الثلاثاء، 22 أغسطس 2023

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

 

إسلام المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس (1)

     "إن الشريعة الإسلامية ترتكز على الأخلاق، وهي تنظّم سلوك الفرد من أسمى وجهة نظر لصون المجتمع، وحمايته بسلامة العقل والطمأنينة والاستقرار، إنها تنشئ انسجاماً تاماً بين الحقوق والواجبات عند الفرد وعلاقته بحكامه".

     هذه عبارة قالها الدكتور عبد الكريم جرمانوس، المجَري الذي اهتدى إلى الإسلام يشيد فيها بالشريعة الإسلامية وعظمتها.

     وابتداءً لا بد لنا من أن نقول: نحن لا نعلّق ولاءنا للإسلام على شهادة بصلاحيته يقول بها أحد من البشر، لكنّ هذا لا يجعلنا نغلق على أنفسنا أبواب الانتفاع من تجارب وخبرات جعلت طوائف من الناس تؤمن بعظمة الإسلام وصحته وخلوده. وتعلن قناعتها هذه على رؤوس الأشهاد، دون تردد أو خوف أو مجاملة.

     إن بعض المفتونين بالغرب، الذين يشعرون إزاءه بالإعجاب والإكبار، ينظرون في ضيق إلى العقوبات الإسلامية، ويرون فيها شيئاً من القسوة. فلنسمع ما قاله أحد المثقفين الكبار في هذا:

     "إن شريعة الغرب الحديثة تميل إلى تخفيف آلام الآثام والجرائم إلى حد إلغاء العقاب. وبعض مشرّعي القانون ينكرون الإجراء الصارم لجريمة السرقة. إنني في خبرتي وتجوالي في أثناء حياتي المبكرة في عدد من الدول الإسلامية لم أقابل أحداً ممن قُطِعت أيديهم، كما أني لم أسمع عن حادثة سرقة ارتُكِبَتْ في المتاجر والأسواق الشرقية وأنا شاهد عيان في تركيا ومصر وسوريا والعراق والمغرب على أنّ أصحاب المتاجر والحوانيت، تركوا أكشاكهم مفتوحة في أثناء الصلاة، فقد كانوا يتركون لافتة تقول: إن صاحب المتجر غير موجود. إنّ العقاب العادل المنصف الذي كان يُعلن بواسطة القاضي كان كافياً ليحول دون مجرم جديد لجريمة جديدة".

     صاحب هذا النص الذي قدّمناه هو الدكتور عبد الكريم جرمانوس، وهو يكشف عن دور العقوبات الإسلامية في تحقيق العدل وإذاعة الأمن.

     ثمة سؤال صغير نوجهه للمفتونين بموقف الغرب إزاء العقوبات هو: إنّ الجرائم هناك تزداد عدداً وتنوّعاً وحدّة، والبيانات والإحصاءات والأرقام تدل على ذلك. أليس هذا معناه أن قانون العقوبات عند القوم فاشل؟ وإلا.. فكيف نفسّر الزيادة المطردة في حجم الجريمة بأنواعها المختلة؟

     إنّ قانون العقوبات يحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية زيادة الجريمة، ولكن تشترك معه فيها عوامل شتى، وأهمها تردّي الوازع الديني عند القوم باستمرار. وإذا وجدت في الغرب، بعض الحركات والنشاطات الدينية، فهي على الأكثر مجرد فَوْرات وقتية سرعان ما تخبو وتبيد.

     إنّ بوسع المرء الباحث عن حقيقة الإيمان في المجتمعات المعاصرة أنْ يقررَ بأنَّ العالم الغربي بشقّيه الرأسمالي والشيوعي لا يعرف الإيمان، العالَم الشيوعي ينكر وجود الله عز وجل ابتداءً ويؤمن بالمادة، والعالَم الرأسمالي لا ينكر وجود الله تعالى، لكنه من الناحية العملية الواقعية، يمارس شتى نشاطاته بمعزل عن هدي الدين وتوجيهاته.

     ولقد كان من نتائج ذلك أن أخفقت حضارة العصر إخفاقاً ذريعاً، وذلك لأنّ أياً من هذين العالَمين على الرغم من إنجازاته العلمية الهائلة لم يستطع أن يَهَبَ للبشرية ما تتطلع إليه من طمأنينة واستقرار، وعدالة وكرامة، بل إنه على العكس من ذلك يسلبها باستمرار طمأنينة نفسها، وسلام روحها، ويتركها نهباً للحيرة والقلق وشتى المخاوف.

     ولقد أثبت استقراء التاريخ أنّ العلم ليس إلا جزءاً يسيراً من حضارات الشعوب، وأنّ الحضارة الحق، هي محصّلة التفاعل التاريخي بين جوانب الحياة الروحية والمادية وما تحمل من خير وسعادة للإنسانية بأسرها، وأنّ العلم إذا لم يكن وسيلة لخير الناس وبناء المجتمع البشري وطريقاً لمرضاة الله عز وجل وإعلاء كلمته، سوف يصبح وسيلة دمار وخراب للبشرية كلها، فيجد الإنسانُ نفسَه صريعاً بسلاحه في آخر المطاف، وينقلب نشاطه عبئاً عليه، ويصبح ذكاؤه كارثة تدمّره.

     لقد سقط إنسان العصر الحديث تحت أقدام المادية العمياء مأخوذاً بوهج الإنجازات العلمية الرائعة، ولقد تمثل سقوط الإنسان في العالَمين الشيوعي والرأسمالي ببروز مشكلات سياسية ونفسية، واقتصادية وإنسانية، وأخلاقية واجتماعية، وتربوية وسلوكية، في غاية العنف والكثرة والتنوع، ونتيجةً لهذا سيطرت على البشر موجات من القلق والفوضى والعبث والضياع والفراغ والحيرة، والمسلم وحده هو الذي يمتلك طوق النجاة.

     إنّ عليه أنْ ينقذ الإنسان المعاصر من مآسيه ومتاعبه، ويقوده بالإسلام إلى طريق السعادتين، سعادة الدين وسعادة الدنيا على السواء:

إنَّ هذا العصــــرَ ليلٌ فــأنِرْ     أيها المسلمُ ليلَ الحـــــائرينْ
وسفينُ الحقِّ في لجِّ الهـوى     لا يرى غيرَكَ ربّانَ السفيـنْ

     إنّ المرء لَيَستشعر في بيتَيْ إقبال هذين، أنّ ثمة دوراً كبيراً ينتظر أمّة العرب والإسلام، وأنّ المسلمين والعرب اليوم قادرون أكثر من أي وقت مضى على مسيرة التعاون من أجل الخير لأنفسهم وللبشرية جمعاء.

     ها هي ذي الشيوعية تزعم الدفاع عن العدل، وها هي ذي الرأسمالية تدّعي الدفاع عن الحريّة، وعلى المسلمين كشفُ هذه المزاعم بكل طريق ممكن، وأهمُّ وأوّلُ هذه الطرق أن يقيموا مجتمعاً إسلامياً راشداً، يحقق العدل والمساواة والحرية، ويطلق طاقات البناء والتعمير في مسيرة إيجابية جادة لخدمة الفرد والجماعة والحضارة. إنّ مثل هذا المجتمع هو أعظم تعريف بالإسلام وردٌّ على أعدائه.
*****

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي (2)

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي
(2)

     حين أسلم الدكتور الياباني المعروف شوقي فوتاكي، أخذ يفكّر كيف يوصل الإسلام إلى أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الياباني، وطفق يوظف طموحه وشعبيته الممتازة من أجل ذلك.

