاءت إليها الأمة، والتي نأمل أن تزداد وتتعاظم باستمرار إن شاء الله.
*****

يا قدس! (10)

يا قدس! (10)

     إني قادم إليكِ يا قدس إن شاء الله، قادم إليك فاتحاً غازياً منصوراً لأكون جندياً جديراً بالانتساب إلى الأمة الإسلامية، وأهلاً للجهاد تحت الراية القرآنية. إني قادم إليك يا قدس لأقوم بأداء المهمة الثقيلة التي ألقاها على كاهلي انتمائي إلى خير أمة أخرجت للناس.

     وإني أقسم لكِ يا قدس، أقسم بالله العلي العظيم أن في فؤادي حنيناً جياشاً إلى أرضك الطهور، حنيني إليك حنين الروض لماء القطر، حنين المسجد للأذان، حنين المؤمن لترتيل القرآن، حنين المغترب طال اغترابه ونأت أسفاره إلى داره وأهله وصحبه وذويه.

     أنتِ في قلوب المسلمين رجاء، وفي أفئدتهم دعاء، وفي عيونهم دمعة، وفي أخلادهم أمل، وفي ضمائرهم لوعة، وفي سرائرهم أمنية جياشة حارة..، ومنزلتك هذه الطاهرة العاطرة الأبية الكريمة ستدفعنا يا قدس بإذن الله لنكون رجالاً أوفياء شرفاء، يصوغون مواقف وفية شريفة، وهم في الطريق إليكِ سائرون، حتى يكتب لنا النصر المبين، یكتبه الله عز وجل بقدرته العظيمة الطليقة، ويصوغه قَدَرُه الغالب الذي لا يُرَد بسواعدنا المؤمنة المتوضئة.

     أتذكرين أيام الصحبة العفيفة، والرفقة الطاهرة!؟ أم أن السنوات العجاف تحت راية یهود قد فعلت بذاكرتك الأفاعيل!؟ أما أنا فأقسم أنكِ ما غبتِ عن حسي، ولا نأيتِ عن وجداني، وأنّی لي ذلك وقد شرفتُ بالانتساب إلى الإسلام الذي يعلمني أن الوفاء من شوامخ الأخلاق ونبيل السجايا!؟ وهل لي بعد ذلك إلا أن أكون وفياً لكِ والأقصى الحبيب أولى القبلتين وثالث الحرمين!؟

     يا قدس!.. منذ وعيت حقيقة إسلامي ومسؤولية إيماني؛ عرفت أن لكِ حقاً في عنقي أي حق، فاطمئني فإني مدرك تمام الإدراك كل ما عليَّ أداؤه إزاء حقكِ الكبير. سأزحف إليكِ في فتية مؤمنين ما عرفَتْهُم الأرض إلا ساجدین مستغفرين، في فتية لهم من الأصالة والنبل والتضحية والمضاء ما يليق بهم ليكونوا أول مواكب الإنقاذ:

في فتيةٍ لا تنالُ الأرضُ أدمعَهمْ     ولا مفــــارقَهُمْ إلَّا مُصلِّينـــــــا
لو لم يسودوا بدينٍ فيهِ منــــبهةٌ     للحقِّ كانَتْ لهُمْ أخلاقُهمْ دِینــــا

     فاصبري يا قدس الإسلام والمسلمين!.. فلا بد أن يطلع الفجر الصادق ليقضي على طغيان یهود واستعلائها، ويُنهي مسلسل التنازلات التي يقدمها ليهود المتخاذلون والمفرّطون. إن موعد هؤلاء وأولئك قادم، قادمٌ لا ريب فيه.. إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟
*****

يا قدس! (9)

يا قدس! (9)

     يوم أن تعودي يا قدس الإسلام والمسلمين إلى أهلكِ وذويك، سوف تسعدین وتهنَئِين يومها، سوف تستروحين بالمؤمنین أنسام الطهر والإيمان، وتسترجعين في خيالك الدامي الجريح تلك الصور الإيمانية العظيمة التي عرفت بها مواكب الإيمان. تماماً كما وقف الجنرال الإنكليزي اللنبي الذي دخل حِماك في مطلع هذا القرن وقال: "الآن انتهت الحروب الصليبية".

     وتماماً كما وقف قادة یهود في عام الأسر والهزيمة وهم يرددون "يا لثارات خیبر"، سيقف قادة الجيوش المؤمنة ليرفعوا راية التوحيد كما رفعها ابن الخطاب من قبل، ويهتفوا قائلين: أیتها القدس الغالية، ها قد عدنا اليوم منتصرين ظافرين.

