الخميس، 24 أغسطس 2023

إسلام قرية نوريش الإنكليزية

إسلام قرية نوريش الإنكليزية

     اختارت قرية إنكليزية اسمها "نوريش" الإسلام ديناً لها، ورفضت حضارة الفساد والضلال والمسيطرة على بلاد الضباب.

     أوريس تيرز أحد المسلمين الإنكليز يقول: في بريطانيا أعداد كبيرة من المسلمين تزداد يوماً بعد يوم، وبعد أن رأوا الصورة المشرقة للإسلام أصبحوا يرفضون الحياة الغربية، ويبحثون عن معرفة الله وعن الدين الإسلامي الذي يوفر الحياة الهادئة للإنسان، ويحاول المسلمون في مجتمعنا الصغير في نوريش التجمع يومياً في مجتمع متكامل يسوده التعاون والتآخي والتسامح والعدل.

     ويعتقد المسلمون في نوريش أنّ قريتهم قد تكون أنسب القرى لانطلاقة دينية مسلمة لنشر الدين الإسلامي في كافة أنحاء بريطانيا، وهناك دعاة مهمتهم الأولى نشر الدين عن طريق الإقناع وإبراز صورة الإسلام الحقيقية التي يجهلها الكثيرون.

     ويقول تيرز: لقد استطعنا من خلال مجهودنا الشخصي أن نضمّ أعداداً كبيرة بالرغم من إمكانياتنا المادية القليلة.

     ويضيف قائلاً: إنّ الناس الذين قبلوا الإسلام ديناً ومنهج حياة لهم، تركوا حياة الجهل والكفر، وهم ليسوا على استعداد للعودة إلى حياة الضلال. لقد هداهم الله إلى الحياة الصحيحة تحت ظلال الإسلام، وسعادتهم بهذه الحياة لا توصف، رغم قلة الموارد.

     ومجتمع نوريش مجتمعٌ معظمه شباب، وكل أفراده اعتنقوا الإسلام عن إيمان، والجميع يشتغلون بجد ونشاط، وتنضمّ الفتيات بعد الدراسة مباشرة إلى غزل الصوف وأعمال الحياكة ومساعدة أمهاتهن في شؤون المنزل.

     والملاحظ أنّ كل أمٍّ في هذا المجتمع المسلم تعدُّ نفسها أمّاً لكل الأطفال في القرية، ترعاهم وتحسن إليهم، وقد اعتاد أطفال نوريش الاجتماع في أي منزل يريدون وكأنهم في بيتهم.

     ويقول إمام المسجد: لقد استطعنا بحمد الله وعونه، وبمساعدة بعض إخواننا في الدين شراء المسجد الذي نجتمع فيه يومياً، وكل ما نريده من إخواننا المسلمين في العالم العربي دعمنا من أجل نشر الدعوة وإصدار الكتب.

     وقد اختار مسلمو قرية نوريش من بينهم رجلاً مهمته الاهتمام بشؤون القرية دينياً ودنيوياً، وشكّلوا مجلس شورى يجتمع بين الحين والآخر لتدارس أحوال القرية، ومتابعة أوضاع المسلمين في العالم.
*****

مستر بورد الأمريكي والمسلمين والنصارى في أوروبا

مستر بورد الأمريكي والمسلمين والنصارى في أوروبا

     يقول مستر "س. أ. بورد" الأمريكي الذي أشهر اسمه في أوائل عشرينيات هذا القرن، بعد دراسة متعمقة لمبادئ الإسلام، طوال سنوات عديدة: "إن أوروبا مدينة للمسلمين بكثير من وسائل الراحة الشخصية في حياتها، فالنظافة من دين المسلمين وما كان لهم أن يقبلوا على أنفسهم ما كان يرتديه الأوروبيون في ذلك الوقت –أي عند بدء اتصالهم بالمسلمين– من ثوب واحد يظل على أجسادهم حتى يتساقط إرباً بالية كريهة الرائحة".

     ويستشهد بورد على ذلك بما ذكره العلامة "جون و. درابر" في كتابه "التطور الفكري في أوروبا" عن حال الأوروبيين عندما بزغ فجر الحضارة الإسلامية. فقد وصف ما كانوا عليه من "همجية" حتى إنه كان "لا يستطيع أحد أن يقول: إنهم ارتقوا عن مستوى الحياة البدائية، فأجسادهم لا تعرف النظافة، وعقولهم جاهلة مظلمة، ومساكنهم الأكواخ، وكان فرش أرضها بالعشب يُعد ترفاً".

     وعندما بدأت المجتمعات الأوروبية تتصل بالمجتمعات الإسلامية عن طريق صقلية والأندلس –ثم عن طريق الحروب الصليبية- بهرهم حرص المسلمين الشديد على النظافة الشخصية والنظافة العامة. غير أنّ العادات والقيم الإسلامية، لم تلق لديهم في بداية الأمر قبولاً حَسَناً، بل ظلوا ينظرون إليها على أنها من مظاهر العقيدة الدينية الوافدة، التي يعد تقليدها انحرافاً عن تقاليد الآباء وقيمهم.

     ومن الطريف أنه قد حدثت في فرنسا مقاومة شديدة لمحاولة الاقتداء بما درج مسلمو الأندلس على اتباعه، من رصف الطرق العامة لوقايتها من الأوحال، وتيسير نظافتها.

     فعندما شرع ملوك فرنسا في رصف شوارع باريس على الأسلوب المتبع في مدينة قرطبة، وصدر الأمر بمنع تربية الخنازير في تلك الشوارع صيانة لها، أغضب ذلك رجال الدين، وطالبوا بألّا يُحالَ دون مرور خنازير "القديس أنطوان" في الشوارع على عادتها المألوفة، وحدثت فتنة كبيرة أجبرت الحكومة على الإذعان لهم، وتركت تلك الخنازير ترتع في أنحاء المدينة تقتات من الأقذار، وتملأ الشوارع بفضلاتها الكريهة، مع تمييزها بأجراس توضع في أعناقها، حتى لا يعترضها أحد.

     ويروى أن الملك "فيليب السمين" مات لسقوطه من فرسه، عندما أزعجه مرأى تلك الخنازير والأجراس تصلصل في أعناقها.

     وقد وصفت العالمة الألمانية "زیغرید هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب" [وترجم الكتاب إلى العربية باسم "شمس العرب تسطع على الغرب]؛ انطباع "الطرطوشي" عن زيارته لبلاد الفرنج في تلك الآونة، وكيف كان "وهو المسلم الذي يتوضأ قبل كل فرض من فروض الصلاة الخمسة، يستنكر حال القذارة التي يحياها الشعب. وأبدى دهشته من أن الفرنجة لا يغتسلون إلا مرة أو مرتين كل عام، وبالماء البارد، أما ملابسهم فلا يغسلونها، بعد أن يلبسوها لكيلا تتمزق".

     ثم تُبيّنُ "زیغريد" ما حدث من تأثر المجتمعات الأوروبية بعد ذلك شيئاً فشيئاً بالعادات الإسلامية الحميدة، بعد أن اتضحت فوائدها، ومنها الإكثار من إقامة الحمامات الخاصة والعامة فتقول:

     "وقد لمس الصليبيون هذه الحياة العربية، وأدركوا أثر الحمامات بما فيها من وسائل الراحة والنظافة والزينة، فهاموا بها كما هام أولئك الغربيون الذين شاهدوها في إسبانيا وصقلية. فألحّوا جميعاً في إدخالها أوروبا بالرغم من المعارضات الشديدة وصرخات الاستنكار التي دوَّت في كل مكان".

     وقد ظل التمسك بأهداب النظافة من أهم شعائر المسلمين بالأندلس التي تُميّزهم عن غيرهم، إلى ما بعد زوال دولتهم فيها.