     وقد نشط الدكتور شوقي للسعي من أجل هذا الهدف الجليل بسبب جملة من العوامل، من بينها ذلك التشجيع المعنوي الذي لقيه الرجل، ومن بين صور هذا التشجيع، حفلة أقامها أحد العاملين في السلك الدبلوماسي في طوكيو، في بيته، للمسلمين الجدد، وبعض المسلمين القدامى، وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي، وحضرها كذلك أعضاء المركز الإسلامي في طوكيو، وخلال هذه الحفلة الكريمة، عُرِضَ فيلم عن الحج، كان له وللحفلة الأثر الكبير.

     وبدأ الدكتور شوقي يفكر كيف يحوّل إلى الإسلام جميع أعضاء الجمعية التعاونية التي تمتلك المستشفى الذي يديره، وعدد هؤلاء عشرة آلاف شخص، وهم من مختلف الطبقات، من وزراء ونوّاب وأساتذة جامعات وعمّال وتجّار، ويفكر كذلك في هداية كافة زملائه ومعارفه المبثوثين في كافة أنحاء اليابان، حيث هو شخصية اجتماعية، ذات صلات واسعة.

     ولقد صرّح الدكتور شوقي في الرياض بعد إسلامه بقليل، حيث كان في جولة لزيارة بعض البلدان العربية والتعرف عليها، وأداء العمرة، وزيارة المدينة المنورة، بأنه يأمل أن يسلم خلال عشر السنوات القادمة مليوني ياباني.

     وشهد شهر ربيع الأول من عام 1395هـ؛ حدثاً كبيراً في تاريخ الإسلام في اليابان وهو أول الغيث إن شاء الله، فقد اتصل الدكتور شوقي فوتاكي بالمركز الإسلامي في طوكيو طالباً الاستعداد لاستقبال عدد من المسلمين الجدد في مسجد طوكيو، وذلك يوم الجمعة 8 ربيع الأول 1395هـ= 21 آذار 1975م.

     واتصل المركز الإسلامي بالمسلمين المقيمين في طوكيو لإبلاغهم النبأ، وكذلك بالسفارات الإسلامية. وفي يوم الجمعة المحدد كانت المفاجأة السارة، ذلك أن 68 شخصاً يابانياً دخلوا مسجد طوكيو قبيل صلاة الجمعة، وهم يتوشحون بوشاح أبيض مكتوب عليه بخط أحمر، اسم الجمعية الدينية التي ينوي الدكتور شوقي إنشاءها لكي ينطلق منها العمل الإسلامي، ويزوّد عن طريقها المسلمين الجدد بالثقافة والتربية الإسلامية، وكان يرافق هؤلاء الدكتور شوقي، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا معه. أما اسم الجمعية الذي كُتِبَ على الوشاح فهو "كونغرس مسلمي اليابان".

     ثمانية وستون شخصاً هم الذين جاء بهم الدكتور شوقي إلى المسجد، وهم ما بين رجل وامرأة، وطفل رضيع، وصبي وشاب، ورجل وعجوز، إنهم يمثلون مجتمعاً متكاملاً من جميع النواحي.

     وبعد صلاة الجمعة، زُوِّدَ كل واحد من الحضور، بورقة كُتِبَتْ عليها الشهادتان بالخط الياباني، وكان المسجد غاصاً بالمصلين من اليابانيين القدماء في الإسلام، ومن غير اليابانيين، وجلس المسلمون الجدد في صفوف، وشرح لهم معنى الشهادتين، وما هو الإيمان، ولما كان العدد كبيراً بدأ إمام المسجد وهو شيخ تركي، اسمه عينان محمد صفا يلقّنهم الشهادتين، وهم يرددونها بعده بشكل جماعي.

     واختار كل واحد من المسلمين الجدد الاسم الذي يعجبه، من قائمة بالأسماء الإسلامية، شُرِحَ فيها معنى الأسماء باللغة اليابانية، وبعدها أقبل المسلمون الآخرون من يابانيين وغير يابانيين، على المسلمين اليابانيين الجدد، يهنّئونهم، والكل يعلو وجهه البِشر والفرحة!.. حقاً إنه لَيومٌ من أيام الله في اليابان، فلأول مرة تشهد طوكيو، هذا الدخول الجماعي في الإسلام ومن كل الطبقات والأعمار.

     أما الدكتور شوقي فقد كان واقفاً خلف الصفوف كالديدُبان، تعلو وجهه ابتسامة وفرحة بدخول أصدقائه في الإسلام، وأعلن بعد ذلك عزمه على أن يسعى لدخول ثلاثة آلاف شخص على الأقل في الإسلام حتى نهاية هذا العام، وأن يأخذَ العديد منهم لأداء فريضة الحج.

     والمركز الإسلامي في طوكيو لا يدّخر وسعاً في رعاية المسلمين الجدد، وتوفير الفرصة لهم لفهم الإسلام أكثر، وتركيز معاني الإسلام في نفوسهم، ويأمل من الحكومات والشعوب المسلمة التعاون معه في أداء مهمته في هذه البقعة النائية من العالم، ويأمل في المستقبل القريب أن تشارك السفارات العربية والإسلامية بدور فعال في إدارة المركز الإسلامي ليكون صوته أقوى، وأثره أكبر، وليتمكن من إقامة بناء فخم، يمثل وجه العالم الإسلامي، ويستوعب كافة النشاطات الإسلامية، ويطبع العديد من الكتب الإسلامية باللغة اليابانية.

     هذا .. وقد جاءت موجة من الإسلام الجماعي بعد الموجة الأولى بأربعة عشر يوماً، ففي يوم الجمعة 22 ربيع الأول 1395هـ= 4 نيسان 1975م، جاء الدكتور شوقي بحوالي 200 شخص إلى مسجد طوكيو، واعتنقوا جميعاً الدين الإسلامي.

     إنّ ذلك كله دليل كبير على الفرصة المواتية لانتشار الإسلام في اليابان، وهي فرصة ثمينة ينبغي أن يُحسِن المسلمون الاستفادة منها قبل أن تضيع.
*****

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي (1)

إسلام الياباني الدكتور شوقي فوتاكي
(1)

     تدل دراسة أحوال الشعب الياباني، وتفحص ظروفه المختلفة، أنه ميدان خصيب للدعوة الإسلامية، إذا توجّهت نحوه جهودٌ تجمع الصدق والوعي، والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة متنوّعة، ودلالتها واضحة في غاية النقاء والوضوح والصراحة. وفي توقّفنا مع الدكتور شوقي فوتاكي، الطبيب الياباني المشهور، الذي أسلم مؤخراً، دليل على تلك الحقيقة، وعلى غيرها من حقائق الإسلام الأساسية.

     يقول الدكتور شوقي عن نفسه: إنه كان يؤمن بالأمور الروحية منذ صغره، وحين أُتيحت له فرصةُ التعرف إلى الإسلام خاصة منذ عامين ماضيين، عن طريق صديقه أبي بكر موريي موتو؛ اقتنع أنّ ما يؤمن به من أمور روحية، قريب من الإسلام، ووجد الإسلام يروي ظمأه الروحي فأسلم.

     والدكتور شوقي ليس رجلاً عادياً، بل هو طبيب مشهور في طوكيو يتردد على المستشفى الذي يديره حوالي عشرة آلاف شخص، ويحظى بسمعة اجتماعية ممتازة في الخير، ومحبة مَنْ يتعاون أو يعمل معه، ومن يتردد على مستشفاه.

     ونظام الضمان الصحي في اليابان يجعل الدولة تلتزم بـ70% من نفقات العلاج، بينما يتحملُ المريضُ الباقي، وهو 30% من تلك النفقات. والمرضى الذين يأتون للعلاج عند الدكتور شوقي يتنازل لهم عن الـ30% مكتفياً بالـ70% التي يأخذها من الحكومة، وهذا دليل على شخصية الدكتور شوقي ونفسيته الخيّرة، وهو أيضاً أحد الأسباب التي تفسّر الشعبية الواسعة التي يتمتع بها والتي يحاول الآن توظيفها لصالح الإسلام.