     يا قدس!.. قد تحسبين أنها أحلام، وإنها الآن أحلامٌ حقاً، لكن حقائق اليوم كانت بالأمس أحلاماً، وأحلام اليوم الخيرة الكريمة هي حقائق الغد إن شاء الله.

     لعلك سمعت نبأ بعض اليهود الذين اقتحموا ساحك المصون وأحدهم يحمل التوراة بيد، والسلاح بالأخرى.. إن جند الله سیدخلون كما دخلوا.. كل منهم يحمل قرآنه بيد وسلاحه باليد الأخرى لتغيب التوراة المزيفة المزورة، وينقضي ليل السوء والدجل، لأن فجر القرآن الكريم سوف يسطع نوره إذ ذاك، وسوف تبدو شجاعة يهود الكاذبة المُدّعاة هزيلة كابية، مهترئة خابية إلى جوار شجاعة المجاهدين المؤمنين من أهل القرآن:

سأحمل روحي عـلى راحتي     وألقي بها في مهاوي الردی
فإما حيــــاة تســــر الصديق     وإما ممات يغيــــظ العـــدى

     كذلك سوف يردد الفاتحون المؤمنون وهم نحوكِ يتقدمون، فجباههم العزيزة الشماء لا تسجد لغير الله وهم بين اثنين: عیش عزیز کريم، أو ميتة أبية وشهادة عظيمة.

     لقد نذر جند الله تعالى أنفسهم في سبيله عز وجل، وسوف يوفون بالنذر. وإن هذا الوفاء أن يثأروا لجرحكِ الدامي، ومجدكِ الكسير، فافرحي يا قدس؛ فإن لهم من سمات الجلال ما هو خليق بأنبل الرجال، إنهم مرآة العظمة والصدق والعطاء، إنهم الورود في البساتين، إنهم الرياحين في الحدائق، إنهم شقائق النعمان في المروج، إنهم أغنية الأحلام في البيداء. وهم مع هذا.. أسود ونمور، وصقور وعقبان، عشاق موت وطلاب شهادة، فيهم عزيمة المجاهدين الصادقين، وتكبير الأتقياء المؤمنین، وشجاعة الأبطال الخالدين.

     وأنتِ أيتها الأمة المسلمة!.. أنتِ اليوم مدعوة لتثبتي شرف انتمائك للإسلام العظيم، وإنه لشرف كبير لا يصدقه إلا الدم الزاكي، فهيا إلى الدم والبذل والعطاء، وحذار حذار من كل حلول الاستسلام والتخاذل والتفريط:

أمة الصحراء يا شعـب الخلودْ     مَنْ سواكم حَلَّ أغــلال الوری
أيُّ داعٍ قبلكم في ذا الوجــــودْ     صاح لا كسرى هنا لا قيصرا
*****

مَنْ سواكم من حديثٍ أو قدیــمْ     أطلع القرآن صبحـــاً للرشــادْ
هاتفاً في مسمع الكون العظيـمْ     ليسَ غيرُ الله ربـــــاً للعبـــــادْ
*****

يا قدس! (8)

يا قدس! (8)

     يا قدس!.. أتذکرین الفاروق العملاق الشهيد حين قطع إليك المفاوز والقفار والفيافي والسباسب، وخاض نحوك الماء حافياً، والمولى راكب على الجمل، والخليفة الراشد العظيم يقود الجمل الذي يركبه المولى بالحبل، فاعترضه غدير ماء فخاضه، فخاف أحدهم أن يعيب أهلك عمله ذاك فكلمه فيه، فغضب عمر، وهتف بقولته الخالدة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله"!؟. أتذكرين ذلك؛ أم أنساك طول العهد وتقادم الزمن وكرّ الجديدين؟

     إن أبناء الإسلام اليوم يعملون ليستقيم الدرب، ويصحو الغافلون، ويهتدي الناس ليكون الموكب القادم موكباً نقي العقيدة، طاهر الفؤاد، فيدخل المسجد الأقصى لا باغياً ولا عادياً، ولكن مؤمناً متواضعاً، يعلي كلمة الله عز وجل، ويهتدي بقرآنه العظيم.

     سيأتيك موكب المؤمنين الصادقين، تضطرم قلوبهم بالحنين، يستعذبون الموت في سبيل الله، يستبِقون إلى جنة الخلد التي لا تبلى، يعيدون للدنيا مواقف البطولة النادرة، والإيثار العميق، بعد أن خلت الدنيا منها أو كادت، وحسبتها أحاديث يرويها السمار في المجالس، لا وقائع في الحياة اليومية.