     غير أنه لما بدأت مرحلة الاضطهاد الجماعي لهم وأُجْلِي الآلاف منهم عن ديارهم فلجؤوا إلى غيرها من الديار الإسلامية، ثم أُجبِر من اضطر للبقاء منهم على التخلي عن عقيدته، فاضطر الكثير منهم للتظاهر بذلك، وممارسة شعائرهم الدينية خفية، صدر قانون في أوائل سنة 1567م، يُلزمهم بترك أبواب دورهم مفتوحة حتى تخضع للتفتيش المفاجئ من وقت إلى آخر.

     وكانت المبالغة في الحفاظ على النظافة البدنية والاغتسال في فترات متقاربة من الأدلة الأكيدة على التمسك الخفي بأهداف الشريعة الإسلامية مما كان يوجب توقيع أشد العقوبات وأقساها، كما شنت حملة محمومة لتخريب الحمامات الخاصة والعامة.
*****

المهتديان ريموند وسمارت .. وتناقضات النصرانية

المهتديان ريموند وسمارت .. وتناقضات النصرانية

     كثيرة هي الفوائد الجمّة، والملاحظات الذكية، التي يمكن أن تفوز بها بعد دراستك لسيرة واحد ممن اهتدوا إلى الإسلام بعد معاناة طويلة، وتفكير وتأمل واسعين، ذلك أنّ المتوقع من أمثال هؤلاء المهتدين أن يكونوا على درجة واسعة من الوعي بدينهم القديم ودينهم الجديد، وعلى مستوى جيد من الشجاعة العقلية التي تجعلهم يواجهون ذويهم بخطأ معتقداتهم، وتجعلهم كذلك يُيَمِّمون وجوههم صوب الدين الجديد الصائب.

     وإذا كان أحد هؤلاء نصرانياً من قبل، فإنك لا تخطئ أن تعثر لديه على نقد ذكي حصيف لمسيحية الكنيسة المحرّفة، ومقارناتٍ لمّاحةً حيّة، بينها وبين الإسلام، دين الله الخالد المحفوظ.

     وانظر إلى ما قاله في هذا الصدد المهتدي يعقوب ريموند، فإنك ستجده كلاماً ذكياً فيه حياد ونزاهة وعمق:

     لقد وجدتُ ثلاثة فروق جذرية بين المسيحية والإسلام، ساهمت في إقناعي بصدق الإسلام.

     الفارق الأول: هو أنّ المسيحية في الوقت الذي تُقِرُّ فيه وتعترف بكافة الأنبياء تُجَرِّدُ عيسى عليه السلام من النبوة، وترفعه إلى مرتبة الألوهية، كما تنكر نبوة محمد عليه الصلاة والسلام بالكلية. إني لم أجد لذلك أي مبرر، إذ إنّ النبي محمداً صلى الله عليه وسلم يؤمن بجميع الأنبياء الصادقين، ويؤكد أنّ الرسالة السماوية التي أُنزِلَتْ عليه هي الرسالة السماوية الوحيدة التي لا تزال مكنونة لم تمس بسوء.

     الفارق الثاني: هو أنّ المسيحية تنادي بالنظرية القائلة: إنّ عيسى ابن الله، وإنه طرف في التثليث المقدس، وبذلك يكون عيسى في نظرها إلهاً وابناً لله في وقت واحد مما يتعذر فهمه، وهذه النظرية تناقض التعاليم التي نادى بها موسى وإبراهيم عليهما السلام، فقد علّما الناس أن يعبدوا إلهاً واحداً لا شريك له، وقد نجم عن التصور بأنّ عيسى ابن الله إقامة الفوارق بين الأنبياء وتقسيمهم إلى درجات.

     الفارق الثالث: هو أنّ المسيحية تجعل الكنيسة وسيطاً بين الناس وربهم، فهي تقول لك: اقترف من الآثام ما شئت، والكنيسة تعفو عنك، وتضمن لك الخلاص والنجاة!.. ومن هنا فالخالق في تصوّر الكنيسة [تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً] ليس حراً يفعل ما يشاء، بل لا بد للكنيسة أن تقوده يوم القيامة. وقد وجدتُ لحسن الحظ تصويباً لهذه الفكرة المضحكة وتصحيحاً لها في الإسلام، فالإسلام يبيّن أنّ الله وحده لا شريك هو الذي سيقضي يوم القيامة في الأعمال التي اكتسبها كل ذكر وأنثى في حياتهم الدنيا دون أي تدخل أو نفوذ من أي جهة من الجهات. ثم سألتُ نفسي: أين الاستقرار والثبات بالنسبة للدين الذي تظل تعاليمه عرضة للتعديلات المستمرة حسب ما تقتضيه العادات المتغيّرة المتقلبة!؟ ويتضح من هذا أنّ الديانة النصرانية تقدّم عادات البشر وتقاليدهم، وتجعلها في منزلة أسمى من إرادة الله.

     إنّ هذا الذي قاله المهتدي يعقوب ريموند؛ إنما هو ملاحظات ذكية في غاية الصحة والصواب، وهي من النقاط التي يحسن أن تكون زاداً فكرياً للحِجاج والحوار عند الدعاة الذين يبشّرون بالإسلام في بلدان النصرانية، ويعانون من وطأة الهجوم التبشيري وقساوسته وإرسالياته.

     وهذا الذي قاله المهتدي يعقوب ريموند قد تردد صداه ولا يزال يتردد في نفوس عشرات الآلاف من المسيحيين في مختلف الأزمنة والأمكنة؛ ذلك أنّ الكفر بالثالوث والتبرم بفكرة الوساطة بين الله والعبد، تلقاهما لدى كل هارب من الكنيسة، وإذا كنا وجدنا في حديث يعقوب ريموند ما يمثل وجهة نظر هؤلاء الفارين، فإننا نجده عند المهتدي الأمريكي إستريد هيرما سمارت واضحاً ومؤكداً، ومضافاً إليه تبرمه الساخط بما قاله عن الصلب ووساطة القسيس حيث يقول:

     لا أذكر الوقت والمكان الذي بدأت أتدبّر فيه التناقضات الظاهرة في النصرانية، فقد بدا لي في أحد الأيام أنّ الإيمان بثالوث الآلهة لا يمكن أن يتناسب مع مبادئي، وعبثاً حاولتُ فهم الكتب النصرانية فقبلت ما قيل فيها بالنسبة لميلاد العذراء ولكنْ دون جدوى، وتساءلتُ: كيف تمثّلت روح القدس في حمامة؟ وبعد بحث عثرتُ على الآية التي تقول: ﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُۚ سُبْحَانَهُۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: 4].

     وهكذا وضعتُ المسيح في موضعه الصحيح من تصوّري لمكانته كنبي من أنبياء الله المرسلين، كما اصطدمتُ منذ زمن مع العرف المسيحي السائد باعتبار القسيس وسيطاً بين الله والناس مع أنّ لدي الثقة الكاملة التي أستطيع بها أداء الصلاة (دون حاجة القسيس)، ولم أصدّق حكمة الصلب أبداً، فلأي شيء يموت إنسان ضحية أخطاء وذنوب يرتكبها آخرون؟ إنّ الأمثلة الملموسة حول مغزى هذا الموضوع لا أصدقها.
*****

الأربعاء، 23 أغسطس 2023

فاطمة هيرين ألمانية أعجبت بتعدد الزوجات

فاطمة هيرين ألمانية أعجبت بتعدد الزوجات

     لا يخطئ الدارس المتأني لسِيَر من اهتدوا إلى الإسلام، وكتبوا أو تحدثوا عن قصص إسلامهم، أن يجد فيها إشارات أو ملاحظات ذكيّة تتصل بالإسلام كان لها الدور الأكبر في هدايتهم، أو أنها أسهمت في تعميق هذه الهداية أو التعجيل بها. وكثيرة هي الأقوال التي تصور مناحي إعجابهم المطلق بهذا الدين النبيل، أو بعض هذه المناحي على الأقل، وهي مناحٍ دقيقة قد تكون في ساحة الوعي للمسلم الذي نشأ على هذا الدين من أول نشأته، لكنها في كثير من الأحيان تكون في الوعي الباطن أو اللاشعور، بسبب طول الألفة والمعايشة الذي يُفقِدُها ما فيها من بريق يشعر به المهتدي الجديد الذي اكتشف الإسلام عن بعد واهتدى إليه، كاشفاً كلَّ حقيقة بنفسه، مستغرقاً في تفحّص أسرارها تفحصاً لا يصل إليه مَنْ تلقاها منذ صغره، واعتنقها مبدأً صحيحاً، دون أن يكلف نفسه عناء تقليبها على شتى جوانبها والغوص على أسرارها ودلالاتها، ويمكن لنا أن نجد مثالاً لذلك في قضية تعدد الزوجات.