     وقد شعر الدكتور شوقي بعد أن هداه الله تعالى للإسلام، بواجبه في نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها لذويه، وهذا نابع من إخلاصه وحسن فهمه، ونابع كذلك من شعور الاعتزاز بالإسلام، والفخار بالانتماء إليه، وهو شعور نبيل واثق يمتلك على الدكتور شوقي اهتماماته ومطامحه في هذه الفترة. لذلك تراه حريصاً على اغتنام أي فرصة مواتية لإبلاغ الإسلام لبني قومه.

     لقد التقى بصديقه الذي يعمل مديراً لإحدى الجامعات المهمة في اليابان، المرّةَ بعدَ المرّة، وهو لا يفوّتُ واحدة من هذه المرات دون أن يدعو صديقه للإسلام. ويتفنن الدكتور شوقي في طريقة الدعوة ووسائلها، وقد أسلم بسبب جهوده أكثر من 200 شخص مؤخراً، علماً أنه أسلم منذ عدة سنوات فقط، ومع ذلك يقول: نحن نخجل من هذا العدد القليل الذي اهتدى إلى الإسلام.

     وقد نشرت مجلة شيوكان شينتيو، وهي مجلة مشهورة في اليابان مجموعة من الصور الملتقطة في مسجد طوكيو لعدد من المسلمين الجدد الذين هداهم الله تعالى على يد الدكتور شوقي فوتاكي، وفي هؤلاء رجال، وفيهم نساء، بل وفيهم أطفال رضّع، حيث جاء البعض بأولادهم الصغار، وأطفالهم الرضّع في يوم الإسلام الجماعي في مسجد طوكيو.

     كانت النسوة بالثياب البيضاء في الدور الثاني من المسجد ومعهنّ الصغار والأطفال، وكان الرجال في الدور الأرضي منه. وبعد صلاة الجمعة تقدم المهتدون الجدد واحداً واحداً يختارون الأسماء الإسلامية، حيثُ كانت أُعِدَّتْ لهم قوائمُ مسبقة بها، مع ترجمة لمعانيها، ليختار كل منهم الاسم الذي يروق له، وكان الجميع في منتهى السعادة.

     قال أحد المسلمين الجدد: لقد أسلمتُ اليوم بفضل الله تعالى، ثم بفضل الدكتور شوقي فوتاكي وهو أستاذنا الكريم، ولا بد أن أدرس الدين الإسلامي دراسة عميقة حتى أكون مسلماً عظيماً، وأسأل الله تعالى أن يسهّل لي ذلك.

     وقال آخر: الحمد لله، أسلمتُ اليوم بفضل الله تعالى، ثم بفضل السيد فوتاكي، أنا سعيد جداً الآن، ومضى يقول: لم تكن اليابان تميل إلى الاهتمام بآسيا وأفريقيا مع أنها جزء من هذه البلاد، أما الآن فقد أصبحت تهتم بهذه البلاد التي علينا أن نتعلم تاريخها ودينها وعاداتها بشكل جيد كي نصل إلى التفاهم الصحيح معها، والآن أملنا كبير في أن تنمو العلاقات حتى تصبح وحدة المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ويصبح المسلمون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، وأرجو الله العظيم، أن يسدد خطانا ويوفقنا في نشر دين الإسلام في اليابان.

     وهذا كله يدل على شخصية الدكتور شوقي الخيّرة والفاعلة معاً، وحين بدأ ينشر الدعوة الإسلامية، أعدّ دعوة في بيته حضرها الدكتور صالح السامرائي وعدد من أعضاء السفارات، وفي تلك الجلسة، أسلم أربعة من أصدقائه وأقربائه، وحين عرف أنّ أحد الحضور هو من مواليد مكة المكرمة، ازداد ومَنْ معه تأثراً وتعلقاً به، وهكذا جعل الله تعالى البيت الحرام مهوى للأفئدة حتى عند هؤلاء المسلمين اليابانيين الجدد.

     وبعد .. فهذا عرض سريع جداً يكشف عن الفرص الكبيرة، المتاحة أمام انتشار الإسلام في اليابان، والتي يحسُن بالمسلمين أن ينتهزوها ليقدموا رسالة الإسلام الخالد، نوراً وهداية، لهذا الشعب الحائر، الذكي الشجاع الطموح.
*****

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

إسلام الكونت هنري وشاكر جورج

     يمكن للمرء أن يقرر أنّ هناك عدداً من المفكرين المنصفين، الغربيين والعالميين، جاءتهم الفرصة المواتية لدراسة الإسلام دراسة جادة متكاملة، ومن مصادر نقية، بعيدة عن تشويه رجال الكنيسة ومَنْ يشابههم ممن يحملون روحاً صليبية معادية للإسلام والمسلمين.

     وهؤلاء المفكرون الذين درسوا الإسلام هذه الدراسة الموضوعية الأمينة، قد انتهت في كثير من الأحيان، إلى أن اتخذ هؤلاء المفكرون من الإسلام، مواقف كريمة حقاً، فبعضهم أعلن إسلامه على رؤوس الأشهاد، وطفق يدعو إليه، وبعضهم أسلم ولم يمارس أي دعوة لدينه الذي اهتدى إليه، وبعضهم لم يُسلم، لكنه قال في الإسلام وحضارته وما يتصل به، أقوالاً في غاية الروعة والإنصاف.

     ولقد كانت الحروب الصليبية سبباً من الأسباب القديمة المبكرة التي جعلت الكثيرين من الغربيين، يغيّرون وجهة نظرهم فيما يتعلق بالشرق على العموم، وبالإسلام على الخصوص، وذلك بسبب ما شاهدوه في الشرق المسلم من صفات الشهامة والنبل والفروسية والأخلاق السامية الشريفة، وبسبب ما اكتشفوا من أنّ الدين الإسلامي، ليس دين همجية ووحشية وخرافة وما إلى ذلك من افتراءات، كان يُلْحِقها زوراً وبهتاناً رجال الكنيسة بالإسلام وقرآنه الكريم، ونبيّه الطاهر صلى الله عليه وسلم.

     وبدأ الغربيون يدرسون، في شيء من التدبر والرويّة، هذا الشرق المسلم، الذي كان لا يثير في نفوسهم إلا ما رسمه رجال مُغرضون متعصّبون، من صور له وللحياة فيه، وعقائده وآدابه، تبعث النفور والاشمئزاز. ثم كانت الرحلات الكثيرة، وكان الاتصال المستمر، والصلات المباشرة الوثيقة، من العوامل الفعالة في إزالة كثير من الأوهام التي علقت بأذهان الغربيين عن الشرق وعن الإسلام.

     ومما لا شك فيه أنه لم يعد يوجد اليوم في الغرب، كاتب يحترم نفسه، يذكر أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو إله المسلمين ومعبودهم، كما كان يقول ذلك من قبل كُتّابٌ سابقون.

     ولم يقف الأمر عند إزالة الأوهام فحسب، لكنَّ تيارَ فَهْمِ الإسلامِ فهماً جيداً أميناً، قد بدأ يخطُّ مجراه، لذلك أخذنا نسمع حديثاً منصفاً موضوعياً، يثني على الإسلام أحسن الثناء، ويدلي بشهادات عظيمة في ذلك.

     وهؤلاء الكُتّاب المنصفون الغربيون، نجد منهم مَنْ أعلن إسلامه، في غير لبس ولا مراءاة، وجابهَ الرأي العام في بيئته بعقيدته الجديدة، وأخذ يدعو إليها مكرِّساً وقته لنشرها، ومنهم مَنْ أحبّ الإسلام ولا ندري ما الذي أسرّه في نفسه، وإن كان المرء يتوقع أنّ مِنْ هذا الفريق مَنْ أسلم لكنه آثر أن يظلّ إسلامه طي الكتمان.
*****

     ومن مشاهير الأوروبيين الذين يَحسُنُ بالمرء أن يتوقف عندهم وهو يتحدث عن صلة عدد من الغربيين المنصفين بالإسلام، الكونت هنري دي كاستري.