     الوجوه الذابلة تعود مشرقة، والقلوب الخاوية تعود قوية، والغرباء الحائرون التائهون، سیرجعون أدلاء هادين مهديین ليكونوا بإذن الله سراً من أسرار النصر ضد بغي يهود.

     إن في المسلمين اليوم بشائرَ يقظةٍ عارمةٍ، ونهجٍ راشدٍ، وفجرٍ صادقٍ، فانظري إليهم وقد أخذوا يتعلمون صناعة القتال، وفن الموت، لن يعودوا بعد اليوم كما كانوا حين ضللهم الدجاجلة والأفاکون، سوائم ضائعة، وحمى مستباحاً، وقطيعاً يتبع كل ناعق وعابث وفاجر.

     لا.. لقد استعلوا على ذلك، وتجاوزوا الهزيمة الفكرية والنفسية، وتمكن فيهم الإيمان والإباء، والثقة والاستعلاء، والاعتزاز الباذخ الشامخ بصحة هذا الدين وخلوده، وبأن المستقبل له بإذن الله.

     يا قدس!.. حقاً هي سنوات شداد عجاف، مرت عليكِ وأنت في أسر اليهود، لكن هذه الفترة وإن بدت طويلة في عمر الأفراد فهي قصيرة في عمر الأمم والشعوب. ونحن أمة الإسلام أعرق الأمم، وأكثرها امتداداً في الزمان والمكان، لذلك ستبدو سنوات الأسر يا قدس قليلة جداً في يوم التحرير والإنقاذ، يوم يقتحم قرآنُ المسلمين زيفَ التوراة وضلال التلمود، وحقُّ الإسلام النقي الصريح باطلَ يهود، ويسترجع المسلمون ديارهم وفي مقدمتها القدس الغالية ليطهروها بالدين الحق، دين الإسلام العظيم، من كل باطل وفساد وجاهلية، ويقيموا فيها حكم الله عز وجل عزيزاً قوياً ينادي بلسان الحال والمقال: أَنْ ها هو فجر جديد أشرق على أمة الإسلام، فجر السعادة والقيادة والنصر العزيز المؤزر.

الوحي والتنزيــل والأحرفُ والآي والإنجيل والمصحـفُ
وســــورة الإسـراء ما رُتِّــلت إلا وأســماع الدنـــا ترهفُ
نبـــارك القدسَ، وما حولها وصخرة القدس بنــــا تهتـفُ:
في كل صـــدرٍ من دمي دفقــــةٌ وكل عينٍ دمعـــةٌ تذرفُ
إن ضمد الآسي جراح الورى فالجرح مني راعفٌ ينزفُ
يـــا دُرةً في جيـــدِ تاريخنا رُبـــــاكِ من كلِّ الربى ألطفُ
كم قد مشت أكبــادنا فوقَها من كل روضٍ زهرةً تقطـــفُ
وكم سقينـــا تربها أنفســـاً أصفى من الياقوتِ بل أشــرفُ
يا قدس .. مهما باعدوا بيننــا ففي غدٍ جيش الهدى يزحفُ
كتـــائب الإيمان قــــد بايعتْ لا فـــاسقٌ فيها ولا متـــرفُ
*****

أيتها القدس! (7)

أيتها القدس! (7)

     أيتها القدس الأسيرة الحزينة!..

     لا ريب أن سقوطكِ بين براثن "يهود" نكبة عظمى من أكبر نكبات المسلمين في العصر الحاضر، ولكن من الممكن جداً أن يكون لهذا السقوط آثار إيجابية نافعة إذا أحسن المسلمون الانتفاع من دروس السقوط، وقرروا أن يتغلّبوا على الصعاب، ويجتازوا المحنة.

     في النار يخلص الذهب ويصفو، وفي المحنة تطهر الأمة وتستقيم إذ تعرف الخطأ من الصواب، والخبث من الطهر، والأصيل من الدخيل، والشجاع من الجبان. وتدل حوادث التاريخ أن الأمم تتجمع في النكبات والشدائد بأفضل مما تتجمع في الرخاء واللين.

     الليل يسبق النهار، والشتاء يسبق الربيع، والجفاف يسبق الخضرة، والمحنة والهزيمة تسبقان العزة والانتصار. فليمتلئ قلبكِ إذن بالسكينة والثقة والأمل.

     سيأتي يوم الخلاص يا قدس!.. وسيكون الخلاص على أيدي الطاهرين المتوضئين أنقياء القلوب والأرواح، صادقي الرأي والفكر، أما الدجاجلة والكذبة والفراعين فلن تكوني أهلاً لهم، ولن يكونوا بكِ جديرين، ذلك أنهم هم الذين ضيّعوكِ من قبل.