     إنّ تعدد الزوجات في الإسلام مفخرة يرفع المسلم لها رأسه وليس ثغرة يخجل منها ويتلمّس لها المعاذير. وهو أمر له موجباته ودواعيه الضرورية في النفس البشرية في كثير من الأحيان بحيث يؤدّي منعه إلى فساد خُلقي يوحي بوباء فاتك.

     وحين يقرر المسلمون ذلك ويعلنونه يُرمَوْنَ بشتى التهم من تأخر ورجعية وغلظة وقسوة من قبل الغربيين والمستغربين، الذين يزعمون أنّ المجتمع الغربي من هذه الناحية أرقى من المجتمع المسلم، ناسين أو متناسين ما يزدحم به الغرب من شتى المفاسد عامة، والاجتماعية خاصة، حيث يفشو التمزق العائلي، والفساد الأخلاقي، وحيث يفشو بدلاً من تعدد الزوجات ضمن ضوابط نظيفة سديدة، ما يمكن أن يُسمّى بتعدد الخليلات والأخلّاء، وهو أمر لا ضابط له من ناحية، ثم إنّ آثاره المدمرة كثيرة جداً من ناحية أخرى.

     وربما كانت المرأة في بعض الأحيان أقدر من الرجل على الحديث في هذه الناحية، حيث هي التي يقع عليها ظلم التعدد الذي يزعمون.

     فلننظرْ ها هنا ما تقوله إحدى المهتديات الألمانيات في هذا الصدد، إنها الأخت فاطمة هيرين التي تقول: إذا كان المتحاملون على الإسلام يقولون بأنه من الهمجيّة أن يتخذ الرجل الواحد لنفسه عدداً من الزوجات؛ فهل لهم أن يبيّنوا لي الخير الكامن في تصرفاتهم عندما يتخذ الزوج لنفسه عدة خليلات إلى جانب زوجته، وهو أمر شائع في الغرب بصورة تفوق انتشار التعدد في الأقطار المسلمة!؟ وإذا كانوا يزعمون أنه لا ضرر في تعاطيهم الكحول؛ فهل لهم أن يفسّروا سبب الشقاء الذي تُحدِثه هذه العادة في أوروبا!؟ وإذا قالوا: إنّ فصل الجنسين أحدها عن الآخر تأخر؛ فليقارنوا بين الشباب في أي بلد مسلم، والشباب في أي أمة غربية، إذ إنّ الجريمة بين الفتى والفتاة خلقياً تعد استثناءً بين المسلمين، أما في أوساط الغربيين فمن النادر جداً أن تجد زواجاً واحداً بين فتى وفتاة عفيفين.

     وإذا كنا وجدنا في حديث الأخت فاطمة هيرين هذه الملاحظات والتساؤلات الذكية، فإننا لا نخطئ أن نجد في حديث مهتدين آخرين صوراً مشابهة لهذه الملاحظات والتساؤلات الذكية، وأن نجد في حديثهم ما يدل على بالغ اهتمامهم بالإسلام وأمته، وحرصهم على انتشار الإسلام وسعادة المسلمين مما يكشف عن أنهم يستشعرون تماماً جدية الولاء له والانتماء لأمته، وانفصالهم عن أممهم التي كانوا ينتسبون إليها من قبل.
*****

     فالأخ بشير أحمد باتيل الهندي يحدثنا عن أحوال المسلمين في تانزانيا حيث كان يعمل فيها وعن مشكلاتهم واحتياجاتهم والتحديات التي تواجههم، وأنّ العلاج إنما يبدأ بإصلاح نفوسهم من الداخل قبل كل شيء.

     يقول الرجل: إنّ الجهل بكافة أنواعه الفكرية والروحية والاجتماعية والثقافية، هو مصدر كافة ألوان الشقاء وخيبة الأمل التي يعاني منها المسلمون سواءً في هذا البلد (يقصد تانزانيا) أو غيره، والعلاج لا يكون إلا بإصلاح النفوس من الداخل.

     إنّ الإسلام في أيامنا هذه يحتاج إلى وحدة الصف الداخلي والتنظيم لمحاربة شياطين الجهالة التي تعمل مِن الداخل أولاً. فإذا لم نعالج الصف من الداخل فلا ينتظر منا أن نعيش لنحيي مجد الإسلام القديم ونجعله الحقيقة السرمدية.

     إنّ قوة الإسلام في ذاته، في خصائصه الروحية وشموله، وهذا هو سرُّ غَلَبَتِه في النهاية، فإلى متى يظل الباطل والهوى الفاني والمتاع المادي يستعبد روح الحق وإشراقه في نفس الإنسان!؟ إنه إذا تحققت هذه الروح للمسلم فلن يفكر في شيء إلا في الفوز، وعندها ستأتي البشرية الضائعة في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب ستأتي للإسلام تنشد الخلاص.

     وهكذا يجد الإنسان في حديث هؤلاء المهتدين متعة ولذة، ويجد إخلاصاً وصدقاً وغيرة، ويجد ملاحظات ذكية نافذة، ويجد أحياناً اهتمامات مشتركة بينه وبينهم، ويجد أيضاً آصرة الأخوّة تربطه بهم أعمق وأصدق وأقوى ما تكون.
*****

رحلة بشير أحمد باتيل إلى فطرة الإسلام (2)

رحلة بشير أحمد باتيل إلى فطرة الإسلام (2)

     كثيرة هي العبر والفوائد والدلالات التي يمكن لنا أن نضع أيدينا عليها ونفوز بها، ونحن ندرس ما يقوله أولئك النفر الذين يهديهم الله تعالى للإسلام بين الحين والآخر من شتى الأمم والألوان والطبقات والبلدان، فهؤلاء هم طلاب حقيقة أولاً وقبل كل شيء، ثم هم ذوو حدٍّ أدنى من الفكر اليقظ والنظر النفّاذ، أضِف إلى ذلك أنهم يمتلكون حداً لا يستهان به من الجرأة المعنوية يستطيعون بها مواجهة أقوامهم بغير ما تعتقد، واحتمالات الأذى ومخاطر الانتقال من دين إلى آخر.

     سنتوقف الآن عند السيد بشير أحمد باتيل وهو هندوكي كانت له تجربة فكرية ومعاناة روحية ونفسية فاز بالإسلام في أعقابها، وسنجد ما يستحق الوقوف عنده بالفعل.

     هذا الرجل ترك ديانتَه الهندوكية وارتمى في أحضان الشيوعية مخدوعاً بشعاراتها المريضة، وأهمها دعواها العريضة المتبجّحة الكذوب التي تزعم فيها أنها تقدم أحسن الحلول وأصحها لراحة الجنس البشري، لكنه بعد أن عرفها عن كثب وَجَدَ ما زلزل كيانَه وشتّت استقراره، ففَرَّ إلى الإسلام عن اقتناعٍ واعٍ حصيف، ودرسٍ جادٍّ صبور.