     إنّ هذا الرجل درس الإسلام دراسة عميقة، وكتب عنه كتاباً تُرجِمَ إلى العربية ونُشِرَ فيها تحت عنوان "الإسلام سوانح وخواطر". وقصة تفكيره في دراسة الإسلام قصة طريفة.

     كان الرجل من كبار الموظفين في الجزائر بالرغم من سنّه المبكرة، وكان يتجوّل ممتطياً صهوةَ جواده ويسير خلفه، ثلاثون من فرسان العرب الأقوياء، وكان فخوراً بمركزه، وكان يملؤه الغرور للمدح الذي يزجيه إليه هؤلاء الذين تحت إمرته.

     وفجأة وجدهم يقولون له في شيء من الخشونة، وفي كثير من الاعتداد بالنفس: "لقد حان موعد صلاة العصر"، ودون أن يستأذنوه في الوقوف، ترجّلوا واصطفّوا للصلاة متجهين إلى القبلة.

     ودوّت في الصحراء كلمة الإسلام الخالدة: "الله أكبر"، وشعر الكونت في هذه اللحظة بشيء من المهانة في نفسه، وبكثير من الإعجاب والإكبار لهؤلاء الذين لا يبالون به، ذلك لأنهم اتجهوا إلى الله وحده بكل كيانهم.

     وبدأ يتساءل: ما الإسلام؟ أهو ذلك الدين الذي تصوره الكنيسة في صورة بشعة تنفر منها النفس ولا يستريح إليها الوجدان؟

     لقد أثّر موقف الفرسان الجزائريين في نفسه، وجعله يقوم بعملية استبطان داخلي وحوار مع نفسه، ثم طفق الرجل يدرس الإسلام، فإذا به يعجب به إعجاباً شديداً، وإذا به يرى أن من واجبه أن يعلن ما اهتدى إليه فكان كتابه المنصف: "الإسلام سوانح وخواطر".
***

     وعلى سبيل المثال: إنّ الحيرة في فهم الإله المثلث كانت مثار جدال شاق بين الحائرين المتطلعين نحو الهداية وبين قساوسة الكنائس. وقد يختلف هذا الجدال في تفاصيله وطرائقه وأساليبه، لكنك تجد الجوهر في حقيقته واحداً، وقد أحسن المهتدي المسلم شاكر جورج اللبناني البيروتي الذي اختار لنفسه بعد إسلامه اسم وليد أحمد، تلخيص ذلك في حوار دار بينه وبين راعي كنيسته في بيروت، وإليك هذا الحوار مع مقدمة وجيزة تُفضي إليه:

     عاودتُ قراءة القرآن، وكان يشدّني إليه شعور خفي لم أكن أعرف تفسيراً له، وبدأتُ أوازن بين ما أقرؤه في القرآن وبين ما تعلمتُه طوال حياتي الدراسية الماضية من العقيدة النصرانية، فشعرتُ أني أعيش في دوامة، وجاء يوم الأحد التالي فذهبتُ إلى الكنيسة واستمعتُ إلى القداس وبعد أن فرغ الراهب من تلاوته؛

× قلتُ له: أبونا،
- فقال: نعم،
× قلت: أنا إنسان أليس كذلك؟
- فقال: بلى،
× فقلتُ: إذا تحوّلتُ إلى جماد ألا تذهب عني صفة الإنسان؟
- فقال: نعم،
× فقلت: كيف تقولون بأنّ الله قد تحوّل من إله إلى إنسان ولم يفقد صفات الألوهية؟
- فقال: اذهب؛ فإنّ لك عقل شيطان،
× فقلتُ له: أبونا أقنِعْني أنّ الله عندما أصبح إنساناً، وفدانا بدمه قد بقيت فيه صفات الألوهية،
- فقال بعد صمت: تعال عندي بعد غد كي أعطيك الإجابة، وطبيعي أنه لم يَرَ إجابة أبداً.
***

     وإذا أحببتَ أن تضع يدك على نموذج آخر من هذه النماذج التي كانت قبل هدايتها تمثل ضيقاً شديداً بعقيدة الكنيسة ومنطقها المعقّد الذي ترفضه الفطرة السويّة والعقل الذكي، فإليك هذه الرواية عن فولتير الكاتب الفرنسي ذي الصيت الذائع:

     حين كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية لم يُسِغْ عقله عقيدة التثليث أبداً، وكيف أنّ الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وحدث أنْ كان في درس للحساب، فسأل الأستاذ تلاميذه الصغار وهو يعلّمهم الجمع: واحد زائد واحد زائد واحد، كم يساوي؟ فسارع فولتير يقول: يساوي واحد، فنهره الأستاذ ووصفه بأنه حمار!.. فقال له فولتير: ولكن أستاذ الدين هو الذي علمني أنّ الأب والابن والروح القدس ثلاثة في واحد!..
*****

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (4)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (4)

     قد تصل القناعة أحياناً بالإنسان إلى حد يجعله يجزم بصواب رأي أو معتقد، أو بخطئهما، لكنه قد يفتقر إلى القدر الكافي من الشجاعة الأدبية ليعلن على رؤوس الأشهاد قناعته هذه؛ خاصة إذا انتهى إلى أنّ ما عند قومه من دين ضلالٌ وخطأ، وأنّ الصواب عند قوم آخرين. وهذا الافتقار إلى القدر الكافي من الشجاعة يقلل من فرص انتشار الإسلام في كثير من الأحيان خاصة في البيئات التي تسود فيها النصرانية.

     في هذا الصدد يقول المهتدي الإنكليزي اللورد هيدلي الفاروق، وهو واحد من أهم الإنكليز الذين أسلموا: أعتقد أنّ هناك آلافاً من الرجال والنساء مسلمون في أعماق قلوبهم (وحديثه هنا عن بلاده)، ولكنّ التقاليد والخوف من التعليقات الشديدة، والرغبة في تجنب أي إزعاج أو تغيّر؛ تتضافر الأمور للحيلولة دون تصريحهم بالحقيقة الواقعة على رؤوس الأشهاد.

     وهنا لا بد لنا أن نتذكر في هذا المضمار؛ أنّ انتقام الكنيسة وعداءها لمن خرجوا على تقاليدها، هو من العنف والرهبة، بحيث يجعل الإنسان يطيل التفكير قبل أن يعلن إيمانه بالإسلام ويجهر بذلك.

     وإنني إذ أتخذ هذه الخطوة (يريد إعلان إسلامه) أعلمُ تماماً أنّ كثيراً من أصدقائي وأقاربي ينظرون إليَّ متوهّمين أني خسرت روحي ولا أملَ في الدعاء لي، مع أنني ما زلت أومن بنفس العقائد التي آمنتُ بها منذ عشرين عاماً، ولكن النطق الصريح بحقيقة أمري هو الذي أفقدني رأيهم الحسن.

     على أنه إذا كان هناك من اتخذ الموقف الأضعف الذي أشار إليه اللورد هيدلي الفاروق، فإنّ هناك من اتخذ الموقف الأقوى فجهر برأيه دون وجل، وأعلن قناعته على الناس، وكان له من الشجاعة الأدبية ما يجعله يحتمل سخريات الساخرين ومناقشات المجادلين. ودائماً كان لهذا الصنف الأقوى من المهتدين من نقاط الضعف والبعد عن العقل السليم والمنطق الواضح في أديانهم السابقة ما يجعلهم في الموقف الأحسن ويسلّحهم بأدلة قوية وبراهين لا ترد.
*****

الخميس، 29 ديسمبر 2022

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (3)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (3)

     كثير من الناس، قد يكونون مقتنعين بفكرة ما أو مذهب معين، لكنهم يخافون من أن يعلنوا قناعاتهم هذه، بسبب الضغوط المتنوعة التي يمكن أن تواجههم في المجتمع الذي يعيشون فيه، خاصة حين يؤمنون بعقيدة ما، يَدين بها أقوام من البشر، كانت بينهم وبين مجتمعهم ألوان من العداوات والصراعات. لهذا كان إيمان مَنْ يؤمنون بأديان غيرهم يحتاج إلى جرأة أدبية، وشجاعة معنوية، يستطيع معهما، اتخاذ قراره بادئ ذي بدء، ثم إعلانه من بعد ذلك.