     لك أن تضيقي اليوم بظلمة "يهود"، ولكن حذار من اليأس، فصباح القرآن الكريم قادمٌ عما قريب، وإن للظلمة موعداً سيعرفون فيه بأس المؤمنين الصادقين. إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟ إن بيننا موعداً لن ننساه، هو موعد النصر القادم دون ريب.

     نحن واثقون بهذا الموعد ثقتنا أن الشمس تطلع من الشرق وتغيب من الغرب، وأن البحر فيه ماء، وأن الجو فيه هواء. فقد أخبرنا رسول الله ﷺ بنصر للمسلمين ساحق ماحق حتى لو اختبأ يهودي وراء حجر أو شجر، أنطق الله عز وجل ذلك الحجر والشجر فهتف: يا مسلم يا عبد الله!.. هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.

     وإن ثقتنا بحديث الرسول الأمين ﷺ لا حد لها، ومن نافلة القول أن نؤكد أن قوله الكريم مقدّم لدينا على أقوال الساسة الانهزاميين الذي يحاولون أن يمكّنوا لليهود في ديار المسلمين.

     وأنت أيها المجاهد المسلم المرتقب الذي سيكون الخلاص على يديك المتوضئتين بإذن الله!.. لا يهولنَّك ما جمعوا من عتاد كبير، فربما كان لك ذلك غنيمة باردة، ذلك أن الجبان يصبح سلاحه عبئاً عليه، وقد يأخذه خصمه منه ويقتله به. فأقدِمْ وخذْ سلاح "يهود"، واجعله مصوباً نحو معسكرها معسكر الشيطان.

     افضحْ بشجاعتك جُبْنَ اليهود، واكشِفْ بحقك باطلَهم، واهدِمْ بجهادك الذي تبنيه بالحق والإيمان بناءَهم الظالم المعتدي، الذي أقاموه بالسرقة والغش والخديعة والاحتيال، وحروب سريعة سرقوا النصر فيها في غيبة الشرفاء.
*****

أيتها القدس! (6)

أيتها القدس! (6)

     أيتها القدس الحزينة التي تعيش بين الألم والأمل!.. أتدرين متى يكون الخلاص الذي تؤمّلين!؟.. إنه سيكون يوم تعيش قلوبنا بفخر واعتزاز مع ذكريات بدر وخيبر ومؤتة، والقادسية ونهاوند واليرموك، والزلاقة وحطين وعين جالوت، والأملُ العارم يجتاحها، والعزمُ الوقّاد يتدفق فيها، والطموحُ الكبير يستولي عليها، بأنْ نصنعَ أمجاداً جديدة مثل هذه الأمجاد القديمة، ندخل بها التاريخَ كرّةً أخرى، ونثبت صدقَ إيماننا، وأصالةَ أمتنا، وقدرتنا على التحدي والكفاح، وشرفَ انتسابنا للإسلام العظيم، والقرآن الكريم، والرسول الخالد محمد بن عبد الله ﷺ.

يــا سورةَ الأنفالِ مَنْ لي بهـــا     قدسيّـــــةِ الآياتِ تسـتنفــــــــرُ
جنداً يذوقُ الموتَ عَذْبَ المنى     كالصبـــحِ عن إيمـــــانِهِ يسفرُ
ومَنْ يَبِــــعْ للهِ أزكـــــــــى دَمٍ     يَمُتْ شهيـــــدَ الحقِّ أو ينصـرُ
والبـــغيُ مهما طالَ عدوانُـــهُ     فــاللهُ من عدوانِـــهِ أكبـــــــــرُ

     هذه الأبيات ترسم لكِ يا قدس ملامحَ من صورة المجاهدين المؤمنين الذين سيكون على أيديهم الخلاص إن شاء الله. إنهم قوم عشقوا الجهاد في سبيل الله عز وجل، واستطابوا الموت طلباً لرضاه، وصارت الشهادةُ أغلى أمنياتهم وأثمنَ آمالهم، يتوجهون إلى الله العلي القدير أن يكرمهم بها في سجودهم وقيامهم، وليلهم ونهارهم، وهم فرادى وهم مجتمعون.

     ولطالما استوقفتهم آياتُ الجهاد في القرآن الكريم، في سورة الأنفال وغيرها، فَصَفَتْ سرائرهم، وطابت أوقاتهم، وملأهم الحنين إلى الجهاد، إلى الجهادِ المؤمنِ المستبسل الذي يمتلكُ الرجاءُ قَلْبَ كلِّ مبادرٍ إليه أن يُرْزَقَ إحدى الحسنيين، الشهادة أو النصر، وهؤلاء الرجال الكرام، والمجاهدون الأباة الذين يسفر إيمانهم الدفّاق الوهّاج كالصبحِ الطهور، والنورِ اللألاء، والفجرِ الصادق، والذين يستعذبون الموتَ في سبيل الله عز وجل ويحبونه ويستبقون إليه؛ هم مناطُ الأمل، ومعقدُ الرجاء، وبسمةُ البشرى، للإنقاذ المرتقب إن شاء الله.