     يقول الرجل عن المرحلة السابقة لإسلامه: ولمّا شعرتُ بخيبةِ الأمل في قرارة نفسي، أخذتُ أبحثُ عن مذهبٍ سياسي بوسعه أن يحل مشكلات الإنسانية في هذه الدنيا، فاتجهتُ إلى الشيوعية وسرت فترة في حياتي تعمقتُ خلالها في المذهب الشيوعي أكثر فأكثر.

     وبينما كنتُ أدرس هذا المذهب وأطبّقه أخذ إيماني بالله يتلاشى تدريجياً، وأخذت القيم الروحية تفقد وزنها أمام الحجج العقلية المحدودة، ومرّت سنوات حُرِمْتُ خلالها الإيمان بالله.

     وأحسستُ في أعماق نفسي بالشقاء الكامل، وكأن روحي كانت تصرخ لحرمانها من اندفاعها الفطري للانضمام إلى الروح العلوية. وجاء الوقت الذي لم يستطع فيه عقلي المتعثر أن يُقنع قلبي الذي كان في لهفةٍ شديدة إلى مبدأ حق يؤمن به، لقد عجزت الحياة المادية والخلقية والفكرية عن تحقيق السلام لنفسي، وكانت روحي متعطشةً لمبدأ روحي يحقق لها ما تصبو إليه من سلام.

     وتمضي بالرجل فترةُ دراسةٍ واسعة طويلة درس فيها شتى الأديان والملل والمذاهب والعقائد فلم يجد فيها جميعاً بغيته، ولم يحصُلْ على ما كان يؤمّل أن يحصل عليه من قناعة في الفكر وراحة في الوجدان، وسلامٍ في الضمير.

     وأخيراً حين تعرّف إلى عالم الإسلام بدأ السلام يملأ ضميره، والراحة تغمر وجدانه، والقناعة تدخل عقله، فإذا به يدخل الإسلام ويؤمن به إيماناً عميقاً شديدَ الرسوخ.

     يقول الرجل عن المرحلة التي تلت إسلامه: كل هذه الحقائق بالإضافة إلى الإحساس الداخلي، ودعوة الله لي في أعماق نفسي، كل ذلك دفعني إلى اعتناق الإسلام، هذا الدين الذي فسّره القرآن الكريم، وطبّقه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكان نموذجاً رائعاً لتخليص الإنسانية من شقائها. هذه هي العقيدة التي رضي بها قلبي، وتجلت لفكري، وحُبِّبَتْ إلى قلبي، فبدّدت كافة الشبهات والشرور.

     لقد اعتنقتُ الإسلام –هكذا يقول بشير أحمد باتيل– بفضل من الله وهداه يوم الجمعة 14 تموز 1967م، حينما ذهبتُ إلى المحكمة الشرعية، ووقّعتُ شهادة اعتراف خطية أمام القاضي؛ قررتُ فيها أنني أعتنق الإسلام، وأُعربُ عن إيماني العميق بالله الواحد الأحد، وأشهدُ أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وأنني سأبذل قصارى جهدي لاتباع الإسلام الصحيح بدراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة دراسة استيعاب وفهم وتطبيق.

     جاء اعتناقي للإسلام ثمرةَ بحثٍ طويلِ الأمد في أعماق نفسي وفي خارجها، فكان تأكيداً لفطرتي: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم:30]، ومع ذلك فربما لم يكن من اللازم أن أشعر بالحاجة إلى اعتناق الإسلام صراحةً، فقد كنتُ أسيرُ على هديه في ذات نفسي من حيث هو عقيدة وصلاح، فمشيئة الله هي التي هدتني لاعتناقه، وهو وحده الذي يعلم سر هذا الحادث.

     هناك عوامل أخلاقية وروحية واجتماعية متعددة أدَّت دورها في هدايتي للإسلام، ومن العسير عليّ أن أشرح كل شيء في اللحظة الراهنة، إلا أنني آمل أن أكتب المزيد في المستقبل.

     يبدو لنا أننا إزاء عقل ذكي جوّاب، حريص على الحقيقة، يبحث وينقّب ويناقش، ويعاني معاناة واسعة، معاناة عقلية ومعاناة وجدانية، في مسعاه الحثيث وراء الهداية التي يأمل أن يجد لديها السعادة والاستقرار.

     وأكرمَ اللهُ عز وجل هذا الهندي المستنير الجاد في البحث عن الحقيقة، فأخرجه من الظلمات إلى النور، فإذا به يسلِم، وإذا به يجد في الإسلام كلَّ ما كان يرجوه لعقله وقلبه فاطمأنّ وهدأ واستراح:

فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النوى     كما قَرَّ عينــاً بالإيابِ المســــافرُ

     إنّ تحوُّلَ أناس كثيرين إلى الإسلام في هذا العصر، حتى في البيئات التي تكون العقيدة الغالبة ديناً آخر غير الإسلام، وحتى في البيئات التي يعاني المسلمون فيها من شتى أنواع الاضطهاد، وحتى في البيئات التي لا تكاد تجد فيها دعاة متفرغين للاهتمام بشؤون الدعوة، وهي حالة العالم الإسلامي كله.. إنّ هذا التحول بالرغم من كل هاتيك الصعاب واحد من الأدلة الكثيرة التي تشهد بصحة هذا الدين، وتهتف بأنه الدين الحق، وتعلن على رؤوس الأشهاد أنه دين الفطرة السليمة، والنفس السوية، والعقل الذكي الرشيد.
*****

بشير أحمد باتيل الباحث عن الحقيقة (1)

بشير أحمد باتيل الباحث عن الحقيقة (1)

     هو الأخ المهتدي بشير أحمد باتيل، وهو مثقف هندي واسع الأفق، ذو معرفة جيدة واطلاع متنوع، أكرمه الله تعالى بالهداية للإسلام، بعد معاناة طويلة، وبحث جادٍّ عن الحقيقة، درس خلالها شتى الأديان والمذاهب والنُظُم دراسة واعية ذكية فلم يجد في شيء منها ما يروي لهفته وظمأه، ويمنحه الطمأنينة واليقين والسلام. وأخيراً فاز بالإسلام فاهتدى إليه وآمن به، وكتب عن إسلامه ما يكشف شخصيته الحريصة على الحق، الباحثة عن النور، وفطرته التي ظلت حائرة قلقة حتى وجدت ما يحقق لها أشواقها وتطلعاتها السويّة حين ألقت قيادها لهذا الدين.

     يقول عن نفسه: ولِدتُ في الهند عام 1929م، وسط أسرة هندية عريقة ذات شرف وثقافة، ونشأتُ في ظل تقاليد العقيدة الهندوكية العليا، وآلمني أشدّ الإيلام ما شاهدتُه من إيمان العقيدة الهندوكية بآلهة كثيرة وعبادتها لها من خلال أحجار وصور، وإيمانها بأنهار مقدسة تُغسَلُ فيها الآثام، واعتقادها بالبرهمية، وهي عقيدة الرهبان الذين بوسعهم أن يساوموا آلهتهم المزعومة لمنح الخلاص لزبائنهم الدينيين، ثم ما تميزت به من ألوان التفرقة الطائفية وتكبّرها واتباعها الهوى لا في المجتمع فحسب، بل في المجال الديني كذلك.

     كل هذه الأمور جعلتني أضيق بها ذرعاً قلباً وقالباً، فشرعتُ بهديٍ من فطرتي أعلق أهمية أكبر على الاستقامة في السلوك، إلا أنّ هذا لم يُشبِع القوة الدافعة في نفسي، وكنتُ أشعر بالسلام النفسي المؤقت تبعاً لأعمال الخير التي كنتُ أعملها من أجل الإنسان مجرّدةً عن أي تعصب، ورغم ذلك كنتُ أحِسُّ بحاجة في نفسي، لقد أرادت نفسي أن تعرف الحقيقة بالنسبة لخالق هذا الكون وسر الخلق. وفي جانب الحياة الظاهرة كنتُ أحسُّ إحساساً عميقاً بالمآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية التي تتعرض لها البشرية المكافحة.