     ولعل كثيرين من الغربيين اليوم، يؤمنون في أعماقهم أنّ الإسلام دين حق، وأنه دين الهداية والرحمة والعدالة، الذي يحقق للإنسانية كل خير تريده وتصبو إليه. ولعل أعداداً أخرى منهم، لم تصل إلى مثل هذه القناعة الواضحة الحاسمة النهائية، لكنها آمنت بأنّ كثيراً من مبادئ الإسلام صحيحة وكريمة، ويمكن أن تحقق للإنسانية خيراً كثيراً. ولكنْ لا هؤلاء ولا أولئك، استطاعوا إعلان قناعاتهم هذه، لافتقادهم الجرأة المعنوية التي تجعلهم يفعلون ذلك.

     من أجل ذلك يستطيع المرء أن يقول: إنّ اللورد هيدلي الفاروق، الإنكليزي الذي أسلم كان على درجة عالية من الصواب حين قرّر هذا المعنى وأكّده، وذلك حين قال وهو يتحدث عن سبب إسلامه: أعتقد أنّ هناك آلافاً من الرجال والنساء (يقصد أهل أوروبا) مسلمون في أعماق قلوبهم، ولكن التقاليد، والخوف من التعليقات الشديدة، والرغبة في تجنب كل إزعاج وتغيير، هذه الأمور كلها تضافرت للحيلولة دون تصريحهم بالحقيقة الواقعة (أي بصحة الإسلام).

     ولكنْ من الواضح أنّ الرجل كان على خلاف أولئك الخائفين من إعلان قناعاتهم على رؤوس الأشهاد. لقد آمن بالإسلام، وشهد أنه هو الحق، وهتف بذلك في مجتمع ذويه وقومه، دون خوف أو تردد، على الرغم من علمه أنّ كثيراً من أقاربه وذويه وبني قومه سيكون موقفهم منه، موقف الكراهية والعداء، أو الازدراء والاحتقار، أو الكيد أو الإيذاء، أو ذلك كله جميعاً.

     يقول الرجل عن نفسه: لقد أقدمتُ على الإعلان بأنني اعتنقتُ الإسلام، مع ثقتي التامة، بأنّ كثيراً من أصدقائي وقرابتي ينظرون إليّ الآن، كأنني ضللتُ سواء السبيل في تقديرهم، إلى حد لا يجدي معه نُصح أو ينفع معه دعاء. ومع ذلك فإنّ عقيدتي هي هي كما كانت من عشرين عاماً، إنما كان إعلاني لها أخيراً على الملأ هو ما أفقدني حُسن تقديرهم.

     ولم يغِبْ عن الرجل أنّ المسيحي الذي يُسلم، لا يخسر المسيحية الحقة أبداً، ذلك أنّ الإسلام جاء يصدّق الحق الذي سبقه ويهيمن عليه، فهو لم يخسر المسيحية، إنما رَبِحَ الحق منها، وهو لم يخسر المسيح عليه الصلاة والسلام، بل رَبِحَ إلى جانبه محمداً صلى الله عليه وسلم.

     يقول الرجل عن نفسه: لقد بيّنتُ في إيجاز بعض الدوافع التي حدت بي إلى اتّباع الإسلام، وبيّنتُ أني أعتبرُ نفسي بهذه الخطوة نفسها أصبحتُ مسيحياً أفضل مما كنتُ من قبل. وإنني لَأُهيبُ بغيري أن ينهج نفس المنهاج الذي أعتقدُ مخلصاً أنه الصراط المستقيم، الذي يجلب السعادة لهؤلاء الذين يرون فيما أقدمتُ عليه خطوة إلى الأمام، وليس فيها على أي حال معنى العداء للمسيحية.

     ويبدو من متابعة ما قاله وكتبه اللورد هيدلي أنّ الرجل كان على درجة عالية وصحيحة من حُسنِ الوعي وسلامة الفهم، ويبدو كذلك أنّ الرجل خاض بحاراً من التأملات في داخل نفسه، ومن المقارنات بين الإسلام والمسيحية، وأنّه كانت في أعماقه معاناة داخلية ضخمة امتدت دهراً طويلاً من الزمن، يقول عنه الرجل: فكّرتُ وصلّيتُ أربعين سنة كي أصل إلى حل صحيح.

     ويقول الرجل عن تجربته في التفكير والهداية: عندما كنتُ أقضي أنا نفسي، الزمن الطويل من حياتي الأولى في جو المسيحية، كنتُ أشعر دائماً أنّ الدين الإسلامي فيه الحُسن والسهولة، وأنه خالٍ من عقائد الرومان والبروتستانت. وقد ثبّتني على هذا الاعتقاد، زيارتي للشرق التي أعقبت ذلك، ودراستي للقرآن المجيد.

     وها هو الرجل يقول عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إنّ حياة محمد صلى الله عليه وسلم، هي كمرآة أمامنا، تعكس العقل الراقي، والسخاء والكرم، والشجاعة والإقدام، والصبر والحِلم، والوداعة والعفو، وباقي الأخلاق الجوهرية التي تُكوِّنُ الإنسانية، ونرى فيها ذلك بألوان وضّاءة. خذ أي وجه من وجوه الآداب وأنت تتأكد أنك تجده موضّحاً في إحدى حوادث حياته. ومحمد صلى الله عليه وسلم، وصل إلى أعظم قوة وأتى إليه مقاوموه، ووجدوا منه شفقة لا تجارى، وكان ذلك سبباً في هدايتهم ونقائهم في الحياة. رحم الله اللورد هيدلي، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.
*****

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (2)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (2)

     يشعر المرء بكثير من الاعتزاز، حين يدرس سيرة أحد الرجال الذين أسلموا، وكان إسلامهم عن وعي وبصيرة، وحماسة وصدق، خاصة حين يكونون من المستويات العالية المتفوّقة، والمعادن الحرة النفيسة.

     حقاً إن الإسلام دين هداية لجميع الناس في كل زمان ومكان، ولكنْ من الحق كذلك أنّ للنفوس الكريمة، ذات المعادن العليا مكانة خاصة، ودوراً هاماً في أمر الإيمان، ولعل هذا هو السبب في أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وهو بمكة المكرمة، والمسلمون مستضعفون فقال: اللهم أَعِزَّ الإسلام بأحد العمرين، فأصابت دعوته عمر بن الخطاب ففاز.

     وربما كان اللورد هيدلي الفاروق، الإنكليزي الذي أسلم، صاحب معدن كريم، من هذه المعادن التي نتحدث عنها، ذلك أنّ المرء يلمس في بعض تصرفاته وكتاباته وأقواله ما يدل على ذلك. من ذلك شجاعته الأدبية التي كان يمتلكها، ومن ذلك أنه منذ منح الإسلامَ كامل ولائه، واختار سبيلاً للهداية والسعادة، طفق يفكّر كيف يستطيع أن ينقل هذا الدين إلى قومه، أو بالأصح كيف ينقل قومه إليه؟

     وفي كتابه الذي يحمل اسم: "رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام"؛ نجد الرجل يقرر لنا أنّ واحدةً من أفكاره الرئيسية لعدة سنوات، هي كيف يستطيع الإنسان أن يمارس دوره في الانتقال للغرب وهداية الناس فيه؟

     ويتساءل الرجل قائلاً: كيف يمكننا نحن -معشرَ الغربيين- أن نعد أنفسنا لنكتب ونفقه معنى الإسلام الحقيقي؟ ويبيّن أنّ كون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً شرقياً ينبغي ألّا يكون عاملاً في صدود الغربيين عن الإسلام، لأنّ المسيح عليه الصلاة والسلام، كان هو الآخر رجلاً شرقياً.