     سيدخل هؤلاء أعزاءَ كراماً منصورين، أقوياء غالبين مظفرين، وسيدخلون كذلك شاكرين لله تعالى، منيبين إليه مخبتين، متواضعين لا يبغون علواً في الأرض ولا فساداً، لينتهي بدخولهم الكريم، وانتصارهم المؤزَّر، ليلُ الفساد والباطل، ودَنَسُ اليهود، وزيفُ التلمود، ويبدأ عهدٌ جديد، يعلو فيه الحق، ويسود فيه الإسلام، ويحكم فيه بالقرآن، وتخفق فيه رايةُ الإيمانِ عزيزةً ظافرة شمّاء، تُعْلِي في الخافقين هتافَ التوحيد الخالد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
*****

يا قدس! (5)

يا قدس! (5)

     تحية لك يا قدس الإسلام والمسلمين يَوْمَ أَسَرَكِ العدو، ويَوْمَ أن حاولوا بيعَكِ للعدو!.. بكتكِ قلوب المسلمين التي أثقلتها الآلام، وأوجعتها الأسقام، واشتدت عليها المصيبة، مصيبةُ أَسْرِ اليهود إياكِ في يومٍ شاحبٍ حزين، وكان أشد ما أصاب أفئدة هؤلاء الغيورين، ما شهدته من ضياع الأمة المسلمة حين تردّت في متاهات وضلالات، وعَدَتْ وراءَ سرابٍ كذوب، وصدّقت الدجالين والكذابين، فغُلِبَتْ على أمرها، وخُدِعَتْ عن معركتها، وذُهِلت عن حقيقتها، وغفلت عن مستقبلها ومصيرها، بسببٍ من تصديقها لما قاله الكاذبون والمجرمون، وانخداعها بمذاهب الفساد والضلال، واتباعها مبادئَ الأعداء والمستعمرين.

     هذه الأمة العظيمة الخالدة، كيف آلت إلى هذا المصير!؟ وكيف هانت على نفسها وعلى الناس!؟ أحقاً أنها أمةُ الإسلام يا قدس!؟ أحقاً أن أبناءها هم أهل القرآن!؟ أصحيح أنهم أحفاد الصيد الفاتحين، والغزاة المجاهدين، والعابدين الصادقين!؟ ترى أصحيح ذلك أم أن الحقائق والظنون كلها تكذّبه وتردّه!؟

مَنْ هــؤلاء التــــــائهون     وهجُ الزوابــع والرجومْ
والليـــلُ ينفـضُ فوقَهُـــمْ     من حزنـــه قـلقَ النجومْ
مَن هـؤلاء التــــائهون؟     أفهـــــؤلاء المسلمونْ!؟
أبــــداً تكــــذّبني وتــــر     جمني الحقائقُ والظنونْ

     إن الأمر لعجبٌ حقاً يا قدس!؟؟ وإلا كيف غلبَ اليهودُ المسلمين في حزيران العار، بينما القرائن الظاهرة، تدل جميعاً على استحالة ذلك!؟ ترى أثمة شك في أن السبب هو أنهم لم يكونوا يومَها حقاً مسلمين!؟

     إي والله!.. ما كنا يومها حقاً مسلمين، فقد تبدّلت بنا الحال غير الحال، ساء وضعنا، انحرفت عن السير قافلتُنا، تاه الأدلّاء وحار الهداة فإذا بنا ضائعون، ضائعون بين فكرٍ مستورد، ورأيٍ ضال أهوج يعلو عجيجه، ومبادئَ حمقاء تُدَقُّ لها الطبول، وجاهليةٍ جديدة يُدْعى لها باستمرار وتُحاط بالبهرج والبريق.

     إن عددنا كبير، لكننا ضعفاء، ذلك أن الصادقين من أهل الإيمان باتوا غرباء، وأُلقِيَتْ قيادة الركب إلى دجاجلة وكذبة وفراعين، فكان العار، وكان الشنار، وكان الإسار!. ولن يكون لك يا قدس خلاص إلا إذا قاد الركبَ قوم يؤمنون بالله، ولا يخافون في الحق لومة لائم.
*****

الأكثر مشاهدة