     هذا التطلع الذي كان يملأ قلب الرجل، مضافاً إلى الفراغ الذي كان يعيش فيه، هيّأ الفرصة أمامه من حيث يعلم أو لا يعلم ليتجه نحو الشيوعية، وبالفعل يمَّم الرجل وجهه إليها واعتنقها، لكنه لم يلبث أن أُصيب بخيبة أمل منها، إنه لم يجد فيها حلول المشكلات التي كانت تستأثر باهتمامه، ثم إنه مع إغراقه فيها أخذ يخسر إيمانه بالتدريج، ومع خسارته لإيمانه كان يخسر هدوء باله، وراحة ضميره، وسكينة نفسه، وما يتبع ذلك من رضى وطمأنينة وسلام، لذلك ظلّت روحه متعطشةً أبداً كما يقول هو عن نفسه.

     ومن جديد، طفق الرجل يبحث وينقب ويفتش؛ يقول: بدأتُ من جديد أبحث وأنقب في ملتي الهندوكية الواسعة التي ولِدتُ في أحضانها، وأخذتُ أقرأ عن المسيحية واليهودية والجينية والبوذية وديانة السيخ والزرادشتية والفلسفة الصينية القديمة والبهائية.

     وأخيراً بدأتُ أدرس الإسلام الذي كنتُ أحسّ دوماً بميلٍ نفسي يدفعني إليه، وكان من عادتي أن ألتقي برجال متديّنين، ورجال يمثلون مختلف النِّحَل باحثاً عن الصراط العملي المستقيم، ودفعتني دراستي للكتب والمناهج المختلفة إلى الجزم بأنّ كافة الديانات السماوية قد أنزِلت على الناس في أوقات وأماكن معينة، حملها إليهم أكثرهم صلاحاً لهداية البشرية إلى معرفة إله الكون الواحد، وأنّ كل دين من الأديان السماوية المتعاقبة قد أخذ بيد الإنسانية المعذّبة وقادها تجاه مرحلة أسمى من سابقتها.

     اتفقت جميع الأديان السماوية في فهمها لغاية الوجود الإنساني وهي الاعتصام بالنور الإلهي. هذه بعض الخواطر التي كانت تدور في خلدي وأنا أقلب الكتب المقدسة عند مختلف الأديان.

     ووجد الرجل في الإسلام حين درسه كل ما كان يصبو إليه وهو يبحث عن الحقيقة والهداية، ووجد أنّ هذا الدين المحفوظ الخالد يلبّي كافة تطلعات عقله وقلبه، وكافة أشواق فطرته.

     يقول: لقد أيقنتُ أن الإسلام هو المنهج الذي يحقق هذه الغاية، فهو يمتاز بالبساطة والواقعية والاستعلاء والحساسية والشمول. فالإسلام يحترم كافة الأديان، ويوقّرُ جميع الأنبياء، يقول الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:136].

     ويشعر الرجل أنّ هذا الدين هو كلمةُ السماءِ الأخيرةُ إلى الأرض، وأنّ رسالته الشاملة الكاملة جاءت لتكون أفضل الرسالات، وخَتْماً للتنزيل كذلك. يقول بعد أن يتحدث عن منهج الإسلام وآثاره العملية الواقعية: فهل هناك أبلغ من هذا الدليل على شمول الإسلام وعقيدته وإيمانه بالله الواحد الأحد!؟ وهل هناك أفضل من قول الله تعالى كبرهان على ختم التنزيل!؟ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3]، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران:19].

     وبعد .. فإنّ في حديث هذا الهندي المستنير المثقف الذي درس شتى الأديان والنظم فلم يقتنع بها، ثم اقتنع بالإسلام العظيم وآمن به، إيمانَ عقلٍ جوَّاب، وقلبٍ حي، ووجدانٍ جياش لدليلاً على عظمة هذا الدين خلوده، وقدرته على هداية الناس إليه في شتى الظروف والأحوال، ومن مختلف الطبقات، خاصةً من طبقة الأذكياء والمتفوقين.
*****

فرجينيا .. أستاذها أخفى الإسلام والله هداها (2)

فرجينيا .. أستاذها أخفى الإسلام والله هداها (2)

     تركت فرجينيا بكل ما تحوي من مظاهر الماديات، وتركت والدها الغني المليونير، بعد أن تكللت رحلتها الروحية بالنجاح التام، ذلك أنّ روحها طفقت تتحرك باحثة عن الحق حتى فازت بالإسلام.

     صار اسمها بعد أن أسلمت عائشة عبد الله، وهي في العقد الثالث من عمرها، وقد أصدر وزير الأوقاف المصري قراراً بتعيينها مدرّسة لطالبات معهد الفتيات الأزهري الثانوي، وهي تمضي أمسياتها في دراسة القرآن الكريم مع زوجها الذي أعلن عن إسلامه أيضاً، وصار اسمه فارض عبد الله.

     تقول المسلمة الأمريكية في قصة إسلامها: أسرتي غنية جداً، أبي مليونير أمريكي، كانت أمامي كل فرص التمتع بالشباب، وبكل ما يحويه من إغراءات، ولكنني ضقت ذرعاً بهذا المجتمع المادي العنيف.

     درستُ الأدب الإنكليزي والفرنسي والأمريكي، والفلسفة وتاريخ الفن والنقد، وزرتُ معظم عواصم العالم، وأجيد ست لغات أجنبية، ولكن رغم هذا كله فإني كنت أعيش في المجتمع الأمريكي حياة القلق الشديد. وقررتُ أن أفعل شيئاً.

     كان معي قدر هائل من المال والثقافة والطموح لمعرفة سر الحياة والهدف منها. تركتُ أبي المهندس المليونير، تركتُ أمي وإخوتي وانطلقتُ أبحث عن إجابات لأسئلتي الحائرة التي تعذب روحي. ذهبتُ إلى نيويورك، وهناك التحقتُ بجامعة سرالورنس التي لا يلتحق بها إلا أبناء الأغنياء فقط.

     وبدأتُ دراسة الأديان التي لا يُقبِلُ عليها أكثر من واحد بالمئة من الأمريكيين. درستُ اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوكية، وكثيراً من الأديان والمذاهب الأخرى، وكان يدرس لي يهودي لم يذكر لي حرفاً واحداً عن الإسلام. وبالرغم من كل دراستي هذه لم أشعر بالراحة النفسية المفتقدة.

     وفي سنة 1965م تزوجتُ زميلي في الجامعة تيودور جوفيتز من فنزويلا، الذي صار اسمه فيما بعد فارض عبد الله. لقد أعجبتني فيه نفس الحيرة، نفس التساؤلات، درسنا اليوغا، قمنا بتدريبات روحية لا حصر لها. أمضينا شهوراً في التأملات، لكنّ هذا كله لم يقدّم لنا الدستور المفتقد.

     وذات يوم كان تيودور غارقاً في تأملاته، كان يؤدي حركات لم يتعمّدها، لَحْظَتَها أحسَّ براحة تسري في قلبه وكيانه، وقال له بعدها أحد أصدقائه: إنها نفس صلاة المسلمين!.. وكانت هذه بداية خروجنا من عذاب الضياع الروحي المرير.

     وبدأنا دراسة الإسلام ثم أسلمنا، ثم أردنا أن نرى إخوتنا المسلمين في كل الدنيا، وطوال عام، كنا قد قُدنا سيارتنا في جولة مررنا بها على المغرب والجزائر وتونس وليبيا وأخيراً مصر لنرى كيف يمارس إخواننا في الدين حياتهم.