     يقول: كيف أننا لم نَشْكُ من جنسية المسيح الذي نعرف أنه كان آسيوياً محضاً؟ كانت أمه العذراء مريم، آسيوية، وكان موسى وكل الأنبياء الموحى إليهم شرقيين، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم شرقياً مثل الآخرين، وأُنْزِلَتْ عليه الشريعة من الله. فالقرآن الكريم من كلام الله عز وجل، كما كان الإنجيل وباقي الكتب المنزلة الأخرى. والقرآن يثبت ويحقق الكتب المقدسة الأخرى والوحي السابق.

     إنّ الرجل أسلم، ومن الواضح أنه منح الإسلام صادق ولائه، ومن هنا نراه كثير الاهتمام بنشر الإسلام، وحمل أنواره للناس عامة، ولمجتمعه الغربي خاصة، ويفكر كيف يستطيع هذا الدين العالمي أن يؤدي رسالته في العالم كله؟

     يقول الرجل: يجب عليّ أن أعترف أنّ زيارتي للشرق ملأتني احتراماً عظيماً للإسلام، هذا الدين السلس الذي يجعل الإنسان يعبد الله حقيقة طول الحياة، لا في أيام الآحاد فقط. أيمكن إذن أن يوجد دِين يمكّن العالم الإنساني من أن يجمع أمره على عبادة الله الواحد الحقيقي الذي هو فوق الجميع بطريقة سهلة خالية من الحشو والتداخل؟ ذلكم هو سؤال اللورد هيلي عن الدين العالمي الحق الذي يحتاجه الناس جميعاً، وهو سؤال يجعل الجواب عليه: إنه الإسلام.

     ويستشعر الرجل أعمق معاني الشكر، لله العلي القدير الذي هداه للإسلام فتراه يقول:

     روح الشكر هي خلاصة الدين الإسلامي، والابتهال أصل في طلب القيادة والإرشاد من الله. إنه وإن كان شكري لله تعالى على عنايته وكرمه، كان متأصلاً فيّ منذ صغري وأيام حداثتي، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أشاهد ذلك من خلال السنين القليلة الماضية، التي قرع فيها الدين الإسلامي لبّي حقاً، وتملّك رشدي صدقاً، وأقنعني نقاؤه، وأصبح حقيقة راسخة في عقلي وفؤادي، إذِ التقيتُ بسعادة وطمأنينة ما رأيتهما قط من قبل، وكأنهما هواء البحر الخالص النقي الذي أستنشِقُه. وإنني وقد تحققتُ من سلاسة الإسلام وضيائه، وعظمته ومجده، أصبحتُ كرجل فرَّ من سرداب مظلم إلى فسيح من الأرض تضيئه شمس النهار.

     إنّ الرجل يعبّر عن شكره لله عز وجل، وعن سعادته بالذي أصابه من فوز وسعادة وطمأنينة، بأسلوب حي، فيه العاطفة الحيّة الجيّاشة، وفيه الحرارة الدافقة المؤمنة، وفيه البيان الجميل، وفيه الإحساس البالغ العميق، بعظيم فضل الله تعالى عليه، من أجل ذلك، وصف نفسه، إذ انتقل من الكفر إلى الهداية، بأنه كمن كان في سرداب مظلم يعاني من الضيق والوحشة والكآبة، ثم انتقل إلى فسيح من الأرض، تغمره شمس النهار، وتملؤه بالضياء والعافية، والبِشْر والألق والجمال. فكأنه بذلك وُلِدَ ولادة جديدة، وانتقل إلى دنيا طليقة هنيئة بهيجة ترفل بالخير والسعادة، يُسَرُّ بها كل من رآها، لكنَّ أعظم الناس سروراً بها، مَنْ عاش مِن قبل في دنيا تناقضها، دنيا من الظلمة والكآبة والشقاء والحيرة. لذلك كان يستنشق السعادة كما يستنشق هواء البحر النقي الخالص، وكانت كل ذرة من ذراته تستشعر الشكر العميق، لله عز وجل، الذي هدى هذا الرجل للإسلام.
*****

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (1)

إسلام اللورد هيدلي الفاروق (1)

     اللورد هيدلي الفاروق، هو واحد من كرام النماذج الغربية التي شاء الله عز وجل لها أن تهتدي إلى نور الإسلام، ومثال عملي حي، على قدرة الإسلام على أن يفوز بالجديد من الأنصار والمؤمنين في مختلف الظروف، ومن شتى القطاعات المتنوعة وفي طليعتها قطاع المثقفين والمتفوقين.

     لقد اعتنق الرجل الإسلام في وقت كان فيه معظم العالم الإسلامي قد وقع تحت قبضة الاحتلال الصليبي لدياره، وذلك في مطالع هذا القرن، وفي وقت كانت فيه بلاده إنكلترا إمبراطورية ضخمة لا تغيب الشمس عنها بالفعل، وكانت هي بالذات تسيطر على كثير من ديار المسلمين، وتتحكم في مقدراتهم، ولها دور بارز في موازين السياسة العالمية.

     لقد أسلم الرجل في تلك الظروف التاريخية العصيبة، واستطاع الإسلام العظيم أن يجذبه إليه، فإذا به يمنح ولاءه، ولم يُحْجِمْ عن ذلك بسبب ضعف العالم الإسلامي وتخلفه واحتلاله ذلك أنّ الحق النقي الصريح، الذي جاء به الإسلام الخالد أعظم وأبقى من فترة ضعف هان فيها المسلمون، وقوي فيها أعداؤهم وتجبّروا وتسلطوا.

     واللورد هيدلي الفاروق هو "رايت أونو رابل سير رولاند جورج ألانسون". ولِد في عام 1855م، وكان أميراً بريطانيّاً بارزاً، وسياسياً ومؤلفاً، وكانت دراسته في جامعة كامبردج.

     وصار أميراً في عام 1877م، وخدم في الجيش فشغل رتبة كابتن ثم مُقدّم في الفيلق البريطاني الرابع. وعلى الرغم من كونه مهندساً بحكم المهنة إلا أنه كان يتمتع بأذواق أدبية واسعة. وكان في وقت من الأوقات رئيساً لتحرير جريدة سالزبوري جورنال.

     وكان مؤلفاً لعديد من الكتب أشهرها كتابه الذي يحمل اسم: "رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام"، وقد أعلن إسلامه في 16 نوفمبر 1913م، واختار لنفسه اسماً مسلماً هو "رحمة الله الفاروق"، وقد زار الهند في عام 1928م، وذلك في بعض أسفاره الكثيرة.

     وكان لإسلام اللورد هيدلي ضجة كبيرة نظراً لمركزه المرموق، ولِما يعهده فيه عارفوه من تروٍّ في الأمور ونضج في التفكير. وحين مَرَّ الرجل بالإسكندرية في طريقه إلى الحج، أقام له أهالي الثغر يومذاك حفلة كبيرة برئاسة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الغني محمود شيخ علماء الإسكندرية، وبرعاية الأمير عمر طوسون.

     يقول الرجل وهو يتحدث عن قصة إسلامه: من المحتمل أن يتصور بعض أصدقائي أنني وقعتُ تحت تأثير المسلمين، ولكن ذلك ليس هو السبب في تحوّلي إلى الإسلام، لأنّ اقتناعي كان حصيلة لدراسة دامت سنوات عديدة.