     ولقد تردّدتُ قبل إعلان إسلامي، لأني كنتُ أتساءلُ أولاً: عندما أتركُ كل أصدقائي، كل أسرتي، كل تقاليدي، وعاداتي، حتى ملابسي، ترى هل يمنحني الدين الجديد راحة البال ويقدم لي الجواب على كل ما يثور في داخلي!؟ ولكن بعد سنوات طويلة في دراسة الإسلام كان الجواب أنْ نعم، وعندها اتخذتُ القرار الخطير وأسلمْت.

     إنها قطعة حية معبّرة هذه التي ترويها الفتاة عن إسلامها، قطعة حافلة بالحياة والحركة، وعوامل الإثارة التي تستوقف المرء، وتسترعي الانتباه.

     فالفتاة التي أسلمتْ كانت في قمة الرخاء المادي، من حيث مجتمعها، ومن حيث أسرتها، فهي أمريكية، وأمريكا اليوم قمة الغنى والصناعة والمنجزات، ثم إنّ أسرتها على ثراء واسع، فوالدها مهندس مليونير، الإغراءات إذن كانت أمامها كبيرة، وكبيرة جداً، فهي تحيا في بلد الغنى والمال والجمال، والحرية الشخصية الواسعة جداً، ولديها هي شخصياً من العمر والفرص ما يهيئ لها أن تستغرق في المتع والملاذ كما تريد، لأنها شابة في أول العمر وبنت مليونير واسع الثراء، لكنّ هذا كله لم يهيّئ لها السعادة وبقيت روحها نهباً للحيرة والضياع، والتساؤلات التي لا تجد إجابة مقنعة مما يجعلها في عذاب متصل وقلق شديد، فالفطرة فيها تريد إرضاء نوازعها الدينية، وعقلها يتوق إلى اليقين، وروحها تنشد السلام، ولم تجد ذلك إلا في الإسلام مِن بعد رحلة بحث عن الهداية غنية واسعة.

     ومما يحسن التوقف عنده والإشارة إليه أنّ هذه المهتدية ذات ثقافة واسعة، وعقل حي، ودأب في البحث عن الحقيقة، لاحظ أنها تجيد ست لغات أجنبية، وأنها درست الأدب الإنكليزي والفرنسي والأمريكي والفلسفة وتاريخ الفن والنقد، والتحقت بالجامعة لدراسة الأديان، وانكبّت على دراسة اليهودية والمسيحية والهندوكية والبوذية، ولم تدرس الإسلام في الجامعة لأنّ أستاذها اليهودي الماكر لم يعرض له، ولكنها لم تجد الحقيقة التي تنشدها على الرغم من كل الذي فعلتْ، كما لم تجدها في اليوغا التي مارستها فيما بعد، ولا في التدريبات الروحية الكثيرة والتأملات التي لجأت إليها، حتى أكرمها الله عز وجل آخر المطاف بالإسلام، فاهتدت إليه وخرجت به كما عبّرت هي نفسها من عذاب الضياع الروحي المرير الذي كانت غارقة فيه.
*****

فرجينيا هنري المسلمة (1)

فرجينيا هنري المسلمة (1)

     هي فرجينيا هنري قبل إسلامها، وعائشة عبد الله بعد أن أكرمها الله تعالى بالهداية للحق، عاشت حياتها الأولى في أمريكا في قلب الحضارة الغربية، بل وفي مكان من أشدِّ أمكنتها انحرافاً وفساداً وجاهلية، لقد كانت في هوليود، وكانت تقوم بصناعة الماكياج للممثلات في المدينة السينمائية المشهورة. ويبدو أنّ هذه الأمريكية كانت منذ شبابها المبكر تفكر كثيراً في الله عز وجل وفي اليوم الآخر، وكان لها تأملات وخطرات وسبحات، وكانت ذات نفس شفافة تحمل خيراً كبيراً.

     وحين التحقت بجامعة نيويورك درست جميع الأديان حتى البوذية باستثناء الإسلام حيث كان أساتذة هذه الجامعة بسبب التعصب والجهل يعطون فكرة غير واضحة ولا صحيحة عن الإسلام. وبعد زواجها تعرّفَتْ هي وزوجها إلى صديق مسلم، قدّم لهما فكرة واضحة عن الإسلام، ودلّهما على المركز الإسلامي في واشنطن حيث تعلّما القرآن الكريم ودرسا اللغة العربية، ثم بدا لهما أن يذهبا إلى الأزهر الشريف كي يزدادا علماً، وذهبا بالفعل، وظل النور يتدفق فيهما بعمق وقوة حتى امتلأت جوانحهما به فأسلما.

     ويقول الشيخ رجب العابدي عن المسلمة المهتدية عائشة عبد الله –فرجينيا هنري سابقاً– التي تعمل الآن مدرّسة لمادة اللغة الإنكليزية بمعهد الفتيات بالمعادي: إنها نموذج فاضل للمُدرِّسة الجادة، المحافِظة على أداء الصلوات في أوقاتها، وهي تعتزم أداء فريضة الحج هذا العام.

     ويعمل زوجها الذي اختار لنفسه اسم "رحمة الله"، مترجماً للغة الإسبانية في الأزهر الشريف. وقد سمّت عائشة ابنتها الأولى هاجر، وسمّت ابنها مصطفى تيمّناً وتبرّكاً بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

     هذا .. وقد صحب العائلة الأمريكية المسلمة من أمريكا إلى القاهرة، أسرة أمريكية كاملة أسلمت على يديها، وقررت الإقامة في القاهرة. وتقول عائشة عبد الله: كل سنة سآتي إلى الإسلام بأسرة أمريكية جديدة إن شاء الله.

     والحقيقة أنّ المرء لا يسعه إلا أن يُعجَب بهذه الأسرة الأمريكية المسلمة، ومن اهتماماتها ونشاطاتها وآمالها المرجوة، ولا يسعه كذلك إلا أن يُعجَب كذلك بقدرة هذا الدين على التحرك والامتداد والانتشار في كافة الظروف، ذلك أنه لا يني يفوز من هنا وهناك بعناصر مؤمنة كريمة تستجيب لدعوته وهداه.

     إنّ فرجينيا هنري التي أسلمت فصارت بعد ذلك عائشة عبد الله، فتاة أمريكية عاشت عمرها الأول في بلدها أمريكا، المعقل الأول للحضارة الغربية اليوم، وأغنى بلدان العالم في كثير من الأشياء. ولقد جعلتها ظروفها الأولى تحيا في هوليود، تصنع الماكياج للممثلات، وهوليود في المفاسد والمباذل، والبُعد عن التأمل والاهتمامات الدينية والخُلقية، والإغراق في المُتَع والشهوات، أشهر من أن يتحدث عنها الإنسان، وربما كانت في عصرنا الحاضر أفسد مجتمع على الإطلاق.

     لكن فتاتنا ملكت حاسة التأمل، وتحركت فطرتها تبحث عن الحقيقة، وطفقت أشواقها الروحية تفتش عن النور. وحين أخذت تدرس الأديان في جامعة نيويورك أتيحت لها فرصة دراسة الأديان المختلفة، ما كان منها ذا أصل سماوي وأدركه التحريف كالمسيحية واليهودية، وما كان منها وثنياً كالبوذية. لكنها لم تمتلك فرصة دراسة الإسلام والتعرف إليه، ذلك أنّ أساتذة الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية من الممكن أن يكونوا موضوعيين في عرض حقائق الأديان والمعتقدات المخالفة لآرائهم، لكن أكثرهم يفقِدُ هذه الموضوعية حين يتصل الأمر بالإسلام، وهنا يجتمع التعصب والجهل معاً ليجعلهم يقدمون صورة مشوهة عنه.