     ولم تبدأ مناقشاتي مع المسلمين المثقفين إلا منذ أسابيع قليلة، وكم كان اغتباطي عظيماً حين وجدتُ أنّ نظرياتي، في مقدماتها ونتائجها تتفق تماماً مع تعاليم الإسلام. وانّ القرآن الكريم ينص على أنّ الاتجاه نحو اعتناق دين جديد، لا بد أن يكون نابعاً من الاختيار الحر والحكم الذاتي، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].

     ويؤسفني أن أذكر أنّ المبشرين النصارى يقومون بعمل لا أرى مبرِّراً له. لستُ أدري لماذا يسعى المبشِّرون إلى تنصيرِ مَنْ هم أنصارٌ لعيسى عليه السلام أكثرَ من أنفسِهم؟ إنني أقول هذا عن علم، لأنّ ما تتميز به العقيدة الإسلامية من إحسان وتسامح وسعة أفق، أقرب إلى تعاليم عيسى عليه السلام من المعتقدات الضيقة الأفق التي تنادي بها الكنائس النصرانية المختلفة.

     ولنضرب مثالاً على ذلك بالعقيدة الأثناسية، التي تتناول مبدأ التثليث بطريقة محيّرة للغاية. فهذه العقيدة التي تُعَدُّ في غاية الأهمية لمعالجتها لمبدأ أساسي من مبادئ الكنائس، تصرّح بوضوح تام أنها تمثل العقيدة الكاثوليكية، وأننا إذا لم نصدقها فسوف نموت إلى الأبد، ثم نسمع أننا لا بد أن نتدبر مبدأ التثليث إذا أردنا الخلاص. وبعبارة أخرى علينا أن نتأمل فكرة إله، نخلع عليه صفة الرحمة والقوة، وفي ذات الوقت نتهمه بالظلم والقسوة، كأنّ الله العليّ الكبير وهو الأول والمهيمن يمكن أن يتأثر بصورة من الصور برأي الإنسان الفاني المسكين في مبدأ التثليث.

     وهكذا ينتقد الرجل المسيحية المحرَّفة هذا النقد الذكي العميق، ويبيّن بطلان مذهب التثليث وانهياره وتهافته وتناقضه، ويكشف عن سماحة الإسلام العظيم، وما فيه من تسامح وسعة أفق، لذلك لا غرابة أن كان المسلمون يوقرون عيسى عليه الصلاة والسلام أشدّ التوقير، فذلك أمر يوجبه عليهم دينهم، بل إنّ المسلمين كما يقرر اللورد هيدلي يوقرون المسيح عليه الصلاة والسلام، أكثر مما يوقره أولئك المنتسبون إليه، وهم أنصاره الحقيقيون لا أولئك الذين يعملون بين المسلمين للتبشير بالمسيحية، وهم حين يفعلون ذلك والمسيحية منهم براء، والمسلمون هم على أصلها الصحيح قبل تحريفها، كمثل من يحمل التمر من البادية ليبيعه في العراق، أو ينقل الماء على ظهور الجِمال ليبيعه على شواطئ النيل ودجلة والفرات.
*****

إسلام جاوبا الهندوكي المثقف

إسلام جاوبا الهندوكي المثقف

     هو رجل هندوكي مثقف، كان محامياً كبيراً بالمحاكم العليا في الهند. درس الإسلام فوجد الفرق الشاسع بينه وبين دينه الوثني الذي ورثه عن آبائه وأجداده. ومنذ أن شبَّ عن الطوق واكتملت لديه أسباب الدراية والفهم أخذ يقارن ويوازن بين الأديان خاصة بعد أن شعر أنه بحاجة إلى دين يضبط سلوكه، ويكون ميزاناً لحياته فكان أن اختار الإسلام فأسلم. إنه الأستاذ "ك. ل. جاوبا" الذي يبدو لنا من خلال معاناته ودراساته رجلاً حر الفكر مستنير الثقافة شجاع الرأي والمعتقد.

     شغل الرجل إحدى مناصب العدالة الراقية في بلاده، وألَمَّ بثقافات الغرب ودياناته ومذاهبه السياسية، وعاود الموازنة بينها جميعاً لعله يهتدي إلى وجهة مريحة، وينتهي إلى قرار يفوز معه بالطمأنينة والسلام.

     يقول الرجل: لقد أحسستُ رغم منصبي الكبير محامياً في المحاكم العليا بالهند أنني ما زلت طفلاً من الناحية الروحية، وكان إيماني بالهندوكية كمثل الطفل الذي يحبو ولا يقدر على شيء. لذلك رأيتُ لزاماً عليّ أن أبحث عن دين!..

     ها هنا نلمس أولى خطواته في البحث عن الهداية، ونشعر بالرغبة الجدية الصادقة في تلمّس الحق. فلننظر كيف بدأ الإسلام يملك عليه إعجابه.

     يقول الرجل: إنّ أول شيء شدّني إلى هذا الدين بساطته ووضوحه، فأساس العقيدة الإسلامية قائم على دعامتين بسيطتين، يستطيع أن يعيهما أبسط الناس، وهاتان الدعامتان هما أنّ النبي الكريم قد جاء بالوحي الربّاني من عند الله، وأنّ الله سبحانه وتعالى واحدٌ لا شريك له.

     ثم يَعْرِضُ الرجل لحقيقة المساواة التي يشيعها الإسلام بين الناس فيقول: فالمساواة في الإسلام تختلف عما في الاشتراكية أو البلشفية، وليست كالمساواة عند النصارى، حيث يُجلَد الرجل الزنجي لا لشيء سوى أنه وقع بصره على امرأة بيضاء، ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة مستقلة بهم عن كنائس البيض.

     والإسلام لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل فيه كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما يكفي المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضواً في أعظم أخوّة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعاً.

     وفي الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة؛ يصبح من حق المسلم الجديد أن يقف في المسجد كتفاً إلى كتف وعلى قدم المساواة مع الملك، وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوّة الإسلامية.

     ويعرض الرجل لمجتمعه الهندوكي، وما فيه من تقسيمات طبقية جائرة، تمنح أناساً لا لجهد بذلوه الأولوية والأفضلية، وتحطّ أقدار الآخرين دون أن يفعلوا شيئاً يسبّب لهم ذلك.

     يقول جاوبا: هناك خلاف كبير يقوم حالياً بين مجتمعات الهندوكية حول دخول فئة منها تُعرف باسم "الممنوع لمسهم" إلى المعابد الهندوكية (يقصد الرجل طبقة المنبوذين)، وهناك فئة معينة تزعم لنفسها أنها تحوّل هؤلاء الممنوع لمسهم إلى أشخاص عاديين بواسطة ما يُسمّى "شوذي"، وليس بوسع أحد من الهنادك أن ينتقل من طبقة إلى أخرى، كذلك تؤمن الديانة الهندوكية أنّ في استطاعة إنسان أن يُطهِّرَ إنساناً آخر.

     أما في الإسلام فإنّ هذا الدين لا يعرف مبدأ "لا مساس"!.. أو ما يسمّى "الممنوع لمسهم"، كما أنه لا يُطهِّرُ الإنسان فيه أخوه الإنسان، ولا سبيل إلى التطهر إلا بالتقرّب إلى الله دون وساطة أحد من خلقه، إذ كيف يتسنّى لبشر أن يطهِّر بشراً آخر وهو في حاجة ماسة إلى التطهير؟

     إنني بهذه المناسبة أتوجّه بالدعوة إلى كل فرد في الذين يُلقّبونهم بالممنوع لمسهم للدخول في الإسلام الحنيف، فهو وحده الذي يسوّي بينهم وبين بقية الناس، وهو وحده الذي ينتفي فيه الاعتقاد بأنَّ ظل إنسان ما يمكن أن يدنّس طعام أو حاجيات إنسان آخر، وهذا الاعتقاد سائد في الهندوكية. إنه في الإسلام لا فضل لأي إنسان على إنسان آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

     ويتحدث المثقف الهندي المستنير عن سبب آخر حمله على الإسلام وهو كما يقول: قدرة الإسلام على التلاؤم والتكيف مع متطلبات الحياة الحاضرة، فليس هناك أي دين من الأديان المعاصرة يتمتع بمثل هذه المقدرة على حل المشكلات الحاضرة التي تواجه الإنسان في هذا الزمان، فالعالم اليوم يتشدق بالأخوة والمساواة، وهذان مبدآن أساسيان صحيحان في الإسلام، وهما مطبّقان عملياً بين المسلمين، أما المبادئ الأخرى فهي على النقيض من ذلك.