     لكن عناية السماء التي كانت تقود خطى هذه الفتاة نحو النور هيّأت لها فرصة ثمينة إذ التقت بمن قدّم لها عن الإسلام فكرة صحيحة واضحة، نقية من الشوائب، فتركت هذه الصورة المشرقة في نفسها أحسن الآثار، ثم دلّها على المركز الإسلامي في واشنطن فإذا بها مع زوجها تتعلم القرآن وتدرس اللغة العربية، وفي النهاية أسلم الزوجان عن قناعة عميقة بعد بحث واستقصاء وتنقيب، فكانت عملية انتقالهما إلى الهداية، تمثل العقل الحر، والقلب الحي، البعيدَيْن عن التعصب، المتعطشَيْن لأنوار الحقيقة، يصلان إلى الهداية بعد رحلة جسدية وعقلية وقلبية وروحية انتهت بهما إلى السعادة والفوز والفلاح.

     وتحية من الأعماق لعائشة عبد الله التي ذهبت مع زوجها إلى مصر لتتعمق في دراسة الإسلام وتتمكن من اللغة العربية.

     وتحية لها إذ تدرّس في معهد للفتيات، وهي مثال للاستقامة والجد والمحافظة على الصلاة.

     وتحية لها وهي تبدو في لباسها الإسلامي السابغ الجميل، صورة من صور العفة والطهر.

     وتحية لها إذ أسلمت عائلة أمريكية كاملة على يديها.

     وتحية لها إذ اعتزمت أن تأتي للإسلام في كل عام بأسرة أمريكية جديدة بإذن الله.
*****

الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

جيمس بار وعائلته إلى الإسلام

جيمس بار وعائلته إلى الإسلام

     لعل كثيراً من الناس في الإسكندرية لم يهتموا بذلك الشاب الأمريكي الأسود، يسير في أحد شوارعها ومعه زوجته الأمريكية الشقراء، ومعهما طفلان صغيران، طفل أسود مثل والده تماماً، وطفلة شقراء مثل أمها تماماً. إنه مستر جيمس بار القادم من جامعة هارفارد، وأمّا زوجته فهي ماريان، وأمّا الطفلان فهما أريك وإيفا.

     قال جيمس بار، الشاب الأمريكي الأسود، والذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره بعد: إنه درس الفلسفة، وعلم النفس الجنائي في جامعة "هارفارد"، وألقى عدداً من المحاضرات في جامعات سويسرا وألمانيا الغربية، ثم سافر إلى بيروت وعمل محاضراً في جامعتها الأمريكية، وأخيراً جاء إلى مصر ليَدرُس الإسلام والقرآن الكريم، ويتعلم اللغة العربية في الأزهر الشريف. وقد بدأت قصته مع الإسلام في أمريكا، عندما سمع واحداً من الزعماء الأمريكيين السود يتحدث عن تعاليمه.

     لكنّ فكرته عن الإسلام في البداية كان فيها خطأ كبير، ذلك أنه كان يعتقد بسبب جهل من علّموه في أمريكا أنّ الإسلام دين خاص بالسود، وأنه دين الخلاص لهم وحدهم، لكنه فيما بعد اكتشف خطأه، وصحّح من موقفه، واقتنع أنّ الإسلام دين الجميع بدون أي تمييز في اللون أو اللغة أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية. واهتمّ جيمس وزوجته ماريان بالإسلام، وعندما سافرا إلى بيروت وجدا أمامهما فرصة أكبر لدراسة تعاليم هذا الدين العظيم.

     وما زالا يدرسان الإسلام، ويفكران فيما يتعلمان من أموره، ويقارنان بينه وبين المسيحية التي كانا عليها، حتى انتهى بهما الأمر إلى الاقتناع التام بعظمة الإسلام وصحته، وأنه دين الهداية والإنقاذ، فكان أن أسلما في بيروت، وأشهرا إسلامهما أمام أحد القضاة المسلمين، ثم قررا دراسة الإسلام في الأزهر الشريف، وسافرا إلى مصر من أجل ذلك، ومن أجل تعلم اللغة العربية كذلك.

     يقول جيمس: إنه سوف يُمضي في مصر ثلاث سنوات على الأقل، حتى يفهم الإسلام على حقيقته وتفهمه زوجته على حقيقته كذلك، وبعد ذلك يعودان إلى أمريكا لينشرا تعاليمه الكريمة، ويدعوان إليه بين الأمريكيين، وليسعيا –ما وسعهما الجهد– إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام بين المسلمين الأمريكيين، الذين اقتنعوا بصحة هذا الدين، وأسلموا عن قناعة تامة، وصدق وإخلاص، لكنه لم تُتَحْ لهم الفرصةُ من أجل أن يدرسوا الإسلام دراسة شاملة، صحيحة ونقية.

     وحين سُئِلت زوجته ماريان: لماذا اقتنعتْ بالإسلام وغيّرتْ ديانتها!؟ تلقف طفلها الصغير أريك وهو في السادسة من عمره الإجابة ليقول بسرعة: من أجل أن نكون أناساً طيبين!.

     وهنا ابتسمت ماريان في سعادة وقالت للسائل: تماماً كما يقول ابني، لقد عبّر رغم صغر سنه بأمانة ووضوح وبعبارة وجيزة عن سؤالك إياي: لماذا صرتُ مسلمة؟

     ونظرت ماريان إلى زوجها وطفليها وقالت: لقد اكتشفنا أنّ المساواة قاعدة أساسية في الإسلام، فهو الدين الذي يسوّي بين الناس جميعاً، ولا يفرّق بينهم لأي سبب من أسباب العنصرية كاللون أو الطبقة الاجتماعية.

     إنّ الإسلام يعلمنا كيف نكون أنقياء بسطاء رحماء، وإننا نؤمن بالله عز وجل، وبالقرآن الكريم وتعاليمه، وجئنا لندرس القواعد السليمة لديننا الجديد.

     هذا .. وقد قررت ماريان تغيير اسمها إلى عائشة، واختار زوجها اسم عبد الله، أما الطفل أريك فاسمه هو علي، وأما الطفلة إيفا فقد صار اسمها مُنى.

     وإننا إذ نفرح حين نورد خبر هذه الأسرة الأمريكية التي هداها الله تعالى للإسلام لا يفوتنا أن نرى فيها أكثر من درس وأكثر من دلالة. فالرجل الذي أسلم أستاذ في الجامعة، ومعنى ذلك أنه على مستوى ثقافي جيد بين ذويه، ولم يعمل في الجامعة في بلده فقط، بل عمل كذلك في سويسرا وألمانيا الغربية وبيروت.

     هذه ناحية يحسن ألا تغيب عنا، وثمة ناحية ثانية، هي أنّ الرجل ذو نفس تبحث عن الحق حتى إذا اكتشفته خضعت له وانصاعت لتعاليمه وأحكامه.

     إنّ الرجل بدأ يصغي للإسلام وهو في بلده، وبدأ يقتنع به خلال إصغائه ذاك، لكنه حين جاء إلى البلاد العربية وتبيّن له أنّ فكرته عن الإسلام فيها أخطاء كبيرة، سارع يصححها، ويعدل عن قناعاته، على ضوء ما عرف من حقائق عن هذا الدين كان يجهلها من قبل، بل إنه أكّد أنه سيسعى بعد عودته إلى بلده إلى تصحيح المعلومات المشوهة العالقة بالإسلام هناك، وتقديم الإسلام بصورته الصحيحة النقية، خاصة أنه قرر البقاء في مصر ثلاث سنوات حتى يدرس الإسلام واللغة العربية بصورة جيدة متقنة.