     ويتحدث العالم اليوم عن ضرورة الاعتراف بالمؤهلات، والإسلام يعترف بالفضل لذويه. كما نسمع صيحات حول حقوق المرأة، ومآسي الحياة الزوجية المعاصرة، والإسلام يمنح المرأة كل حقوقها واستقلالها، فعلاقتها بالرجل قائمة على أساس عقد كريم.

     لقد وُضِعَت الشرائعُ الإسلامية للبشر لا للملائكة، أما ما يحدث اليوم من شغب وفوضى ومهازل وتواطؤ وزنا فكل هذه المشكلات غريبة عن المجتمع الإسلامي.

     وبعد .. فهذه انطباعات عاجلة، لكنها ذكية وصادقة هتف بها هذا الهندي المثقف وهو يتحدث عن قصة إسلامه التي ختمها بهذا الدعاء الجميل: اللهم خذ بناصية عبادك إلى هذا الدين الحنيف.
*****

الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (2)

الشاعر الإيطالي فنسينزو (محمد رباح) (2)

     الشاعر الإيطالي فنسينزو ماريا ريبو، الذي شاءت له العناية الربانية أن يفوز بالهداية، وينتقل من الظلمات إلى النور، وذلك حين أسلم عن وعي وصدق وحماسة، ثم طفق يحاول أن يجعل من نفسه جندياً لخدمة هذا الدين العظيم، والتبشير به، وهداية قومه إليه. هذا الرجل الذي سمّى نفسه بعد إسلامه "محمد رباح" نموذج كريم متفوّق يستوقف المرء ويستأثر بانتباهه واهتمامه.

     إنه ينتزع الإعجاب والإكبار، وإنك إذ تلمس في حياته ذلك كله، لا تخطئ أيضاً أن تلمس فيها العبرة الواضحة الجلية، والحقيقة القديمة الجديدة عن خلود هذا الدين، وعظمته واستمراره، وقدرته الذاتية على اكتساب أنصار له في كل حين يمنحونه صادق ولائهم وإيمانهم وشجاعتهم.

     إنك لا تخطئ أن تشعر بذلك، كما لا تخطئ أيضاً أن تجد في صدرك حزناً عميقاً، وأسفاً بالغاً، بسبب قعود أهل الإسلام عن حمل رايته ونشر أنواره في كل مكان وزمان، وبشكل خاص في زماننا هذا الذي اتصف بالحيرة والقلق والتخبط والضياع، والذي يتطلع إلى من ينقذه، والمسلم وحده هو القادر على التصدّي لمهمة الإنقاذ، وهو لا يفعل إلا قليلاً، على الرغم من أنّ انتماءه لإسلامه يُلزمه بذلك، ويُهيب به قائلاً على لسان إقبال:

إنَّ هذا العصــرَ ليــــلٌ فأنِرْ     أيهــا المسلمُ ليلَ الحـــائرينْ
وسفينُ الحقِّ في لجِّ الهـوى     لا يرى غيرَكَ ربّانَ السـفينْ

     ويُعَدُّ الأديب الإيطالي المسلم محمد رباح، ذا منزلة بالغة الأهمية في الأدب الإيطالي، حتى إنّ كثيراً من الأدباء والنقاد والدارسين يعدّونه واحداً من أكبر ثلاثة شعراء في القرنين التاسع عشر والعشرين، ويمكن أن ترى مصداق ذلك في كثرة الجوائز الأدبية والألقاب والمقالات والأحاديث الإذاعية، وكلها مُنِحَتْ له، أو تحدثَتْ عنه بعد وفاته، ذلك أنّ ديوان شعره صدر بعد أن فارق الحياة. وكأن الشاعر رحمه الله كان يستشعر بشيء من ذلك، فقد كتب بخط يده قبل وفاته يقول: "الديوان سيصدر يتيماً"؛ مشيراً إلى أن الديوان سيصدر بعد موته، وهذا الذي كان.

     وقد صدرت عن فنسينزو ماريا ريبو أي محمد رباح خمسة كتب حتى الآن لعدد من الأدباء الطليان، ومثل هذا العدد من الكتب، عن شاب لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره، دليل على موهبته الشعرية الكبيرة التي جعلته يحظى بمثل هذه العناية الفائقة.

     أما الجوائز والأوسمة والألقاب التي فاز بها، فإليكم بعضها على سبيل المثال: جائزة برغامو، وجائزة كاردانيللي تاركلينا، وجائزة سويير تيرم، وجائزة جيبو، وجائزة ماريا كريستينا بولوجيا. أما الذي كتبته عنه الصحف والمجلات فإنه يشكل في مجموعه عدة مجلدات.

     وفي شعره تكثر العبارات والاصطلاحات الدينية، وتَرِدُ في شعره بكثرة الكلمات العربية الدينية مثل كلمة أذان. ولا يخطئ من يعيش مع شعره أن يلمس ما فيه من إحساس رقيق وشعور مرهف. وله قصيدة كتبها قبل وفاته بمدة قصيرة تحمل اسم "خذني يا إلهي"، تُعَدُّ من أروع شعره حتى سمّاها بعضهم معجزة الشعر الإيطالي.

     تعرّف الشاعر رحمه الله في جامعة بيروجيا، إلى بعض المسلمين الأوفياء لدينهم من الطلبة العرب حيث كان طالباً هناك، فكتب قصيدته "مكتبة بيروجيا"، وفيها يتحدث باعتزاز بالغ عن الفتى العربي المسلم، وما يلمحه فيه من خُلُقٍ نبيل وعزة أبيّة، هي نفس العزة التي تمثل الأقدمين النبلاء في الصحراء كما يقول.

     وله قصيدة اسمها "إلى صفوح"، وصفوح هذا أحد الطلبة المسلمين كان على تقوى وورع سُرَّ بهما الشاعر فأهداه قصيدته التي يقول فيها: وهكذا ستفوز، صفوح رجل عدل وصاحب عقيدة مدهشة تحيّر العقول.

     وفي واحدة من قصائده الرائعة يقول: كيف نريد أن نتأقلم في الضباب ونستنشق هواء بِغْ بِنْ؟ ونصعد درجات الجامعة المليئة بالضوضاء؟ إننا نريد أذاناً يخرج من القلب إلى القلب يقول لنا: الحمد لله نحن مسلمون.

     وفي قصيدته الوجدانية المؤثرة "كعبةُ، إليكِ حاجّاً سآتي"، يقول:
كل ليلة أتوجّه إليك.
إله واحد رحمن رحيم.
خذني يا إلهي.
تقبّل صلاتي وتقبّل توحيدي.
لا أريد أن أرجع إلى الوراء وإليكَ وحدك أتوجه.

     وبعد، فإنها وقفة يسيرة مع الشاعر المسلم محمد رباح عليه رحمة الله، الذي وهب هذا الدين ولاءه بصدق وحماسة، ومضى يحاول نشره بين ذويه، وألّف كتاباً عنه مات دون أن يُنجزه، ورحل إلى العالم الآخر بعد أن فاز بالهداية، وأثبت قدرة الإسلام على اكتساب أنصار له من قطاع المتفوقين والنابغين.
*****

الأكثر مشاهدة