     وبعد .. فإنها صورة كريمة مشرقة، لحالة من حالات الهداية الربانية، أضاءت وجدان أسرة أمريكية ضالة فأسلمت، وإننا إذ نفرح بمثل هذه الهداية، نستشعر واجبنا كمسلمين في حمل الإسلام ونشره، فما مِنْ ريب في أننا إزاء واجبنا هذا مقصرون.
*****

المهتدي الهندي بيجي رودريك

المهتدي الهندي بيجي رودريك

     لا يخطئ الإنسان المتمعن وهو يدرس سِيَرَ أولئك الذين اهتدوا للإسلام بعد دراسات ومقارنات، وتأمل وتدبر، وبحث مخلص جاد، أن يجد لدى بعضهم إنْ لم يجد عند أكثرهم ملاحظاتٍ ذكيةً نافذة ربما غابت عن المسلم العادي، ولا يعني ذلك بالضرورة أن يكون المهتدي الجديد على حظ واسع من المعرفة بشكل دائم يجعله باحثاً متفوقاً، خاصة في الفترة الأولى من إسلامه قبل أن ترسخ قدمه في هذا الدين، ويتعمق فهمه ويشتدّ إيمانه، لكنَّ هذا لا يمنع أن نفوز من كثيرين من المهتدين الجدد بملاحظات ذكية قد لا يفطن لها أكثر المسلمين، خاصة حين يتجه المهتدون الجدد إلى نقد البيئة الأولى التي كانوا عليها قبل إسلامهم، وعاداتها ومُثُلِها ودينها وتراثها، فهم بذلك أعرف نظراً لأنها المناخ الأول لهم، فيه نشؤوا ولبنه رضعوا وثقافته استوعبوا.

     ولعل هذا الأمر يبدو بشكل أوضح حين ننتقل إلى المثال العملي الذي يكشف عن صدق هذه الظاهرة وجدّيتها كما في النموذج التالي. لقد شاع بين الناس كثيراً أنّ المسيحية دين الرحمة والتسامح، ولقد أخذ دعاة المسيحية وكُتّابها يكتبون عن هذه الفكرة ويؤكدونها، ويُبْدِئون فيها ويعيدون، حتى باتت عند كثير من الناس وكأنها الحق الذي لا مراء فيه، والحقيقة التي لا تقبل جدلاً قط. وعلى عكس ذلك شاع في الغرب أنّ الإسلام دين السيف والقسوة والدماء، وأنه كان يفرض على الناس اعتناقه بالقوة وإلّا قُتِلوا.

     وقد كتب الجهلة والحاقدون والمرتزقة من قساوسة الاستعمار وأذناب المبشِّرين الكلامَ الكثير في هذا المجال، مما حجب الحقيقة عن كثير من الناس، وجعلهم يؤمنون بتلك الأباطيل التي افتراها أعداء الإسلام وألصقوها به، لكنّ الحقائق الصارخة والشواهد التاريخية الكثيرة تنطق برحمة الإسلام وسماحته وإنسانيته، وتَسِمُ مَنْ يدّعون أنهم المسيحيون الرحماء بِشَرِّ ما يوسم به متوحشٌ شَرِهٌ موغل في سفك الدماء.

     وقد استطاع الأستاذ بيجي رودريك، وهو مهتدٍ هندي ولِد في بيت إنكليزي وَرُبِّيَ فيه مسيحياً وتلقى تعليمه المبكر في إحدى مدارس التبشير، أن يصل ببحثه الشخصي إلى الإسلام فيؤمن به، ويكتشف سماحته ورحمته، ويكتشف أسطورة الرحمة الموهومة عند الآخرين.

     يقول الرجل: إنّ السيد المسيح كما جاء في الأناجيل المختلفة لم يعلّم أتباعه الطريقة الصحيحة لاستخدام السيف، فكانت النتيجة أنّ السيف كان دائماً في يد أتباعه، وقد استخدمه الصليبيون كثيراً في ذبح السكان الأبرياء في الأقطار غير المسيحية، بل لقد استُخدِمَ السيف في بعض الأحيان من قِبل طوائف مسيحية ضد طوائف مسيحية أخرى.

     ولقد استُخدِمَ السيف في يد الدول الاستعمارية بتأييد من الكنيسة ومباركتها في سبيل قهر شعوب آسيا وأفريقيا واستغلالهما، ومحو سكان نيوزيلاندا الأصليين تماماً كما جرى في أستراليا وأمريكا الشمالية.

     ثم جاءت نقطة التحول في حياتي عندما أسقط الأمريكيون القنابل الذرية على اليابان في ناغازاكي وهيروشيما سنة 1945م، وامتلأت نفسي بالرعب والفزع عندما قرأتُ عن الوفاة الفظيعة لملايين البشر من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، وعندما علمتُ بالآلام الفظيعة التي لا يمكن تصورها، يقاسيها عدد لا حصر له من الناس الذين نجوا من الموت الفوري، وقضيتُ عدة ليالٍ لا أذوق طعماً للنوم بعد أن قرأتُ عن هذه الأحداث، فقد كنتُ أشعر بالأسى وأنا أقرأ عن جرائم احتلال اليابان، وكنتُ أستنكر الغزو الذي قام به جيش من المبشرين النصارى ضد الجزر اليابانية تحت سمع وبصر الجنرال ماك آرثر، لاستعباد الروح اليابانية، وإنشاء طبقة من الخونة المتنصِّرين ليساندوا سادتهم ضد أبناء بلدهم.

     وبعد أن أشبع بيجي رودريك، المهتدي الهندي، هذه الناحية وبيّنها خير بيان، انتقل إلى الصفحة المضادة، الصفحة الإسلامية المشرّفة ليتحدث عن الحرب في الإسلام وقوانينها وأخلاقها، فقال: إنّ الكمال لله وحده، وكل الناس خطّاؤون لذلك لا بد من فرص للدفاع المسلّح، إلا أنّ قوانين الحرب في الإسلام تُعَدُّ أكثر القوانين إنسانيةً فهي تتضمن السلامة الكاملة للنساء والولدان وجميع غير المحاربين، وليس هناك أعظم من جريمة قصف المدارس والمشافي وأماكن العبادة ومساكن المدنيين، فالإسلام يأذن بالحرب لرفع الاضطهاد، كما يأذن بها لإزالة العراقيل التي تقف في طريق الدعوة والدفاع عن النفس، ولكنه لا يُكرِه أحداً على الدخول في هذا الدين، كما لا يُقِرُّ إبادة العُزْل على يد المستعمرين والمتعصّبين.

     ونفاسةُ هذا الكلام الذي يقوله المهتدي الهندي، كما يقول الدكتور محمد رجب البيومي: ترجع إلى نفاذ قائله وعمق بحثه وتعبيره عن الحقائق من أقرب طريق متمشياً مع قواعد الاجتماع والسياسة الأممية المرتبطة بأصول من الأخلاق المعترف بها لدى الجميع.

     وقوله في مطلع حديثه: إنّ المسيح عليه السلام لم يعلِّم أتباعه الطريقة الصحيحة لاستعمال السيف، فكانت النتيجة أَنْ كان السيف دائماً في يد أتباعه، هذا القول يدل على النظرة الواقعية للإسلام باعتباره ديناً واقعياً جاء ليبيّن الطريقة الصحيحة لوقاية الناس على أرض الناس، كما يدل على قصور المسيحية حين خاصمت السيف لفظاً ليكون وسيلتَها الدائمة فعلاً في الحياة، بينما هو في الإسلام حاجة ضرورية يُلجأ إليها إذ لا مناص، وهذا ما أكّده الأخ بيجي رودريك حين قال:

     إنّ تعاليم الإسلام الخُلقية تحقق امتزاجاً تاماً بين المثالية والواقعية، فبفضلها يستطيع الإنسان أن يعرف الله ويصبح ربّانياً وهو يقوم بنشاطات الحياة اليومية، وليس في الإسلام أي فصل بين الدين والسياسة، فعلى الحكومة الإسلامية أن تراعي نفس المبادئ الخلقية التي يراعيها الأفراد عند التعامل فيما بينهم، وذلك في معاملتها للناس والدول الأخرى. فليس في الإسلام أي مجال للظلم والاستغلال مهما كان نوعه، كما أنه لا سبيل في هذا الدين إلى وجود الاستعمار والتفريق العنصري، والصراع الطبقي، والحروب الجائرة المعتدية.
*****

الأكثر مشاهدة